• - الموافق2025/01/23م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
استعدادات ومخاوف متبادلة بين كلا الطرفين.. حتمية الصراع بين تركيا وإسرائيل

يبدو ثمة صراع قابل للتصاعد على عدة مستويات وليس بعيد عنه الجانب العسكري، ذلك أن الطرفين التركي والإسرائيلي لديهما تصادم في المصالح خاصة فيما يخص ملف قسد، وسد الفراغ الإقليمي التي تركته إيران في المنطقة.


لا يخفى على أحد حجم المخاوف والاتهامات المتبادلة بين كل من تركيا وإسرائيل في الآونة الأخيرة، خاصة بعد سقوط نظام الأسد ووصول إدارة جديدة لسدة الحكم، وهو ما تعده إسرائيل مكسبًا استراتيجيًا لتركيا، بينما ترى تركيا أن احتلال إسرائيل لبعض المناطق في سوريا بعد سقوط النظام البائد هو دليل واضح على أطماعها بما يحقق أهدافها التوسعية، ولا شك أن التغيرات الجيوسياسية الأخيرة في المنطقة قد ألقت بظلالها وساهمت بجزء كبير في احتداد هذا الصراع بين الطرفين، ولذلك سنحاول فهم أبعاده سويًا وما يمكن أن يؤول إليه في المستقبل القريب والبعيد.

البداية من هنا

قالت وسائل إعلام إسرائيلية إن لجنة حكومية أوصت في تقريرها إلى رئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو"، بضرورة الاستعداد لحرب محتملة مع تركيا، في ضوء مخاوف متزايدة لدى تل أبيب من تحالف أنقرة مع الإدارة الجديدة بدمشق بعد سقوط نظام بشار الأسد.

وأفادت صحيفة "جيروزاليم بوست" بأن لجنة "فحص ميزانية الأمن وبناء القوة"، المعروفة بلجنة "ناغل" -على اسم رئيسها "يعقوب ناغل"- قد نبهت في تقريرها إلى خطر التحالف السوري التركي، الذي ربما "يخلق تهديدًا جديدًا وكبيرًا لأمن إسرائيل"، وقد يتطور إلى وضع "أكثر خطورة من التهديد الإيراني".

وخلصت اللجنة إلى أنه يجب على إسرائيل أن تستعد لمواجهة مباشرة مع تركيا في ضوء التوترات المحتملة بسبب ما أسمتها "طموحات تركيا لاستعادة نفوذها العثماني".

واللافت أنه تم تشكيل هذه اللجنة عام 2023 قبل بدء الحرب على غزة، لتقديم توصيات لوزارة الدفاع الإسرائيلية بشأن مواطن الصراع المحتملة التي تواجهها إسرائيل في السنوات المقبلة، وذلك وفقًا لما ذكره موقع "أول إسرائيل نيوز"، ويترأس هذه اللجنة "يعقوب ناغل" الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي.

 

ورغم أن تقلص النفوذ الإيراني في سوريا يُعد إنجازًا عسكريًا وسياسيًا كبيرًا لـ"إسرائيل"، إلا أن مؤلفي تقرير لجنة "ناغل" يرون أن هذه الانتصارات مجرد إنجازات تكتيكية

أبرز توصيات اللجنة

نقلت صحيفة "جيروزاليم بوست" عن تقرير اللجنة اقتراحه زيادة ميزانية الدفاع، بما يصل إلى 15 مليار شيكل سنويًا (4.1 مليارات دولار) على مدى السنوات الخمس المقبلة، لضمان تجهيز القوات الإسرائيلية للتعامل مع التحديات التي تفرضها تركيا إلى جانب التهديدات الإقليمية الأخرى.

وكذلك أوصت اللجنة بعدة إجراءات أخرى للاستعداد لمواجهة محتملة مع تركيا، ومن أبرزها:

1. الأسلحة المتقدمة: الحصول على طائرات مقاتلة إضافية من طراز "إف15"، وطائرات التزويد بالوقود والطائرات المسيرة والأقمار الاصطناعية لتعزيز قدرات إسرائيل على تنفيذ ضربات بعيدة المدى.

2. أنظمة الدفاع الجوي: تعزيز قدرات الدفاع الجوي متعدد الطبقات، بما يشمل منظومات القبة الحديدية ومقلاع داود والسهم ونظام الدفاع بالليزر الذي دخل حيز التشغيل حديثًا.

3. أمن الحدود: بناء حاجز أمني محصن على طول وادي الأردن، وهو ما من شأنه أن يمثل تحولًا كبيًرا في الإستراتيجية الدفاعية لإسرائيل على الرغم من التداعيات الدبلوماسية المحتملة مع الأردن.

