لماذا يقاتل الفرنسيون في مالي؟!
أعدّه: أ. أحمد أبو دقة
أعلنت واشنطن بأنها دعمت فرنسا
"تقنيا" في الهجوم الذي نفذته قوات خاصة فرنسية لاستعادة عنصر مخابرات
فرنسي تحتجزه جماعة إسلامية في الصومال. وأسفر الهجوم الذي نفذ الجمعة عن مقتل
جنديان و فقدان جندي آخر قالت جماعة الشباب المجاهدين الصومالية إنها أسرته بعد أن
سقط جريحا في المعركة.
وقال الرئيس الأمريكي باراك أوباما إن
"القوات الأمريكية قدمت دعما تقنيا محدودا للقوات الفرنسية خلال هذه العملية
ولكنها لم تشارك مباشرة في الهجوم على المعسكر الذي يحتجز فيه المواطن
الفرنسي".
وصرح وزير الدفاع الفرنسي جان ايف لو دريان
السبت بأن مقاومة الإسلاميين كانت "اقوي مما كان متوقعا" أمام رجال
الكومندوس الذين انزلوا في جنوب الصومال للافراج عن احد زملائهم في جهاز
الاستخبارات الخارجية كان الإسلاميون يحتجزونه منذ ثلاث سنوات.
وأوضح أوباما أن طائرة مقاتلة أمريكية دخلت
الأجواء الصومالية لمساندة الفرنسيين، وقال أيضا: "أمرت القوات الأمريكية
بدعم عملية الإنقاذ هذه من اجل إعطاء دفع لمصالح الأمن القومي الأمريكي".
مما سلف يبدو أن حقبة الولايات المتحدة قد
انتهت في تولى إدارة الصراع بين النظام الغربي و الجماعات الإسلامية بعد هزائمها
المتلاحقة في العراق و أفغانستان فقد، دعت
فرنسا مجلس الأمن الدولي للانعقاد لمناقشة الوضع في مالي بعد أن نفذت القوات
الفرنسية غارات متواصلة على مواقع للإسلاميين في شمال مالي منذ عدة أيام، وذكرت
مصادر أن باريس أرسلت المزيد من القوات إلى العاصمة باماكو.
ويعتبر الهجوم على مدينة جاو وهي أكبر مدينة
في الشمال هو نقطة الحسم في هذه المعركة التي تعتبر من أكبر معاقل الإسلاميين.
وتقول فرنسا إن السماح للإسلاميين بالاستقرار يوحي بأنهم سيتخذون هذه البلاد قاعدة
لهم لتنفيذ هجمات على مالي بالإضافة إلى تعزيز اتصالاتهم مع تنظيم القاعدة.
وقال لو دريان للتلفزيون الفرنسي "الرئيس
عاقد العزم تماما على ضرورة القضاء على هؤلاء الذين يهددون أمن مالي وبلدنا
وأوروبا".
وقصفت الطائرات الفرنسية صباح الأحد بلدتي
ليري ودوينتزا بوسط مالي مما أجبر الاسلاميين على الانسحاب. ومع تقدم ساعات النهار
قصفت الطائرات الفرنسية أهدافا تقع إلى الشمال من بينها أهداف قرب بلدة كيدال مركز
الإسلاميين.
وشنت غارات أيضا استهدفت بلدة جاو حيث استهدف
المطار و بعض المواقع للإسلاميين و نقل عدد من الجرحى و القتلى إلى
المستشفيات. وتستخدم فرنسا طائرات من نوع
رافال في هذه المعركة التي يتوقع أن تستمر لعدة أشهر نظرا لوعورة المنطقة
جغرافيا. و أرسلت فرنسا أيضا 550 جنديا تم
توزيعهم على العاصمة المالية باماكو وبلدة موبتي التي تبعد عن الشمال 500 كيلو
متر. ويختطف الإسلاميين ثمانية فرنسيين كما تخشى ايضا فرنسا على مصير 30 الف فرنسي
يعيشون في بلدان شمال أفريقيا. و نصحت
رعاياها في مالي البالغ عددهم 6000 شخص بمغادرتها بعد أن توعد متحدثان باسم أنصار
الدين والقاعدة في المغرب الإسلامي بالانتقام. وقتل يوم الجمعة طيارا فرنسيا في
المعارك حيث اسقط الإسلاميين طائرة مروحية كانت تنفذ غارات ضدهم. وقالت ساحل العاج
إنها سترسل 3300 جندي أفريقي لدعم الحرب الفرنسية في مالي.
وتقدم كذلك الولايات المتحدة دعما في مجالي
النقل و الاتصالات في الحملة ضد الإسلاميين بالإضافة إلى التعاون المخابراتي مع
الفرنسيين، وكان مسؤول أمريكي آخر قد قال في وقت سابق الأحد أن واشنطن تدرس إرسال
عدد صغير من طائرات الاستطلاع غير المسلحة إلى مالي. ومن المقرر أن ترسل السنغال و
بوركينا فاسو وهي مستعمرات فرنسية سابقة 500 جندي في غضون أيام.
