ترامب الرئاسي الأمريكي الأكثر تباهيا بالقرب من اليهود ودولة الاحتلال، هل تعكس مواقفه وتصريحاته الأخيرة رؤية استراتيجية تمثل مخرجا حقيقيا للكيان الصهيوني من مأزقه في غزة، أم ستكون ولايته إن نجح في الوصول للبيت الأبيض مرة ثانية أكثر خضوعًا للكيان؟
"عليكم أن تنجزوا الحرب. أن تنهوها. يجب أن تنتهوا منها"
هذا ما قاله
الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في مقابلة مع صحيفة (إسرائيل اليوم)
الصهيونية.
وأكد ترامب أنه كان سيرد بنفس طريقة إسرائيل على هجوم حماس في السابع من أكتوبر،
وشدد على أنه يشعر بالضيق حين يرى الناس لم يعودوا يتحدثون عن هذا الهجوم الذي وصفه
بالمروع، وإنما عن الحرب التي حولت فيها ضربات دولة الكيان قطاع غزة في معظمه الى
أنقاض.
كما ألقى الرئيس الأمريكي السابق ما بدا أنه نقد لبعض الممارسات التي تمارسها دولة
الاحتلال، حيث ذكر في حديثه: إن الكيان قد ارتكب خطأ كبيرا جدا لنشره صور القصف
وسقوط القنابل على مبان في غزة. وأضاف: كل ليلة، كنت أشاهد المباني تنهمر على
الناس. وقلت هذه صورة رهيبة. إنها صورة سيئة جدا للعالم. أعتقد أن إسرائيل أرادت أن
تظهر أن الأمر صعب، لكن في بعض الأحيان لا يجب أن تفعل ذلك.
ولم تكن هذه الانتقادات الصادرة من ترامب هي الوحيدة، ففي نوفمبر الماضي ومنذ بداية
المجازر الصهيونية ضد أهل غزة، فاجأ ترامب العالم بوصفه ما يحدث من قتل النساء
والأطفال في غزة بالفظيع والرهيب.
كما انتقد ترامب رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالات،
وتحدث عن فشل الاستخبارات الصهيونية في منع حدوث الهجوم الذي شنته حركة حماس.
هذه التصريحات الأخيرة لترامب، وشبه النقد الموجه للكيان الصهيوني، يبدو أنه غير
مألوف من شخص
كثيرا ما يصف نفسه بأنه حليف مخلص لدولة الاحتلال، الأمر الذي عبر عنه صحفي الصحيفة
الصهيونية والذي أجرى الحوار بقوله: رغم أسئلتنا المتكررة امتنع ترامب عن القول إنه
يجب القضاء على حماس، وهو الأمر الذي يردده المسئولون في إدارة الرئيس الحالي
الديموقراطي جو بايدن.
فهل هذه التصريحات الصادرة من الرجل تعبر عن تغيير ما لموقفه من الحرب في غزة؟
|
أنفق الناخبون الجمهوريون ضد ترامب 50 مليون دولار على 100 مقطع فيديو
سجلها الجمهوريون المناهضون لترامب يشرحون سبب توقفهم عن دعمه، بحسب تقرير
لمجلة نيوزويك الأمريكية |
فترامب في رئاسته السابقة، ظل يردد أنه هو الذي وقّع القرار الذي لم يستطع رئيس
للولايات المتحدة قبله من اتخاذه، وهو قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس
المحتلة،
كما تباهى
بدور إدارته في مفاوضات اتفاقات التطبيع عام 2020، بين الكيان الصهيوني ودول عربية
مثل الإمارات والبحرين.
والسؤال الأهم هل سيتم ترجمة تصريحاته الجديدة، الى مواقف عملية في حال إعادة
انتخابه كرئيس؟ هل سنشهد موقع جديد للولايات المتحدة من ما يجري في فلسطين؟
لتوقع التغييرات التي يمكن أن تحدث في المشهد الأمريكي تجاه حرب غزة، يلزمنا تحليل
الموقف الانتخابي وفرص إعادة انتخاب ترامب وذلك لكي يكون حديثنا قريبا للواقع، ثم
نعرج الى الموقف الأمريكي الحالي من تلك الحرب وهل هو موقف استراتيجي لا يمكن
تغييره إذا تغيرت الإدارات في البيت الأبيض؟ أم هو موقف تكتيكي يتغير بتغير
الإدارات الحاكمة؟
فرص ترامب
أظهرت الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري والتي عقدت في الشهر الماضي عدة حقائق
بل ربما مفاجآت، هذا إذا نظرنا إلى الأرقام ومقارنتها بانتخابات سابقة، وهذا
بالتحديد ما فعله الكاتب
الصحفي آرون بليك في تقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست، حيث لاحظ أن ترامب يُعتبر أول
مرشح جمهوري خارج البيت الأبيض يفوز فوزا ساحقا بولايتي آيوا ونيوهامبشير، وقد أضاف
لهما نيفادا وكارولينا الجنوبية، في سابقة أخرى، إذ يشير التقرير نفسه إلى أنه أول
مرشح من الحزبين خارج البيت الأبيض يكتسح الولايتين منذ أن بدأتا إجراء الانتخابات
التمهيدية عام 2008.
