الرد الباهت!

هل حقق حزب الله بضربته العسكرية الأخيرة أهدافه؟، ولماذا عبر العدو الصهيوني عن رضاه عن الأوضاع وأنه لن يسعى إلى توسيع الحرب أو الرد على الرد؟ وما الذي تبقى لحزب الله من رصيد فيم يدعيه من دعم المقاومة في فلسطين؟


الباهت مشتقة من البهتان، واللون الباهت هو الكالح، عكس الشفاف، لأن الشفاف لون طبيعي غير أنه يشف، أي يظهر ما تحته.

والبهتان هو الزور والكذب، وكأن الكاذب يطلي كلامه بطلاء من الخزي ليخفي الحقيقة، فالكلام باهت والوجه مبهوت والمصدر بهتان، وبهت الذي كفر أي خرس وقضب وجهه حين كُشف أمره وبطُلَت حجته.

وهذا ما يمكن أن نصف به رد حزب الله على اغتيال قائده العسكري فؤاد شكر.

وهذا الرد الباهت هو الذي دفع مسئول صهيوني ليقول في تصريح نشرته صحيفة يسرائيل اليوم، في أعقاب قيام طائرات حزب الله المسيرة بالهجوم على أهداف عسكرية صهيونية في شمال لبنان: "إذا كان حزب الله راضيًا عن رده اليوم فإن إسرائيل لن توسع الحملة وسيمكن إغلاق ملف اغتيال فؤاد شكر"

وأضافت الصحيفة بأن "إسرائيل" أرسلت رسالة لمجموعة من الأطراف الأجنبية للمساعدة في منع التصعيد، وأن الرسالة تفيد بأنها تحركت لإحباط هجوم من حزب الله لكنها لا تنوي تحويل ذلك لحرب واسعة النطاق.

ولكن هناك من يعتبر رد حزب الله على اغتيال قائد قواته العسكرية فؤاد شكر في لبنان منذ أسابيع من قبل جيش دولة الكيان الصهيوني هو نجاح.

فهل نجح حزب الله إذن في الرد؟ وهل استطاع الحزب اختراق الدفاعات الاسرائيلية وتوجيه طائراته المسيرة نحو هدف استراتيجي كما يقول، ونجحت تلك الطائرات من قصف القواعد العسكرية الصهيونية في شمال فلسطين كما يزعم.

أم أن الكيان الصهيوني قد تمكن من توجيه ضربة استباقية بقصف الأهداف العسكرية للحزب قبل انطلاقها، بل استطاع جيش الكيان إسقاط كثير من الطائرات المسيرة التابعة للحزب والحيلولة دون الوصول إلى أهدافها، كما يقول نتنياهو في تصريحاته التي أعقبت القصف؟

أين الحقيقة ومن هو الصادق؟ ومن هو الكاذب؟

لمعرفة ما جرى وأثر ذلك على المقاومة الفلسطينية، لابد من تتبع تفاصيل الضربة الصهيونية الاستباقية ورد حزب الله عليها، ثم نتناول أهداف كل من الكيان والحزب في الصراع الدائر منذ اندلاع طوفان الأقصى.

حقيقة الضربات المتبادلة

في فجر يوم الأحد، أعلنت إذاعة الجيش الصهيوني، أن الجيش اكتشف أن حزب الله كان يعتزم إطلاق مئات الصواريخ باتجاه وسط إسرائيل الساعة الخامسة صباحا، لذا تم الهجوم الاستباقي قبل نصف ساعة باستخدام 100 طائرة شاركت في الهجوم على أكثر من 200 هدف في لبنان.

 

 بعد طوفان الأقصى بعدة أيام أعلن حزب الله دخوله المعركة بطريقته الخاصة، وهي إطلاق صواريخ ومسيرات تجاه مواقع عسكرية صهيونية في شمال فلسطين في مدى جغرافي معين، وفق قواعد اشتباك التزم بها الطرفان

ونقلت قناة آر تي الروسية، تأكيد مصادر لبنانية ومن داخل الكيان، أن الجيش الصهيوني قد نفذ أكثر من أربعين غارة على مناطق في جنوب لبنان.

بينما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية نقلا عن مسؤول استخباراتي غربي، أن الهجوم الاستباقي الإسرائيلي استهدف منصات إطلاق الصواريخ في لبنان التي كانت مبرمجة لإطلاقها في الساعة الخامسة صباحًا باتجاه تل أبيب، وأضاف المسؤول أن جميع المنصات المستهدفة تم تدميرها.

