يلعب الملياردير إيلون ماسك دورًا محوريًا في تفكيك مؤسسات الحكومة الفيدرالية الأمريكية، وخلال الأسابيع الأولى من إدارة ترامب، استولى ماسك وفريقه على أنظمة البيانات المالية الأمريكية، كما ألغوا "بروتوكولات" مهمة، وأقالوا مسؤولين بارزين كانوا يشرفون على هذه
بات الملياردير الأمريكي "إيلون ماسك" حديث الساعة في أمريكا وأوروبا خلال الأيام
الأخيرة بشكل غير مسبوق، بسبب حالة الجدل التي تسبب بها في الولايات المتحدة
الأمريكية عبر استخدام نفوذه الذي منحه له ترامب بحكم عمله في إدارته الجديدة، وذلك
بين المخاوف من إساءة استخدامه للسلطة، والآمال بكشفه للفساد وسوء الإنفاق في
الوكالات الحكومية الأمريكية، وقد تصدر العناوين الرئيسية للصحف والمواقع
الإلكترونية منذ تعيينه على رأس "لجنة الكفاءة الحكومية" التي أعلن عنها ترامب، فلم
يدخر ماسك جهدًا في تنفيذه مهامه فأخذ يطيح ببعض المؤسسات الواحدة تلو الأخرى، في
مشهد أزعج المتضررين منه بالطبع ودفعهم للمواجهة العلانية والصدام الفعلي، ولذلك
سوف نتناول خلال هذا المقال، التأثير الذي أحدثه ماسك داخليًا على مستوى الولايات
المتحدة ودروه في تفكيك الحكومة الفيدرالية الممثلة لما يُطلق عليه "الدولة
العميقة".
قرار التعيين
انقسم الرأي العام الأمريكي تجاه رجل الأعمال الأمريكي "إيلون ماسك" مالك شركتي
"سبيس إكس" للصواريخ" و"تسلا" للسيارات الكهربائية منذ إعلان ترامب تعيينه على رأس
لجنة "الكفاءة الحكومية" في إدارته الجديدة.
وفي اليوم الأول للرئاسة أصدر ترامب سلسلة قرارات تنفيذية، كان من بينها إنشاء هذه
اللجنة، التي كلفها بمهمة "تعظيم كفاءة الحكومة وإنتاجيتها"، وعلى حد تعبير ماسك،
فإن هدف الوكالة "وقف الاحتيال وإهدار أموال دافعي الضرائب" من خلال النظر في كيفية
إنفاق الوكالات الحكومية للأموال المخصصة لها.
شرارة الصراع
أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خلال الأيام الماضية، أنه كلّف إيلون ماسك الذي
عيّنه على رأس وزارة "الكفاءة الحكومية"، بإجراء مراجعة لنفقات وزارة الدفاع
البالغة ميزانيتها المقترحة للعام الحالي 850 مليار دولار.
|
وربما أخطر ما في هذا الأمر هو الاستهداف المنهجي لأجهزة الاستخبارات
الأمريكية، مثل الـ(FBI) والـ(CIA)، فقد بدأت حملة غير مسبوقة لتقديم
تعويضات مالية لموظفي هذه الوكالات مقابل الاستقالة |
ولدى سؤاله عما إن كان القطاع الدفاعي مدرجًا في أجندة ماسك لخفض النفقات، قال
ترامب للصحافيين في البيت الأبيض: "أعطيته توجيهات بتفقد التعليم والبنتاغون (وزارة
الدفاع)، وكما تعلمون للأسف ستجدون أمورًا بغاية السوء، سنجد عمليات احتيال
وانتهاكات بالمليارات ومئات الملايين من الدولارات".
بداية المواجهة
وفي إطار هذا التكليف الذي حصل عليه ماسك من ترامب، سعى مساعدو ماسك إلى الوصول إلى
معلومات سرية في أنظمة الكمبيوتر في وكالات حكومية مختلفة.
ونقلت صحيفة "واشنطن بوست" عن مصادر مطلعة أن ممثلين عن لجنة ماسك أدخلوا بيانات
حساسة تخص وزارة التعليم على برنامج للذكاء الاصطناعي في إطار عملهم لجمع معلومات
من أجل التدقيق في حسابات الوزارة.
