• - الموافق2024/11/29م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
لبنان فوق برميل بارود

هل ستنزلق لبنان إلى حرب أهلية جديدة؟ هل حال اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية إن حدثت مصلحة إيرانية تنفذها عن طريق ذراعها اللبنانية (حزب الله)؟ أم أن الهم الإيراني يركز على الرد الصهيوني المتوقع على الاتفاق الأمريكي الإيراني؟


في الأسبوع الماضي، وفيما كانت شاحنة نقل كبيرة متجهة من البقاع إلى بيروت عبر الطريق الدولي، انزلقت تلك الشاحنة على منعطف بلدة الكحالة وهي بلدة صغيرة تقع على هذا الطريق الرابط بين سوريا ولبنان نتيجة حادث مروري، وفجأة انطلق الرصاص وحدث اشتباك مسلح بين مجموعتين، تبين فيما بعد أن إحدى تلك المجموعتين تنتمي إلى حزب الله وهي التي كانت تقود الشاحنة، أما المجموعة الأخرى فهي تابعة لأهالي البلدة وغالبيتهم من مسيحي لبنان وينتمي بعضهم إلى حزب القوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع.

وما بين حادث الانزلاق وبين وقوع الاشتباكات المسلحة ليس من يقين بشأن ما حدث تحديداً، ولكن تبادل النار أسفر عن مقتل اثنين، أحدهما ينتمي إلى حزب الله، والثاني من حزب القوات.

وفتح الجيش اللبناني تحقيقًا بالحادثة، وما لبث أن قال إن الشاحنة كانت محملة بالذخيرة، وهو ما كان أهالي المنطقة ووسائل إعلام قد تناقلوه بعد الحادث.

أما حزب الله فلم ينف أن الشاحنة تابعة له وأن شبانًا كانوا يرافقونها وإن لم يكشف عن نوع حمولتها، وفي بيان أصدره، قال إنه فيما كان مرافقو الشاحنة يقومون باتصالات لطلب المساعدة، تجمع عدد من المسلحين من الميليشيات الموجودة في المنطقة، وقاموا بالاعتداء على أفراد مرافقة الشاحنة في محاولة للسيطرة عليها، حيث بدأوا برمي الحجارة أولاً ثم بإطلاق النار.

في المقابل، صدر بيان موقّع من أبناء الكحالة، جاء فيه أنه على أثر وقوع شاحنة محملة بالأسلحة بمواكبة أمنية مريبة من مسلحين وبعد قدوم شباب الكحالة لنجدة السائق، أقدم المسلحون على إطلاق النار بشكل مباشر على الشباب.

 

منذ نجاح الخميني في الوصول إلى حكم إيران، جدد الحلم الفارسي بالوصول إلى امبراطورية مهيمنة، وكان من بين استراتيجياته للوصول إلى هذا الحلم، هو إيجاد أذرع شيعية في العواصم المؤثرة في المنطقة

في اليوم التالي، تعرضت سيارة وزير الدفاع اللبناني المسيحي موريس سليم، لإطلاق نار في منطقة الحازمية في الضاحية الجنوبية لبيروت، تم بعدها نقل الوزير إلى منطقة آمنة.

وأشارت بعض المواقع الإخبارية اللبنانية أن الحادثة كانت محاولة اغتيال، وأن الوزير بخير ولم يصب في الحادث، ورجحت تلك المصادر أن الرصاص قد انطلق من الضاحية الجنوبية وهي معقل حزب الله، وأنه قد أُطلق أثناء تشييع جثمان عضو الحزب الذي قتل في الكحالة.

ومن المثير في الأمر أنه قبل تلك الحوادث بأيام قليلة، طالبت دول مجلس التعاون الخليجي رعاياها بمغادرة لبنان على وجه السرعة محذرة من خطورة الوضع الأمني في لبنان.

ثمة أسئلة حائرة بعد هذه الحوادث المتتابعة:

هل ستنزلق لبنان إلى حرب أهلية جديدة؟ هل حال اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية إن حدثت مصلحة إيرانية تنفذها عن طريق ذراعها اللبنانية (حزب الله)؟ أم أن الهم الإيراني يركز على الرد الصهيوني المتوقع على الاتفاق الأمريكي الإيراني؟

ومن دواعي هذا التركيز إبقاء لبنان هادئ من الداخل، والاحتفاظ بمعادلة هيمنة حزب الله العسكرية على لبنان، وترك شئون الحكم المحلي للبنانيين يتصارعون حوله.

