• - الموافق2025/07/26م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
حقيقة الموقف الأمريكي من تمرد دروز سوريا

كثيرون يشككون في التصريحات الأمريكية تلك، ويعتبرونها جزءًا من تقاسم الأدوار مع الكيان الصهيوني، وأن القصف الصهيوني لدمشق لم يكن ليحدث إلا بضوء أخضر أمريكي. فما حقيقة الموقف الأمريكي من الأحداث في سوريا؟


بدا الموقف الأمريكي غامضًا مما جرى خلال الأيام الماضية في محافظة السويداء السورية، خاصة عندما قصفت الطائرات الصهيونية قوات وزارة الدفاع السورية والتي دخلت المدينة لاسترجاع الأمن وسيادة الدولة، ثم ما أتبعته من شن غارات على مباني وزارة الدفاع ورئاسة الأركان والقصر الرئاسي في دمشق.

وظهر الارتباك في التصريحات المتضاربة الصادرة من المسئولين في الإدارة الأمريكية، بين من يلقي اللوم على الحكومة السورية من عجزها عن حماية الدروز، وبين تصوير الأمر على أن معظم أركان الإدارة بمن فيهم الرئيس الأمريكي غير راضيين عن تصرفات الصهاينة وسلوكهم في الأزمة.

ولذلك سنحاول فهم حقيقة الموقف الأمريكي خلال أحداث السويداء من خلال رصد الاستراتيجية الأمريكية في التعامل مع النظام الجديد في سوريا ورئاسة أحمد الشرع وما صاحبها من تغيرات، ثم ننتقل الى انعكاس تلك الاستراتيجية على أزمة السويداء.

الموقف الأمريكي من سوريا الجديدة

في بداية توغل قوات الثورة السورية في العملية التي أُطلقت عليها رد العدوان، بدا أن الموقف الأمريكي مراقبا لما يحدث وملتزما الصمت ولم يعترض، وعند دخول الشرع دمشق ظهر أن الأمريكان قد فوجئوا بالسرعة التي سار فيها التغيير، وفي نفس الوقت أعلنوا أنهم سيراقبون النظام الجديد وهل سيلتزم بالمعايير الدولية ويبتعد عن الإرهاب.

ولم يخف الكثير من المعلقين الأمريكيين تخوفهم من طبيعة وماضي الذين استلموا الحكم في سوريا.

أما ترامب فلم يكن حينها في الرئاسة الأمريكية وكان على وشك استلامها، ولكنه غرّد على منصة تروث سوشيال محذرا إدارة جو بايدن من مغبة التورط في النزاع السوري.

وقبل الإعلان عن سقوط الأسد، غرد ترامب قائلا إن استيلاء المعارضة السورية على العديد من المدن يُعّد خطوة كبيرة نحو القضاء على نظام الأسد.

وبعد إعلان سقوط النظام رسميا، غرد مجددا مؤكدا أن تهاوي سلطة الأسد كان من أسبابها عدم تلقيه مساعدة من روسيا.

وفي لقائه بالصحفيين في مقر إقامته بولاية فلوريدا، أكد ترامب أن تركيا هي الطرف الفائز في سوريا بعد إسقاط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، معتبرا أن أنقرة سيكون معها مفتاح الأحداث في هذا البلد.

وقد أكد على هذه الحقيقة، في لقائه بنتانياهو عند أول لقاء معه في البيت الأبيض عقب انتخابه، بدون أن يستنكر الهجمات الصهيونية على سوريا علنا.

 

كان الموقف الأمريكي مهتزا، ففي حين ينكر معرفته بالقصف مسبقا، لا يدين الكيان الصهيوني على هذا الفعل، وفي نفس الوقت يستنكر التجاوزات الموجهة ضد الدروز، بدون أن يدين الحكومة السورية مباشرة.

وقد فُهم من هذه الإشارة من ترامب، وكأنه يقول لنتانياهو اتفق مع أردوغان حول المسألة السورية، فأمريكا تريد الابتعاد عن الأزمات في سوريا.

ولكن في نفس الوقت توقع سام هيلر، خبير الشؤون العربية بمؤسسة سينشري فونديشن البحثية بنيويورك، أن سياسة ترامب تجاه سوريا سوف تجسد اتجاهات متضاربة.

ولكي نفهم لماذا قال هذا الخبير الأمريكي هذا الكلام، علينا تتبع ما جرى خلال الشهور الستة الماضية.

فعقب استلام ترامب للرئاسة الأمريكية، كانت له أولويات داخلية وخارجية أخرى على حساب الملف السوري الذي يبدو أنه يعتبره ثانويا بالنسبة لإدارته.

ولكننا يمكن تقسيم طريقة تعامله مع النظام السوري الجديد إلى مرحلتين:

الأولى ما قبل زيارته إلى المملكة السعودية، والأخرى ما بعدها.

فقبل زيارة ترامب للمملكة السعودية، ظلت السياسات الأمريكية تجاه النظام السوري تتصف بالحذر، وعدم التجاوب.

