الروهينجا .. روايات مختلفة عن الموت و النار
أعدّه: أ. أحمد أبو دقة
في العالم الحر الذي يطالب
بحقوق الحيوان قبل الإنسان ويتشدق زعماء الديمقراطية دوما بإعلانات حقوق الإنسان
لم يخرج أحد لوقف الهجمة البشعة التي تنفذها مجموعات عرقية "الماغ"
البوذية في بورما ضد قرابة المليون مسلم في إقليم "اراكان". تختلف الروايات وتتعدد القصص التي تتحدث عن
الموت و عن الحرائق التي تشتعل في القرى المسلمة هناك و بينما يتصارع السياسيون
على الديمقراطية التي ينشرونها في أماكن مختلفة من العالم لا أجد اهتماما لهم بما
يحدث هناك.
ما يجري نتيجة كراهية عرقية
امتدت لقرابة نصف قرن تحت الحكم العسكري الذي يقوده البوذيين، ففي نوفمبر قالت الحكومة التي تشكلت إنها ستجري
إصلاحات لكن هذا لا يعني أنها ستصل إلى المسلمين في ميانمار، وبرأت وسائل الإعلام الحكومية
بشكل كبير السلطات من أي دور في الجرائم التي وقعت ضد المسلمين في أكتوبر الماضي.
لكن الميدان وبحسب ما تفيد
به "رويترز" يثبت أن الحكومة المركزية التي يسيطر عليها حزب سياسي قوي
هو الذي يوجه رهبان بوذيين للتحريض على مهاجمة المسلمين. وشهدت بلدتا بوكتاو وكياوكفيو
شبه طرد جماعي للسكان المسلمين فيما يمكن أن يكون بمثابة تطهير عرقي. وشهدت قرية أخرى
مذبحة لعشرات المسلمين بينهم 21 امرأة. النظرة التي قامت الحكومة الفاسدة بترسيخها في
أذهان البوذيين بأن هؤلاء مواطنين غير شرعيين وهذا ما أفصح عنه رئيس البلاد ثين سين
حيث طلب من الأمم المتحدة بتحمل مسؤولية هؤلاء المدنيين. فالناس هناك من عرقيات
مختلفة يرون أنهم مهاجرون غير شرعيين من بنجلادش المجاورة لا يستحقون حقوقا أو تعاطفا.
ويرفض الراخين تعبير "الروهينجا" ويصفونه بأنه اختراع حديث ويشيرون إليهم
بدلا من ذلك "بالبنغال" أو "كالار" وهو تعبير فيه تحقير للمسلمين
أو للناس من أصل جنوب آسيوي.
وأسفرت موجة سابقة من الاضطرابات
في يونيو عن مقتل 80 شخصا على الأقل. وبعد ذلك فرضت حكومة ولاية الراخين سياسية فصل
بين المسلمين والبوذيين في منطقة في مثل مساحة سويسرا. ووفقا لإحصاءات رسمية فإن أكثر
من 97 بالمئة من 36394 شخصا فروا خلال أعمال العنف الأخيرة من المسلمين. ويعيش كثيرون
الآن في مخيمات لينضموا إلى 75 ألفا معظمهم من الروهينجا الذين شردوا في يونيو. وأبحر
آخرون إلى بنجلاش وتايلاند وماليزيا على قوارب متداعية وتشير تقارير إلى أن قاربين
انقلبا وعلى متنهما ما يصل إلى 150 شخصا يعتقد أنهم غرقوا.
يقول شوي هلي مونج وهو شيخ
قرية "بيك تاي" ، " حينما تتكدس الأسر المسلمة الفقيرة في منازل من
القش دون كهرباء فهذه عنصرية ويجب أن تفعل
الحكومة شيئا حيال ذلك، لو أرادت لحلت المسألة في غضون خمس دقائق. لكنها لا تريد".
وقال كين سين اونج (65 عاما)
وهو مزارع من قرية بوذية مجاورة إن السكان المسلمين فروا من القرية بإستخدام قوارب
إلى قرية "با رين" المجاورة وتتبعتهم جماعات بوذية الذين بلغ عددها في نهاية
الأمر نحو ألف شخص.
المزارع المذكور أكد أنه لم
يتعرف على وجوه هؤلاء البوذيين، وقال إنهم "دخلاء" من منطقة تدعى "مروك
أو". وذكر سكان قرى من البوذيين والمسلمين إن المئات يتدفقون عبر نهر صغير يفصل
بين القريتين وجاء آخرون بالقوارب. وبحلول الظهيرة كان هناك نحو أربعة آلاف من البوذيين.