وفي بداية مارس الماضي أظهر استطلاع أجرته صحيفة نيويورك تايمز وجامعة سيينا شمل
980 ناخبًا مسجلًا، بأن 48% منهم سيختارون ترامب، مقابل 43% فقط لبايدن، في حال
أُجريت الانتخابات اليوم.
وقال 97% ممن صوتوا له في العام 2020 إنهم سيكررون ذلك هذه السنة، في حين تعهّد 83%
فقط ممن صوّتوا لبايدن في 2020، بالتصويت له مجددًا. وأعرب 10% من المقترعين له
حينها، عن تأييدهم لترامب حاليا.
وأظهر الاستطلاع تراجع تأييد بايدن لدى فئات من الناخبين عادة ما كانت أصواتها شبه
مضمونة للديموقراطيين، مثل العمّال والناخبين من غير البيض.
ولكن في استطلاع آخر تم إجراؤه بعد الأول بأسبوعين أي في منتصف شهر مارس الماضي،
أجرته رويترز ووكالة إبسوس، ظهر فيه تقدم طفيف لبايدن على ترامب، فقد قال نحو 39%
من الناخبين المسجلين إنهم سيصوتون لمرشح الحزب الديمقراطي جو بايدن، لو أجريت
الانتخابات اليوم، مقارنة بـ 38% اختاروا الرئيس الجمهوري السابق ترامب. وقدّر هامش
الخطأ في الاستطلاع 1.8 نقطة مئوية.
وأظهرت نتائج الاستطلاع أن 11% من المشاركين سيصوتون لمرشحين آخرين، وأكد 5% أنهم
لن يصوتوا، فيما أشار 7% إلى أنهم لم يتخذوا قرارهم بعد، أو رفضوا الإجابة عن سؤال
الاستطلاع.
هذه البلبلة في مزاج الشعب الأمريكي والتي تعكسها استطلاعات الرأي، تشير إلى أنه من
الصعب توقع نتيجة تلك الانتخابات.
ولكن هناك عاملين قد يعيقان انتخاب ترامب:
|
وصول حماس كحركة تستند إلى الشعب ومرجعيتها الإسلام إلى حكم القطاع، وتشييد
نواة دويلة للفلسطينيين، كان بمثابة محاولة لكسر ركيزة الأنظمة الموالية
الغرب في فكرها وسياستها |
أحد العوامل الهامة، ما يتعلق إذا جرى إصدار الحكم على ترامب في إحدى التهم التي تم
توجيهها إليه، حيث عبر ما يقرب من ثلث الناخبين الأمريكيين من الذين يؤيدونه عن عدم
رغبته في ترشيحه إذا تمت ادانته.
ويخوض ترامب الانتخابات بينما يواجه 91 تهمة جنائية، ويُتوقع أن تبدأ واحدة من
محاكماته الأربع على الأقل قبل يوم الاقتراع المقرر في الخامس من نوفمبر.
أما العامل الثاني فيتمثل في معارضة شديدة لترشحه لدى الجمهوريين المعتدلين
والمستقلين الذين يحتاج إلى أصواتهم لهزيمة بايدن.
فقد أنفق الناخبون الجمهوريون ضد ترامب 50 مليون دولار على 100 مقطع فيديو سجلها
الجمهوريون المناهضون لترامب يشرحون سبب توقفهم عن دعمه، بحسب تقرير لمجلة نيوزويك
الأمريكية.
بل ظهرت حركات مناهضة لترشح ترامب داخل الحزب الجمهوري، مثل حركة لا ترامب أبدا
وحركة ناخبون جمهوريون ضد ترامب.
مع العلم أن 18 سيناتورًا جمهوريًا فقط أكدوا دعم ترامب من مجمل 49 جمهوريًا بمجلس
الشيوخ.
الموقف الأمريكي من حرب غزة
عندما هاجمت حماس ما يُعرف بمستوطنات غزة، ونجحت في مفاجأة الجيش الصهيوني وأخذته
على حين غرة، مثّل ذلك للغرب محاولة لكسر الاستراتيجية الغربية تجاه المنطقة والتي
جرى رسمها منذ أكثر من قرن من الزمان.
كيف ذلك؟
إذا نظرنا إلى الاستراتيجية الغربية لبقاء المنطقة العربية والتي هي قلب العالم
الإسلامي دائرة في الفلك الغربي، نجد أن تلك الاستراتيجية تقوم على ثلاث ركائز:
أولها، تقسيم وتجزيء المنطقة العربية فيما عرف باتفاقية سايكس بيكو بين فرنسا
وبريطانيا، واللذان كانا يقودا الغرب في أوائل القرن الماضي.
وثاني هذه الاستراتيجيات تتعلق بتنصيب نظم سياسية موالية للغرب تنفذ أجندته في
مقابل بقائها.
وثالث هذه الاستراتيجيات، هي زرع الكيان الصهيوني لضمان فصل شرق المنطقة عن غربها،
ومن ثم إضعافها استراتيجيًا.