ففي فبراير الماضي، وفي مؤتمر باريس الخاص بسوريا، رفضت الولايات المتحدة التوقيع على الإعلان الذي وقعه جميع المشاركين، والذي وعد فيه المجتمعون بتقديم الدعم إلى الحكم الجديد، وفُهم الأمر أن أمريكا لديها تحفظ على إدارة الجهاديين السابقين والمصنفين لديها بالإرهاب.

وقد عبر عن ذلك بوضوح وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو في إحدى زياراته للكيان، عندما قال "إن سقوط الأسد أمر واعد ومهم، لكن قيام سوريا باستبدال قوة مزعزعة للاستقرار بقوة مماثلة أخرى ليس بالتطور الإيجابي".

وقد أرجعت بعض الدراسات الغربية هذا الموقف، إلى أن شخصيات كثيرة ضمن إدارة دونالد ترامب من المعادين لتيارات الإسلام السياسي، والجهادي خصوصا.

أمريكا وسوريا ... مرحلة جديدة من العلاقات

ولكن تغير الموقف الأمريكي بعد زيارة ترامب للمملكة السعودية، ولقاءه بولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والذي أقنعه بضرورة اللقاء بأحمد الشرع ورفع العقوبات، وربما اعتبر ترامب أن الاستثمارات السعودية والتعاون الاقتصادي الأمريكي السعودي جزء منه مرتبط باتباع نهج امريكي جديد مع النظام السوري بقيادة الشرع.

وفي خلال المنتدى الاستثمار السعودي الأمريكي، فاجأ ترامب الجميع بقوله: سآمر برفع العقوبات عن سوريا لمنحهم فرصةً للنمو والتطور.

وأضاف: اتخذت خطوات لاستعادة العلاقات الطبيعية مع سوريا، وأكد أنه اتخذ قرار رفع العقوبات عن سوريا بعد مناقشات مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وتقدم ترامب خطوة أخرى أكبر إلى الأمام بلقاء الرئيس السوري أحمد الشرع في الرياض، بوجود الأمير محمد بن سلمان.

وتوالت التصريحات الأمريكية التي تشيد بالنظام السوري.

وصرح ترامب إن الشعب السوري عظيم ويقوده رجل قوي وطيب، في إشارة إلى الرئيس السوري أحمد الشرع، مضيفا أنه رفع العقوبات عن سوريا من أجل منحها فرصة.

ومن جهته، قال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو إن الولايات المتحدة تتخذ المزيد من الإجراءات لدعم سوريا مستقرة وموحدة.

تلا ذلك توقيع الرئيس ترامب أمرا تنفيذيا ينهي العقوبات على سوريا.

 

أمريكا في عهد ترامب يتنازعها تياران: تيار قومي يرفع شعار أمريكا أولا، ويريد أن تنأى أمريكا عن الصراعات العالمية، وتنظر إلى مصالحها الداخلية وداخل محيطها الإقليمي في القارة الأمريكية.

ولكن قبل أحداث السويداء بقليل كانت هناك جلسة محادثات بين الكيان الصهيوني وحكومة الشرع في باكو عاصمة أذربيجان برعاية تركية أمريكية، ويبدو أن الشرع لم يرد التطبيع مع الكيان كثمن للانسحاب الصهيوني من ١٨٠ كيلومترًا قد احتلتهم عقب وصول الشرع لحكم سوريا، وأراد فقط اتفاقا أمنيا.

ثم تفاقم التمرد الدرزي في السويداء، فتحرك الجيش السوري لإخماده، يعد أن أبلغ الصهاينة بذلك التحرك فسكتوا، فاعتمد السوريون على هذا الصمت وعلى الدعم الأمريكي المعلن للنظام، ولكن الصهاينة كانوا بالمرصاد وتم إجبار الشرع على الانسحاب.

والسؤال هنا ماذا كان الموقف الأمريكي من القصف الاسرائيلي لدمشق؟

كان الموقف الأمريكي مهتزا، ففي حين ينكر معرفته بالقصف مسبقا، لا يدين الكيان الصهيوني على هذا الفعل، وفي نفس الوقت يستنكر التجاوزات الموجهة ضد الدروز، بدون أن يدين الحكومة السورية مباشرة.

وهذا ما قاله صراحة توم باراك المبعوث الأمريكي لسوريا لوكالة الأسوشتدبرس: الولايات المتحدة لم تطلب من "إسرائيل" ذلك، ولم تشارك في هذا القرار، ولم تكن من مسؤولية الولايات المتحدة في أمور تشعر "إسرائيل" أنها دفاع عن نفسها.

وأشاد بتصرف حكومة الشرع إزاء ما جرى، وقال: القتل والانتقام أمر لا يطاق، لكن الحكومة تصرفت بأفضل ما بوسعها كحكومة ناشئة ذات موارد قليلة للغاية لمعالجة القضايا المتعددة التي تنشأ في محاولة جمع مجتمع متنوع معا.

