تشكل الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة منذ ما يقارب ثلاث سنوات معضلة دولية كبرى، وبينما سعت إدارة بادين إلى إدارة الصراع مع روسيا، تسعى إدارة ترامب إلى إنهاء هذه الحرب، في ظل إعادة توضع جديد للقوى الدولية
لطالما كانت
السياسة الخارجية الأمريكية انعكاسًا لمعادلة معقدة تجمع بين المصالح الاستراتيجية،
والتوازنات الداخلية، والتغيرات الجيوسياسية. ومنذ اندلاع الحرب الأوكرانية، لعبت
واشنطن دورًا رئيسيًا في توجيه مسار الصراع، سواء من خلال الدعم العسكري والاقتصادي
لكييف، أو عبر الضغوط السياسية والاقتصادية على موسكو. لكن مع تصاعد التكاليف وتغير
الأولويات، باتت الإدارة الأمريكية الجديدة تميل إلى إعادة النظر في نهجها، مستندة
إلى براغماتية سياسية تفرضها رؤية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القائمة على مبدأ
"أمريكا أولًا"، فهل يشكل هذا التحول بداية لانعطافة كبرى في الاستراتيجية
الأمريكية تجاه روسيا؟، وهل يمكن اعتبار التقارب الأمريكي مؤخرًا مع موسكو خطوة
تكتيكية في مسار الحرب الأوكرانية؟، هل يعكس هذا التحول قناعة أمريكية بأن استمرار
الحرب لم يعد يصب في مصلحتها؟
من دعم مطلق إلى
إعادة الحسابات
منذ اندلاع
الحرب الأوكرانية في فبراير 2022م، تبنّت الولايات المتحدة موقفًا واضحًا يقوم على
تقديم دعم عسكري واقتصادي واسع لكييف، بهدف احتواء موسكو وإضعاف قدرتها على تحقيق
أهدافها العسكرية والسياسية، لم يكن هذا الدعم مجرد تصريحات أو مساعدات رمزية، بل
تجلى في أرقام هائلة تعكس التزام واشنطن بمواجهة روسيا عبر الوكلاء، قدمت الولايات
المتحدة مليارات الدولارات لدعم أوكرانيا، وفقًا لتقرير صادر عن المفتش العام في
البنتاغون، من هذا المبلغ تم تخصيص 46.6 مليار دولار كمساعدات عسكرية مباشرة، وشمل
ذلك إرسال منظومات دفاع جوي متطورة مثل: باتريوت وهيمارس، فضلًا عن مئات الدبابات
والمركبات المدرعة، مما جعل الولايات المتحدة أكبر مساهم فردي في دعم كييف.
كما تصدّرت
واشنطن قيادة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وضغطت على الحلفاء الأوروبيين لتقديم
المزيد من الدعم، مما جعل التحالف الغربي في حالة استنفار غير مسبوقة منذ الحرب
الباردة، وبلغ إجمالي المساعدات الأوروبية المقدمة لأوكرانيا حوالي 118 مليار يورو
حتى نوفمبر 2024، ما يمثل 0.2% من الناتج المحلي الإجمالي المجمع للاتحاد الأوروبي
والمملكة المتحدة سنويًا، وتوزعت هذه المساعدات بين الدعم العسكري والاقتصادي
والإنساني، حيث قدمت ألمانيا وحدها 17.1 مليار يورو كمساعدات عسكرية حتى أكتوبر
2023، تلتها بريطانيا بـ 6.6 مليار يورو، والنرويج بـ 3.6 مليار يورو، والدنمارك بـ
3.5 مليار يورو.
