• - الموافق2024/04/28م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
 المسكوت عنه في الموقف التركي في حرب غزة

ما هي حقيقة الموقف التركي من العدوان الصهيوني على غزة، وهل تمثل تصريحات أردوغان بشأن الأحداث في غزة استهلاكًا إعلاميًا وفقط؟ أم هناك إجراءات تركية خفية لوقف مذابح الكيان الصهيوني في القطاع؟ وهل يمكن توقع هذه الإجراءات؟ والأهم ما جدواها؟

"نحن لم ولن نترك إخواننا في غزة وحدهم، من دون ظهر أو مدافع عنهم"

هذا ما كتبه الرئيس التركي في صفحته الشخصية على موقع إكس، وأضاف أردوغان: إن إنقاذ أشقاءنا الفلسطينيين من الظلم الذي يتعرضون له من قبل إسرائيل ووقف الإبادة التي ترتكب في غزة أمام أعين العالم، دين في رقابنا، وكذلك فضح مرتكبي الجرائم الذين يقتلون الأطفال والأمهات والأبرياء في جميع أنحاء فلسطين، ويسرقون ممتلكات المظلومين، هو واجب إنساني يجب ألا نحيد عن.

ويواصل أردوغان حديثه: من واجبنا التاريخي أيضًا، فضح وإظهار جرائم ونفاق داعمي هذه المجازر الوحشية والدنيئة في وجوههم أينما نراهم. إن الحفاظ على قدسية وخصوصية القدس الشريف -الذي يحتضن قبلتنا الأولى المسجد الأقصى- بشكل يحفظ حقوق جميع منتسبي الأديان الأخرى، هو واجب روحي يجب ألا نغفل عنه.

وختم أردوغان تغريدته بقوله: كونوا على يقين تام، أننا نقدم للقضية الفلسطينية وما يحدث في غزة أكثر بكثير

يتعرض الموقف التركي من الحرب الدائرة الآن في غزة للانتقاد من بعض المتابعين، بل أنهم صدموا من هذا الموقف، فهؤلاء كانوا يتوقعون من تركيا موقفًا عمليًا أكثر قوة في دعمها للمقاومة الفلسطينية، ولكنهم فاجأهم الموقف التركي الذي لم يتعد دعمه للمقاومة التصريحات والتهديدات الكلامية والمظاهرات الشعبية.

وبعض من انصدموا من الموقف التركي الحالي من الحرب الدائرة في غزة، يستذكرون مواقف سابقة لتركيا، في ظروف حروب سابقة على غزة بدا فيها الموقف التركي أكثر عملية وتجاوز المساندة اللفظية والتي كانت دائما تميز الموقف التركي عن باقي دول المنطقة.

ولكن آخرين يرون الموقف التركي الحالي هو منسجم مع الاستراتيجية والتي ينتهجها أردوغان منذ وصوله إلى حكم تركيا قبل ما يقرب من 21 عامًا.

لذلك لمعرفة حقيقة الموقف التركي وأسبابه ودوافعه يجب علينا فهم أهداف النظام التركي الحالي واستراتيجياته والتحديات الخارجية والداخلية المحيطة به.

 

 أن الإسلام هو الذي سيحكم العالم في القرن الواحد والعشرين، والذين يعيشون لهذه الغاية ويسهمون في تحقيقها سيؤجَرون على ذلك، أما من تخلى عن هذه الغاية فسيعيش في ذل.

وهذا يجعلنا نقول إن مشروع تركيا هو مشروع إحياء لدور عالمي لتركيا تجدد فيه حضارة الإسلام

أهداف حكومة العدالة والتنمية واستراتيجيتها

في غلاف كتاب رؤية الحزب لعام 2023 يضع حزب العدالة والتنمية هذين الشعارين:

الشعب العظيم -القوة العظمى، بينما يلخص هذه الأهداف الباحث عماد يوسف في ثلاث كلمات تتصف بهم دولة حزب العدالة التنمية المنشودة (حاسمة -مركزية-كبرى)، في حين يعتبر الاستراتيجي والسياسي السابق أحمد داود أوغلو أن تركيا دولة محورية في مركز الاستراتيجيات الدولية والإقليمية.

ويوضح أن الهدف من أي استراتيجية تتبعها تركيا يجب أن تركز على إعادتها مرة أخرى إلى المسرح التاريخي وتحافظ على وجودها وتحولها إلى قوة مؤثرة.

ويشدد أوغلو على أن تركيا مثلها مثل دول مثل روسيا وألمانيا وإيران ومصر تقع ضمن تصنيف الدول المركز التي لا تقبل بمقتضى وضعيتها الجغرافية أن تظل منحصرة في منطقة بعينها بل لديها القدرة على النفوذ إلى مناطق أخرى متعددة في آن واحد.

وينتقد أوغلو تصنيف تركيا في فترة الحرب الباردة أو ما بعدها باعتبارها دولة طرفية أو جسرية بين الغرب والعالم الإسلامي ويؤكد على حقيقة أن تركيا تندرج تحت تصنيف الدول المركز لأسباب عديدة منها: العمق الجغرافي -الاستمرارية التاريخية -التأثير الثقافي المتبادل-الترابط الاقتصادي.

