• - الموافق2025/01/30م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
لماذا أوقف نتانياهو إطلاق النار في غزة؟

هل كانت ضغوط ترامب هي السبب الوحيد لموافقة نتانياهو على الهدنة وتبادل الأسرى؟، وهل سيعاود القتال مرة أخرى وبنفس الطريقة بعد حصوله على الأسرى أم سيرضخ إلى اتفاق هدنة دائم؟


أخيرًا، وبعد أكثر من خمسة عشر شهرًا من حرب الإبادة التي شنها الاحتلال الصهيوني على أهل غزة، تتخللها جولات من المفاوضات العقيمة، تم الإعلان عن وقف إطلاق النار على عدة مراحل، وسط غموض حول مدى التزام الكيان الصهيوني بوقف الحرب.

ولكي نستطيع فهم هل ستستمر الهدنة الحالية أم سيتم نقضها من قبل الجيش الصهيوني، لابد لنا من الإجابة عن هذا السؤال: لماذا قَبَل الكيان الصهيوني بزعامة نتانياهو وقف إطلاق النار، وهو الذي كان مُصِّرًا على المضي في الحرب؟

لقد أجمع المراقبون على أن نفس شروط الصفقة الحالية، كانت معروضة على الطرفين في شهر مايو الماضي، أي منذ ثمانية أشهر ووافقت عليها حماس، ورفضها نتانياهو آنذاك.

فلماذا عاد الرجل ووافق عليها الآن؟ وهل سيستكمل الهدنة بمراحلها، أم سيستأنف القتال في وسطها، أم سينتظر إخراج كل الأسرى ثم يعود للحرب؟

للإجابة على هذه الأسئلة، سنطل إطلالة سريعة على مفاوضات الهدنة، ثم نعرج إلى استنباط أهداف نتانياهو من الحرب التي شنها في غزة، ونحاول تحليل الحرب العسكرية من وجهة النظر الصهيونية، وفي النهاية نحاول تحليل أسباب توقف نتانياهو ومن ثم توقع احتمالات العودة للقتال مرة أخرى.

مفاوضات الهدنة

في مايو من العام الماضي، قدمت إدارة بايدن خطة مقترحة لوقف الحرب، قبلتها حماس في بيان رسمي، وساندتها دول العالم عبر إصدار قرار داعم من مجلس الأمن الدولي، لكن إسرائيل تعنتت ورفضت عبر إضافة ما يقرب من مائة ملاحظة عليها وتذويبها، ولكن بدل أن يمارس وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الضغط الممكن على نتنياهو لقبولها، وأن يكفّ عن اللعب والخداع، رمى باللائمة على حماس، وقال ما كرره ممثل واشنطن في الأمم المتحدة، وكذلك وزير الدفاع أوستن، إن الكرة في ملعب حماس، وإن إسرائيل قبلت المقترح، وكانوا يكذبون كما كانوا يفعلون دائما.

 

نتانياهو أدرك أن انتصار الجيش الصهيوني في القتال لم يعد ممكنا، بفضل صمود حماس ومعها فصائل المقاومة، وأنه ما لم تستطع أن تحصل عليه في الحرب، فهناك وسائل أخرى

ولكن من جهة أخرى يزعم الرئيس الامريكي دونالد ترامب أن ضغوطه وتصريحاته المهددة هي التي جعلت الأطراف ترضخ وتوافق على التوقيع على الصفقة.

ففي ديسمبر الماضي وبعد إعادة انتخابه، كتب ترامب على منصته (تروث سوشل)، "إذا لم يطلق سراح الرهائن قبل 20 يناير 2025.. فإن الثمن الذي سيدفع في الشرق الأوسط سيكون باهظًا وسيواجه الجحيم كله، وكذلك بالنسبة إلى المسؤولين الذين ارتكبوا تلك الفظائع ضد الإنسانية".

ثم أكد أن "هؤلاء المسؤولين عن هذا الحادث سيلحق بهم ضرر أكبر من أي ضرر لحق بأي شخص آخر في تاريخ الولايات المتحدة الطويل والحافل... أطلقوا سراح الرهائن الآن!".

وبعدها بشهر، وخلال تصريحات في منتجعه "مار إيه لاغو" بولاية فلوريدا، عاد ترامب ليكرر تهديداته حيث قال: "لن يكون هذا جيدا لحماس ولن يكون جيدًا، بصراحة، لأي شخص، سوف يندلع الجحيم، ولا داعي لقول المزيد، لكن هذا هو الأمر"، مضيفًا أنه "لم يكن ينبغي أن يحدث هذا أبدًا".

