• - الموافق2025/07/29م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
لماذا لم توقع تركيا مع سوريا معاهدة دفاع مشترك؟

على الرغم من أن سوريا طلبت رسمياً من تركيا التعاون لتعزيز قدراتها العسكرية، فإن هذا الطلب يختلف عن اتفاقيات الدفاع المشترك. ورغم التحديات الداخلية والخارجية التي تواجهها سوريا، لم يتم حتى الآن توقيع اتفاقية دفاع مشترك مع تركيا.


هذا السؤال يطرحه الكثيرون في الأيام الماضية بشدة، وذلك بعد الضربات الصهيونية الأخيرة على دمشق، والتي طالت مباني وزارة الدفاع ورئاسة الأركان السورية، وامتدت إلى مبنى القصر الرئاسي. هذا القصف الصهيوني، أجبر قوات وزارة الدفاع والأمن العام السورية وقتها على الانسحاب من مدينة السويداء، والتي كانت هذه القوات على وشك إخماد تمرد بعض الفصائل المسلحة الدرزية، المستندة إلى دعم الكيان الصهيوني.

والحقيقة المؤلمة أن الجيش السوري بلا دفاع جوي وبدون طائرات مقاتلة تستطيع مواجهة العربدة الصهيونية، والتي وصلت إلى الإعلان عن أنها تريد الجنوب السوري منطقة منزوعة السلاح، وتعني محافظتي القنيطرة ودرعا والملاصقتين للجولان المحتل، حتى المحافظة الثالثة في الجنوب السوري وهي السويداء والتي لا حدود لها مع الكيان المحتل، تريد فرض من يدير المحافظة ويتولى إدارتها ومن هم أفراد الشرطة الذين يحفظون فيها الأمن، ويقصدون حلفاءهم الدروز.

مع العلم، أن القصف الصهيوني لسوريا الآن لم يكن هو الأول من نوعه بعد سقوط نظام بشار، ففي اليوم التالي لسقوط النظام، شن سلاح الجو الصهيوني غارات على مخازن ومطارات ومواقع الجيش السوري السابق، وتقدمت قوات برية الصهاينة لتحتل ما يقرب من ١٨٠ كيلو متر مربع داخل محافظتي القنيطرة ودرعا، كما استولت على جبل الشيخ، وهو الموقع الاستراتيجي المطل على العاصمة دمشق.

كل تلك الأمور دفعت البعض إلى البحث عن دور حليف سوريا الوثيق وهي تركيا، ولماذا حتى الآن لا يستطيع إيقاف هذا الصلف وتلك العربدة الصهيونية؟

ويتساءل الجميع لماذا وقعت تركيا اتفاقية للدفاع المشترك مع حكومة الوفاق الليبية بزعامة السراج  في ليبيا، والتي يفصلها عن تركيا البحر المتوسط، بينما لم توقع تلك الاتفاقية حتى الآن مع سوريا ذات الحدود المشتركة مع تركيا والتي تمتد إلى مسافة ما يقرب من 1000كيلو متر، مع العلم أن تلك الاتفاقية بين ليبيا وتركيا وبمقتضاها، جاء الخبراء الأتراك بأسطول من المسيرات، تمكنوا عبرها من تمكين حكومة الوفاق من الدفاع عن العاصمة طرابلس، ووقف هجوم حفتر وقوات الفاغنر الروسية وغيرهم من قوات إقليمية، بل إن الأتراك مع قوات حكومة الوفاق تمكنوا من بسط السيطرة على قاعدة الوطية الجوية في قلب الصحراء والتي تعد أكبر القواعد العسكرية في ليبيا، كما تمكنت الحكومة الليبية من استعادة نفوذها في الغرب الليبي كله، والتي كادت أن تفقد نفوذها فيه لصالح حفتر.

 

ارتبطت النظرة التركية لسوريا دائمًا بأمنها القومي، حيث تواجد الأكراد في الشمال الشرقي لسوريا، والذين لجأ إليهم حزب العمال الكردستاني والذي تصنفه تركيا منظمة إرهابية، وظلت تركيا تخشى من تحالف كردي في تركيا وسوريا والعراق يقيم دولة كردية تقتطع أجزاء من تركيا.

فلماذا إذن لم توقع تركيا مع حكومة الشرع اتفاقية نفسها؟

للإجابة على هذا السؤال، يجب علينا في البداية فهم استراتيجية حكومة أردوغان في إدارة الصراع الإقليمي، وبناء على هذا يمكن تقييم استراتيجيتها في التعامل مع الأزمة في سوريا.

استراتيجية تركيا الاقليمية

منذ وصول حزب العدالة إلى الحكم في تركيا منذ ما يقرب من ٢٣ عاما، وهو يسعى لجعل تركيا دولة ليست تابعة، بل مؤثرة في الأزمات العالمية والإقليمية، وفي النهاية استعادة أمجاد الدولة العثمانية صاحبة التأثير المتبادل في محيطها العربي والإسلامي، والتي وقفت في مصاف القوى الكبرى متحدية لها في فترة ليست قصيرة في التاريخ العالمي.