|
بات واضحًا أن الموقف الأمريكي من الحرب الأوكرانية لم يعد كما كان في
بدايته، وأن الأولوية الآن أصبحت تتمثل في إيجاد مخرج سياسي يحقق الحد
الأدنى من المكاسب دون استمرار الإنهاك الاستراتيجي |
ومع ذلك، ومع
استمرار الحرب دون تحقيق انتصار حاسم، بدأ الخطاب الأمريكي يشهد تحولات تدريجية،
خاصة مع قرب انتهاء ولاية بايدن وانتقال السلطة إلى إدارة جديدة تحمل رؤية مغايرة
للصراع، ومع تولي ترامب السلطة مجددًا؛ برز تحول جوهري في الموقف الأمريكي من الحرب
الأوكرانية، حيث عبّر ترامب بوضوح عن رؤيته المختلفة للصراع، مشيرًا إلى ضرورة
إنهاء الحرب عبر المفاوضات بدلًا من الاستمرار في استنزاف الموارد الأمريكية في
معركة لا تخدم المصالح الحيوية للولايات المتحدة، فعلى عكس بايدن ـ الذي تبنى نهجًا
تصعيديًا قائمًا على إضعاف روسيا وإطالة أمد الحرب ـ يرى ترامب أن الأولوية يجب أن
تكون لإعادة التركيز على القضايا الداخلية، وتقليل التدخلات الخارجية غير الضرورية.
ومن هنا، بدأت
الإدارة الجديدة باتخاذ خطوات ملموسة تعكس هذا التحول، حيث تم تقليص المساعدات
العسكرية تدريجيًا، وبدأت الضغوط تتزايد على كييف للقبول بحلول تفاوضية، وبالتوازي
بدأت بعض الدول الأوروبية في مراجعة حجم مساعداتها؛ فعلى سبيل المثال، قلّصت
ألمانيا مساعداتها لأوكرانيا من 8 مليارات يورو إلى 4 مليارات يورو في ميزانية
2025، هذا التراجع يعكس ترددًا متزايدًا بين بعض الدول الأوروبية في الاستمرار
بتقديم دعم غير محدود، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية والسياسية الداخلية.
عوامل وأسباب
بات واضحًا أن الموقف الأمريكي من الحرب الأوكرانية لم يعد كما كان في بدايته، وأن
الأولوية الآن أصبحت تتمثل في إيجاد مخرج سياسي يحقق الحد الأدنى من المكاسب دون
استمرار الإنهاك الاستراتيجي، وقد جاء التحول الأمريكي في دعم أوكرانيا نتيجة مجموعة من العوامل
المتداخلة، التي فرضت على واشنطن إعادة النظر في استراتيجيتها تجاه الصراع، ويمكن
تلخيص هذه الأسباب في النقاط التالية:
* التكلفة
الاقتصادية الباهظة: أدّى استمرار الحرب إلى استنزاف الخزانة الأمريكية، حيث ارتفعت
تكاليف المساعدات العسكرية والاقتصادية، مما ساهم في زيادة الضغوط على الميزانية
الفيدرالية، في وقت تواجه فيه الولايات المتحدة تحديات مالية داخلية متزايدة، مثل
التضخم وأزمة الديون.
* سياسة ترامب
"أمريكا أولًا": يرى ترامب أن على أوروبا تحمل مسؤولية أكبر في الدفاع عن أوكرانيا،
إذ لطالما انتقد ترامب حجم المساعدات الأمريكية لكييف، معتبرًا أنها تأتي على حساب
مصالح الداخل الأمريكي، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية والتضخم المتزايد.
* تراجع
التأييد الشعبي داخل أمريكا: أظهرت استطلاعات الرأي أن نسبة كبيرة من الأمريكيين لم
تعد تؤيد استمرار الإنفاق الهائل على حرب لا تحقق نتائج ملموسة، خصوصًا مع تزايد
الأعباء المعيشية التي يواجهها المواطن الأمريكي.
* الضغوط داخل
الكونغرس: مع صعود الجمهوريين وتزايد نفوذ الأصوات المعارضة للدعم غير المشروط
لأوكرانيا، باتت الإدارة الأمريكية تواجه صعوبة متزايدة في تمرير حزم المساعدات
العسكرية، مما جعل استمرار النهج السابق أمرًا غير مضمون سياسيًا.