ومن جهة الطرف الآخر، هل سيقبل المسيحيون بتلك المعادلة، والتي يتم فيها الزج بلبنان لصالح الأجندة الإيرانية في حروب وصراعات لا ناقة لهم فيها ولا جمل؟

وما موقف أهل السنة في لبنان من تلك المعادلة، وهل يرتبط ما وقع في مخيم عين الحلوة بالحوادث اللبنانية الأخيرة؟

أسئلة معقدة ومتشابكة، كما هو حال لبنان دائمًا طوال تاريخه.

للإجابة على هذه الأسئلة علينا استرجاع أسباب الحرب الأهلية التي اندلعت في لبنان عام 1975، وهل اللحظة الآنية تحمل نفس الأسباب.

حرب الطوائف

في عام 1975، اندلعت الشرارة الحقيقية للحرب الأهلية عندما قام مجهولون في حادث غامض بإطلاق نار أودى بحياة عنصرين من الميليشيات المسيحية المسلحة لحزب الكتائب والذي كان يُعّد في ذلك التوقيت أكبر الأحزاب المسيحية اللبنانية، وتم الاغتيال في منطقة عين الرمانة معقل المسيحيين في شرق بيروت، وردًا على ذلك، قامت مليشيات حزب الكتائب بإطلاق النار على حافلة كانت تقل فلسطينيين أثناء عودتهم إلى مخيم تل الزعتر من مهرجان سياسي في مخيم شاتيلا غربي بيروت، ما أدى إلى مقتل 27 فلسطينيًا من ركاب الحافلة، لتندلع الحرب في لبنان، لمدة 15 عامًا وبلغت خسائرها البشرية نحو 150 ألف قتيل.

ولكن الأسباب الاستراتيجية للحرب كانت لها بعدًا آخر قبل اندلاع تلك الحرب بسنوات، فقد ترتب على الهزيمة الساحقة للعرب أمام الكيان الصهيوني في حرب 67، ثلاثة أمور:

الأول شعور الطائفة المسيحية أن الوقت قد حان للانفراد بالحكم في لبنان، وتغيير مطالبات المسلمين والتي تريد تغيير معادلة الحكم في لبنان، والتي وضعتها فرنسا حيث قامت بجعل الوظائف المهمة قاصرة على المسيحيين، فالطوائف المحسوبة على المسلمين مجتمعة صارت غالبية سكان لبنان، وبالطبع في القلب منهم أهل السنة، ولكن بعد هزيمة 67 تولد عند مسيحيي لبنان شعور بضرورة وضع حد لهذه المطالب كنتيجة طبيعية لهزيمة العرب وانشغالهم بمشاكلهم الداخلية، وكانت الدول العربية وعلى رأسها مصر الظهير الذي يحتمي به المسلمون خاصة أهل السنة، في مقابل احتماء المسيحيين بفرنسا.

الأمر الثاني هو صعود نجم الأسد في سوريا والذي حاول تعويض فقد الجولان بمد نفوذه على لبنان، عن طريق مخابراته والتي امتد ذراعها داخل كل طائفة لبنانية، والتي ترفض الدخول في طاعته يعمل على تفجيرها من الداخل، فتنقسم الطائفة إلى طرفين متصارعين، أو يغتال زعيمها كما حدث في اغتيال كمال جنبلاط زعيم الدروز وبشير الجميل زعيم المسيحيين.

أما الأمر الثالث فهو ظهور منظمة التحرير الفلسطينية بزعامة ياسر عرفات والتي لجأت الى لبنان بقواتها، وتمدد نفوذها في أنحاء البلاد، لتتخذ منه قاعدة لمهاجمة الكيان الصهيوني، وهذا الوجود كان مبعث كراهية لفريقين: الصهاينة المستاؤون من هجمات المقاومة من الأراضي اللبنانية، والطرف الثاني الكاره للفلسطينيين هو الأسد الذي يعتبرهم معرقلاً لمشروعه في الهيمنة على لبنان.

ونتيجة لذلك كله، ظهر التحالف بين مسيحيي لبنان والصهاينة، وكان الضلع الثالث لهذا التحالف هو حافظ الأسد، ولكنه بقي سرًا، وحين مالت كفة القتال لصالح تحالف المسلمين والفلسطينيين، تدخل بجيشه لصالح المسيحيين.

وطوال سنين الحرب الـخمسة عشر، تبدلت التحالفات نتيجة الانقسام داخل الطائفة الواحدة، ولكن ظل كل من النظام السوري ودولة الكيان وفي الخلفية دولة فرنسا برعايتها للمسيحيين يحاولون ضبط مشهد الحرب، كما دخل عراق صدام حسين متحالفًا مع الطوائف الكارهة للوجود السوري، في محاول استنزاف الأسد الذي كان دخل قبلها في حلف مع إيران في حربها ضد العراق.

