تحذيرٌ صريح من الفواحش التي تُهدّد فطرة الإنسان وثوابته، وعلى رأسها التحوّل الجنسي وما يحمله من انحراف عن منهج الله وآثار خطيرة على الأخلاق والمجتمع. دعوةٌ واضحة للثبات على الهدي الشرعي، والتمسّك بالعفة والتقوى، ومواجهة موجات التطبيع مع الباطل بثبات ووعي
الحمد لله العلي الأعلى ﴿الَّذِي
خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى * وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى *
فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى﴾ [الأعلى: 2 - 5]، نحمده على ما هدانا واجتبانا،
ونشكره على ما أعطانا وأولانا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ خلق
البشر فأحسن خلقهم، وهداهم لما ينفعهم ويضرهم، وأمرهم بطاعته وامتحنهم، وهو الذي
يميتهم ثم يبعثهم، فيحاسبهم ويجزيهم بأعمالهم، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ بعثه
الله تعالى بالهدى ودين الحق؛ فتمت به النعمة، وعظمت برسالته المنة، وكملت بشريعته
الملة، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وتمسكوا بدينكم، ولا يغرنكم التاركون لدينهم، المتنكرون
لمبادئهم، المفارقون لأمتهم، المخدوعون بأعدائهم؛ فإن الموعد قريب، وإن الحساب
شديد، وإن العذاب أليم ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ
مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ
صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا
وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ [الكهف: 49].
أيها الناس:
من أعظم الشرور التي قذفت بها الحضارة المعاصرة التوسع في طلب الملذات والشهوات،
إلى حد الإسراف الذي أدى إلى جملة من الفواحش والمنكرات التي ما كانت في الأمم
السابقة.
وفي القرآن الكريم أن قوم
لوط عليه السلام أحدثوا فاحشة لم يسبقوا إليها، وهي إتيان الرجال من دون النساء ﴿وَلُوطًا
إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ
مِنَ الْعَالَمِينَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ
النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ﴾ [الأعراف: 80- 81]، وهذه الفاحشة
ظلت بعد هلاك قوم لوط في البشر محدودة فردية، يقع فيها من أسرفوا على أنفسهم
بالعصيان، إلى أن جاءت الحضارة المعاصرة؛ فوطنت هذه الفاحشة في الناس، وطبعتهم
عليها، ونشرتها فيهم، وجعلت السياسة والاقتصاد في خدمتها. واستحلت زواج الرجال
بالرجال، وزواج النساء بالنساء؛ مما هو زائد في الفحش على ما فعله قوم لوط
الأقدمون. ثم جاوزا ذلك إلى إباحة التحول الجنسي، والدعوة إليه، ومقاومة الممانعين
له. والتحول الجنسي يعني: تغيير جنس الذكورة والأنوثة، بالعبث بخلق الله تعالى،
وتغيير تركيبة الجسد عن طريق استئصال أعضاء الذكورة لمن يريد أن يصبح أنثى، وحقنه
بالهرمونات الأنثوية، فيصير ذكرا متحولا إلى أنثى، واستئصال أعضاء الأنوثة لمن تريد
أن تصبح ذكرا، وحقنها بالهرمونات الذكورية، وهذه المسوخ البشرية يطلقون عليهم:
المتحولين.
إن فكرة تحول الذكر إلى
أنثى، وتحول الأنثى إلى ذكر؛ مبنية على فكرة إلحادية مفادها: أن الإنسان يولد
محايدا لا ذكرا ولا أنثى، ولا عبرة عند هؤلاء الملاحدة بآلة الذكر وآلة الأنثى، ولا
بخصائص الذكورة والأنوثة، ثم هو يختار بعد ذلك جنسه. فإن وافق اختياره خلقته فذاك،
وإن لم يوافق اختياره خلقته أجريت له عمليات التغيير والتحويل إلى الجنس الذي
أراده.
وهذا العمل من أبشع
المنكرات، وأحط الموبقات، وهو جامع لمنكرات عدة:
منها: التلاعب بخلق الله
تعالى، والخلق من خصائص الربوبية، ﴿أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ
أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل: 17]، فليس من حق المخلوق أن يتلاعب بخلق الله
تعالى، وعقوبات ذلك شديدة أليمة، والجسد أمانة عند صاحبه يجب المحافظة عليه، ويحرم
العبث به.
ومنها: أن المتحولين
معترضون على اختيار الله تعالى لهم، معاندون له سبحانه في قدره، وهو الذي خلق فأحسن
الخلق، وصور فأحسن التصوير، وهو سبحانه أحسن الخالقين. وقد نهى الله تعالى عن تمني
الرجل أن تكون له وظائف المرأة، وعن تمني المرأة أن تكون لها وظائف الرجل. فكيف
برجل يتمنى أن يكون امرأة؟ أو امرأة تتمنى أن تكون رجلا؟ ثم كيف بمن يحول هذه
الأمنيات إلى واقع بالعبث بخلقته وهرموناته لأجل أن يتحول إلى جنس غير الجنس الذي
خلقه الله تعالى عليه. قال الله تعالى ﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ
بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا
وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ
اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ [النساء: 32].
ومنها: أن الله تعالى خلق
الرجل بخصائص تناسب وظائفه وأعماله، وخلق المرأة بخصائص تناسب وظائفها وأعمالها.
والتحول الجنسي عبث بهذه الخصائص والوظائف، وقلب لها رأسا على عقب، مما يؤدي إلى
انتكاس الفطر، وتعطيل وظائف كل جنس.