وقال أحد المصادر إن اللجنة استخدمت برامج يمكن الوصول إليها من خلال خدمة الحوسبة
السحابية
Azure
من مايكروسوفت لفحص أموال المنح ورحلات العمل.
وكتب ماسك، على منصة "إكس" أن "الطريقة الوحيدة لوقف الاحتيال وهدر أموال دافعي
الضرائب، هي تتبع تدفقات صرف الأموال ووقف التعاملات المشبوهة بشكل موقت لدراستها".
وقد أثار وصول ماسك -وهو شخص غير منتخب- إلى البيانات لحساسة للوكالات الفيدرالية
والمعلومات الخاصة لملايين الأمريكيين، انتقادات مسؤوليين وقانونيين اعتبروا أنه
ينتهك القانون، وبات يتمتع بسلطة غير محدودة.
ويقول المنتقدون إن جهود وإجراءات ماسك ومساعديه غير قانونية على الأرجح، وتخاطر
بكشف معلومات سرية وستزيل في الممارسة العملية وكالات بأكملها من دون موافقة
الكونغرس.
وسعى ديمقراطيون في لجنة الرقابة والإصلاح الحكومي في مجلس النواب، إلى إصدار أمر
استدعاء لـ"ماسك" للإدلاء بشهادته، لكن جمهوريين في اللجنة أوقفوا المضي قدمًا في
هذا الطلب.
وقال النائب الديمقراطي في اللجنة، جيرالد كونولي: "من هو هذا الملياردير غير
المنتخب، الذي يمكنه محاولة تفكيك الوكالات الفيدرالية، وطرد الأشخاص ونقلهم، وعرض
التقاعد المبكر عليهم، وإجراء إصلاحات أو تغييرات شاملة على الوكالات دون أي مراجعة
أو إشراف أو موافقة من الكونغرس؟".
الصدام مع القضاء
وفي خطوة متصاعدة ضمن هذا السياق المحتد على الساحة الأمريكية داخليًا، فقد حظر
قاضِ فيدرالي أمريكي، على وزارة الكفاءة الحكومية التي يقودها الملياردير الأمريكي
ماسك، الوصول إلى البيانات المالية الشخصية لملايين الأمريكيين في سجلات وزارة
الخزانة.
وأصدر القاضي، بول إيه إنغيلماير، أمرًا قضائيًا أوليًا بمنع الوصول للبيانات، وأمر
ماسك وفريقه بإتلاف أي نسخ من السجلات، ربما كانوا قد حصلوا عليها على الفور.
تأتي هذه الخطوة بعد أن رفع 19 مدعيًا عامًا للولايات الأمريكية دعوى قضائية ضد
إدارة ترامب، بعد منح وزارة "الكفاءة الحكومية" حق الوصول إلى السجلات.
ورأى المدعون العموميون أن وصول ماسك إلى البيانات ينتهك القانون الفيدرالي،
باعتباره موظفًا حكوميًا خاصًا يتولى وزارة الكفاءة الحكومية التي لا تعد وزارة
حكومية رسمية.
|
بينما ينشغل الإعلام العالمي بمقترحات ترامب المثيرة مثل السيطرة على غزة
أو شراء غرينلاند، يعمل هو وماسك بهدوء على تنفيذ خطة أوسع لتفكيك الحكومة
الفيدرالية الأمريكية وإعادة تشكيلها وفقًا لمصالحهما الشخصية |
والجدير بالذكر أن المدعين العامين الديمقراطيين في الولايات المتحدة قد رفعوا دعوى
قضائية أيضًا ضد كل من (ترامب، ووزارة الخزانة ووزير الخزانة)؛ بسبب ذات الأمر.
وفي تواصل للجدل الذي بدأ حول هذا الأمر وبعد ساعات من صدور القرار القضائي، دعا
ماسك في منشور عبر منصته "إكس" إلى عزل القاضي ووصفه بأنه "فاسد يحمي الفساد".
