• - الموافق2025/01/29م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
تنظيم

من هو تنظيم "قسد" وكيف نشأ، وما حجم وجوده في سوريا، وما الذي يجعله يطالب بالتمييز في سوريا بعد نجاح الثورة، وما هي أبرز السيناريوهات المتوقعة لتواجده في المستقبل؟


إن المتأمل في الساحة السورية وما يدور بها من أحداث في الوقت الراهن، سيدرك أن هناك عددا من التحديات وسط حالة  التفاؤل بمستقبل سوريا الجديدة، ومن أحد أهم هذه التحديات وجود تنظيم "قسد" الذي يصر على أن يكون له اليد العليا في بعض المناطق التي يفرض سيطرتها عليها بسوريا كما تعوّد في عهد النظام البائد، وهو الأمر الذي ترفضه الإدارة الجديدة عملًا بمبدأ مساواة الجميع وعدم تمييز أي فصيل على غيره، ما جعل تنظيم "قسد" يكشر عن أنيابه ويبدأ بالتلويح بالعنف في بعض المدن السورية عبر عمليات تفجيرية أرسل من خلالها رسالة استنكار لتجاهل مطالبه في سوريا الجديدة.

النشأة والتكوين

ارتبط اسم قوات سوريا الديمقراطية -التي تعرف اختصارًا بتنظيم "قسد"- بالحرب في سوريا التي بدأت عام 2011، ولم يتم الإعلان عن تأسيسها إلا في أكتوبر 2015، وذلك في مدينة "القامشلي" بمحافظة الحسكة، إحدى المناطق الحدودية في شمال سوريا التي تسكنها أغلبية كردية، والتي كانت المسرح الرئيسي لعمليات "قسد".

عُرف عن تنظيم "قسد" منذ البداية أنه مدعوم بشكل مباشر من الولايات المتحدة الأمريكية، وأنه تشكَّل ليصبح الشريك المحلي لقوات "التحالف الدولي" المناهض لتنظيم "داعش"، حيث إنه منذ إعلان تشكيل التحالف في سبتمبر 2014، عملت قوات التنظيم على دعم مجموعات وهيئات مسلحة في سوريا والعراق.

عندما أصدرت "قسد" بيانها التعريفي، قدمت نفسها على أنها "تكتل عسكري وطني لكل السوريين يضم الأكراد والعرب والتركمان والسريان"، وأوضحت أن هدفها الرئيسي هو دحر تنظيم الدولة "داعش" واستعادة جميع الأراضي التي اجتاحها آنذاك.

 

ترى تركيا أن هذه القوات تهدد أمنها القومي باعتبارها امتدادًا لحزب العمال الكردستاني، الذي يخوض صراعًا مسلحًا ضد الدولة التركية منذ ما يزيد عن 40 عامًا،

ومع حلول أكتوبر 2024، دخلت قوات سوريا الديمقراطية "قسد" العام التاسع على تأسيسها، بعد أن حصلت على الدعم منذ نشأتها من إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق "باراك أوباما"، حيث اتبع أوباما نهجًا في سوريا يعتمد على قتال تنظيم "داعش" عبر دعم "قسد" بالسلاح والمستشارين دون إرسال قوات أمريكية على الأرض، مفضلًا تكثيف الحرب الجوية ضد عناصر تنظيم الدولة.

دعم أمريكي متواصل

حصلت قوات سوريا الديمقراطية "قسد" على الدعم المالي والعسكري من الولايات المتحدة في إطار الحرب على تنظيم الدولة "داعش"، وشقت طريقها على الأرض بدعم أساسي من قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، ومع ذلك فقد أثار استحداث هذا الفصيل المسلح في سوريا حفيظة حكومة "أنقرة"، خاصة مع تعاظم وتوسع مناطق تمركزه ومكاسبه في شمال شرق سوريا المتاخمة للحدود الجنوبية لتركيا.