ومنها: أن الله تعالى حرم
تشبه الرجال بالنساء، وتشبه النساء بالرجال، وجاء في حديث عبد الله بن عمرو رضي
الله عنهما قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
«لَيْسَ
مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِالرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ، وَلَا مَنْ تَشَبَّهَ
بِالنِّسَاءِ مِنَ الرِّجَالِ»
رواه أحمد.
وشُدد التحريم في ذلك حتى
بلغ درجة اللعن؛ كما في حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:
«لَعَنَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ
بِالنِّسَاءِ، وَالمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ»
وفي لفظ:
«لَعَنَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المُخَنَّثِينَ مِنَ الرِّجَالِ،
وَالمُتَرَجِّلاَتِ مِنَ النِّسَاءِ»
رواه البخاري. وفي حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:
«لَعَنَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلَ يَلْبَسُ لِبْسَةَ
الْمَرْأَةِ، وَالْمَرْأَةَ تَلْبَسُ لِبْسَةَ الرَّجُلِ»
رواه أبو داود وصححه ابن حبان. فإذا كان مجرد تشبه جنس بآخر في لباس أو مشي أو
حركة؛ كبيرة من كبائر الذنوب، استحق صاحبه اللعن، فكيف بالتحول الكامل الذي هو أشد
درجات التشبه وأشنعها؛ حيث تغيير خلق الإنسان تغييرا جذريا؛ ليتحول من ذكر إلى
أنثى، أو من أنثى إلى ذكر.
ومن منكرات التحول الجنسي
أن فيه تغييرا لخلق الله تعالى، وهذا من تزيين الشيطان كما أخبر الله تعالى عنه أنه
قال ﴿وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ﴾ [النساء: 118-
119]، وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه:
«لَعَنَ
اللَّهُ الوَاشِمَاتِ وَالمُوتَشِمَاتِ وَالمُتَنَمِّصَاتِ وَالمُتَفَلِّجَاتِ
لِلْحُسْنِ، المُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ»
رواه الشيخان. فإذا كان هذا اللعن لمن غيرت من خلقتها للحسن والجمال، فكيف بمن
غيّرت خلقتها لتتحول إلى ذكر، وكيف بمن غير خلقته ليتحول إلى أنثى؟ فذلك أشد وأعظم
وأقبح وأشنع.
والدافع الأساس لهذا
التحول هو ممارسة الفاحشة؛ فمن وقع في فاحشة قوم لوط أراد أن يُنكح كما تنكح
المرأة، فغير خلقته من ذكر إلى أنثى، والمرأة المترجلة أرادت أن تتحول إلى ذكر،
وذلك من أفظع ما عرفه البشر من الجهل والظلم، وصدق الله تعالى حين وصف الإنسان
بقوله سبحانه ﴿وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾
[الأحزاب: 72].
وأقول قولي هذا وأستغفر
الله لي ولكم...
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا طيبا
كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى
بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله وأطيعوه ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ
تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: 281].
أيها المسلمون:
حين يسمع المؤمن بهذه الفواحش التي لم تكن في السابقين، ويعلم عن مسخ بعض البشر
أشكالهم بالتحول من الذكورة إلى الأنوثة والعكس؛ يتذكر قول النبي صلى الله عليه
وسلم:
«إِنَّهُ
لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ
عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ،
وَإِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَ عَافِيَتُهَا فِي أَوَّلِهَا، وَسَيُصِيبُ
آخِرَهَا بَلَاءٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا، وَتَجِيءُ فِتْنَةٌ فَيُرَقِّقُ
بَعْضُهَا بَعْضًا»
رواه مسلم. وفتن الفواحش
في هذا الزمن من أعظم الفتن، والمجاهرة بها وإشاعتها أعظم، واستحلالها أعظم وأعظم،
في فتن يُنسي آخرها أولها، وهي تتفاقم وتزداد يوما بعد يوم.
ومن العجب أن كبيرة التحول
الجنسي، والعبث بالأبدان التي هي أمانة عند الإنسان؛ صار يروج لها على أنها حق
مكفول لمن أراد أن يغير جنسه. مع أنها انتكاس عن الفطرة السوية، وخروج على الشريعة
الربانية، وتدمير للبنية الجسدية؛ إذ إن الدراسات الطبية المتخصصة تدل على أن
الفروقات الجينية بين الذكر والأنثى كثيرة جدا، ليست مقتصرة على أعضاء تستأصل، أو
هرمونات يحقن بها جسد المتحول. إنه خلق مكتمل للذكورة، وخلق مكتمل للأنوثة،
والتلاعب به يؤدي إلى اضطراب في شخصية المتحول؛ فيتصنع الأنوثة وهو ذكر، أو تتصنع
الذكورة وهي أنثى. وهذا الاضطراب في شخصية المتحول ينشأ عنه أمراض نفسية متعددة،
أدت بعدد كثير من المتحولين إلى العزلة ثم إلى الانتحار، وهذا جزاء معجل لمن رفض
اختيار الله تعالى له، وعبث بجسده، وعذاب الآخرة أشد وأنكى. وقد روى أَبُو زُرْعَةَ
البَجَلِي قَالَ:
«دَخَلْتُ
مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ دَارًا بِالْمَدِينَةِ فَرَأَى أَعْلاَهَا مُصَوِّرًا
يُصَوِّرُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي، فَلْيَخْلُقُوا
حَبَّةً، وَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً»
رواه الشيخان.
فإذا كان هذا فيمن يرسم
ويصور، فكيف بمن يعبث بخلق الخالق فيغيره ويبدله، وقد أحسن الله تعالى خلقته،
فغيرها إلى ما يستقبحه كل ذي فطرة سوية ﴿وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ﴾
[غافر: 64]، ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾
[التين: 4]. نعوذ بالله تعالى من الضلال والانتكاس.
وصلوا وسلموا على نبيكم...