• - الموافق2025/06/19م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
هل تندلع الحرب الكبرى؟  سقوط إيران يمهد لصدام إسرائيلي-تركي

قراءة في تقرير لمؤسسة "معهد القدس للأمن والاستراتيجية" (JISS) وتحليل البروفيسور الإسرائيلي إفرايم إنبار، اللذان يحاولان استشراف مستقبل المنطقة ومن يستطيع ملأ الفراغ الذي سيخلفه خروج إيران من حلبة الصراع.


حين تسقط الإمبراطوريات لا يُسمع دوّيها في العواصم، بل في الهامش حيث تصعد قوى جديدة بهدوء ودهاء. بينما يحدّق الغرب في طهران مترنّحَة تحت الضربات، يتحرك لاعب آخر تحت الرادار: تحالف تركي جديد يُعيد كتابة معادلات القوة في الشرق الأوسط، لا بالصواريخ أو الخطابات، بل بنَفَس استراتيجي طويل،

هذا المحور الصاعد لا يستأذن أحداً، ولا يرفع شعارات الثورة، بل ينسج بهدوء خريطة جديدة لنفوذ يمتد من أنقرة إلى باكستان وأذربيجان، مرورًا بدمشق المُنهكة وطرابلس المتروكة.

في هذا التقرير، نقرأ ما بين سطور القلق الإسرائيلي، ونفكك رؤية نادرة لبروفيسور استراتيجي يرى في هذا المحور الجديد تهديداً لا يقل خطورة عن إيران وربما أكثر دهاءً.

ماذا لو نجحت إسرائيل في إخراج إيران من حلبة الصراع الإقليمي؟ لا شك أن هذا سيجعلنا أمام مواجهة محتملة بين قوتين إقليميتين بارزتين: إسرائيل وتركيا.

فلم يعد الصراع القادم متعلقًا بإيران وحدها، بل بالفراغ الاستراتيجي الهائل الذي سيخلفه غيابها كقوة إقليمية تقليدية، وهو ما سيشعل سباقًا على النفوذ قد ينتهي بصدام غير مسبوق بين تل أبيب وأنقرة.

إسرائيل، التي نجحت حتى الآن في تفكيك بنية الحرس الثوري واستهداف منشآت نووية وعسكرية، لا ترى في إيران فقط خصمًا عسكريًا، بل كانت تعتبر وجودها أحد أسباب كبح تمدد قوى سنية طموحة على رأسها تركيا.

أما وقد أصبحت طهران منهكة أمنيًا، فإن إسرائيل ترى نفسها في مواجهة مباشرة مع قوة إقليمية تملك طموحًا توسعيًا ونفوذًا عابرًا للحدود: ألا وهي تركيا الصاعدة

تركيا، بدورها، ترى في غياب إيران فرصة للتموضع الإقليمي، من سوريا إلى العراق إلى شمال إفريقيا. هذا الصعود لا يعتمد فقط على القوة العسكرية، بل على شراكات استراتيجية مع دول المنطقة وهذا ما تعتبره إسرائيل تهديدًا وجوديًا لنفوذها المستقر في الشام ومحيط المتوسط.

الصدام المنتظر لن يكون تقليديًا. سيكون مواجهة شاملة متعددة الأبعاد: بحرية في شرق المتوسط، استخباراتية في شمال العراق وسوريا، واقتصادية عبر شبكات الغاز والتحالفات. دعم الولايات المتحدة لأي طرف قد لا يكون حاسمًا كما كان في الماضي، فواشنطن باتت تتعامل ببراغماتية مفرطة، فيما أوروبا منشغلة بأمن الطاقة واللاجئين أكثر من توازنات الشرق الأوسط.

منصات السوشيال ميديا بدأت فعليًا في تهيئة الرأي العام لهذا السيناريو، عبر تسليط الضوء على تحركات عسكرية تركية غير معلنة شمال سوريا، وتحذيرات إسرائيلية متصاعدة بشأن "الخطر العثماني الجديد".

 في المقابل، تُرصد تعليقات من داخل مراكز الفكر الإسرائيلية تدعو لاحتواء تركي بدلًا من مواجهته، لكن صقور الأمن في تل أبيب يرون أن الصمت اليوم سيقود إلى اشتباك مكلف غدًا.

المعادلة باختصار: إذا أكملت إسرائيل مشروعها في تحييد إيران، فإنها ستقف لأول مرة أمام قوة لا يمكن ضربها جويًا فقط، كما يحدث الآن مع إيران، ولا يمكن السيطرة على نفوذها بالعمليات السرية.

تركيا ليست ميليشيا، وليست نظامًا هشًا. وأردوغان ليس قائدًا يمكن ردعه بسهولة. الصدام بات مرجحًا أكثر من أي وقت مضى، والسؤال لم يعد "هل" بل "متى" و"أين".

 

الحرب الإسرائيلية الأخيرة أضعفت بشكل كبير وكلاء إيران في سوريا ولبنان، مما قلل من قدرة طهران على الردع والحفاظ على نفوذها، وفتح المجال أمام تركيا لملء الفراغ الاستراتيجي.

ما يُرسم اليوم خلف الكواليس هو أخطر من مجرد إعادة تموضع جيوسياسي. إنه إعادة كتابة لقواعد النفوذ الإقليمي بالكامل.

