• - الموافق2025/01/23م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
طوفان الأقصى نقطة تحول في القضية الفلسطينية والمنطقة

مع إنجاز اتفاق الهدنة ووقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل فإن هذا نتائج خروج المقاومة منتصرة في هذه الجولة من الصراع، يلقي بظلاله على المنطقة ككل ويرسم أولويات جديدة للقوى الإقليمية ويعيد رسم خريطة التحالفات في الشرق الأوسط.


لم يكن "طوفان الأقصى" مجرد عملية عسكرية شنّتها قوات حركات المقاومة الفلسطينية ضد الكيان الصهيوني فحسب، بل نقطة تحول أعادت فتح ملف القضية الفلسطينية بكل أبعادها التاريخية والإنسانية، ففي وقت تعيش فيه منطقة الشرق الأوسط تحولات عميقة ومتسارعة، جاء هذا الطوفان وما تبعه من حرب غاشمة تشنّها إسرائيل ليلقي بثقلٍ مباشرٍ على موازين القوى في الإقليم، تاركًا تداعياته على السياسة والاقتصاد والأمن،

ما قبل الطوفان

قبل السابع من أكتوبر، كانت التقديرات الغربية، ولا سيما الأمريكية، تشير إلى أن الشرق الأوسط يعيش فترة من الاستقرار النسبي مقارنة بالعقدين الماضيين، كان هذا التصور السطحي يعكس فشلًا في فهم الطبيعة العميقة للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، كما كان يعكس تجاهلًا لواقع الفلسطينيين الذين يواصلون كفاحهم ضد الاحتلال المغتصب لأراضيهم وحرياتهم، ولا شك أن الهجوم الذي نفذته حركة حماس في ذلك اليوم فجّرَ هذا الوهم، وكشف عن إخفاقات استراتيجية وأمنية عميقة كانت تسيطر على واقع القضية الفلسطينية منذ سنوات، فعلى المستوى الأمني؛ أظهر هجوم طوفان الاقصى الفجوة الواسعة بين الخطاب الإسرائيلي حول الأمن والسلام، والواقع الذي يعايشه الفلسطينيون تحت الاحتلال، خصوصًا في قطاع غزة الذي يعاني من حصار خانق منذ عام 2007م، ورغم محاولات إسرائيل تعزيز وجودها العسكري وتوسيع مستوطناتها غير القانونية في الضفة الغربية، فإن هذه السياسات فشلت في تقديم الأمن لإسرائيل، بينما أدت إلى مزيد من القمع والظلم للفلسطينيين. فإسرائيل التي تدعي أنها تسعى للسلام كانت في الحقيقة تدير الصراع بدلًا من حله، وهذا يثبت أن الأساليب القائمة لا تؤدي إلا إلى تأجيج العنف وإطالة أمد المعاناة.

على الصعيدين الإقليمي والدولي؛ أظهر الطوفان أن محو القضية الفلسطينية من الحسابات السياسية لم يكن إلا وهمًا، وأن أي حديث عن استقرار في الشرق الأوسط دون معالجة جوهر الصراع لن يؤدي إلا إلى مزيد من التوترات، وبينما كانت إسرائيل تواصل توسع مستوطناتها في الأراضي المحتلة كانت الضغوط على الفلسطينيين تتزايد، ما يثير تساؤلات حول جدوى أي حلول سلمية طالما أن الطرف الأضعف؛ الفلسطينيين، محروم من حقوقه الأساسية، ويمكننا إيجاز أسباب قيام فصائل المقاومة الفلسطينية بعملية طوفان الأقصى في النقاط التالية:

* الظلم المستمر نتيجة الممارسات الإسرائيلية: فالتصعيد المستمر في انتهاكات حقوق الفلسطينيين من قبل إسرائيل، بما في ذلك الاعتقالات الجماعية، وهدم المنازل، وتوسيع المستوطنات غير القانونية، دفع إلى تزايد الغضب الفلسطيني والتصدي للواقع القاسي تحت الاحتلال.

* الاعتداءات على الأقصى والمقدسات الإسلامية: استفزازات الاحتلال في القدس الشريف، خاصة في المسجد الأقصى، كانت بمثابة الشرارة التي أشعلت غضب الفلسطينيين، والاعتداءات المتكررة على المسجد، ومحاولات فرض التقسيم الزماني والمكاني، كانت من الدوافع الرئيسة وراء التصعيد.

* مواصلة المقاومة: فبعد سنوات من القمع والظلم، كان من بين أهداف طوفان الأقصى أن يتم إرسال رسالة قوية للعالم بأن الشعب الفلسطيني لا يزال يقاوم الاحتلال وأنه لن يستسلم، لا سيما في وقت تتزايد فيه محاولات بعض الدول العربية لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، لذا كان الهدف التأكيد على أن القضية الفلسطينية ما زالت قضية مركزية في المنطقة، وأنها لا يمكن أن تُنسى أو تُهمش.