وكتب أردوغان في تغريده له كتبها في حسابه على تويتر: سنلتقي من أجل تركيا الجديدة ومن أجل إحياء روح الفتح، وتعهد أردوغان بأن تركيا الجديدة ستكون الأقوى على الساحة الدولية وموحدة أكثر في مجتمع دائم التنوع تنعم باقتصاد أكثر تطورا.

بينما يقول المنظر أحمد دواد أوغلو: لن نتخلى عن أن أي بقعة يرفرف عليها العلم التركي ولن نترك أي شعب شقيق يعقد آماله علينا وحيدا.

ولا يمكن إغفال الإسلام من هذه الأهداف، ففي كلمة له تناول أردوغان موقف الإسلام من الديمقراطية، وأن الديمقراطية لن تكون غاية، بل هي وسيلة.

وفي موضع آخر يؤكد على أن الإسلام هو الذي سيحكم العالم في القرن الواحد والعشرين، والذين يعيشون لهذه الغاية ويسهمون في تحقيقها سيؤجَرون على ذلك، أما من تخلى عن هذه الغاية فسيعيش في ذل.

وهذا يجعلنا نقول إن مشروع تركيا هو مشروع إحياء لدور عالمي لتركيا تجدد فيه حضارة الإسلام.

أما استراتيجية حزب العدالة لتحقيق هذه الأهداف، فيمكننا تقسيمها كما يراها منظرو الحزب وعلى رأسهم أوغلو إلى مسارين:

·       مسار يتجه للداخل في بناء الدولة التركية.

·       مسار خارجي قائم على إعادة تموضع استراتيجي لتركيا في البيئة الإقليمية والدولية.

بالنسبة للمسار الداخلي ارتكزت استراتيجية الحزب منذ بدايتها على ثلاثة ركائز أساسية:

انتعاش اقتصادي-توسيع لدائرة الانتماء للحزب من غير الإسلاميين -إبداء مرونة في الخطاب العقائدي المتدرج.

أما في الاستراتيجية الخارجية فقد اعتمد على ما يُعرف بسُلّم الصعود في النظام الدولي: وأول درجاته تصفير المشاكل مع الجيران، ثم إيجاد موطئ قدم في مشاكل الإقليم المجاور بدون الاصطدام بقواعد النظام الدولي، وأخيرا محاولة كسر قواعد النظام الدولي وفرض نفسه كلاعب عالمي رئيس.

وقطع النظام التركي شوطا كبيرا في هذين المسارين، وإن كان لم يعتبر نفسه قد وصل إلى الدرجة الأخيرة في سلم النظام الدولي وهي القدرة على كسر قواعد النظام الدولي، وكذلك لم يتمكن من تحقيق استقرار داخلي لمشروعه حيث هناك تعثر اقتصادي.

 

هيمنت حرب غزة على الاحتفالات بقرن تركيا، وأعلن أردوغان إلغاء زيارة مرتقبة إلى إسرائيل، بالتوازي مع ما شهدته العديد من المدن التركية من مسيرات حاشدة داعمة للفلسطينيين، ثم إلغائه العلاقات الاقتصادية ولزيارته المرتقبة لتل أبيب

موقع حرب غزة في استراتيجية حزب العدالة

منذ بداية حرب غزة، كان من الواضح أن هناك استراتيجية متدرجة اتبعها أردوغان.

فمن الاكتفاء بإطلاق العبارات الدبلوماسية الروتينية خلال الأيام الأولى من الحرب، إلى المطالبة بالتهدئة ووقف إطلاق والتمرير العاجل والآمن للمساعدات وطرح تركيا كوسيط محتمل ضمن سياسة ما يعرف بالتوازن الحذر إلى تبني خطاب قوي يتضمن توجيه انتقادات لاذعة للكيان الصهيوني ووصفها بالدولة المحتلة، مع تأكيد أن حماس هي حركة مقاومة وأفرادها مجاهدون.

وبعد مرور أسبوعين من انطلاق طوفان الأقصى وبالتحديد في يوم 21 أكتوبر ومع تحول القصف الصهيوني إلى عملية إبادة لغزة، فاجأنا زعيم حزب "الحركة القومية" التركي أقوى حلفاء أردوغان دولت باهشتلي بالتصريحات التالية التي جاءت في حسابه على تويتر فماذا كتب؟

"إن لم يعلن وقف إطلاق النار خلال ٢٤ ساعة، ولم تتوقف الهجمات، وواصلوا رمي القنابل على المظلومين، فإني أعرب عن رأيي أمام شعبنا بوضوح، وهو أن تركيا عليها أن تتدخل بسرعة لتقوم بكل ما توجب مسؤوليتها التاريخية والإنسانية والعقدية. مهمة حماية غزة والدفاع عنها هي ميراث تركها لنا أجدادنا."

