• - الموافق2024/11/25م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الزواج والأسرة.. ضرورة (الزواج.. عقيدة وشريعة)

الزواج والأسرة.. ضرورة (الزواج.. عقيدة وشريعة)


الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهـد أن محمداً عبده ورسوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا *  يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71].

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 أيها الناس: المؤمن يعلم أنه خلق لعبادة الله تعالى، وأن الله تعالى رقيب على أعماله في الدنيا، ويجازيه بها في الآخرة؛ ولذا فإن المؤمن في الأصل يسير على منهج الله تعالى الذي بلغه رسوله صلى الله عليه وسلم في كل شئونه؛ لأنه مؤمن بالله تعالى، ويرجو ثوابه، ويخاف عقابه.

والزواج هو الارتباط الوحيد بين الجنسين، وهو عماد الأسرة السوية، وله ارتباط وثيق بالعقيدة من جهات متعددة:

ففي الزواج استسلام لأمر الله تعالى الذي أمر بالزواج في كتابه الكريم  {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3].

وفيه طاعة للنبي صلى الله عليه وسلم، وامتثال لأمره، والمؤمن مأمور بذلك في كثير من الآيات القرآنية {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [المائدة: 92] {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]. وأوامر النبي صلى الله عليه وسلم في الزواج واضحة تمام الوضوح، ومنها قوله عليه الصلاة والسلام «تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأُمَمَ» رواه أبو داود والنسائي. وخص الشباب بذلك فقال: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» رواه الشيخان.

بل إن النبي صلى الله عليه وسلم عاب على من زهد في الزواج وتبتل لأجل التفرغ للعبادة، رغم أن العبادة مقصد شريف عظيم، فكيف إذن بمن رغب عن الزواج لا لأجل العبادة، وإنما لأجل التنصل من المسئولية، أو لأجل الأنس بالأصحاب والرفاق، أو لأي غرض دنيوي آخر، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه: «أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلُوا أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَمَلِهِ فِي السِّرِّ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا آكُلُ اللَّحْمَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا أَنَامُ عَلَى فِرَاشٍ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ. فَقَالَ: مَا بَالُ أَقْوَامٍ قَالُوا كَذَا وَكَذَا؟ لَكِنِّي أُصَلِّي وَأَنَامُ، وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» رواه الشيخان. ولذا قَالَ الإمام أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى: «لَيْسَتْ الْعُزْبَةُ مِنْ أَمْرِ الْإِسْلَامِ فِي شَيْءٍ». وَقَالَ: «مَنْ دَعَاكَ إلَى غَيْرِ التَّزْوِيجِ فَقَدْ دَعَاكَ إلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ».

وبناء الأسرة السوية بالزواج وإنسال الذرية؛ من سنن الرسل عليهم السلام، كما قال الله تعالى {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} [الرعد: 38] وقد أُمرنا بالاقتداء بالرسل عليهم السلام {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90].

وفي الزواج تحقيق للإيمان باليوم الآخر؛ ووجه ذلك: أن الزواج وإعفاف الزوجين لبعضهما، وتكوين الأسرة، وتربية الأولاد؛ طاعات متعددة قد رتب عليها أجور عظيمة، أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة، وهذه الأجور تفوت من عزف عن الزواج من الرجال والنساء. فكان العزوف عن الزواج، والانصراف عن تأسيس أسرة سوية مخالفا لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، ومخالفا لهدي الرسل جميعا، مع ما فيه من خلل في الاستسلام لله تعالى، ونقص في الإيمان باليوم الآخر. وكل ذلك مما ينقص الإيمان، ويقدح في الاعتقاد.

وإذا كان ترك الزواج، ورفض بناء أسرة سوية ممنهجا، وفي إطارٍ فكري مادي محدد؛ كان الإثم أشد، والخطر أكبر؛ لأن فيه تقصدا لهدم شعيرة من الشعائر التي أجمعت عليها الشرائع كلها، ومناكفة لسنن الله تعالى في خلقه، ومعارضة لأفعال الرسل عليهم السلام، وكفى بذلك إثما مبينا {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115].

