• - الموافق2024/11/21م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
إسماعيل هنية.. رئيس المكتب السياسي لحماس

في تطور مفاجئ ومؤلم، أعلنت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) عن وفاة رئيس مكتبها السياسي، إسماعيل هنية، جراء غارة إسرائيلية استهدفت مقر إقامته في طهران، جاء هذا خلال مشاركته في احتفال تنصيب الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان.، فمن هو إسماعيل هنية؟


وُلِدَ إسماعيل عبد السلام أحمد هنية في 29 يناير 1962م في مخيم الشاطئ للاجئين في قطاع غزة، حيث لجأت أسرته من قرية الجورة في عسقلان بعد عام 1948م، وقضى طفولته في المخيم ونشأ وهو يرى كيف يواصل الفلسطينيون البحث عن دولة على خلفية صراعهم الطويل الأمد مع الاحتلال الصهيوني، تلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي في مدارس تشرف عليها وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، ثم أكمل دراسته الثانوية في المعهد الأزهري بغزة، ليواصل تعليمه العالي في الجامعة الإسلامية بالقطاع في عام 1987م، وقد ركز على دراسة الأدب العربي في الجامعة، التي عمل بها لاحقًا وتولى منصب مديرها للشؤون الأكاديمية، وقد انخرط هنية في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) أثناء دراسته الجامعية.

تعرض هنية للاعتقال من قبل إسرائيل عدة مرات؛ فمع اندلاع الانتفاضة الأولى في عام 1987م اعتقلته السلطات الإسرائيلية لمشاركته في الاحتجاجات وتم إطلاق سراحه بعد وقتٍ قصير، وفي عام 1988م مع صعود حماس إلى الواجهة في غزة، تم اعتقاله مجددًا وتم سجنه لمدة 6 أشهر، وفي العام التالي تم اعتقاله مرة أخرى وحُكِمَ عليه بالسجن لمدة 3 سنوات، وفي ديسمبر 1992م تم ترحيله مع المئات من أعضاء حماس ومقاتلي حركة الجهاد الإسلامي إلى جنوب لبنان، وقد عاد إلى غزة بعد قضائه عامًا في المنفى بلبنان إثر توقيع اتفاق أوسلو، لكن لم يبرز اسم هنية إلا بعدما تولى إدارة مكتب مؤسس حركة حماس، الشيخ أحمد ياسين، الذي كان يعاني من الشلل الرباعي واغتالته إسرائيل في عام 2004م، وكان من الملاحظ أن طوال فترة تواجد هنية في قطاع غزة وحتى مع تدرجه في المناصب العليا لحركة حماس، أنه ظل يعيش في منزله المتواضع الذي يقع في أحد أزقة مخيم الشاطئ، وهو المخيم ذاته الذي وُلد فيه.

 

دعا اثنان من كبار المسؤولين الأمريكيين مؤخرًا إلى اتخاذ إجراء عسكري ضد حماس التي يتواجد بعض قادتها في الدوحة، وقالوا إنه لا بد من تحرك عسكري إذا لم تسلم السلطات القطرية قادة حماس للولايات المتحدة أو إسرائيل.

الصعود السياسي والتحديات

بدأت علاقات هنية بحماس في منتصف التسعينيات، وقد ارتقى في المناصب داخل الحركة إلى أن أوصلته الانتفاضة الثانية إلى واجهة القضايا الفلسطينية، كانت الانتفاضة الثانية فترة من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي المكثف الذي بدأ في سبتمبر 2000 واستمر لعدة سنوات.

وبعد الانتخابات الديمقراطية في الأراضي الفلسطينية، أصبح إسماعيل هنية رئيسًا لوزراء السلطة الفلسطينية في عام 2006م بعد فوز حماس المفاجئ في الانتخابات البرلمانية، لكن المجتمع الدولي رفض التعامل مع أي حكومة تشارك فيها حماس ما لم تتخل عن المقاومة وتعترف بإسرائيل وباتفاقات السلام السابقة، وزادت الأمور سوءًا مع غياب التفاهم بين حركة حماس مع حركة فتح، فقام رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في 14 يونيو 2007م بعزل هنية من منصبه خلال ذروة الصراع بين الحركتين، لكن لم تعترف حماس بالمرسوم واستمر هنية في ممارسة سلطات رئيس الوزراء في قطاع غزة،