وقد تمكنت "قسد" من طرد تنظيم الدولة من عدة مناطق استراتيجية، والسيطرة على مساحات واسعة من شمال شرق سوريا، ومن أشهر معاركها ضد التنظيم معركة "عين العرب" (كوباني) في عام 2015.

مخاوف "قسد" ومرحلة القلق

كانت "قسد" حليفًا للأمريكيين في الحرب السورية وقد أمنت لنفسها بذلك موطئ قدم في شمال شرقي سوريا، وبعد سلسلة من الانتصارات العسكرية لقواتها، تم الإعلان عن هزيمة تنظيم "داعش" في مارس 2019، لكن منذ هذه اللحظات شعرت "قسد" بتعثر وبقلق من أن يتم التخلص منها وإزاحتها في أي لحظة خاصة بعد انتهاء مهمتها.

وقد أذكى مخاوف "قسد" إعلان الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" في العام نفسه سحب معظم الجنود الأمريكيين مع الإبقاء على بعضهم لتأمين المنشآت النفطية في المنطقة التي تحتوي على احتياطي "نفطي" هام.

ونظر تنظيم "قسد" لذلك الانسحاب على أنه تخلٍ واضح عنه وسط تربص تركي به، وتأثرت العلاقة بين التحالف الدولي و"قسد" نسبيًا بموقف الولايات المتحدة حينذاك.

كان تقارب الولايات المتحدة و"قسد" نقطة خلاف طويلة بين واشنطن وحليفتها في حلف الناتو "تركيا"، التي دأبت لعقود على مناهضة تطلعات وأحلام الأكراد الانفصالية في المناطق الحدودية سواء في سوريا أو العراق.

لكن متاعب ومخاوف "قسد" وقادتها الأكراد لم تقتصر على تركيا فحسب، حيث نددت الحكومة السورية حينها، شأنها شأن أنقرة، بإعلان الأكراد النظام "الفيدرالي" في مناطق سيطرتهم عام 2016.

وقد شنت تركيا عدة مرات عبر عمليات عسكرية لقواتها في الشمال السوري  توغلات عبر الحدود برًا وجوًا ضد "قسد"، في ظل خشية أنقرة من تصاعد تلك التطلعات الانفصالية للتنظيم خاصة بعد إعلان النظام "الفيدرالي" في المناطق التي يسيطر عليها، بجانب تخوف تركيا من الأبعاد التي قد يصل إليها المشروع الكردي بتحويل التقدم العسكري إلى إنجاز سياسي على الأرض، ولا سيما مع ضعف قبضة القوات الحكومية السورية على مساحات واسعة من البلاد آنذاك.

الموقف التركي

مع اكتمال فصول مشهد إسقاط نظام "بشار الأسد" في سوريا، تقف تركيا والولايات المتحدة أمام استحقاقات سياسية وأمنية معقدة في مناطق شرق "الفرات"، حيث تتمركز "قسد"، التي لطالما كانت محور الخلاف بين أنقرة وواشنطن.

ترى تركيا أن هذه القوات تهدد أمنها القومي باعتبارها امتدادًا لحزب العمال الكردستاني، الذي يخوض صراعًا مسلحًا ضد الدولة التركية منذ ما يزيد عن 40 عامًا، في حين تعتبرها الولايات المتحدة شريكًا أساسيًا في حربها ضد تنظيم الدولة.

 

يبقى سيناريو تدخل تركيا عسكريًا بعمل بري واسع ضد "قسد" احتمالًا قائمًا؛ خاصة في حال فشل المساعي التفاوضية التي تعمل عليها الولايات المتحدة والإدارة السورية الجديدة،

ولإظهار موقفها بشكل حاسم، صعدت تركيا لهجتها تجاه "قسد" الكردية في سوريا، حيث أكد الرئيس التركي "أردوغان"، أن بلاده "ستسحق المنظمات الإرهابية في أقرب وقت ممكن".