* التأكيد على حقوق الشعب الفلسطيني: عملية طوفان الأقصى كانت بمثابة إعلان تأكيد على حقوق الفلسطينيين التاريخية في أراضيهم، ومنها حقهم في تقرير مصيرهم، مع محاولة الضغط على المجتمع الدولي من خلال تصعيد المقاومة، وقد سعت حماس إلى لفت انتباه المجتمع الدولي إلى المعاناة الفلسطينية، داعية إلى تدخل دولي فعال للضغط على إسرائيل للتوقف عن انتهاكاتها، كما أسهمت العملية في تسليط الضوء على معاناة الفلسطينيين وتوحيد الجهود ضد الاحتلال، لا سيما في ظل فشل المفاوضات واستمرار إسرائيل في تجاهل حقوق الفلسطينيين.

 

عملية طوفان الأقصى عززت مكانة دور المقاومة، وأظهرت قدرتها على تحدي الاحتلال، وأكدت على الحاجة إلى تكامل جهود جميع فصائل المقاومة الفلسطينية لتحقيق الهدف المشترك الأهم وهو إنهاء الاحتلال.

* الرد على السياسة الإسرائيلية التوسعية: إذ إن توسيع المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة كان يشكل تهديدًا مباشرًا للأرض الفلسطينية، مما دفع حماس والمقاومة الفلسطينية إلى تنفيذ العملية كوسيلة لوقف هذه السياسة.

آثاره على القضية الفلسطينية

بعد طوفان الأقصى شهدت القضية الفلسطينية انعكاسات عميقة على مختلف الأصعدة، سواء على مستوى الحقوق الفلسطينية أو فيما يتعلق بمستقبل القضية الفلسطينية كقضية محورية، وكذلك على حركات المقاومة الفلسطينية واستمراريتها، يمكن تلخيص ذلك في الآتي:

* تعزيز وحدة الشعب الفلسطيني: فبالرغم من الخلافات الداخلية بين الفصائل الفلسطينية، فإن عملية طوفان الأقصى وحدت العديد من قوى المقاومة الفلسطينية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، ورأينا حالة من الإجماع الشعبي على أن النضال الفلسطيني يجب أن يستمر في كافة أشكاله، وأنه لا بديل عن المقاومة، وبالرغم من هذا الالتفاف الشعبي حول المقاومة، إلا أن السلطة كان لها رأيًا مخالفًا، حيث ظلّت تنتقد حماس، وظلت تؤكد على أن التنسيق الأمني مع الاحتلال والتوصل إلى حل سياسي وسلمي هو الطريق الوحيد لحل القضية الفلسطينية.

* تأكيد هوية القضية الفلسطينية: العملية كانت بمثابة تذكير قوي لشعوب العالم بأن القضية الفلسطينية ليست مجرد صراع إقليمي، بل هي قضية حقوق إنسان وقضية عادل لها جذور تاريخية عميقة، لقد أظهرت أن الفلسطينيين لن يتخلوا عن أراضيهم، وأن المساعي الإسرائيلية لتصفية القضية لن تُحقق نجاحًا سريعًا كما كانوا يظنون، وعلى الرغم من الدعم الدولي الواسع لإسرائيل، إلا أن الشعوب في بلدان عديدة حول العالم قد تيقظت إلى ضرورة الضغط على إسرائيل لإنهاء احتلالها والتوقف عن انتهاكات حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية.

* دور حركات المقاومة: عملية طوفان الأقصى عززت مكانة دور المقاومة، وأظهرت قدرتها على تحدي الاحتلال، وأكدت على الحاجة إلى تكامل جهود جميع فصائل المقاومة الفلسطينية لتحقيق الهدف المشترك الأهم وهو إنهاء الاحتلال.

انعكاسات على الإقليم

ساهمت عملية طوفان الأقصى في عودة الحديث عن القضية الفلسطينية في المحافل الإقليمية، ولا شك أن انعكاساتها على الإقليم كانت ملحوظة:

* حزب الله: كان لعملية طوفان الأقصى تأثير كبير على موقف حزب الله في لبنان، حيث أعرب عن دعمه الشكلي للمقاومة الفلسطينية عبر ما أُطلِقَ عليه "وحدة الساحات"، وقد أدى التصعيد إلى زيادة التوترات على الحدود اللبنانية-الإسرائيلية، لكن هذه التفاعلات وضعت لبنان المأزوم أمام تحديات أمنية وسياسية كبيرة، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية المزرية هناك، لذا كان اتفاق الهدنة بمثابة طوق لحزب الله، الذي فقد الكثير من قياداته وعناصره في أيام معدودة.