في البداية اتبعت حكومة تركيا سياسة صفر مشاكلات مع جيرانها في الإقليم والعالم، واستطاعت تركيا بفضل ذلك في كسب قبول الدول المختلفة، ولكن بعد أن استتب الوضع الداخلي نسبيا لحزب العدالة التركي، شرع في البحث عن دور في الصراعات الإقليمية، محاولا إيجاد موطأ قدم في كثير من بؤر الصراع الإقليمية، وملء الفراغ في منطقة تركت لتجاذبات مشاريع طامعة، نتيجة لذلك اكتسبت تركيا أوراقا تتفاوض بها مع قوى إقليمية ودولية، تتيح لها الصعود التدريجي كقوة إقليمية ودولية.

تركيا ولحظة التغيير في سوريا

ارتبطت النظرة التركية لسوريا دائمًا بأمنها القومي، حيث تواجد الأكراد في الشمال الشرقي لسوريا، والذين لجأ إليهم حزب العمال الكردستاني والذي تصنفه تركيا منظمة إرهابية، وظلت تركيا تخشى من تحالف كردي في تركيا وسوريا والعراق يقيم دولة كردية تقتطع أجزاء من تركيا.

لذلك كان الحرص التركي على إيجاد نظام في سوريا يتعاون معها في القضاء على التمرد الكردي.

وبعد انكفاء الثورة السورية إثر التدخل الإيراني الروسي لمساندة نظام بشار الأسد، وكادت قوات النظام أن تستعيد سيطرتها على جميع المحافظات السورية من جديد، تدخلت تركيا ودعمت القوى الشعبية، واستطاعت بسط حمايتها على محافظة إدلب، وأوقفت تمدد حكومة بشار والمتحالفين معه من الإيرانيين والروس، ومنعتهم من الوصول إلى منطقة الحماية بعقد عدة اتفاقيات معقدة مع الروس، ثم دعم المعارضة سياسيا وعسكريا، والرهان على فصيل هيئة تحرير الشام، باعتباره الفصيل الأكبر، بتوفير الدعم الاستخباري والعسكري مما سهل لهذا الفصيل بسط نفوذه على غالبية الفصائل الثورية، كما امتد الدور التركي باستضافة اللاجئين السوريين.

ثم جاءت اللحظة المناسبة للتغيير، بعد صبر استراتيجي طويل، وهي اللحظة التي تم فيها انكفاء الداعميْن الأساسييْن لنظام الأسد؛ وهما النظام الإيراني وروسيا.

فالنظام الإيراني بعد الضربات الموجعة التي تلقاها من الكيان الصهيوني، وكذلك إضعاف ذراعه الأقوى في المنطقة وهو حزب الله بعد اغتيال قياداته، انكفأ على نفسه، وبات الإيرانيون قابعين في حدودهم يحاولون حماية نظامهم ومشروعهم النووي.

أما روسيا، فقد انكمشت على نفسها أيضًا، بعد محاصرتها غربيًا في حرب أوكرانيا، واستنزاف مواردها وقدراتها العسكرية، وكذلك بعد أن تم تقليص نشاط مجموعات فاغنر وقتل قيادتها عقب تمردهم على بوتين، كل ذلك جعل روسيا في وضع أضعف من مساندة بشار.

وقرأت تركيا الوضع الدولي جيدا، خاصة مع مرور الإدارة الأمريكية بمرحلة البطة العرجاء، أي العجز السياسي، وهي التي تسبق تتويج الرئيس الجديد.

وخرجت قوات الشرع لتتساقط محافظات سوريا تباعا في قبضتها، حتى وصلت إلى العاصمة دمشق لتشيد نظاما للحكم يعبر عن الغالبية الساحقة لأهل سوريا، وسط ترحيب شعبي غير مسبوق.

تركيا وحكومة الشرع

اعتبر الكثيرون أن سقوط بشار، ووصول نظام سوريا الجديد، هو انتصار لسياسة أردوغان الإقليمية، وتعزيز مكانة تركيا ودورها المتصاعد، ومن جانبها كرست تركيا جهودها في إعادة بناء الدولة في سوريا المجاورة، وذلك من خلال مسارين:

1-مسار دبلوماسي، ويقوم على عدم عزل النظام السوري وتقييده بعلاقته مع تركيا فقط، بل كان الأتراك حريصين على دمج النظام الجديد خاصة في محيطه العربي، وأيضًا تشجيع ربطه بالعالم ودوله، وبتحرك تركي عُقدت قمة في الأردن بعد استلام حكومة الشرع، حضرها قادة دول الخليج بالإضافة الى مصر والأردن والعراق، واتفق الجميع على دعم النظام الجديد، وأن كان البعض كان متحفظًا.