تبدأ رواية حزب الله في أعقاب نشر الكيان الصهيوني أنباء ضربته الاستباقية، فسارع الحزب الى اصدار بيان ذكر فيه أنه أطلق نحو الكيان 320 من صواريخ الكاتيوشا، ومن المسيرات الكثير والكثير على حد تعبير بيان الحزب، وأن أهدافه كانت 11 ثكنة عسكرية، هذا عدا عن هدف هام، أرجأ مسألة الكشف عنه إلى وقت لاحق.

في حين قالت القناة 12 الإسرائيلية إن حزب الله خطط لإطلاق 600 صاروخ تجاه إسرائيل في هذا الهجوم.

وفي بيان تالي للحزب، أضاف فيه أن هجوم الصواريخ شمل قواعد ميرون وجعتون والسهل ويردن وعين زيتيم وثكنات كيلع ويوآف ونفح وراموت نافتاليإلى، وأن تفاصيل جديدة سيتم الإعلان عنها بعد قليل في كلمة للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله.

ولاحقًا، بث حزب الله صورًا للقواعد والثكنات العسكرية التي قال إنه استهدفها في المرحلة الأولى من رده.

ثم جاءت كلمة حسن نصر الله، فصبغها بصبغته الطائفية، فقال سنسمي عمليتنا اليوم بعملية (يوم الأربعين) ويقصد أربعين يومًا على ذكرى قتل الحسين رضي الله عنه.

ثم تطرق إلى العملية، فنفى الرواية الصهيونية ووصفها بأنها سردية "إسرائيلية" كاذبة وفشل استخباري. وعمليتنا أُنجزت كما خطط لها بكل تفاصيلها، وشدد الأمين العام للحزب على أن الكيان لم يكن يمتلك أي معلومات استخبارية.

واستدل على نجاحه، بوصول المقاومة إلى ضرب مقر قاعدة غيليلوت وهي قاعدة استخباراتية وتتواجد بها وحدة 8200 التجسسية، وبعد ذلك سارع الجيش الصهيوني إلى نفي استهداف ذلك المقر.

وبعد المقدمة الدعائية، وصل نصر الله إلى مغزى خروجه فقال: نحن قلنا -في رد أولي- هل أقفل هذا الملف؟ أقول لكم نحن سنتابع نتيجة تكتم العدو، إذا كانت النتيجة مرضية فنحن نعتبر أن عملية الرد تمت وإذا لم تكن النتيجة في نظرنا كافية سنحتفظ بحق الرد حتى وقت آخر.

وهذه الجملة التي قالها نصر الله، هي بمثابة رد على الرسالة الإسرائيلية والتي ذكرناها سابقًا ونقلتها صحيفة يسرائيل هيوم عن مسئول إسرائيلي والتي ذكر فيها "إذا كان حزب الله راضيًا عن رده اليوم فإن إسرائيل لن توسع الحملة وسيمكن إغلاق ملف اغتيال فؤاد شكر"

صراع الاستراتيجيات

بعد طوفان الأقصى بعدة أيام أعلن حزب الله دخوله المعركة بطريقته الخاصة، وهي إطلاق صواريخ ومسيرات تجاه مواقع عسكرية صهيونية في شمال فلسطين في مدى جغرافي معين، وفق قواعد اشتباك التزم بها الطرفان، وذلك من حيث نوعية السلاح المستخدم والعمق الجغرافي للاستهدافات، باستراتيجية معلنة من الحزب تقوم على ما أطلق عليه المساندة والإشغال، ويعني به مساندة المقاومة الفلسطينية في غزة، وتعزيز موقفها في حرب العصابات التي تقودها، بغرض إشغال الكيان الصهيوني عن تكريس كل قوته ضد المقاومة.

 

وثاني خسارة استراتيجية لحزب الله، هي تراجع دوره ووظيفته كحصان طروادة داخل جماهير أهل السنة، فسقطت شعبيته كمقاوم ومساند للمقاومة للفلسطينية. فانكشفت مسرحياته وألاعيبه

ومن الملاحظ أن تدخل حزب الله في المعارك لم يؤدِ إلى وقف الحرب على غزة، حيث استمر الكيان الصهيوني في حملة الإبادة الجماعية والتجويع ضد أهل غزة دون رادع.