و يستبعد محللين عسكريين قدرة فرنسا على كسب
هذه المعركة في مساحة جغرافية تعادل مساحة فرنسا، و كونها صحراء كبيرة قليلة
السكان يصعب فيها الحصول على معلومات أو توفر العتاد و القوات البرية التي يمكن أن
تقوم بعمليات تمشيط على الأرض بالإضافة إلى معارضة بعض الدول مثل الجزائر لهذه
العملية، كما يتوقع أن تشهد الأيام المقبلة توافد مقاتلين إسلاميين من أماكن أخرى
مثل ليبيا و تونس و المغرب لمساندة المجموعات المسلحة التي تقاتل فرنسا و الجيش
المالي.
ومن الأسباب التي عجلت بالهجوم الفرنسي على
الإسلاميين في مالي بحسب مصادر مقربة من جماعة أنصار الدين هو منع تحالف الحركات
الإسلامية من السيطرة على مطار موبتي الاستراتيجي والذي كان يعد ليكون حجر الزاوية
للعمليات العسكرية من قبل مجموعة دول غرب إفريقيا وفرنسا لاستعادة مدن الشمال
الواقعة تحت سيطرة الإسلاميين، وتقول الحركة التي تقود تحالف الإسلاميين إن
المسلحين الإسلاميين تحركوا إلى موبتي بعد
وصول معلومات من عملاء وقعوا في الأسر في مدينة تومبوكتو ، تفيد بأن المدينة ستكون
القاعدة الأساسية للعمليات ضدهم وأن مطارها سكون له دور رئيسي في الهجوم على
الشمال من قبل فرنسا وحلفاءها الأفارقة.
كما شعرت فرنسا بالقلق الكبير من اقتراب هجمات
الإسلاميين من معسكرات مشتركة للقوات المالية الفرنسية في سيفاري. والظاهر من
النهج الفرنسي محاولة جلب حلفاء لها في هذه المعركة لا سيما بعد هزيمتها في
أفغانستان فقد حاولت الابتعاد عن المعركة قدر المستطاع من خلال تحريك حلفاءها
الأفارقة لكن على مايبدو مع زيادة قوة الإسلاميين وسرعة تحقيقهم انجازات على الأرض
سارعت الأخيرة إلى انزال قواتها في المعركة التي لن يكون الأداء الفرنسي فيها
بأفضل حال من الحرب في أفغانستان.
توجهت حركة أنصار الدين برسالة سلام إلى
الحكومة وفتحت قنوات حوار مع دول الجوار تجنبا لخوض حرب و كذلك في محاولة منها
لتثبيت أقدامها على الأرض وطالبت بمنحها حكم ذاتي في المناطق التي تسيطر عليها
لإعلان تطبيق الشريعة لكن الخطر الذي استشعرته فرنسا جعلها تسارع في شن الهجوم
وتوريط نفسها في هذه المعركة.
الباحث في الشأن الإفريقي عبد الله محمد يقول
في مقالة له :" إتجهت حركة أنصار الدين منذ بداية الأزمة لفتح قنوات حوار مع
دول الجوار بقصد نزع فتيل أي مخاوف من وجودهم في أزواد، واتجهت بقية الحركات
الجهادية لممارسة الإبتزاز الأمني والتهديد المباشر كردع لأي دولة تتواطأ في أي
هجوم عسكري على أزواد، وبهذا دب الخلاف والتردد بين دول الحلف ففضل بعضهم قبول
التفاوض مع أنصار الدين كحركة معتدلة تستطيع ضبط البقية وفضل البعض عدم التورط ".
ويضيف أيضا "الرفض الفرنسي لتطبيق
الشريعة في مالي كان الخطوة الأخيرة في إمكانية تجنيب فرنسا لهذه المعركة لكن، هذا
الإعلان كان بمثابة الفخ الذي طال انتظاره أنصار الدين لوقوع فرنسا فيه لأن أهالي أزواد
ومنذ عقود لا يتحاكمون إلا عند فقهاء المالكية، وبهذا أصبح هناك شحن شعبي ضد أي
مشروع فرنسي في أزواد وضد أي طرف يشترك به ثم جاء الهجوم الإستباقي المباغت بجنوب
مالي ليخلط أوراق فرنسا".
حالة الهجوم الفرنسي التي بدأ ضعيفا منذ
البداية جعل نيجيريا تتملل في إرسال الجنود و صرحت الحكومة قائلا بأنها بحاجة إلى
المزيد من الوقت لإعداد الجنود، و قالت الجزائر أيضا إنها ستدفع فاتورة إنسانية
كبيرة في حال نفذت عملية عسكرية في شمال مالي بسبب نزوح السكان و انفلات الوضع
الأمني على الحدود.
من جانب آخر قال المبعوث الروسي في شؤون
التعاون مع بلدان إفريقيا ميخائيل مارغيلوف إن العمليات الحربية في مالي لا يمكن
أن تجري إلا تحت علم الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي. وأكد مارغيلوف أن مشاكل
القارة الأفريقية عموما ومشاكل مالي بصورة خاصة لا يمكن حلها إلا من قبل الأفارقة
أنفسهم.
و يشارك في هذه المعركة جماعة أنصار الدين
وحركة الوحدة والجهاد في غرب أفريقيا والقاعدة في المغرب الإسلامي وهي جماعات
يجمعها الكثير من الوفاق مع تنظيم القاعدة المصنف عالميا بأنه تنظيم
"إرهابي".
اقرأ أيضاً:
-
الحرب على الدين في مالي
-
النصرة المصرية لمالي.. ضرورة إنسانية وثوابت حضارية
:: موقع
مجلة البيان الالكتروني