* إخفاقات
أوكرانيا العسكرية: رغم كل أشكال الدعم الأمريكي، لم تتمكن أوكرانيا من تحقيق
اختراقات استراتيجية حاسمة، بل استمرت روسيا في تعزيز مواقعها على الجبهات، مما جعل
واشنطن تدرك أن استمرار الحرب لا يضمن تحقيق الأهداف المعلنة.
|
يبرز التقارب الشخصي بين ترامب وبوتين كعامل مؤثر في إعادة تشكيل العلاقات
بين البلدين. فمنذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض، أظهر مواقف أقل عدائية
تجاه روسيا مقارنة بأسلافه، بل وعبّر مرارًا عن إعجابه بأسلوب بوتين في
القيادة |
* مخاوف من
التصعيد مع روسيا: مع استمرار الحرب، برزت مخاوف أمريكية من أن تؤدي المواجهة إلى
تصعيد غير محسوب قد يشمل استخدام أسلحة استراتيجية أو توسيع نطاق الحرب إلى دول
أخرى، مما دفع الإدارة الجديدة إلى البحث عن سبل لاحتواء الصراع.
* إعادة توجيه
الأولويات الاستراتيجية: ترى إدارة ترامب أن التهديد الأكبر للولايات المتحدة يتمثل
في الصين وليس روسيا، مما يستوجب إعادة تركيز الموارد نحو المحيط الهادئ بدلًا من
استنزافها في صراع أوروبي لا يشكل خطرًا وجوديًا على أمريكا.
تقارب أمريكي ـ
روسي
مع تغير
الحسابات الأمريكية؛ برزت إشارات واضحة على تحول في نبرة الخطاب بين واشنطن وموسكو،
ما أثار تساؤلات حول ما إذا كان هذا التقارب يعكس تغييرًا جوهريًا في الاستراتيجية
الأمريكية أم مجرد تكتيك ظرفي لاحتواء تداعيات الحرب، فرغم استمرار العقوبات
والضغوط الدبلوماسية على روسيا، ظهرت مؤشرات على انفتاح أمريكي متزايد نحو مسارات
تفاوضية قد تفتح الباب أمام مقاربة جديدة للصراع، ويأتي في هذا السياق اللقاء
الأخير الذي جمع مسؤولين أمريكيين وروس في العاصمة السعودية "الرياض"، حيث ناقش
الطرفان قضايا أمنية وسياسية حساسة، في خطوة نادرة تعكس رغبة الطرفين في إبقاء
قنوات الاتصال مفتوحة رغم التوترات المتصاعدة.
هذا الانفتاح
لا يأتي بمعزل عن إدراك واشنطن أن روسيا، رغم العقوبات والضغوط العسكرية، لم تنهَر
كما كان متوقعًا، بل تمكنت من التكيف مع العقوبات وإعادة توجيه اقتصادها نحو شركاء
جدد مثل الصين والهند وإيران، كما أن استمرار الحرب عزز من مكانة موسكو في النظام
الدولي، خاصة مع تعميق علاقاتها مع القوى الصاعدة، مما جعل الرهان على إضعافها
استراتيجية غير فعالة. وفي السياق ذاته،
يبرز التقارب الشخصي بين ترامب وبوتين كعامل مؤثر في إعادة تشكيل العلاقات بين
البلدين. فمنذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض، أظهر مواقف أقل عدائية تجاه روسيا
مقارنة بأسلافه، بل وعبّر مرارًا عن إعجابه بأسلوب بوتين في القيادة،
وخلال حملته
الانتخابية الأخيرة، أشار ترامب إلى أنه قادر على إنهاء الحرب الأوكرانية في يوم
واحد، ما يعكس رغبته في تبني نهج أكثر تصالحية مع موسكو.