 

ففي تقرير لصحيفة ميدل إيست آي نشرته آواخر ديسمبر الماضي، تحدثت فيه عن مخطط صهيوني كان يهدف لتقسيم سوريا إلى ثلاث كتل، بحيث يبقى الأسد في العاصمة دمشق، ويقوم كيان كردي شمال شرق سوريا، وآخر درزي جنوبها

2- المسار الثاني، كان أمنيًا، بتفعيل خلية مخابراتية تركية بجوار النظام لمساعدته ولإعطائه المشورة السياسية، وأيضًا لحمايته، ومنذ أيام كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية أن الرئيس السوري أحمد الشرع نجا من ثلاث محاولات اغتيال منذ توليه المنصب، وذلك بفضل تدخل الاستخبارات التركية، ولفتت الصحيفة إلى أن هذه الحوادث تثير تساؤلات حول الدور غير المعلن الذي تلعبه تركيا في حماية الشرع.

الخطر الصهيوني

ولكن دولة الكيان الصهيوني استشعرت خطورة التحالف التركي السوري على أمنها، وفي اليوم التالي لسقوط بشار الأسد، سارع الجيش الصهيوني إلى تدمير الكثير من مستودعات الأسلحة في سوريا، بالإضافة إلى احتلال مرتفعات جديدة في جبل الشيخ قرب دمشق، ونشرت صحيفة جيروزاليم بوست بعد مرور شهر كامل على فرار الأسد من سوريا تقريرًا نقلت فيه مضامين تقدير موقف صادر عن لجنة فحص ميزانية الأمن وبناء القوة (ناغل)، حيث حذر التقرير من التحالف السوري التركي.

ونبه إلى أنه قد يتطور إلى تهديد يفوق خطر إيران، كما أوصت اللجنة بالاستعداد لمواجهة مباشرة مع تركيا، واعتبرت أن الأخيرة لديها "طموحات استعادة نفوذها العثماني"، وهذا ما عبر عنه نتانياهو بصريح العبارة بأنه لن يسمح بإقامة خلافة إسلامية في شرق المتوسط.

لم يكن الأمر متعلقا فقط بوجود التحالف السوري التركي، ولكن أيضا فإن المخطط الصهيوني بتقسيم سوريا كان قد تم صياغته قبل سقوط بشار.

ففي تقرير لصحيفة ميدل إيست آي نشرته آواخر ديسمبر الماضي، تحدثت فيه عن مخطط صهيوني كان يهدف لتقسيم سوريا إلى ثلاث كتل، بحيث يبقى الأسد في العاصمة دمشق، ويقوم كيان كردي شمال شرق سوريا، وآخر درزي جنوبها، والهدف هو تقليص نفوذ إيران وحزب الله، ومنع تركيا من التوسع في سوريا.

ولكن ماذا فعل الأتراك للتعامل مع الخطر الصهيوني على سوريا؟

سار الأتراك في عدة محاور:

أولا، محور دبلوماسي بالتوسط بين الكيان والحكومة السورية، وبما أن علاقات حكومة ننتانياهو مع تركيا شبه منهارة بسبب الحرب في غزة، فقد قامت أذربيجان حليفة تركيا الوثيقة بهذا الدور، وعقدت عدة لقاءات في باكو عاصمة أذربيجان بين مسئولين صهاينة وسوريين، ونتائجها حتى الآن غير مثمرة.

وكشفت صحيفة يني شفق التركية المقربة من أردوغان، أن رئيس جهاز الاستخبارات التركي قالن أدار ملف إنهاء التصعيد في السويداء من خلال نشاط دبلوماسي مكثف مع نظرائه في الولايات المتحدة والكيان الصهيوني وسوريا، وأنه "قالن" على اتصال دائم بالممثل الخاص للولايات المتحدة في سوريا وسفيرها في أنقرة توم باراك.

كما أجرى جهاز المخابرات التركي محادثات مع وليد جنبلاط، الزعيم الدرزي اللبناني والرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي، لمعالجة الصراع في السويداء.

ثانيا، محور عسكري ويقضي بالدفع بعدة فرق عسكرية في الشمال السوري، لوقف التمدد الكردي في الأرض السورية، ولإثبات جدية المواقف التركية، وكاد أن يحدث اشتباك جوي بين الطائرات التركية والصهيونية في سماء حماة بالفعل. 

ثالثا، محاولة استغلال فرصة وجود ترامب في البيت الأبيض والذي يرتبط بعلاقات طيبة مع أردوغان، وذلك لرفع الغطاء الأمريكي عن قسد، ويبدو هذا المسار حتى الآن متعثرا، نظرا للتأثير الصهيوني على إدارة ترامب.

رابعا، تصريحات جدية من وزير الخارجية التركية، والذي أعلنها بصراحة أن أزمة محافظة السويداء هي مؤامرة لتقسيم سوريا، وهذا لن تسمح به تركيا وسوف تتدخل لوقفها.

خامسا، تعمد نشر التطوير في أنظمة الدفاع الجوي والطائرات المقاتلة التركية، ومحاولة تلافي نقاط الضعف التي وقعت بها إيران في الهجمات الصهيونية والأمريكية عليها.

كل ما تفعله تركيا في نظرها، لا يحتاج إلى معاهدة دفاع مشترك قد تجر غضب أطراف إقليمية داعمة لحكومة الشرع وتخشى من تمدد النفوذ التركي.

أعلى