• - الموافق2024/11/29م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
ما وراء عودة العلاقات الروسية الأفغانية

لماذا غيرت روسيا موقفها من حركة طالبان كحركة ضمن قائمة الإرهاب، إلى الاعتراف بها كونها السلطة الفعلية في أفغانستان، هل لتغير في طبيعة الحركة أم أن التغيرات الجيوسياسية وطبيعة الصراعات السياسية القائمة دفعت روسيا إلى اتخاذ هكذا خطوة؟


في تصريحات صحافية مفاجئة منذ أيام، قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، إن بلاده سترفع حركة طالبان من قائمة المنظمات الإرهابية في روسيا.

ونقلت وكالة أنباء ريا نوفوستي الروسية عن لافروف قوله: اتخذت كازاخستان مؤخرا قرارا، وسنتخذه أيضا، ويهدف إلى شطب طالبان من قائمة المنظمات الإرهابية في روسيا.

ويواصل لافروف حديثه الذي جرى على هامش زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى طشقند في أوزبكستان، مبررا القرار قائلا: إنهم (يقصد طالبان) يمثلون السلطة الفعلية في أفغانستان.

فهل يمكن اعتبار هذا الموقف الجديد تطورا على صعيد العلاقات الروسية الأفغانية؟

فمنذ العودة الأخيرة لحركة طالبان إلى السلطة في أفغانستان في أغسطس 2021، اتسم الموقف الروسي بالسلبية، وفي نفس الوقت بالحذر والترقب بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وخاصة أن الأمريكان تركوا حركة طالبان تبسط سيطرتها على البلاد.

ولكن مؤخرا بعد رفع اسم الحركة من قائمة المنظمات الإرهابية، بدأ التساؤل عن سر هذا التطور المفاجئ الروسي، وفي توقيته أي بعد مرور ثلاث سنوات على عودة طالبان للحكم؟

فكيف نفهم هذا التغير في موقف روسيا؟ للإجابة على هذا التساؤل: علينا أولا تتبع تاريخ العلاقة بين روسيا وطالبان، ثم نبحث في حجم التغيرات التي طرأت على طبيعة النظام السياسي الذي تقوده طالبان، وأخيرا تطورات الصراع الدولي وحرب روسيا في أوكرانيا.

 

 سمحت روسيا بتعيين أول دبلوماسي يمثل حكومة حركة طالبان في مارس من عام 2022. وفي يونيو من العام ذاته، شارك وفد للحركة في منتدى بطرسبورغ الاقتصادي الدولي

طالبان وروسيا... من عدم الثقة إلى الباب المفتوح

أفغانستان يتم تصنيفها في علم الجغرافيا السياسية كدولة حبيسة أي التي لا تُطل على البحر أو المحيطات وتحيطها اليابسة من كل جهة.

ويرى عبد الرحمن شلقم وزير خارجية ليبيا ومندوبها السابق لدى الأمم المتحدة، أن قدر أفغانستان كان مربوطاً بأقدار الإمبراطوريات التي تدخلها عنوة وبالقوة، لحسابات يكتبها صراع القوى الكبرى.

ويمضي شلقم شارحا فيقول: لكن الجغرافيا التي جعلت من البلاد الحبيسة بوابة تُفتح بقوة سلاح القادم المحتل، وتُغلق بقوة الجهاد الذي تُشعله قوة الإسلام، وترغم الحكام الذين يحضرهم المحتل على الهرب إذا قدر لهم النجاة من القتل ا.ه.

والآن وصلت القوى الكبرى إلى قناعة أنها لا يمكن أن تحتل هذا البلد، وأنه عليها احتواءها بوسائل أخرى.

وروسيا من بين تلك القوى التي وصلت إلى هذه القناعات.

وتنظر روسيا إلى أفغانستان امتداداً لنظرتها إلى آسيا الوسطى، التي تعتبرها روسيا حديقتها الخلفية، خاصة أن الجزء الأكبر من آسيا الوسطى كان جزءًا من جغرافية روسيا في وقت ما، في فترة بزوغ الاتحاد السوفيتي.