* سوريا: الحرب على غزة والتصعيد العسكري في المنطقة أتاح الفرصة للتخلص من النظام البعثي الذي جثم فوق صدور السوريين لعقود طويلة، ولكن مع سقوط النظام وتشكيل حكومة انتقالية جديدة فإن غالب الظن أن الجانب السوري قد دخل في حالة من الهدنة غير المعلنة، لحين الانتهاء من ترتيبات البيت الداخلي السوري، لكن في حالة إذا ما تزايد الاهتمام السوري بالقضية الفلسطينية فإن هذا بلا شك سيعيد تشكيل التحالفات الإقليمية في المستقبل.

* إيران: لطالما تشدقت إيران بأنها أبرز الداعمين لفصائل المقاومة الفلسطينية، وعادةً ما تحدث قادتها عن أن القضية الفلسطينية جزء أساسي من سياستهم الإقليمية، وقد حاولت إيران في استغلال عملية طوفان الأقصى لتعزيز نفوذها في المنطقة، خاصة في ظل التوترات القائمة مع الولايات المتحدة وحلفائها، لكن سقوط نظام الأسد في سوريا، والاستهداف الإسرائيلي لحزب الله اللبناني، والضربات الدولية على مواقع الحوثيين في اليمن، جميعها أمور تسببت في زعزعة النفوذ الإيراني وتراجعه بشكل ملحوظ.

* المصالح الغربية في المنطقة: الحرب الإسرائيلية على غزة شكلت ضغوطًا كبيرة على المصالح الغربية في المنطقة، خصوصًا مع تصاعد موجات التضامن العربي والإسلامي مع الفلسطينيين، هذا التصعيد كان له تأثيرًا سلبيًا على المشاريع الاقتصادية والاستثمارية التي تشارك فيها القوى الغربية، كما أن الدعم الغربي المستمر لإسرائيل عرض تلك الدول لانتقادات حادة على الساحة الدولية.

* الولايات المتحدة: الولايات المتحدة، باعتبارها الحليف الأكبر لإسرائيل، تواجه ضغوطًا متزايدة لتقديم حلول لوقف الحرب وحل القضية الفلسطينية، لقد أصرّت واشنطن منذ اللحظة الأولى على تعزيز دعمها لإسرائيل، متجاهلة تفاقم المشاعر المناهضة لها في العالم العربي والإسلامي، ولا أحد يدري كيف سيدير ترامب المرحلة القادمة، خاصة أنه تم تعيين العديد من الموالين لإسرائيلي في مناصب ذات أهمية بالقضية الفلسطينية.

* روسيا: الحرب على غزة تتيح لموسكو فرصة لتوسيع نفوذها الإقليمي من خلال دعم موقفها من القضية الفلسطينية، حيث ترى موسكو في توجيه الضغط على الغرب بخصوص القضية الفلسطينية سبيلاً لتعزيز علاقاتها مع دول المنطقة وتعزيز موقعها كمنافس استراتيجي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

* تركيا: كانت تركيا من أولى الدول التي أدانت الهجمات الإسرائيلية على غزة، وأظهرت دعمًا قويًا للمقاومة الفلسطينية، هذا الموقف يعكس التوجهات السياسية التركية في تعزيز دور أنقرة كقوة إقليمية في المنطقة، وفي ظل سقوط النظام السوري ونجاح الهدنة بين حماس وإسرائيل، فإن الحديث عن التشكيل السياسي وإعادة الإعمار في سوريا وغزة ستكون عملية ضخمة، وبلا شك فإن تركيا لن تضيع تلك الفرصة لتعزيز نفوذها وتوظيف الأمر لصالحها.

إن انعكاسات "طوفان الأقصى" لن تقف عند حدود الأراضي الفلسطينية المحتلة، بل ستمتد لتلامس ملفات شائكة في الإقليم، من التوترات في لبنان وسوريا واليمن، إلى إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية والدولية، وفي الوقت نفسه أظهرت العملية هشاشة الوضع الأمني والسياسي في إسرائيل، وعلى الجانب الآخر أعادت الأحداث تسليط الضوء على دور المقاومة الفلسطينية كفاعل حاسم في المعادلة الإقليمية، رغم الفجوة الكبيرة في موازين القوى، ربما يكون المستقبل حافلاً بالمفاجآت، لكن المؤكد أن "طوفان الأقصى" قد أطلق موجة جديدة من الأسئلة والتحديات التي لن تنتهي بانتهاء القصف وبدء الهدنة، بل ستظل عالقة في ذاكرة التاريخ كحدث غيّر قواعد اللعبة وفرض واقعًا جديدًا على الجميع.

أعلى