ولكنه ولأول مرة ينتقد الكيان الصهيوني بطريقة غير مباشرة فيقول: اعتبر التدخل الإسرائيلي في سوريا يصنع فصلا آخر مربكا للغاية، وجاء في وقت سيئ للغاية، وزاد الأمور تعقيدًا.

علما أن هذا النقد الغير مباشر للكيان من قبل باراك، جاء بعد استنفار القبائل العربية لدخول السويداء، وحشد ما يقرب من خمسين ألف مقاتل.

ولكن الإشارة العجيبة والمذهلة من باراك حينما قال: "إسرائيل" تفضل رؤية سوريا مجزأة ومنقسمة بدلا من وجود دولة مركزية قوية تسيطر على البلاد، فالدول القومية القوية تُشكّل تهديدًا وخاصة الدول العربية التي تُعتبر تهديدًا "لإسرائيل".

وربما باراك يعبر عن كواليس ما يجري في الإدارة الأمريكية، والتي كشفها موقع أكسيوس الأمريكي.

فقد نقل الموقع عن مسؤول أميركي قوله: إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "خرج عن السيطرة" و"يتصرف كمجنون" وكـطفل"، محذرين من أن صبر ترامب يوشك أن ينفد.

وينقل الموقع عن مسؤول آخر قوله: إن إسرائيل ليست مدركة بالكامل للضرر الذي لحق بصورتها في واشنطن خلال الأسبوع الأخير. "الإسرائيليون يحتاجون إلى إخراج رؤوسهم من مؤخرتهم،" قال هذا المسؤول.

وقال 6 مسؤولين أمريكيين لأكسيوس: إنه رغم التوصل إلى وقف إطلاق النار في سوريا، بوساطة أميركية، فإن القلق ازداد في البيت الأبيض من نتنياهو وسياسته الإقليمية.

وأشار الموقع إلى أن "ترامب امتنع عن انتقاد نتنياهو علنا، وليس من الواضح ما إذا كان يشارك مستشاريه شعور الإحباط من نتنياهو، أو قلقهم بشأن تصرفات "إسرائيل" في سوريا".

هل هو موقف أمريكي حقيقي؟

كثيرون يشككون في التصريحات الأمريكية تلك، ويعتبرونها جزءًا من تقاسم الأدوار مع الكيان الصهيوني، وأن القصف الصهيوني لدمشق لم يكن ليحدث إلا بضوء أخضر أمريكي.

ويستدلون بموقفين: الأول عندما صرح ترامب بإنه يمنح إيران فرصة ثلاثة أشهر للحوار وحسم ملفها النووي، وقال نائبه إن أمريكا لن تنجر لحرب يريدها نتنياهو، وفي نفس توقيت تلك التصريحات قصف نتانياهو إيران وبعدها كررت أمريكا القصف على مفاعلات إيران النووية.

والمثال الثاني الأكثر وضوحا يتعلق بغزة، فقد كرر ترامب القول عدة مرات، بأنه يريد إيقاف القتل في عزة، وفي نفس الوقت كان يزود نتانياهو بالقنابل الفتاكة، لشن موجة ثانية من حرب الإبادة الجماعية في غزة، والتي كان بايدن قد منع إرسالها للكيان الصهيوني.

إذن فما هي حقيقة النوايا الأمريكية؟

أمريكا في عهد ترامب يتنازعها تياران: تيار قومي يرفع شعار أمريكا أولا، ويريد أن تنأى أمريكا عن الصراعات العالمية، وتنظر إلى مصالحها الداخلية وداخل محيطها الإقليمي في القارة الأمريكية.

وهناك اتجاه آخر، له أجندة صهيونية، يريد لأمريكا الوقوف مع الكيان الصهيوني في حملته المسعورة بعد الطوفان، لسحق أي قوة موجودة في الشرق الأوسط تقف في وجه المشروع الصهيوني.

ويحاول ترامب التوفيق بين هذين الاتجاهين، وتجلى ذلك في ضربه لإيران، حيث حاول إرضاء اللوبي الصهيوني، وفي نفس الوقت إرضاء تيار (أمريكا أولا)، فجاءت ضربة لأكبر مفاعل إيراني، وفي نفس الوقت غلبت عليها الطابع المسرحي، حيث يشكك كثيرون في جدوى هذه الضربة.

ومن ناحية أخرى، لا يمكن للفاعلين السياسيين استكشاف حقيقة النوايا، إلا عندما تحين لحظة الحسم، وفي حالة السويداء سيتبين لنا ما يريده الأمريكان بالفعل، إذا استمر الكيان الصهيوني في تعنته وتهديداته ورفضه دخول الإدارة المدنية السورية وقوات الأمن العام، ودمج الدروز كأفراد في جهاز الأمن وليس ككتلة واحدة، فإن هذا يعني الموافقة الأمريكية الضمنية، أما إذا تغير الموقف ودخلت الحكومة بإدارتها المدنية والأمنية، فإنه حينئذ نستطيع أن نقول إن أمريكا قد قدمت مصالحها القومية، على مصالح الصهاينة في سوريا.

أعلى