نتنياهو يعلنها بصراحة  

ذكر مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي في بيان له، أن نتنياهو ووزيري الدفاع "يسرائيل كاتس" والمالية "بتسلئيل سموتريتش" قد تسلما توصيات لجنة "ناغل".

ووفقًا للبيان، قال نتنياهو: "نحن في خضم تغيير بالوضع الأساسي في الشرق الأوسط، لقد عرفنا منذ سنوات أن إيران تشكل التهديد الأكبر لنا، سواء بشكل مباشر أو من خلال وكلائها".

وتابع قائلًا "بالطبع حرصنا على ضرب هذا المحور بقوة، لكننا شهدنا حقيقة مفادها أن إيران لا تزال موجودة، وأنه قد دخلت قوى إضافية إلى الميدان، ونحن بحاجة دائمًا إلى الاستعداد لما قد يأتي".

أردوغان يستعد هو الآخر

وفي خطوة متطورة على الجانب الآخر من الاستعداد لأي أخطار محتملة من أي قوة إقليمية تجاه تركيا وعلى رأسها إسرائيل، نقلت وسائل الإعلامية التركية تصريحات لأردوغان في أحد مؤتمراته التي جاءت بعد تسريب خطة لجنة "ناغل" الإسرائيلية ومطالبتها بالجاهزية لمواجهة تركيا، ومن أبرز التصريحات والقرارات التي أعلنها أردوغان كان قرار تعزيز مخزون تركيا الصاروخي بمدى يصل إلى 800 كيلومتر وأكثر، بالإضافة إلى اتخاذ قرار تسريع برنامج البلاد لصناعة الصواريخ "بعيدة المدى" بما يصل إلى 2000 كيلومتر وأكثر.

الجدير بالذكر أيضًا أن أردوغان قد ذكر في كلمة له ألقاها نهاية شهر أكتوبر الماضي خلال حفل أقيم بمقر شركة "توساش" التركية للصناعات الجوية في أنقرة لتدشين الطائرة "جوكباي" محلية الصنع، قائلًا: "أصبح مفهومًا بشكل أفضل الآن مدى أهمية أنظمة الدفاع الجوي المتعددة الطبقات لأمننا".

وأضاف أردوغان قوله: "إذا كانت لديهم "قبتهم الحديدية" -يعني إسرائيل-، فستكون لدينا "قبتنا الفولاذية"، لن ننظر إليهم ونقول: لماذا لا نمتلك هذا؟".

ولم يحدد أردوغان موعدًا لامتلاك تركيا مثل هذه المنظومة، ولكنه صرح قائلًا وقتها: "سنعمل على زيادة قدراتنا المتكونة من الصواريخ البعيدة المدى خلال هذه الفترة أيضًا، فتركيا لن ترتاح حتى تستقل تمامًا في قطاع الدفاع".

يُذكر في هذا السياق أيضًا أن الرئيس التركي "أردوغان" قد حذر -قبل أسابيع قليلة من إطاحة المعارضة السورية بنظام بشار الأسد- من أن التحركات العسكرية الإسرائيلية في سوريا قد تشكل تهديدًا مباشرًا لأمن تركيا على حدودها الجنوبية، وأنه يجب الاستعداد لهكذا خطر يلوح في الأفق.

 

وزير الخارجية الإسرائيلي "جدعون ساعر" قد أعرب خلال الأيام الماضية عن دعمه لحزب العمال الكردستاني قائلاً: "الأكراد هم شعب عظيم، وهو أحد الشعوب التي لا تتمتع بالاستقلال السياسي، إنهم حلفاؤنا الطبيعيون

هل تتورط الولايات المتحدة؟

نشر موقع "المركز الروسي الاستراتيجي للثقافات" تقريرًا سلط فيه الضوء على إمكانية نشوب مواجهة مباشرة بين تركيا وإسرائيل في أعقاب التطورات على الساحة السورية، واحتمال تورط الولايات المتحدة في هذا الصراع.

وأوضح المركز الروسي أن إسرائيل عززت وجودها العسكري في الجولان بعد سقوط نظام الأسد، واحتلت أراضي جديدة في محافظتي "القنيطرة ودمشق".

ورغم أن تقلص النفوذ الإيراني في سوريا يُعد إنجازًا عسكريًا وسياسيًا كبيرًا لـ"إسرائيل"، إلا أن مؤلفي تقرير لجنة "ناغل" يرون أن هذه الانتصارات مجرد إنجازات تكتيكية، وأن المستفيد الأكبر مما يحدث في سوريا على المستوى الاستراتيجي هو "تركيا".

