• - الموافق2024/10/30م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
محمد الضيف (أبو خالد).. شبح الحرب الذي يرعب الاحتلال

انضم الضيف لحركة حماس في نهاية العام 1987م، وبالتوازي مع ذلك عاد إلى دراسته وتلقى تعليمه في الجامعة الإسلامية في قطاع غزة


بصوته الجهوري وصورته المظللة، خرج محمد الضيف (أبو خالد)، القائد العام لكتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، معلنًا عن بدء عملية "طوفان الأقصى" ضد الكيان الإسرائيلي المحتل، حيث انطلق عناصر حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في مهمة مباغتة عبر البر والبحر والجو ضد مستوطنات وكيبوتسات ومواقع عسكرية إسرائيلية وفي ظل غطاء ناري من الرشقات الصاروخية، كانت العملية مفاجئِة لدرجة أنها وضعت العدو الصهيوني في موقف لم يختبره منذ العبور المصري في حرب السادس من أكتوبر 1973م، فمن هو محمد الضيف، الذي يلقبه الفلسطينيون بوزير دفاعهم، فيما تعتبره إسرائيل رأس الأفعى وترى فيه شبحًا يرعبها كلما خرج ببيانٍ جديد؟

 

 كان الضيف دائمًا هدفًا مطلوبًا لدى الاحتلال، وهو ما جعله عرضة لعمليات اغتيال متتالية، المحاولة الأولى كانت في عام 2001م ولكنه نجا منها، وبعد مرور عام واحد جرت المحاولة الثانية عندما أطلقت مروحية أباتشي صاروخين نحو مركبته

مسـيرة مقـاوم

هو محمد دياب إبراهيم المصري، وشهرته محمد الضيف، وُلِدَ في عام 1965م لأسرة فلسطينية لاجئة من بلدة القبيبة، استقر بها الحال في مخيم خان يونس جنوب قطاع غزة، حيث نشأ في ظروف فقيرة للغاية، اضطر الضيف على إثرها إلى ترك صفوف الدراسة مؤقتاً من أجل إعانة أسرته، أنشأ مزرعة صغيرة للدواجن بعد فترة من العمل مع والده في التنجيد والغزل، ثم عمل سائقًا لبعض الوقت، قبل أن ينخرط في مقاومة المحتل الإسرائيلي، رغم قلة المعلومات المتوفرة عن نشأته إلا أن رفاق صباه قالوا عنه إنه كان وديعًا وطيب القلب، وصاحب دعابة وخفة ظل، وكثيرًا ما كان يميل إلى الانطواء.

انضم الضيف لحركة حماس في نهاية العام 1987م، وبالتوازي مع ذلك عاد إلى دراسته وتلقى تعليمه في الجامعة الإسلامية في قطاع غزة، حيث حصل على درجة البكالوريوس في العلوم، لكن الشاب الذي كان لا يزال يتلمس خطواته في صفوف المقاومة سرعان ما اعتقلته إسرائيل في عام 1989م وقضى 16 شهرًا في سجون الاحتلال من دون محاكمة، كان تهمته الأولية هي العمل في الجهاز العسكري لحركة حماس، أشعلت فترة الاعتقال النار في صدره تجاه العدو وبعد خروجه من السجن شرع على الفور مع آخرين في تأسيس كتائب القسام، وخلال فترة التسعينات شارك في عدة عمليات ضد إسرائيل، كما أشرف على عمليات أخرى عديدة، اعتقلته السلطة الفلسطينية في مايو من العام 2000م بطلب من السلطات الإسرائيلية، وبحسب التقارير التي نُشِرَت حينها فإن اعتقاله قد تمَّ ضمن تفاهمات، خاصةً في ظل علاقات جيدة ووطيدة كانت تربطه بالسلطة الفلسطينية.

كان الضيف دائمًا هدفًا مطلوبًا لدى الاحتلال، وهو ما جعله عرضة لعمليات اغتيال متتالية، المحاولة الأولى كانت في عام 2001م ولكنه نجا منها، وبعد مرور عام واحد جرت المحاولة الثانية عندما أطلقت مروحية أباتشي صاروخين نحو مركبته، وقد أُصيِبَ بجروح ولكن جرت معالجته وشُفِى تماما من إصابته، وبعد مرور عام آخر وتحديدًا في العام 2003م تعرض لمحاولة اغتيال ثالثة بعدما حاولت طائرة إسرائيلية اغتياله مع بعض قادة حركة حماس أثناء اجتماعهم في منزل بمدينة غزة، لكن الصاروخ أصاب الطابق الخطأ ونجا من الحادث، وبعد مرور 3 سنوات أصاب صاروخ شديد الانفجار منزلًا في القطاع حيث كان الضيف يجتمع مع بعض قادة القسام، ومجددًا نجا الضيف من الهجوم بيْدَ أن سلطات الاحتلال قالت في تقاريرها الإعلامية إنه أصيب بجروح بالغة، وذكر مسؤولون إسرائيليون أن الضيف أصبح مقعدًا على كرسي متحرك وفقد إحدى عينيه في أعقاب الهجوم، لكن حركة حماس لم تعطِ أي معلومات عن الحادث ومدى مصداقية التقارير الإسرائيلية، لكن في إطار محاولات الاغتيال تلك المتكررة كان هناك حدثًا أكثر أهمية بكثير، إذ شهد العام 2002م نقطة تحول رئيسية أخرى في مسيرة الضيف، حيث تسلم قيادة كتائب القسام بعد اغتيال قائدها العام صلاح شحادة.