وأما كون الزواج شريعة ربانية: فإن كل تفاصيل الزواج من أوله إلى آخره، وأحكامه وحكمه؛ مفصلة في النصوص الشرعية بما لا مزيد عليه، مما يعني أهمية الزواج وبناء الأسرة السوية في الشريعة الربانية، وحسبنا أن الله تعالى خص النساء بسورة قرآنية، ابتدأها بذكر نعمة الزواج والنسل، فصل فيها أحكام الزواج والصداق والقوامة والتعدد ونكاح اليتيمات، وما يحل من النساء وما لا يحل، وعالج فيها ظواهر العضل والنشوز والخصومة بين الزوجين، وأحاط هذه الآيات البينات بالمواعظ والإرشاد، ترغيبا وترهيبا؛ ليقوم طرفا الأسرة -الزوج والزوجة- بواجباتهم لإنجاح الزواج، وبناء الأسرة السوية.

وخص الطلاق بسورة أخرى فصل فيها أحكام الطلاق والعدة والرضاع والنفقة والسكنى، وكرر فيها الأمر بالتقوى؛ لأن التقوى إذا وجدت في الزوجين، فعرف كل واحد منهما حقوقه وواجباته؛ ضاقت مساحة الخلاف، وتلاشت فرص الشقاق.

وفي سورة البقرة آيات بينت حكم نكاح المشركات، وألمحت إلى تفضيل المرأة لدينها على ما سوى ذلك، وما ذاك إلا لبناء أسرة صالحة. كما عرضت للمعاشرة بين الزوجين، والتعامل مع المرأة إذا حاضت، ثم أحكام الإيلاء والطلاق والخلع تفصيلا دقيقا، وأحكام الرضاع والنفقة والكسوة والحداد وخطبة المعتدة، ومهر المرأة، ومتعة المطلقة، وختمت أكثر هذه الآيات الكثيرات بالمواعظ والترغيب والترهيب؛ لحفظ حقوق الزوجين، والقيام بواجباتهما.

وأمام هذا الكم الهائل من أحكام الزواج والفراق في القرآن الكريم لا يملك من قرأ ذلك إلا أن يقر بأن الله تعالى قد تولى تفصيل ذلك بأحسن بيان، وأبلغ قول، وأرق موعظة. فلم يتركه لأعراف الناس واجتهاداتهم، فيقع الظلم بسبب الجهل أو الهوى. وما ذاك إلا لأهمية بناء الأسرة السوية في الإسلام.

فالحمد لله الذي هدانا لدينه، ونسأله الثبات عليه إلى الممات..

وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم...  

الخطبة الثانية

  الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

 أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه {وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [آل عمران: 131- 132].

أيها المسلمون: من عجز عن مئونة الزواج فهو معذور حتى يغنيه الله تعالى. ومن كان مريضا بالعنة ولا إرب له في النساء سقط عنه النكاح. ومن قدر على النكاح فعزف عنه مع أنه محتاج إليه فهو مفتون، ومفارق لسبيل الرسول في شريعة النكاح. فإن وقع في الحرام كان على شريعة الشيطان، والميال للنساء لن يقضي وطره منهن إلا بالنكاح أو بالسفاح، وليس له خيار ثالث. ومن عجيب آيات النكاح في سورة النساء أنها ختمت بهذه الآيات {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا * يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: 26- 28]. وسنن من قبلنا من الرسل وأتباعهم في هذا الباب هو النكاح، ومجانبة السفاح، وأهل الأهواء والشهوات لا يريدون للناس الزواج وبناء الأسرة السوية، وإنما يريدون بهم الميل إلى الفواحش والمنكرات.

وفي سورة الطلاق قريب من ذلك؛ فحين ذكر الله تعالى أحكام الطلاق والعدة والرضاع، وما يجب على الزوج من النفقة والسكنى وحقوق الزوجة ختم ذلك بقوله سبحانه {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا * فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا} [الطلاق: 8 – 10]. والنكاح، ومجانبة السفاح من أمر الله الذي أمرنا به، وبلغته رسله عليهم السلام، وكان من سنتهم وشريعتهم.

ومعنى عتت عن أمر بها ورسله: أي عصته وخالفته، فحق عليها العذاب، ومن أولئك المعذبين قوم لوط حين استبدلوا الرجال بالنساء، والفاحشة بالنكاح. ثم وعظ الله تعالى قراء القرآن من أولي الألباب موعظة بليغة باتباع القرآن، وما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، ووعدهم على ذلك بعظيم الأجر والثواب {فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا * رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا} [الطلاق: 8 – 11].

وصلوا وسلموا على نبيكم...

 

أعلى