إسرائيل تفكر بلغة الردع الاستباقي، وتركيا تفكر بلغة السيطرة التدريجية. وبين هذه الرؤيتين، قد تجد المنطقة نفسها أمام لحظة انفجار لا تُشبه أي حرب سابقة بل صراع هوية وقوة وهيمنة لن يقف عند حدود دولة أو تحالف.

في ظل التحولات الجيوسياسية المتسارعة التي يشهدها الشرق الأوسط، يبرز محور سنّي جديد يقود تغيرات عميقة في موازين القوى الإقليمية.

تقرير مؤسسة "معهد القدس للأمن والاستراتيجية" (JISS) وتحليل البروفيسور الإسرائيلي إفرايم إنبار، يكشفان عن ديناميات هذا المحور وتأثيره المحتمل على الدور الإيراني التقليدي في المنطقة، داعين الغرب إلى إعادة تقييم استراتيجياته تجاه أنقرة.

خلفية التحول الاستراتيجي

يؤكد إنبار أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كسر التقاليد الكمالية الأرثوذكسية التي حكمت تركيا منذ تأسيسها، متبنيًا أجندة جديدة تمزج بين الإسلام والقومية الطموحة، مستلهمًا من إرث الإمبراطورية العثمانية.

 هذا التحول أعاد تشكيل الهوية التركية السياسية، وأتاح لأنقرة استعادة نفوذها التاريخي في الشرق الأوسط.

انهيار التهديد الروسي وسقوط نظام الأسد.

تفكك الاتحاد السوفيتي وانهيار النفوذ الروسي في المنطقة، إلى جانب سقوط نظام بشار الأسد في سوريا نهاية 2024، أتاحا لتركيا فرصًا استراتيجية للتمدد شرقًا وغربًا.

فقد تمكنت أنقرة من ترسيخ شراكتها بين الشعوب التركية والعربية، مستفيدة من الفراغ الذي خلفته الهزائم الإيرانية في سوريا ولبنان.

عوامل داعمة لصعود المحور:

-        ضعف وكلاء إيران في المنطقة

الحرب الإسرائيلية الأخيرة أضعفت بشكل كبير وكلاء إيران في سوريا ولبنان، مما قلل من قدرة طهران على الردع والحفاظ على نفوذها، وفتح المجال أمام تركيا لملء الفراغ الاستراتيجي.

-        الدعم الغربي غير المباشر

شهدت العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا تحسنًا ملحوظًا خلال فترة ترامب، خاصة عبر صفقات بيع مقاتلات F-35، مما منح أنقرة شعورًا بأنها شريك وليس تهديدًا.

بالمقابل، غابت الرؤية الاستراتيجية الأوروبية، التي انشغلت بقضايا اللاجئين وأمن الطاقة، متجاهلة التحولات الكبرى في التوازنات الإقليمية.

-        التفكيك الداخلي لحزب العمال الكردستاني

نجاح أنقرة في تفكيك حزب العمال الكردستاني عزز من هيمنة أردوغان داخليًا، مما منح حكومته قوة تفاوضية أكبر على الساحة الإقليمية والدولية.

تحذيرات وإنذار الغرب:

يحذر "إنبار" من أن هذا المحور السنّي بقيادة تركيا قادر على قلب موازين القوى التقليدية في الشرق الأوسط، مما يستدعي من الغرب صياغة رد فعل استراتيجي متوازن يضمن إعادة تشكيل النظام الإقليمي بما يحفظ مصالحه .

هذا التوجه يتطلب من الغرب إعادة النظر في استراتيجياته، وتبني مقاربة متوازنة تضمن استقرار المنطقة وتحافظ على مصالحه الحيوية في مواجهة تحديات جديدة تتشكل على الأرض.

وفي خضمّ الانهيارات المتتابعة للأوزان التقليدية في الشرق الأوسط، لا يُمكن تجاهل الصعود التركي كلاعب حيوي يعيد تشكيل التوازنات من جديد، لا كبديل مؤقت لإيران، بل كمشروع استراتيجي ممتد له عمق تاريخي، ودعم شعبي، وأدوات تأثير فعّالة تجمع بين النفوذ العسكري والسيولة المالية.

التوصيات التي خرج بها تقرير مؤسسة "معهد القدس للأمن والاستراتيجية" (JISS) وتحليل البروفيسور الإسرائيلي إفرايم إنبار:

١- مراقبة الدور التركي: ضرورة متابعة تطورات التعاون بين أنقرة والدوحة وتأثيراته على الساحة الإقليمية.

٢-إعادة التموقع الغربي تجاه أنقرة: تطوير استراتيجية واضحة تعيد تقييم العلاقات مع تركيا بعيدًا عن الحسابات المؤقتة.

٣- مراقبة الأطراف الإقليمية: العمل على تفادي صعود محور جديد يعيد رسم خطوط القوة ويهدد الاستقرار الإقليمي.

وبينما تنشغل طهران بلملمة جراحها من الضربات الإسرائيلية، تتقدم أنقرة بثقة نحو مناطق الفراغ.

التحوّل الذي يرصده التحليل الإسرائيلي ليس تنبؤاً سياسياً، بل إقرار مضمر بأن هناك فاعلاً جديداً بات يمتلك الجرأة على تشكيل المشهد، لا فقط التفاعل معه.


أعلى