ولكن جيش الكيان الصهيوني كان على فترات ولحسابات خاصة به، يكسر قواعد الاشتباك ويجعل مواجهاته مع حزب الله تتخطى تبادل قصف المواقع والبنى التحتية إلى عمليات الاغتيال، ناقلا الصراع إلى مرحلة جديدة، حيث نجح باستهداف قادة من المقاومة الفلسطينية المتواجدين داخل معاقل الحزب الجغرافية في لبنان، بل امتدت حملة الاغتيالات إلى استهداف قادة الحزب عبر عمليات عسكرية وأمنية، تجاوزت حدود جنوبي لبنان إلى سوريا ومعقل الحزب في الضاحية الجنوبية لبيروت.

حتى وصل تجاوزات جيش الكيان قواعد الاشتباك إلى اغتيال القائد العسكري للحزب فؤاد شكر.

ويبقى السؤال لماذا أقدم الكيان على مثل هذه الخطوة المستفزة؟

ومن الواضح أن الكيان الصهيوني أراد جر الحزب إلى مربع جديد في الصراع، فإن سكت الحزب أو رد ردًا باهتًا، فإن الكيان قد استعاد وحقق الردع المفقود منذ طوفان الأقصى، وإن رد الحزب بحرب شاملة فإن الكيان الصهيوني بمساندة أمريكية سيكون له المبرر، لإشعال حرب شاملة على لبنان يدفع فيها قوات الحزب العسكرية إلى شمال نهر الليطاني وبذلك يستعيد الهدوء لمستوطناته الشمالية، بل سيجعل الحزب في مواجهة باقي طوائف الشعب اللبناني من أهل سنة وموارنة ودروز، والمتضررين بالتأكيد من القصف الصهيوني والذي تسبب فيه مغامرات الحزب، والتي يدركون أنها ليست بغرض التعاطف مع الفلسطينيين ولكن لأن الحزب أداة إيرانية تنفذ به مخططاتها في المنطقة.

ولذلك وجد الحزب نفسه في مأزق بعد اغتيال فؤاد شكر، وكل الخيارات له أضرارها، فاختار أخف الأضرار وهو الرد الباهت.

وهذا ما حاول نصر الله أن يلمح إليه في خطابه بعد الرد، إذ قال بالحرف: الذي ذهب إلى هذا المستوى في التصعيد وقصف الضاحية هو "الإسرائيلي"، ومن الطبيعي أننا أعلننا ردنا على العدوان من أجل تثبيت المعادلات.

وعبر عنه أيضًا الحزب بالأفعال، فلم يقدم على توسعة الحرب، وإلا فلماذا نأى بنفسه عن استخدام ما في مخزونه من صواريخ دقيقة وذكية؟ 

ولكن لا يستطيع الحزب أن يخرج للناس ويقول هذا، لذلك انطلقت آلة الحزب الدعائية وأبواقه في المنطقة، بأننا رددنا وانتصرنا ومسيّراتنا وصلت لأهدافها.

ولكن خسارة الحزب على المستوى الاستراتيجي واقعة، وهي تراجع وظائفه والتي نشأ من أجلها وحرص الزارعون له في المنطقة على تحقيقها، وهم بالطبع الإيرانيون، في كونه أولا أداة تشاغل بها إيران وتناطح الكيان الصهيوني، ليعترف بها الغرب كلاعب إقليمي أساسي في المنطقة يحق لها تقاسم النفوذ معه، وثاني خسارة استراتيجية لحزب الله، هي تراجع دوره ووظيفته كحصان طروادة داخل جماهير أهل السنة، فسقطت شعبيته كمقاوم ومساند للمقاومة للفلسطينية. فانكشفت مسرحياته وألاعيبه، وظهر ضعف أدائه العسكري وانكشافه مخابراتيا، ولعل قصف كتائب القسام تل أبيب عاصمة الكيان الصهيوني في نفس يوم رد الحزب، والتي انطلقت صاروخها من جنوب غزة حيث عمليات الجيش الصهيوني على أشدها وتغطي سماءها الأقمار وطائرات التجسس ليلا ونهارا، هي أبلغ رد في تعبير المقاومة عن خيبة أملها في تلك المساندة المزعومة، وأنها ستواصل المقاومة بإمكانياتها الذاتية والتفاف جماهير الأمة المتعاطفة معها والتي ترى فيها الأمل لمستقبل جديد.

 

أعلى