تاريخيًا؛
شهدت العلاقات الأمريكية ـ الروسية لحظات من المواجهة الحادة التي انتهت بتفاهمات
كبرى، كما حدث في أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962م، حين اقترب العالم من مواجهة
نووية قبل أن تنجح واشنطن وموسكو في التوصل إلى اتفاق تجنبًا للتصعيد، كما أن
العلاقات بين البلدين خلال الحرب الباردة تميزت بمزيج من الصراع والتفاوض، حيث لجأت
الإدارات الأمريكية المتعاقبة إلى سياسة الاحتواء، لكنها في الوقت ذاته لم تغلق باب
الحوار، وهو ما يبدو أنه يتكرر اليوم في ظل الظروف الجيوسياسية الحالية، وبالتالي
يبدو أن التقارب الأمريكي الروسي ليس مجرد خطوة تكتيكية، بل يعكس تحولات عميقة في
نظرة واشنطن لمستقبل الصراع. فمع تزايد التحديات العالمية، خصوصًا في منطقة المحيط
الهادئ حيث يتصاعد النفوذ الصيني، بات من مصلحة الولايات المتحدة تجنب انخراط طويل
الأمد في صراع يستنزف مواردها ويفتح المجال أمام بكين لتعزيز موقعها الاستراتيجي
على حسابها.
توابع وتداعيات
محتملة
مع تغير الموقف الأمريكي
من الحرب الأوكرانية، تتسارع التوقعات بشأن التداعيات المحتملة على مختلف الأطراف
المعنية بالصراع، فإعادة الولايات المتحدة لحساباتها يفتح الباب أمام تحولات
استراتيجية قد تعيد رسم موازين القوى الدولية والأولويات الجيوسياسية والاقتصادية،
هذا التغير لن يقتصر تأثيره على أوكرانيا وحدها، وفيما يلي أبرز التبعات التي قد
تترتب على هذا التحول الأمريكي:
* الولايات المتحدة:
التحول في الموقف الأمريكي
يعكس إعادة ترتيب الأولويات الاستراتيجية، حيث تسعى واشنطن إلى تقليل استنزاف
مواردها العسكرية والمالية، والتركيز على تحديات أخرى، مثل احتواء النفوذ الصيني،
وإعادة توجيه هذه الموارد نحو مشروعات داخلية، صحيح أن أي انسحاب تدريجي من الصراع
قد يؤثر على صورة الولايات المتحدة كحليف يمكن الاعتماد عليه، خصوصًا بين شركائها
في أوروبا وآسيا، لكن هناك العديد من الفوائد المحتملة التي قد تجنيها الولايات
المتحدة، أهمها: تقليل الأعباء المالية وتحسين الاقتصاد الداخلي وتقليل مخاطر
الصدام المباشر مع روسيا، والضغط على أوروبا لتحمل مسؤوليتها الدفاعية، وتقليل
الانقسام الداخلي الأمريكي بسبب الحرب الأوكرانية.
* روسيا:
بالنسبة لموسكو، فإن أي
تراجع أمريكي عن الدعم المطلق لأوكرانيا سيُعد انتصارًا استراتيجيًا، حيث يعزز
موقفها التفاوضي ويفتح الباب أمام تحقيق مكاسب ميدانية أو سياسية، كما أن هذا
التطور قد يمنح الكرملين فرصة لإعادة صياغة علاقاته الدولية، مستفيدًا من ضعف
التماسك الغربي، والتخلي الأمريكي عن أوكرانيا أو تخفيف الدعم قد يفتح قنوات تواصل
جديدة مع روسيا، وهو ما قد يساعد في تحقيق تفاهمات حول قضايا أخرى، مثل ضبط أسعار
الطاقة، والتعاون في القضايا الأمنية، وإتاحة الفرصة لعقد صفقات تعود بالنفع على
روسيا في مجالات متعددة.
* أوكرانيا:
تجد كييف نفسها في موقف
بالغ التعقيد، حيث يشكل الدعم الأمريكي العمود الفقري لصمودها العسكري والاقتصادي،
وإذا ما تراجع هذا الدعم، فإن قدرة أوكرانيا على مواصلة الحرب ستتقلص، ما قد يضطرها
إلى تقديم تنازلات سياسية أو عسكرية لم تكن لتقبل بها في السابق.