 

على عكس أسلافه وأقرانه من قيادات حركة حماس، لا ينخرط الضيف في السياسة، ولديه طبيعة منهجية فريدة لعقله العسكري، فمنذ اللحظة الأولى التي تولى فيها زمام الأمور على رأس كتائب القسام شرع في إعادة تشكيل الكتائب على شكل جيش حديث

شبح الحرب

رغم أن صورة محمد الضيف ظلّت مثل الشبح، إذ كان دائما ما يصاحب صوته صورة معتمة، فإنه أيضا كان نادرًا ما يخرج في تسجيلات صوتية في السنوات الماضية، لا أحد يعرف محمد الضيف جيدًا سوى عائلته، ومجموعة قليلة العدد للغاية من حركة حماس، والأغلب أن جميعهم في أوقات كثيرة نادرًا ما يعرفون أن يتواجد أو ماذا يفعل، لدرجة أنه عندما توفيت والدته في يناير من العام 2011م، ظهر معظم قيادات حركة حماس خلال مراسم الجنازة، بَيْدَ أن الضيف لم يكن معروفًا على وجه اليقين ما إذا كان قد حضر أم لا، وقد سرت شائعة آنذاك بأنه حضر ولكن لم يعرفه أحد حيث تخفَّى بزي رجل مُسن وودع والدته ثم مضى، فيما قالت مصادر مطلعة من الحركة حينها إنه لم يحضر الجنازة لدواعٍ أمنية، لكن بأي حال فإنه بلا شك قد نجح من خلال التمويه الدقيق والسرية التامة حوله في البقاء بعيدًا عن يد الاحتلال الباطشة وعن صواريخه المارقة.

عمليًا؛ يعتبر الضيف هو صاحب الكلمة العليا فلسطينيًا، في بدء حرب أو في وقفها، ولعل تلك اللحظة هي الوحيدة التي يصاف فيه سماع صوته عبر رسائل صوتية يبثها لإعلان الحرب أو هجوم جديد على الاحتلال. تطارد إسرائيل الضيف منذ عقود باعتباره المطلوب رقم 1 لديها، ورأسه مطلوبة لدى الكيان الصهيوني منذ منتصف التسعينات، حتى أن شيمون بيريز الذي كان رئيسًا للوزراء في عام 1996م، طلب من الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات اعتقال الضيف، قبل أن يبدي عرفات استغرابه من الاسم وكأنه لا يعرفه ولم يسمع به من قبل، وقد اعترف بيريز لاحقا بأن الاستخبارات الإسرائيلية قد أبلغته بأن عرفات كان يحمي الضيف ويكذب بشأنه، ورغم أن إسرائيل تتباهى عادةً بأن لديها أقوى أجهزة استخبارات في العالم، إلا أنها لا تملك صورة حديثة لمحمد الضيف، إذ يوجد له 3 صور فقط؛ واحدة قديمة للغاية، والثانية يظهر فيها وهو ملثّم، أما الثالثة فهي صورة لظله وتلك هي التي عادةً ما تصاحب بياناته، نادرًا ما يستخدم الضيف التكنولوجيا كما أنه ليس محبًا للظهور، فهو رجل يعيش تحت الأرض، أو في معسكرات التدريب والحقول المفتوحة في غزة عند الضرورة، وقد ظهر علنًا لمرة وحيدة في فيلم وثائقي أنتجته إحدى الفضائيات قبل سنوات وكان وجهه ملثمًا.

عقليـة عسكريـة فـذة

على عكس أسلافه وأقرانه من قيادات حركة حماس، لا ينخرط الضيف في السياسة، ولديه طبيعة منهجية فريدة لعقله العسكري، فمنذ اللحظة الأولى التي تولى فيها زمام الأمور على رأس كتائب القسام شرع في إعادة تشكيل الكتائب على شكل جيش حديث، بتشكيلات وخطوط قيادة تشبه إلى حد كبير الجيوش النظامية التي نجدها في الأرض، وهو ما ساعد على تطوير قوة المقاومة الفلسطينية بشكل عام، كما أنه قام بتطوير شكل من أشكال الأكاديمية العسكرية مع قسم للدراسات والبحوث والتخطيط العسكري، وقسّم الجناح العسكري للحركة إلى أقسام تتراوح ما بين الكتائب والسرايا والفصائل إلى قوات العمليات الخاصة ووحدات التسليح، نجح الضيف في إحداث نقلة نوعية في قدرات حماس التسليحية، واستغل الدروس المستفادة من المقاومة في حرب لبنان، واستفاد من التقنيات الإيرانية في تصنيع الأسلحة رغم القيود الدولية، إلى أن وصل إلى بحركة حماس إلى صورتها الحالية وقدرتها على استهداف إسرائيل في العمق وإرباك جيشها.

في حين أن معظم سكان غزة وغالبية الشعب الفلسطيني لم يرو محمد الضيف، إلا أن غالبيتهم قد سمعوا عنه، وفي الواقع فإنه بمثابة أسطورة حية، تشير بعض التقارير إلى أنه هو من أشرف بنفسه على خطة خداع إسرائيل والذي نجح من خلالها في إخفاء الجندي الإسرائيلي الأسير جلعاد شاليط لسنوات عديدة، وباستخدام نفس الدهاء الاستراتيجي، تمكن أيضا من بناء العديد من الأنفاق تحت الحدود إلى إسرائيل، وهو ما يزعم المسؤولون الإسرائيليون اليوم أنه أحد الأسباب الرئيسية لنجاح الهجوم الحالي ضد مستوطنات غلاف غزة، وفي حين أن الحرب لا تزال مستمرة حتى اللحظة، حيث تتبادل المقاومة الفلسطينية والعدو الصهيوني القصف، وفيما تتكشف أوراق المعركة فإن ثمة ورقة واحدة تظل غزًا كبيرًا، إنه شبح الحرب غير المرئي؛ محمد الضيف.

 

أعلى