كما كان واضحًا التدخل الأمريكي، لكبح لجام سوريا الموالية للاتحاد السوفيتي.

ولكن قرب نهايات الحرب برزت دولة رابعة تحاول تجيير المشهد اللبناني الممزق لصالحها وهي إيران، التي لم تخف طموحها بانتهاز أي فرصة لإحياء المد الإمبراطوري الشيعي.

ولم تنته الحرب إلا بعد أن خرج العراق والاتحاد السوفيتي من مشهد الصراع الدولي والإقليمي، وبعد أن اعترفت الولايات المتحدة والكيان الصهيوني بالهيمنة السورية على لبنان، لمنع أي قوة إقليمية أخرى كإيران من الظهور بالقرب من حدود فلسطين، فظهرت الدولة اللبنانية مرة أخرى.

 

التمدد الإيراني في المنطقة وهيمنتها على عواصم كبرى عربية كدمشق وبغداد وصنعاء وبيروت، أقلق الحليف الصهيوني، الذي شعر بأن إيران باتت على وشك تحقيق حلمها بالهيمنة على المنطقة مع صعود كبير لبرنامجها النووي

إيران واللعبة اللبنانية

منذ نجاح الخميني في الوصول إلى حكم إيران، جدد الحلم الفارسي بالوصول إلى امبراطورية مهيمنة، وكان من بين استراتيجياته للوصول إلى هذا الحلم، هو إيجاد أذرع شيعية في العواصم المؤثرة في المنطقة، تعمل على ربط هذه العواصم بأهداف إيران والمساهمة في تحويل الحلم إلى واقع على الأرض.

ومن خلال تلك الاستراتيجية برز حزب الله في لبنان، والذي اعترف زعيمه ذات مرة في خطبة جماهيرية قائلاً: نحن إيران في لبنان.

في البداية عمل حزب الله على تجييش الغالبية من شيعة لبنان تحت لوائه، وذلك بإقامة الخدمات الصحية والتعليمية وغيرها من الخدمات لطائفة كانت في لحظة من اللحظات مهمشة في لبنان، خاصة أن أغلب أفرادها لم يكونوا من أبناء المنطقة وقدموا إليها من إيران في هجرات متعاقبة.

في البداية خضع الحزب للهيمنة السورية، وبالتدريج أصبح شريكًا لها، ومع الضعف الذي اعترى النظام السوري ثار هو الحامي للنظام، لدرجة انضواء النظام السوري تحت لواء الحزب الذي ينفذ الأجندة الإيرانية. فأصبحنا لا نتحدث عن استراتيجية سورية في لبنان بل استراتيجية إيرانية تتصارع مع غيرها من الاستراتيجيات والأجندات.

في عام 2000 انسحب الجيش الصهيوني من جنوب لبنان بعد أن سلمه إلى حزب الله، الذي تعهد بالسيطرة على المقاومة الفلسطينية، في أجواء توافقية أشبه ما تكون بحلف فارسي صهيوني موجه ضد أي صعود لقوة سنية في المنطقة.

ولكن التمدد الإيراني في المنطقة وهيمنتها على عواصم كبرى عربية كدمشق وبغداد وصنعاء وبيروت، أقلق الحليف الصهيوني، الذي شعر بأن إيران باتت على وشك تحقيق حلمها بالهيمنة على المنطقة مع صعود كبير لبرنامجها النووي في أجواء خالية تقريبًا من وجود سني قوي، فكان لزامًا عليه أن يحاول قص الأجنحة الفارسية لتعود إلى حجمها الذي يريده منها وهو دور الحليف، أو حائط الصد ضد ظهور قوة سنية تنابذه.

لذلك فإن لبنان هي أنسب مكان تتم فيه تصفية الحسابات بين الغريمين، فهي خاصرة المنطقة الضعيفة، والتي إن وقعت فيها حرب أهلية مجددًا ستُستنزَف فيها إيران وذراعها الأقوى في المنطقة (حزب الله)، وتكون بمثابة أوكرانيا لروسيا، وبعدها يسهل فرض الشروط الصهيونية على إيران.

ويدرك الإيرانيون تلك الخطة، لذلك سيحاولون بشتى الطرق ضبط حزب الله حتى لا تقع الخرب الأهلة المنتظرة، ولن يعطوا الكيان الصهيوني فرصة للابتزاز.

 


أعلى