وورثت الولايات المتحدة تلك الاستراتيجية، بعد أن تولت قيادة الغرب في أعقاب الحرب
العالمية الثانية.
ولكن
وصول حماس كحركة تستند إلى الشعب ومرجعيتها الإسلام إلى حكم القطاع، وتشييد نواة
دويلة للفلسطينيين، كان بمثابة محاولة لكسر ركيزة الأنظمة الموالية الغرب في فكرها
وسياستها،
لذلك عمل الغرب على حصار غزة والحيلولة لانتقال نموذجها لبقية الدول، وحتى منع تلك
الدويلة الوليدة من الوصول الى مقومات الدولة الحقيقية.
ولكن ما علاقة طوفان الأقصى بتلك الاستراتيجية؟
ثم جاء الطوفان، والذي شل الدولة المزروعة وأفقدها توازنها بل أصبح وجودها على
المحك، وهنا جاء تصدع في الركيزة الثالثة لهذه الاستراتيجية وأصبح وجود الكيان
المزروع في المنطقة مهددا، الأمر الذي تداعى له دول الغرب وعلى رأسها أمريكا،
فانهالت زيارات قادة هذه الدول لدعم الكيان الصهيوني معنويًا وطمأنته بالدعم
العسكري، وتوفير الغطاء الدبلوماسي لمجازره المقصودة بحق أهل غزة.
وقد وصفت صحيفة واشنطن بوست الدعم العسكري المقدم من الولايات المتحدة إلى الكيان
الصهيوني، بأنه أكبر مساعدة عسكرية من أي نوع لأي دولة منذ الحرب العالمية الثانية.
وللتدليل على أن مسألة دعم الكيان الصهيوني هي مسألة استراتيجية، فإن الدعم العسكري
كان محصنًا من النقد ومحل إجماع بين الحزبين سواء الديمقراطي أو الجمهوري.
ويبدو أنه كانت هناك مهلة تركتها إدارة بايدن للكيان الصهيوني ليحقق فيها أهدافه
والمتمثلة في كسر المقاومة الفلسطينية، وإعادة قطاع غزة إلى الانصياع والخضوع
للهيمنة، وإنهائه كمصدر تهديد للوجود الصهيوني.
وعندما مرت ما يقرب من ستة شهور، وعجز الجيش الصهيوني عن إنهاء المقاومة
الفلسطينية، وجل ما فعله هو ممارسة الإبادة الجماعية لأهل غزة، وهنا تصاعدت الضغوط
على الإدارة الأمريكية في الخارج والداخل لوقف دعمها لحملة الإبادة تلك، فكان لابد
من التفكير في مسار آخر مع الضغط على الكيان، ليس لوقف الحرب نهائيا، ولكن لتأخذ
مسارا أكثر تركيزا على عمليات محددة، وفي نفس الوقت محاولة إنهاء سيطرة حماس على
القطاع سواء عبر إدخال قوات عسكرية لعباس، أو التفكير في إدخال قوات عربية.
ترامب وفرص التغيير
ولكن هل يحدث تغيير للاستراتيجية الأمريكية تجاه الكيان الصهيوني والتي ذكرناها،
إذا وصل ترامب للبيت الأبيض مرة أخرى؟
إذا استرجعنا خصائص سياسة ترامب في فترة رئاسته
السابقة،
نجد أنها كانت تميل لسياسة العزلة الأمريكية، وعدم الزج بها في أتون الصراعات
العالمية، والنظر اليها من زاوية الضرر أو المكاسب المادية بمنطق التجار، والذي
يطبع شخصية ترامب وميوله، وطبقًا لهذه الميول يمكن تفسير تصريحاته في الفترة
الحالية، والتي يطلب فيها من الكيان الصهيوني التوقف عن القتال.
وبسبب وجود الإنجيليين الأمريكيين كشريحة داعمة لترامب، يمكن تفسير انحيازه الكبير
لدولة الكيان.
وبذلك ستكون مواقف الرجل داعمة لدولة الاحتلال والبحث عن مخرج لها غير القتال
العسكري، والذي يجمع الخبراء أنه فشل في تحقيق انتصار على المقاومة، فضلاً عن أن
أعمال الإبادة الجماعية تثير النقمة العالمية الشعبية ضد حكومات الغرب، وتدفعهم
للضغط على الكيان الصهيوني لوقف تلك الإبادة وتوفير بدائل عسكرية أخرى، واستراتيجية
للضغط على المقاومة وتصفية قادتها، وإجبار أهل غزة على النزوح منها اختياريًا بعد
القضاء على مقومات الحياة المعيشية فيها سواء تعليم أو صحة.
فهل وصول ترامب المحتمل للبيت الأبيض سيعتبر فرصة للكيان الصهيوني، ليتم إيجاد مخرج
من المأزق الذي وجد الكيان نفسه بعد فشل الحل العسكري، وتعثر الحلول البديلة والتي
حاولت إدارة بايدن فرضها على القطاع، بعد وقوف المقاومة في وجه كل محاولات التسلل
لغزة وإيجاد سلطة بديلة؟