وفي السياق نفسه، شدد وزير الخارجية التركي "هاكان فيدان" في مقابلة تلفزيونية، أن هدف تركيا الإستراتيجي يتمثل في إنهاء وجود قوات هذا التنظيم، معتبرًا أنها أمام خيارين، إما أن تحل نفسها أو تواجه القضاء عليها بالقوة، وأوضح فيدان أن الموقف التركي من التنظيمات الكردية في سوريا يمثل قضية "وجودية" تتعلق بالأمن القومي التركي.

والجدير بالذكر في هذا السياق أنه لم تهدأ هجمات غرفة عمليات "فجر الحرية"، التي تقودها فصائل المعارضة السورية المسلحة التابعة لقوات "الجيش الوطني"، والمدعومة بسلاح الجو التركي، على مناطق سيطرة "قسد"، وذلك منذ إعلان سقوط نظام الأسد وحتى الآن، وسط ترجيحات بأن يكون الهدف من هذا الهجوم أن تستكمل تركيا "الحزام الأمني" على الشريط الحدودي الشمالي لسوريا، ومحاولة إضعاف قوات "قسد" والقضاء عليها.

مناطق سيطرة "قسد"

تنتشر قوات "قسد" في أكثر من 25% من مساحة سوريا، وتشمل أجزاء من دير الزور والرقة والحسكة وحلب وعفرين وعين العرب، وفي تلك المناطق تفرض إدارة "قسد" نظامًا خاصًا يجعل من الصعب حلحلة هذا الملف في وقت قصير دون التوصل لتفاهمات وخريطة طريق واضحة.

ووفق تقارير ميدانية، فإن المنطقة التي تخضع لسيطرة "قسد" تملك نظامًا تعليميًا خاصًا بالمدارس والجامعات المحلية، فضلًا عن قانون للانتخابات ودستور خاص.

وبحسب الرئيسة المشتركة لهيئة التربية والتعليم في الإدارة الذاتية بمناطق "قسد"، فإن هناك أكثر من 850 ألف طالب يدرس مناهج خاصة بالإدارة الذاتية ومغايرة للمناهج الحكومية، كما أنها باللغات العربية والكردية والسريانية.

ويضاف لذلك أن العديد من السجون والمخيمات في مناطق "قسد" تأوي الآلاف من عناصر "داعش" ومعظمهم من الأجانب، وهذا هو أحد أكثر الملفات تعقيدًا وحضورًا في المخاوف الأمريكية.

ومن المفارقة أن المناطق التي تسيطر عليها "قسد"، تتركز فيها معظم ثروات سوريا، سواءً النفطية والغازية، أو الزراعية والمائية، فمناطق الشمال والشرق تعتبر خزان "النفط والغاز" السوري.

ويتواجد في مناطق سيطرة "قسد" معظم الاحتياطي النفطي السوري، والبالغ 2.5 مليار برميل، بحسب إحصاءات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، كما أنها تضم أكبر الحقول، كحقل السويدية، وحقل الرميلان، وحقول دير الزور، كحقل العمر، بحسب بيانات منصة "الطاقة".

وتُنتج مناطق "قسد" قرابة نصف إنتاج سوريا الزراعي، بأكثر من مليون و760 ألف طن، وفق إحصائيات عام 2011، كما أنها تسيطر على أهم 3 سدود مائية في البلاد، وهي "الطبقة" و"البعث" بريف الرقة، وكذلك "سد تشرين" في ريف حلب الشمالي.

الواقع الميداني

بعد وصول قوات إدارة العمليات العسكرية من إدلب إلى مدينة حلب بادرت "قسد" بالانتشار خارج مناطق سيطرتها الأساسية، وعبرت نهر الفرات وانتشرت في مناطق سيطرة النظام السابق على الضفة المقابلة، قبل أن تنسحب من جزء منها بعد الاستحواذ على مستودعات الأسلحة والمعدات والعربات العسكرية لقوات النظام السابق، والتي ساعدت "قسد" في الفرار من تلك المناطق، كما نقلت بعض المنشآت الصناعية العامة مثل الأفران والمطاحن ومخازن القمح والشعير في هذه المناطق، فيما استمرت بتمسكها ببعض المناطق لاستخدامها في خط دفاعي متقدم، ولكي تعزز أوراق تفاوضها مع الإدارة السورية الجديدة.