وتابع: "إذا لم يتم إطلاق سراح الرهائن قبل 20 يناير 2025، وهو التاريخ الذي أتولى فيه بفخر منصبي كرئيس للولايات المتحدة، فسيكون هناك جحيم سيدفع الشرق الأوسط ثمنه الباهظ، وأولئك المسؤولين الذين ارتكبوا هذه الفظائع ضد الإنسانية".

ولكن كلمات ترامب وتهديداته السابقة ذكر فيها حماس بصفة خاصة، ولكنه أطلق كلمات أخرى عامة مثل (المسؤولين الذين ارتكبوا هذه الفظائع ضد الإنسانية)، فهمها البعض أنها ليست لحماس وحدها بل أيضًا للطرف الآخر وهو حكومة الكيان الصهيوني وعلى رأسها نتانياهو.

أهداف نتانياهو من الحرب

من متابعة تصريحات رئيس وزراء الكيان الصهيوني حول أهدافه من القتال في غزة، نجد أنها تتمحور حول ثلاثة أهداف:

الأول: هو القضاء على حماس.

الثاني: هو منع أي تهديد مستقبلي لإسرائيل يمكن أن يخرج من غزة.

وأخيرا يتمثل في تحرير الأسرى اليهود من قبضة المقاومة الفلسطينية.

ولكن هل استطاع نتانياهو تحقيق هذه الأهداف؟

طوال فترة الحرب، كان نتانياهو مصرًا على المضي فيها حتى تحقيق أهدافه تلك، وهذا أبلغ دليل على أن الرجل لم يستطع تحقيق تلك الأهداف بالحرب عندما قبل الهدنة.

وفي نفس الوقت فإن كبار العسكريين الصهاينة السابقين والقريبين من نتانياهو كانوا يعبرون منذ فترة طويلة عن خيبة أملهم في الحصول على أي انتصار في هذه الحرب.

 

لقد أدرك ترامب أن الجيش الصهيوني بات عاجزا عن بلوغ أهدافه، فكان لابد من التدخل الحازم لوقف هذا القتال، ومنعه من الاستمرار، خاصة أن الرجل لا يريد حروب بل رجل أعمال دائما يدور حديثه عن صفقات.

فهذا الجنرال آيلاند وصاحب خطة الجنرالات، والذي كان يدعو إلى تجويع وقتل الفلسطينيين في قطاع غزة لإجبارهم على ترك القطاع، عاد من تسعة شهور ليقر أن الكيان الصهيوني عاجز عن إخراج حماس من غزة أو إنهاء حكمها، وأنه نظرًا للخسائر الكبيرة التي تلحق بالجيش الصهيوني خاصة على مستوى عدد القتلى والمصابين، فإنه يجب إخراج الجيش من غزة والاستمرار في حصارها، واستخدام ورقة الإعمار لكي تقبل حماس بالهدوء وعدم خوض طوفان جديد.

ثم عاد آيلاند في مقال آخر منذ ثلاثة أشهر مطالًبا نتانياهو وموضحًا بأن المعارك في غزة ولبنان لا تؤدي إلى شيء، بل تؤدي فقط إلى مقتل المزيد من الجنود، وإن التحرك السياسي يمثل نجاحاً بنسبة 90%، فالضغط العسكري وحده لا يحقق شيئا.

وهناك جنرال صهيوني آخر وتطلق عليه الصحافة الصهيونية نبي الغضب وهو إسحاق بريك، والذي يظهر كثيرًا على القنوات الصهيونية وفي الحوارات الصحفية، محذرًا أن دولة الكيان على حد تعبيره في مرحلة انهيار، ويؤكد بريك، أن الاقتصاد ينهار، والمجتمع ينهار، ولدينا مشكلة مع العالم ونحن نفقده.

وينتقد بريك بشدّة كيفية إدارة الحرب والتقارير الموجّهة للجمهور، حيث يقول بالحرف الواحد: "يُخبرون الجمهور أننا ندمّر الأنفاق.. هذا كذبة كبيرة"، "أتحدث مع الذين يقومون بالعمل، بما في ذلك الضباط، وهم يقولون لي إنهم يكذبون على الجمهور. دمّرنا ربما نسبة قليلة، كل مساحة الأنفاق في يد حماس". وعلى حسب قوله فإن الوضع في غزة بعيد عن النصر: "حماس موجودة في الأنفاق، تقريبا جميعهم، خلافا لما يقوله الجيش عن 50% تم تدميرها".

حتى الصحافة الصهيونية والمواقع الإخبارية الصهيونية، احتشدت بمقالاتها والتي تعبر عن خيبة أملها في النصر الذي لم يتحقق، فصحيفة "حدشوت للو تسنزورا" سخرت من نتانياهو فأبرزت تناقض تصريحاته، واكتفت بالعنوان التالي:

2023 نتنياهو: لن يكون هناك وجود لحماس في غزة.