ونظراً للأهمية البالغة لآسيا الوسطى، سعت روسيا إلى إنشاء وتعزيز تحالفات إقليمية كمنظمة معاهدة الأمن الجماعي، ومنظمة شانغهاي للتعاون وغيرهما من الترتيبات الأمنية والسياسية والاقتصادية متعددة الأطراف. وكذلك سعت روسيا إلى توثيق علاقاتها الأمنية الثنائية للحيلولة دون وصول التهديدات من أفغانستان إلى عمقها الاستراتيجي وتسربها إلى حدودها، وكذلك الحد من نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية في آسيا الوسطى.

أما بالنسبة لطالبان بالذات، فلم تكن الحركة مشاركة كمنظمة في الجهاد ضد الاتحاد السوفيتي والذي أعقب غزوه لأفغانستان، لأن الحركة ببساطة قد تم تأسيسها في منتصف التسعينيات، أي بعد الانسحاب السوفيتي من البلاد بنحو خمس أو ست سنوات.

ولكن أفرادًا داخل الحركة، فإن كثيرا من قيادات طالبان قد شاركت في تلك الحرب، حتى أنه تردد أن الملا عمر مؤسس الحركة قد فقد أحد عينيه في تلك الحرب.

في بداية تأسيس حركة طالبان، أثّر عاملان على العلاقات الروسية مع طالبان:

العامل الأول هو تحول السياسة الروسية في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي لتكون تابعة للغرب، والذي كان يضع الجماعات الاسلامية كعدوه الأساسي.

أما العامل الثاني فقد كان اندلاع الحرب في الشيشان في الداخل الروسي مطالبة بالاستقلال، واندفاع كثير من الجماعات الاسلامية لمساندة جهاد الشيشان، صحيح أن طالبان لم تكن تأسست بعد في بداية الحرب، أو كانت في مرحلة التأسيس عند استمرار حرب الشيشان، ولكن صنّف النظام الروسي منذ ذلك الوقت الجماعات الاسلامية كلها بالإرهابية، واعتبر نفسه في حالة حرب معها.

وفي عام 2003، تم حظر حركة طالبان في روسيا، بموجب قرار من المحكمة العليا.

 

الملاحظ أن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، تم قبل بضعة شهور من الغزو الروسي لأوكرانيا، والتي أجبرت فيه الولايات المتحدة روسيا على هذا الغزو، لاستنزافها وتوريطها لتنضم إلى السرب الغربي

وعندما عادت حركة طالبان إلى السلطة في أفغانستان عام 2021، إثر الانسحاب الأمريكي، حاولت كل من روسيا والصين كقوة منافسة للولايات المتحدة ملء الفراغ في تلك المنطقة ذات الجغرافيا السياسية المهمة.

فبينما اعتمدت الصين سياسة ملء ذلك الفراغ بالاستفادة من الآليات الاقتصادية وبرامج التنمية والاستثمار في البنى التحتية في أفغانستان، حاولت روسيا ملء هذا الفراغ من خلال تعزيز وجودها ونفوذها بالاعتماد على الآليات السياسية والمسارات الأمنية.

وبررت روسيا هذا الموقف في تصريح لرئيس أجهزة الأمن الروسية ألكسندر بورتنيكوف، حين قدّر أن طالبان ستتمكن من إعادة ترتيب أمورها الداخلية، إذا لم تمنعها جهات خارجية.

لذلك مارست روسيا استراتيجية الباب الموارب مع الحركة، فبدأت روسيا بمواصلة عمل سفارتها في كابول بشكل اعتيادي، فيما سمحت روسيا بتعيين أول دبلوماسي يمثل حكومة حركة طالبان في مارس من عام 2022. وفي يونيو من العام ذاته، شارك وفد للحركة في منتدى بطرسبورغ الاقتصادي الدولي، ثم في العام الحالي أيضاً، وجهت الدعوة إلى الحركة للمشاركة في نفس المنتدى الذي عقد خلال الفترة من 5 إلى 8 يونيو.

طالبان الجديدة!