مظاهرات ضد ماسك
شهدت العاصمة الأمريكية "واشنطن" خلال الأيام الماضية، مظاهرة أمام مبنى وزارة
الخزانة، حيث تجمع الآلاف من المواطنين والنشطاء وأعضاء من الكونغرس احتجاجًا على
ما وصفوه بسيطرة الملياردير "إيلون ماسك" على النظام المالي الأمريكي، وسط اتهامات
له بانتهاك القوانين وتهديد الديمقراطية، فيما ردّد العشرات من أعضاء الكونغرس
الديمقراطيين شعارات على غرار "سنقاتل وسننتصر".
وخلال المظاهرة اعتبرت السيناتور "إليزابيث وارن" أن ماسك يستولي على السلطة من
الشعب الأمريكي" قائلةً: "نحن هنا للرد عليه، فقبل أشهر قليلة أنفق 280 مليون دولار
لشراء الانتخابات من أجل دونالد ترامب، والآن هو هنا ليجني ثمار استثماره"، وأضافت:
"ماسك سيطر على النظام المالي الأمريكي، وهو النظام الذي يضمن حصول أجدادنا على
شيكات الضمان الاجتماعي في موعدها، ويضمن أن يحصل الأطباء على مستحقاتهم من نظام
الرعاية الطبية، إنه يريد السلطة ليقرر من يحصل على الأموال ومن سيُحرم منها، وفقًا
لنزواته الشخصية، ونحن هنا لنواجه هذا الطغيان".
وتابعت: "إيلون ماسك لم يُنتخب من قبل أي أمريكي، ومع ذلك يحاول الاستيلاء على
النظام المالي في بلادنا، والتحكم في دفع رواتب الأطباء، ومعاشات المتقاعدين،
وتمويل مشاريع البنية التحتية، ولن نسمح له بذلك".
خطة تفكيك الحكومة الفيدرالية
إن ما يجري في واشنطن أخطر بكثير من مجرد تصريحات إعلامية مثيرة، ففي الخلفية، يلعب
الملياردير إيلون ماسك دورًا محوريًا في تفكيك مؤسسات الحكومة الفيدرالية
الأمريكية، وخلال الأسابيع الأولى من توسّع نفوذه داخل مؤسسات الدولة، استولى ماسك
وفريقه على أنظمة البيانات المالية الأمريكية، كما ألغوا "بروتوكولات" مهمة،
وأقالوا مسؤولين بارزين كانوا يشرفون على هذه الأنظمة الحيوية.
كما أغلق ماسك وكالات حكومية بأكملها، وقدّم عروض تعويضات مغرية للموظفين
الفيدراليين مقابل الاستقالة، وأشار إلى أن 6 وكالات حكومية رفعت دعاوى قضائية ضده
وضد ترامب، لكن ماسك يواصل تنفيذ خططه مستندًا إلى نفوذه الاقتصادي الضخم وعلاقته
القوية بترامب.
يعمل حاليًا ماسك هو وفريقه على مدار الساعة في مكاتب قريبة من البيت الأبيض مجهزة
بأسرّة نوم، مما يعكس حجم الجهود المبذولة لتفكيك مؤسسات الدولة الفيدرالية وإعادة
تشكيلها بما يخدم مصالحه الخاصة في أسرع وقت ممكن.
وربما أخطر ما في هذا الأمر هو الاستهداف المنهجي لأجهزة الاستخبارات الأمريكية،
مثل الـ(FBI)
والـ(CIA)،
فقد بدأت حملة غير مسبوقة لتقديم تعويضات مالية لموظفي هذه الوكالات مقابل
الاستقالة،
مما يهدد استقرار الأمن القومي الأمريكي، كما أن ترامب أمر بفصل جميع الموظفين
المرتبطين بالتحقيقات في أحداث اقتحام مبنى "الكونغرس" في 6 يناير 2021، مما يعرضهم
لخطر الانتقام الشخصي.
وفي خطوة مثيرة للجدل، عيّن ترامب جون راتكليف، المعروف بترويجه لنظريات المؤامرة،
مديرًا لوكالة الاستخبارات المركزية (CIA)،
مما زاد المخاوف بشأن تسييس الوكالة، والواضح من خلال هذا السياق أن إضعاف هذه
الأجهزة لا يقتصر على تهديد الأمن القومي الأمريكي فقط، بل ينعكس أيضًا على التعاون
الأمني بين واشنطن وإسرائيل، حيث تعدّ وكالة الـ(CIA)
شريكًا استراتيجيًا رئيسًا في هذا المجال.