واعتبر المركز الروسي أنه رغم القوة العسكرية والاستخباراتية الإسرائيلية، فإن نقص القوى والموارد اللازمة لخوض صراع مباشر مع تركيا، وكذلك استحالة الحفاظ على مناطق كبيرة في الأراضي السورية، سيدفع الإسرائيليين إلى إشراك واشنطن في تحركاتهم الإقليمية لاحتواء النفوذ التركي.

وبالتالي من المتوقع قيام واشنطن بخطوة تمهيدية نيابة عن إسرائيل، من خلال التصعيد العسكري في شمال سوريا، رغم وعود ترامب المعلنة بسحب القوات الأمريكية من منطقة الفرات، ما قد يؤدي إلى تورط الولايات المتحدة في حرب طويلة أخرى من أجل تحقيق أهداف بعيدة المدى تتعلق أساسًا بمشروع "إسرائيل الكبرى"، وفقًا للمركز الروسي.

ويرى المركز أيضًا أنه رغم التزام ترامب الواضح بالأجندة "الصهيو مسيحية" والتي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالمؤسسة الحاكمة في إسرائيل، إلا أن آراء كبار مستشاريه قد تتباين بشأن اتباع خطط نتنياهو.

وأشار تقرير المركز إلى أن تلك الخطط قد تؤدي إلى مواجهة مفتوحة، ليس مع إيران فحسب، بل أيضًا مع تركيا حليفة الولايات المتحدة في الناتو، والتي استطاعت إثبات نفسها في مجال صنع الطائرات دون طيار وعدد من التقنيات العسكرية الأخرى.

الورقة الكردية بين الطرفين

كان الرئيس التركي "أردوغان" قد اتهم في أكتوبر الماضي خلال افتتاح الدورة الجديدة للبرلمان، حكومة نتنياهو بأنها ترغب في التوسع على حساب بلاده قائلًا: "الإدارة الإسرائيلية، التي تستند في تصرفاتها إلى وهم الأرض الموعودة، سوف تستهدف بلادنا بعد فلسطين ولبنان، بعقلية دينية متعصبة.. تحلم حكومة نتنياهو بضم الأناضول، وقد كشفت عن هذا الهدف أكثر من مرة.. نحن نتابع عن كثب الهجمات الإسرائيلية في فلسطين ولبنان، كما نلاحظ رغبتها في إنشاء كيان تابع لها في شمال العراق وسوريا، باستخدام المنظمات (الكردية) الانفصالية كأداة في سياستها الخارجية".

وعلى الطرف الآخر كان وزير الخارجية الإسرائيلي "جدعون ساعر" قد أعرب خلال الأيام الماضية عن دعمه لحزب العمال الكردستاني قائلاً: "الأكراد هم شعب عظيم، وهو أحد الشعوب التي لا تتمتع بالاستقلال السياسي، إنهم حلفاؤنا الطبيعيون وينبغي أن نمد يد العون لهم ونقوي علاقاتنا معهم، فهذا له بُعد سياسي وأمني لإسرائيل".

وأضاف ساعر: "ينبغي أن تتحد الأقليات في المنطقة، الأكراد هم ضحايا القمع الإيراني والتركي، ويتعين على إسرائيل التواصل معهم وتعزيز العلاقات، نحن أقلية في المنطقة، لذلك من الطبيعي أن تكون الأقليات الأخرى حليفتنا".

وهذه التصريحات لوزير خارجية الاحتلال تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك محاولة إسرائيل استمالة التنظميات الكردية المسلحة -المعادية لتركيا-؛ لاستخدامها لصالح خططها ولضرب تركيا وتقليص نفوذها في المنطقة عبر تهديد أمنها القومي وزعزعة استقرارها، مقابل وعد إسرائيل هذه التنظيمات بتحقيق حلمها المتمثل في إقامة دولة كردية مستقلة بالمنطقة.

كلمة أخيرة

في المجمل يمكن القول بأن مآلات التنافس على توسيع النفوذ بين إسرائيل والولايات المتحدة من جهة، وتركيا من جهة أخرى، سوف تشكل مستقبل سوريا والمنطقة ككل بلا شك، ومن الواضح أن حالة القلق الإسرائيلي ربما ترتبط بحالة العداء الأخيرة مع تركيا فيما يتعلق بحرب "غزة" التي استمرت لمدة 15 شهرًا.

 

أعلى