في تلك السنوات كان هنية هو المرشح الأوفر حظًا لتولي رئاسة السلطة الفلسطينية خلفًا لمحمود عباس، حيث أظهرت استطلاعات أجرها المركز الفلسطيني للسياسات والأبحاث آنذاك أن هنية سيحصل على 58% من الأصوات مقابل 37% فقط لعباس، في حال أُجريت انتخابات جديدة. كان هنية حريصًا في كثير من الأحيان على فتح الباب أمام المصالحة الوطنية مع السلطة الفلسطينية، وأعلن قبوله التنازل عن رئاسة الحكومة المقالة في غزة في إطار مصالحة شاملة تكون حكومة وفاق وطني أبرز ثمارها، ونتيجة لذلك تم الإعلان عن حكومة جديدة يوم 2 يونيو 2014م برئاسة الأكاديمي رامي الحمدالله، وهنأ هنية الشعب الفلسطيني بتشكيل تلك الحكومة، قائلًا: "إنني أسلم اليوم الحكومة طواعية وحرصًا على نجاح الوحدة الوطنية والمقاومة بكل أشكالها في المرحلة القادمة"

بحلول سبتمبر 2016م، كانت هناك مؤشرات في التقارير تفيد بأن هنية سيخلف خالد مشعل كرئيس للمكتب السياسي لحماس بعد أن أكمل مشعل فترته، وبالفعل فقد تم انتخابه رئيسًا للمكتب السياسي لحماس في 6 مايو 2017م في وقتٍ كانت تسعى فيه حركة حماس إلى التخفيف من عزلتها الدولية دون التخلي عن مبادئها وسياساتها وموقفها الثابت بعدم الاعتراف بإسرائيل.

كان هنية أكثر انفتاحًا على إجراء محادثات مع الوسطاء الدوليين حول حل الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي والتوصل إلى السلام العادل في المنطقة، لكن شريطة إنهاء الاحتلال واستعادة الحقوق الفلسطينية.

في المنفى الاختياري

تستند القيادة السياسية لحركة حماس إلى شخصيتين رئيسيتين؛ إسماعيل هنية الذي يمثل جناح القيادة الخارجية، ويحيى السنوار الذي يُنظر إليه كرمز للجناح السياسي في غزة. أما كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري للحركة، فيقودها محمد الضيف، وهو شخصية نادرة الظهور علنيًا، وقد نجا مرارًا من محاولات اغتياله من قبل إسرائيل. يجسد هنية الجيل الذي يجمع بين التقاليد والحداثة داخل حماس، عادةً ما كان يظهر كخطيب مفوه ومدافع بقوة عن الحق في المقاومة، ورغم التقارير الغربية التي تصفه أحيانًا بأنه "متوازن ووسطي"، إلا أن الدعاية الصهيونية في الغرب كانت الأعلى صوتًا دائما،

في ظل المنفى الاختياري الذي يعيش فيه بين قطر وتركيا، دعا هنية إلى الجمع بين المقاومة المسلحة والنضال السياسي، مستمرًا في الحفاظ على علاقات جيدة مع قادة مختلف الفصائل الفلسطينية، وقد دعا اثنان من كبار المسؤولين الأمريكيين مؤخرًا إلى اتخاذ إجراء عسكري ضد حماس التي يتواجد بعض قادتها في الدوحة، وقالوا إنه لا بد من تحرك عسكري إذا لم تسلم السلطات القطرية قادة حماس للولايات المتحدة أو إسرائيل.

 

 أكد هنية على أن سكان غزة لن يهاجروا من أرضهم، وقد شارك هنية في العديد من المبادرات والجهود الرامية إلى معالجة أي انقسام سياسي يعيق تحقيق الأهداف الفلسطينية المتمثلة في رأب الصدع بين الفصائل

في منفاه أيضا؛ تلقى هنية أنباء وفاة ما يقرب من 60 شخصًا من أفراد عائلته قتلوا خلال الحرب الإسرائيلية الحالية على غزة، وقد انتشرت تصريحاته بعدما تلقى خبر وفاة عدد من أبنائه وأحفاده، حين قال إن دماء أبنائه وأحفاده الشهداء ليست أغلى من دماء أبناء الشعب الفلسطيني، وإنه يشكر الله على هذا الشرف الذي أكرمه به باستشهاد أبنائه الثلاثة وبعض الأحفاد، ولفت إلى أن "العدو واهم إذا ظن أنه بقتله أبنائي سنغير مواقفنا تجاه مساعي اتفاق الهدنة أو وقف إطلاق النار، ولن ينجح في أهدافه".