استراتيجية تشتيت الإعلام
إن التحركات والأجراءات التي تشهدها الساحة الداخلية والخارجية في الولايات المتحدة
كلها ليست من قبيل المصادفة، بل هي أمور تم دراستها بعناية وتوظيفها لخدمة بعضها
البعض،
فبينما ينشغل الإعلام العالمي بمقترحات ترامب المثيرة مثل السيطرة على غزة أو شراء
غرينلاند، يعمل هو وماسك بهدوء على تنفيذ خطة أوسع لتفكيك الحكومة الفيدرالية
الأمريكية وإعادة تشكيلها وفقًا لمصالحهما الشخصية.
وتعتمد هذه الاستراتيجية على خلق صدمات إعلامية متكررة، لإلهاء الجمهور عن
التغييرات الجوهرية التي تحدث خلف الكواليس، مما يشكل تهديدًا حقيقيًا ليس فقط على
الديمقراطية الأمريكية، بل أيضًا على الاستقرار العالمي، بما في ذلك الأمن القومي
الإسرائيلي.
ماسك يضرب ولا يبالي
قال أحد مسؤولي إدارة ترمب، إن ماسك يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه يعمل بمستوى
من الاستقلالية يكاد يكون خارج السيطرة، حيث يعمل ماسك بطاقة محمومة على مدار
الساعة، محاطًا بمجموعة من المهندسين الشباب، بعضهم من وادي السيليكون.
ووفقاً لمصدر مطلع، نقل ماسك أسرّة إلى مقر مكتب شؤون الموظفين الفيدرالي، على بُعد
بضع شوارع من البيت الأبيض، حتى يتمكن هو وفريقه من العمل حتى ساعات متأخرة من
الليل والنوم، في تكرار لنهج اتبعه سابقًا في "تويتر" و"تسلا".
لكن هذه المرة، يتحرك ماسك تحت غطاء السلطة الرئاسية، إذ أعرب الرئيس عن استيائه من
بعض قراراته المتسرعة، لكنه لم يتردد في الإشادة به علنًا، حيث قال ترامب للصحفيين:
"إنه خبير في خفض التكاليف، أحيانًا لن نتفق معه، ولن نسير في الاتجاه الذي يريده،
لكني أعتقد أنه يؤدي عملًا رائعًا، إنه رجل ذكي".
وقاد ماسك مبادرة لخفض التكاليف في الإدارة، وتفاخر بأن "عمله في عطلات نهاية
الأسبوع يُعد قوة خارقة" تمنحه ميزة على خصومه، في إشارة إلى موظفي الحكومة
الفيدرالية، وكتب ماسك على منصة "إكس": "القليلون فقط في البيروقراطية يعملون خلال
عطلة نهاية الأسبوع، لذا فالأمر أشبه بأن يترك الفريق المنافس الملعب ليومين!".
كلمة أخيرة
من الواضح أن الملياردير الأمريكي "ماسك" يسعى إلى تثبيت نفوذ الموالين لترامب في
القيادة، ثم تحريك البيانات الداخلية بما في ذلك الحساسة منها، وكذلك السيطرة على
تدفق الأموال، والضغط بقوة للقضاء على الوظائف والبرامج التي لا تتماشى أيديولوجيًا
مع أهداف إدارة الجديدة، وحاليًا يقوم كل من ماسك وترامب بتطبيق فكرة
«الميزانية
الصفرية»
القائمة منذ فترة طويلة، أي الوصول بكل الإنفاق إلى الصفر ثم إعادة البناء، وتعد
هذه التحركات من سمات أسلوب إدارة ماسك الذي يتخطى كل الحدود، فعندما تولى إدارة
تويتر الذي أصبح منصة "إكس" قام بطرد أكثر من 75% من الموظفين،
ورغم أن معظم الجمهوريين في الكونغرس يدعمون تحركات ترامب وماسك، لكن حتى بعض
المحافظين وحلفاء الرئيس القدامى أعربوا عن تحفظاتهم بشأن ما يجري، حيث وصفها بعضهم
بـ«كرة مدمرة، وليست مشرطًا
علاجيًا».