هل تغيرت طالبان؟ هل طالبان بعد عودتها الى الحكم في أفغانستان في عام 2021، هي نفسها طالبان حين سقوطها في عام 2001، بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، ومن ثم الاحتلال الأمريكي؟

هناك اتجاهان بين من يتابع الشئون الأفغانية: من يرى أن حركة طالبان لم تتغير في فكرها وسياساتها، ومن هو مقتنع أن طالبان قد تغيرت بالفعل بفعل تبدل الأجيال على المستوى القيادي، وبفعل عشرين عاًما، والتي حتمًا ستصيب الفكر والحركة والاستراتيجيات بالنضوج والتعلم والخبرة.

في النسخة الجديدة من طالبان لا يبدو أن الحركة قد تخلَّت عن دولتها الإسلامية، فهي قد تتجاوز موضوع التسمية فلا تطلق عليها اسم (إمارة)، ولكن لم تتخلَّ عن الحلم أو الهدف الاستراتيجي وهو تأسيس نواة لدولة إسلامية مع بقاء الهدف المعلن أنها في حدود أفغانستان ولا تتعدى حدودها، وأن هذه الدولة لن تكون مصدراً لتهديد أي دولة أخرى.

والواقع فإنه في أعقاب دخولها كابول بعد الانسحاب الأمريكي من ثلاث سنوات، مضت حركة طالبان في مسارين لشكل النظام الجديد:

الأول: مناقشات موسعة أجرتها طالبان داخل صفوفها بين عناصرها والمجموعات المنضوية تحتها، مع استشارة العلماء والفقهاء لضمان عدم مخالفة رؤيتها للشريعة، وأيضاً لضمان قبول كتلٍ جماهيرية لاختياراتها، ولضمان تماسك الحركة واجتماعها.

أما المسار الثاني: فتم مع القوى السياسية والاجتماعية، لضم أكبر مجموعة من هؤلاء داخل النظام الذي شكلته طالبان بعد ذلك.

في المجمل فإن الحركة باتت أكثر انفتاحا في اختياراتها الفقهية، أو في تعاملها السياسي سواء مع القوى المحلية داخل أفغانستان، أو القوى الإقليمية والدولية.

أفغانستان والإلهاء

تؤكد نشرة جيوبولتيك نيوز الكرواتية على حقيقة: أن الوجود الأميركي في أفغانستان كان يحدث استقرارا في المنطقة، وكان هذا الأمر مفيدا لروسيا والصين، فالحرب التي كانت تخوضها أمريكا في أفغانستان لم تكن حربهم، والآن انتقل التركيز على الفوضى وعدم الاستقرار إلى آسيا الوسطى، وحدود روسيا والصين. 

والملاحظ أن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، تم قبل بضعة شهور من الغزو الروسي لأوكرانيا، والتي أجبرت فيه الولايات المتحدة روسيا على هذا الغزو، لاستنزافها وتوريطها لتنضم إلى السرب الغربي، وتتكتل معه في مواجهة الخطر الأكبر على الغرب وهو الصين وذلك وفق الرؤية الأمريكية.

فالانسحاب الأمريكي من أفغانستان حقق للولايات المتحدة هدفين على الصعيد الجيوسياسي:

الأول هو تركيز الإدارة الأمريكية على القضايا الأهم ومحاولة تحييد روسيا في صراعها مع الصين، والثاني هو اشغال روسيا ببؤرة توتر جديدة في حديقتها الخلفية في آسيا الوسطي، والتي طالما مثلت صداعا للدب الروسي منذ سبعينات القرن الماضي ألا وهي أفغانستان.

لذلك سعت روسيا الى نزع تلك الورقة الأمريكية، وهي محاولة استيعاب نظام طالبان، فبدلا من أن يشكل تهديدا لروسيا، يكون على الأقل محايدا.

واتبع الروس استراتيجية متدرجة وبطيئة في التعامل مع طالبان، لاختبار هل هناك تغيير حقيقي كما تعلنه القيادات الطالبانية من أنها لن تتدخل في شئون الدول المجاورة، وأنها أوقفت بالفعل التعامل مع الحركات الإسلامية ذات التوجهات العالمية كالقاعدة؟

وبذلك يمكن وضع الخطوة الروسية الأخيرة بشطب حركة طالبان من قائمة الارهاب الروسية في هذا الإطار.

 

أعلى