2025 نتنياهو: نحن ننتظر رد حماس على مقترح وقف إطلاق النار.

فالسبب الرئيس لقبول نتانياهو الصفقة هو عجزه عن الانتصار على المقاومة الفلسطينية.

نتانياهو والصفقة

كل هذه الدلائل تشير إلى أن نتانياهو أدرك أن انتصار الجيش الصهيوني في القتال لم يعد ممكنا، بفضل صمود حماس ومعها فصائل المقاومة، وأنه ما لم تستطع أن تحصل عليه في الحرب، فهناك وسائل أخرى.

ولا شك أن الصفقة تحقق للكيان هدف إخراج الأسرى، وجزئيا منع حماس من تكرار طوفان الأقصى ولو مؤقتا، فنتيجة حملته للإبادة فإن حماس بالرغم من امتلاكها القدرة لن ترغب في المدى القريب مهاجمة الكيان، ولكن تدمير حماس لم يتحقق، حيث كان مشهد استعراض القوة التي مارسته حماس أثناء تسليم الأسرى الصهاينة للصليب الأحمر وإظهار التفاف جموع أهل غزة حولها والتي نقلتها شاشات العالم على الهواء، كان رسالة أن قوتها وشعبيتها لا تزال كما هي.

ولكن لا يمكن أيضا إغفال دور الرئيس الأمريكي ترامب في الضغط على نتانياهو في المضي بالصفقة.

يقول أريل سيغال الصحافي المقرب من نتنياهو على القناة ١٤ الصهيونية: "نحن أول من يدفع ثمن انتخاب ترامب، يجري اغتصابنا لقبول الصفقة، لا أعتقد أن هذا ما خططنا له وانتظرناه، توقعنا أننا سنسيطر على شمالي غزة وسنمنع المساعدات الإنسانية".

ويقول عضو الكنيست يتسحاك كرويزر: "اتضح أن تهديد ترامب بـ "فتح أبواب الجحيم" إذا لم يتم التوصل إلى صفقة، تهدف أساسًا إلى الضغط علينا وليس على أعدائنا".

بل إن الصحفي الصهيوني بن كسبيت يورد رواية أظنها صحيحة لأنها أقرب لأسلوب ترامب وطريقة إدارته للحكم، فيقول: إن نتنياهو خضع للضغوط بعد تلقيه مكالمة هاتفية من ويتكوڤ (مبعوث ترامب للشرق الأوسط) أوضح له فيها ببساطة: "وقّع هنا وهنا، يوجد ضمانة أمريكية بأنه إذا لم تُخل حماس بالاتفاق، فلن تُستأنف الحرب".

لقد أدرك ترامب أن الجيش الصهيوني بات عاجزا عن بلوغ أهدافه، فكان لابد من التدخل الحازم لوقف هذا القتال، ومنعه من الاستمرار، خاصة أن الرجل لا يريد حروب بل رجل أعمال دائما يدور حديثه عن صفقات.

ويتبقى السؤال هل سيعود نتانياهو للحرب مرة أخرى لكي يحقق أهدافه؟

والذي يدفع لهذا التساؤل هو تصريحات المحيطين والمقربين من نتانياهو، بالإضافة إلى تصريحات رئيس حزب الصهيونية الدينية وحليف نتانياهو سيموريتش بأن الكيان سيعود للحرب، بالإضافة إلى حديث نتانياهو نفسه، وهو الوحيد الذي أدلى به بعد الصفقة، والذي قال فيه أنه لن ينسحب من محور فيلادليفيا، بالرغم من أن الصفقة والتي عقدها مع حماس برعاية قطر ومصر وأمريكا، تنص على انسحاب الجيش الصهيوني بالكامل من محور فيلادليفيا مع نهاية المرحلة الثانية، فكل هذه المؤشرات تؤدي إلى طريق واحد إلى أن نتانياهو لن يكمل الصفقة أو على الأقل سيواصل القتال بعد اكتمال مراحلها واستعادة الأسرى.

ولكن أليس هذا الموقف يتعارض مع فشل الجيش في حربه مع حماس؟

هناك تصريحات تتناقلها وسائل الإعلام عن نهج جديد في الحرب سيمارسه الجيش الصهيوني في غزة، يتعلق هذا النهج بالامتناع عن الحرب البرية، وعدم الدخول بحشود عسكرية، والاقتصار على القصف بالطائرات المقاتلة وبالمسيرات.

وحتى لو تم ذلك، فإن شعب غزة قد مر بما هو أسوأ من ذلك وصمد وصمدت مقاومته، واستطاع تقديم

نموذج ألهم ليس فقط المسلمين، بل الشعوب الحرة في العالم والتي ترفض منطق القهر والإبادة.

 

أعلى