"الكوارث التي تعيشها غزة جريمة ضد الإنسانية، وإذا لم نتصرف بعقليتنا وإرادتنا القديمة وإذا لم ندعم التحركات السياسية والدبلوماسية بالردع العسكري فمن المؤكد أن كوارث مماثلة ستحدث في الأناضول."

"إن الجمهورية التركية مستعدة لجعل غزة مدينة الأطفال السعداء ومدينة إسلامية يعيش فيها إخواننا وأخواتنا بسلام وأمان، وأقسم بالله أنها قادرة على ذلك. ويقف رئيسنا إلى جانب الأمة التركية وجميع المؤمنين في نضاله الدبلوماسي النشط والمتعدد الأبعاد."

وقبلها بيومين انتقد باهشتلي زيارة بايدن للكيان فكتب مغردا: زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى إسرائيل، اليوم، خطأ تاريخي وكبير، وهي رسالة علنية واضحة تعني أنه أصبح طرفا بالدمار والعنف.

إذا لم تكن القدس وغزة وحلب وكركوك آمنة فإن أنقرة غير آمنة أيضا، ونعرف كيف نكون في غزة والقدس قبل الفجر، وبعدها قال باهشتلي: الساعات 24 التي حددتُها سابقا قد مضت وتمت لذلك أطالب الدولة التركية والشعب التركي أن يكونوا جاهزين لكل احتمال.. ما يحصل في غزة جريمة ضد الإنسانية وإذا لم نتحرك فسيحصل نفس الألم هنا في أراضي الأناضول.

ويبدو أن تحرك باهشتلي كان بالتنسيق أو مدفوعا من جانب أردوغان.

وهيمنت حرب غزة على الاحتفالات بقرن تركيا، وأعلن أردوغان إلغاء زيارة مرتقبة إلى إسرائيل، بالتوازي مع ما شهدته العديد من المدن التركية من مسيرات حاشدة داعمة للفلسطينيين، ثم إلغائه العلاقات الاقتصادية ولزيارته المرتقبة لتل أبيب مما حدا بالحكومة الصهيونية إلى استدعاء موظفيها الدبلوماسيين من أنقرة للتشاور، وفي النهاية سحبت الحكومة التركية سفيرها لدى الكيان.

ووصل التحدي بين الدولتين، إلى أن أعلن وزير الصحة التركي فخر الدين قوجة، منح الإذن بدخول سفينتين تركيتين إلى الموانئ المصرية، لنقل المستشفيات الميدانية وسيارات الإسعاف المخصصة لعلاج الجرحى في غزة، ومن المخطط أن يتم نقل مرضى السرطان والحالات الطارئة عبر طائرات إسعاف ومستشفيات عائمة إلى تركيا.

ولكن جاء الرد الصهيوني برفض المستشفيات التركية العائمة، وتم الإتيان بمستشفى عائم فرنسي صحبته غواصة نووية فرنسية لشواطئ مصرية وليس لشاطئ غزة.

فما كان من الأتراك أنهم اتصلوا بالقاعدة الروسية في سوريا المتواجدة في ميناء طرسوس لتأمين تواجد المستشفى العائم التركي في غزة، وهذا على ما يبدو كان السبب الذي دفع بلينكن إلى زيارة تركيا.

ثم كان خطاب أردوغان وتذكيره بأن الجيش التركي ساعد أذربيجان وليبيا في الحصول على حقوقهم بالقوة المسلحة، وكأنه إشارة إلى استعداد تركيا في التدخل عسكريًا إلى جانب الفلسطينيين في غزة.

وهذا ما دفع العقيد المتقاعد بالجيش الأمريكي دوجلاس ماكجريجور إلى التصريح بأن "أردوغان هو الشخص الوحيد في الشرق الأوسط الذي لديه القدرة على تدمير إسرائيل، بل من المؤكد أن الجنود الأتراك سيقاتلون في غزة، فأردوغان حساس للغاية بشأن التوقيت. سوف يعلن النفير في بلاده. نعم سيتحقق ذلك، وسيكون من الخطأ إنكار ما نراه."

ولكن مسارعة الولايات المتحدة إلى إرسال حاملات طائراتها إلى شرق المتوسط، أوقف التفكير التركي بالتدخل، وفي نفس الوقت لم تصمت تركيا حتى لا تبدو بالضعف، فقد أعلن الجيش التركي فجأة عن مناورة بحرية مع جمهورية قبرص التركية في شرق المتوسط، والتي تحدثت عنها وسائل الإعلام التركية، حيث تقول تركيا عنها أنها ستجري من يوم 16 إلى يوم 20 من هذا الشهر بالذخيرة الحية، وتحذر السلطات التركية أي سفينة من الاقتراب منها.

وبذلك يبدو الموقف التركي بعدم التدخل العسكري في حرب غزة منسجما مع استراتيجية حزب العدالة الخارجية في أنها لم تصل بعد إلى درجة تحدي النظام الدولي وكسر قواعد اللعبة العالمية، فالحرب الدائرة في غزة لن تخرج تركيا عن مسارها تجاه مشروعها للنهوض حتى لا تفقد ما بنته خلال السنوات الماضية.

  

أعلى