مرحلة التفاوض

تعتمد "قسد" على علاقتها الوطيدة مع واشنطن لحماية تواجدها على الأراضي السورية، ولا يقتصر الأمر على ذلك بل تسعى أيضًا إلى تحركات على الحدود لمواجهة التهديد التركي، وفي سياق التحركات، اجتمع قائد "قسد" مظلوم عبدي، برئيس إقليم كردستان العراق "مسعود بارزاني" في كردستان العراق، لبحث التطورات الأمنية والسياسية في الساحة السورية، وكان من أهم مخرجات اللقاء الكردي هو التشديد على أن الأطراف الكردية في سوريا من حقها أن "تقرر مصيرها بدون أي تدخل وبطرق سلمية" وذلك عبر توحيد الصفوف الكردية والتوصل إلى اتفاقيات حول ذلك مع الإدارة السورية الجديدة.

وتبع ذلك اجتماع لـ"مظلوم عبدي" زعيم "قسد" مع أحمد الشرع، قائد الإدارة السورية الجديدة، واتفق الطرفان على عدم تقسيم البلاد، كما اتفقوا على وحدة وسلامة أراضي الجمهورية السورية، وضرورة حل المشكلات العالقة عبر الطرق السلمية على طاولة المفاوضات.

وعلى الرغم من رفع الإدارة الذاتية الكردية التابعة لـ "قسد" علم الثورة السورية على المؤسسات الحكومية، وتأكيد مظلوم عبدي زعيم "قسد" على الاستعداد لحلّها، والانضمام إلى الجيش الوطني السوري، إلا أن هناك ثمة شروط لـ"قسد".

وما زالت المفاوضات مستمرة بين الإدارة السورية الجديدة من ناحية، وقيادات تنظيم "قسد" من ناحية أخرى، في إطار التوصل إلى اتفاق حول حلّ التنظيم نفسه والانطواء تحت لواء الجيش السوري الوطني، وتسليم المناطق الواقعة تحت سيطرته إلى الإدارة السورية الجديدة.

ورقة الحل العسكري

يبقى سيناريو تدخل تركيا عسكريًا بعمل بري واسع ضد "قسد" احتمالًا قائمًا؛ خاصة في حال فشل المساعي التفاوضية التي تعمل عليها الولايات المتحدة والإدارة السورية الجديدة، ومؤخرًا حكومة إقليم كردستان العراق التي تتمتع بعلاقات جيدة مع الجانب التركي، وتعمل بشكل حثيث في المرحلة الحالية على ضمان تفكيك آمن للتنظيمات التابعة لحزب العمال الكردستاني وفصلها عن القوى السياسية الكردية في سوريا، وتوحيد صفوف القوى الكردية السورية الوطنية ضمن كتلة واحدة تشارك في خطوات بناء الدولة الجديدة.

كلمة أخيرة

يشير الواقع الحالي في إطار النظر إلى المواقف المحلية والدولية إلى أن مصير "قسد" لن يكون مختلفًا عن مصير أيّ فصيل عسكري آخر داخل الأراضي السورية، ويجري التعامل معه على هذا الأساس دون منحه أيّ خصوصية، لكن أهمية المناطق التي يسيطر عليه التنظيم وحساسيتها الأمنية مع استمرار وجود خلايا تنظيم "داعش" بها، يجعل معالجة ملف سيطرة "قسد" على هذه المناطق تأخذ وقتًا أطول بسبب حاجتها لتنسيق وتوافق إقليمي ودولي، وقد ينتج عن هذه التفاهمات ضمان استبدال هذا التنظيم بتشكيلات أخرى مكافئة ومقبولة من جانب تركيا وقوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.

أعلى