شخصية محورية

يُوصف هنية من قبل من عرفوه بأنه شخصية هادئة ويمتاز بخطاب رصين ومنفتح على مختلف الفصائل، حتى تلك المنافسة لحركته. ورغم هذه الصورة المطمئنة، أدرجته الولايات المتحدة في عام 2018 في قائمة "الإرهابيين"، وقالت وزارة الخارجية الأمريكية في إطار تفنيدها للأمر إن "هنية له صلات وثيقة بالجناح العسكري لحماس وكان مؤيدًا للكفاح المسلح"، وقد جاء القرار الأمريكي في فترة توتر الأوضاع بين واشنطن والفلسطينيين بسبب قرار الرئيس السابق دونالد ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، لكن حركة حماس وصفت القرار بأنه "مثير للسخرية"، وأضافت "كأننا كفلسطينيين نبحث عن شهادة حسن سلوك عند الولايات المتحدة".

برز اسم هنية مجددًا على الساحة الدولية بعد هجوم طوفان الأقصى الذي شنته حركة حماس على مستوطنات غلاف غزة، وأعرب هنية عن تفاؤله الكبير بالعملية، قائلاً: "نحن على موعد مع النصر العظيم"، وشدد على أهمية استمرار النضال الفلسطيني لاستعادة الأرض، وفي ظل الهجمات الإسرائيلية على غزة، وصف هنية عدوان إسرائيل على غزة بأنه "جرائم حرب"، مطالبًا بوقفها واحترام القانون الدولي الإنساني، كما أكد هنية على أن سكان غزة لن يهاجروا من أرضهم، وقد شارك هنية في العديد من المبادرات والجهود الرامية إلى معالجة أي انقسام سياسي يعيق تحقيق الأهداف الفلسطينية المتمثلة في رأب الصدع بين الفصائل وإقامة الدولة الفلسطينية.

في مساواة ساخرة بين الضحية والجلاد؛ أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في مايو الماضي عن تقديمه طلبًا للمحكمة لاستصدار أمر اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت، وكذا في حق هنية ومحمد الضيف ويحيى السنوار بتهم ارتكابهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وقال المدعي العام للمحكمة إن هناك أسبابًا معقولة للاعتقاد أن كلا من هنية والضيف والسنوار، مسؤولون عن ارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية في إسرائيل!

اغتيال غادر

جاء اغتيال هنية بعد ساعات فقط من إعلان إسرائيل أنها قتلت القائد العسكري الأعلى لحزب الله، فؤاد شكر، في غارة جوية على ضاحية جنوب بيروت ردًا على هجوم صاروخي أسفر عن مقتل عدد من الإسرائيليين، هناك مخاوف من أن تؤدي الوفيات إلى تصعيد التوترات بين إسرائيل وحزب الله وإيران، مما يهدد الجهود الدبلوماسية العالمية لمنع اندلاع صراع إقليمي واسع النطاق.

نجا هنية من محاولة اغتيال في سبتمبر 2003م، عندما قصفت طائرة إسرائيلية المنزل الذي كان يعقد فيه اجتماعًا مع الشيخ أحمد ياسين، وقد أصيب حينها بجروح طفيفة، وفي يوليو 2006م، قصفت إسرائيل مكتب هنية كجزء من عملية ضخمة ولكن فاشلة لتحرير جندي صهيوني وقع في قبضة حماس، من المؤسف أن الغارة الصهيونية غادرة التي استهدفت مقر إقامته في طهران لم تفلته هذه المرة، حيث استشهد هنية برفقة حارسه الشخصي المكلّف بتأمين مقر إقامته، لتظل سيرة هنية مليئة بالتحديات والأسرار، مما يجعله شخصية محورية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وأثره على السياسة في المنطقة يتجاوز مجرد كونه قائدًا لحركة حماس.

 

أعلى