*أوروبا:
التحولات في الموقف
الأمريكي تضع العواصم الأوروبية أمام تحدٍ جديد، حيث قد تجد نفسها مضطرة لتحمل عبء
دعم أوكرانيا بشكل أكبر، في وقت تعاني فيه من أزمات اقتصادية وتضخم وارتفاع تكاليف
الطاقة، كما أن غياب القيادة الأمريكية قد يعمّق الانقسامات بين الدول الأوروبية
حول كيفية التعامل مع روسيا.
* حلف الناتو:
مع تراجع الدعم الأمريكي،
قد يواجه حلف الناتو ضغوطًا متزايدة لإعادة تقييم دوره في الصراع. فبينما دفعت
واشنطن الحلف للتحرك بقوة لدعم أوكرانيا، فإن أي تحول في موقفها قد يخلق حالة من
الارتباك داخل التحالف، ويضعف تماسكه أمام التهديدات الروسية.
* الصين:
تتابع بكين التحولات
الأمريكية عن كثب، إذ ترى في انشغال واشنطن بالصراع الأوكراني فرصة لتعزيز نفوذها
في شرق آسيا، وترسيخ دورها لاعبًا اقتصاديًا وسياسيًا محوريًا في النظام الدولي.
ومع ميل أمريكا نحو تقليص التورط في أوكرانيا، قد تتفرغ لمواجهة الصين بشكل أكثر
حدة، خصوصًا في ملف تايوان، مما قد يؤدي إلى تصاعد التوترات في المنطقة، سواء عبر
تكثيف الدعم الأمريكي لتايوان أو تعزيز التحالفات العسكرية في المحيط الهادئ مثل
تحالف "أوكوس" مع أستراليا وبريطانيا، وفي المقابل قد تستغل بكين هذا التحول لتسريع
خططها في بحر الصين الجنوبي، وتعزيز علاقاتها مع الدول المناهضة للنفوذ الغربي، في
خطوة قد تعيد رسم التوازنات الاستراتيجية في آسيا
* الاقتصاد العالمي:
أي تغير في وتيرة الحرب
سيلقي بظلاله على الاقتصاد العالمي، خاصة في أسواق الطاقة والغذاء، حيث شهدت
الأسواق اضطرابات حادة منذ اندلاع الصراع، مما أدى إلى ارتفاع أسعار النفط والغاز،
وتعطل سلاسل التوريد، وزيادة تكاليف المعيشة عالميًا، وإذا تراجع التصعيد فقد نشهد
تحسنًا في تدفق الإمدادات وتخفيفًا لحدة التضخم، مما ينعكس إيجابيًا على الأسواق
الناشئة والدول المستوردة للطاقة والغذاء. كما قد يؤدي إلى استقرار أسعار القمح
والحبوب، وهو أمر حاسم للدول التي تعتمد على الواردات من أوكرانيا وروسيا.
ما هو مؤكد أن الحرب
الأوكرانية لم تعد مجرد صراع إقليمي، بل أصبحت جزءًا من لعبة توازنات دولية معقدة،
قد تعيد تشكيل النظام العالمي بطرق غير متوقعة، فبينما تسعى واشنطن إلى إعادة ترتيب
أولوياتها، وتحاول موسكو استثمار التحولات لصالحها، تظل العواصم الأوروبية في حالة
ارتباك بين الحاجة إلى الاستقلالية الاستراتيجية والخوف من تداعيات أي انسحاب
أمريكي مفاجئ.
وفي ظل هذه التحولات يبقى
المستقبل مفتوحًا على عدة سيناريوهات، من تسويات دبلوماسية قد تعيد رسم الخرائط
السياسية، إلى تصعيد غير محسوب قد يخلط الأوراق مجددًا، وبينما تتحرك القوى الكبرى
وفق مصالحها، فإن الدول المتأثرة بالصراع تجد نفسها في موقف المتفرج الذي قد يدفع
الثمن الأكبر، في انتظار ما ستسفر عنه هذه المرحلة الحرجة من التاريخ السياسي
الدولي.