وقال ام.في كريم (63 عاما) وهو
من الزعماء المسلمين في "با رين" إن ستة مسلمين قتلوا منهم امرأتان وهو عدد
أكده الجيش. وقال هو وسكان قرى آخرون إنهم رأوا وجوها يعرفونها جيدا وأفراد شرطة يرتدون
الزي الرسمي بين الحشد الغاضب.
تجنبت مجتمعات مثل "با رين"
أعمال العنف الذي شهدته البلاد في يونيو. لكن توترات جديدة ظهرت بعد الفصل الذي حدث
لاحقا بين القرى المسلمة والبوذية وهو أمر فرضته الحكومة البوذية للولاية بهدف منع
المزيد من العنف لكنه أتى بنتيجة عكسية.
لم يعد سكان القرى المسلمون من
الفقراء يشترون الأرز وغيره من الإمدادات في بلدات بوذية. ويقول شهود عيان في ست قرى
مسلمة إن مخالفي هذه الأوامر كانوا أحيانا يضربون بعصي أو باليد ليكونوا عبرة للآخرين..
كما أن شباك الصيد كانت تصادر.
وبحلول الساعة الرابعة والنصف
عصرا في يوم الاثنين أيضا احتشد عدة آلاف من الراخين خارج قرية "سام با لي"
الواقعة في بلدة مينبيا المجاورة. وفي هذه المرحلة كان نمط معين من المواقف تجاه المسلمين
قد تكون.
قال أحد مشايخ القرية إن الراخين
حاصروها وألقوا قنابل حارقة وأطلقوا النار من بنادق بدائية. رد المسلمون الهجوم وأحيانا
كان ذلك باستخدام الحراب أو المناجل لكن عددهم كان أقل. أطلق جنود من القوات الحكومية
أعيرة نارية للتغطية على هجوم الجماعات
البوذية. وبحلول الوقت الذي غادر فيه الحشد قرية "سام با لي" الساعة السادسة
مساء كان رجل مسلم لقي حتفه وسوي ثلثا 331 منزلا بالأرض. فرض حظرا للتجول ولكن
الصباح التالي كان سيء جدا، كان الثلاثاء حيث بدأ بمذبحة رهيبة بحق المسلمين، زار
الصحفيين الكثير من القرى لكن كانت قرية واحدة محاصرة ومنع الإعلام من دخولها
وهي قرية "يين تي" النائية المطلة
على نهر والواقعة عند سفح جبل "تشين".
ما حدث هناك يشير إلى وجود حشد
أكثر جرأة وتنظيما بمساعدة من أفراد من الشرطة إما متواطئين وإما متقاعسين.
قال أحد السكان إنه بحلول السابعة
من صباح يوم الثلاثاء كان المئات من البوذيين قد وصلوا بقوارب لتطويق قرية "يين
تي". وبحلول عصر ذلك اليوم كان سكان القرية من المسلمين يصدون موجات من الهجمات.
وقال الساكن إن أطفالا منهم اثنان صغار من أبناء عمه قتلوا على يد بوذيين يحملون سيوفا.
وأحرقت أغلب المنازل.
قال "موسى دولا" وهو
مزارع مسلم من قرية مجاورة إنه سمع أصداء نيران الساعة الخامسة مساء. اتصل أحد سكان"
يين تي" هاتفيا بجيران موسى دولا وقال إن الشرطة تطلق النار عليهم. وأخذ مزارع
آخر بدا عليه التوتر يروي كيف أنه رأى من مكان بعيد أفراد الشرطة وهم يفتحون النار
من الطرف الغربي للقرية وكان هذا أيضا الساعة الخامسة مساء تقريبا.
والعدد الذي أعلن رسميا للقتلى
هو خمسة من البوذيين و51 مسلما قتلوا في"
يين تي" منهم 21 امرأة مسلمة طبقا لما قاله ضابط شرطة في "نايبيداو"
العاصمة الجديدة لميانمار. وتحدث الساكن في" يين تي" عن عدد أكبر من القتلى
وذكر أن 62 شخصا دفنوا في قبور صغيرة ضمت كل منها عشر جثث.
ومع احتراق "يين تي"
فر من تبقى من نحو أربعة آلاف من مسلمي الروهينجا من ميناء بوكتاو الكبير في فرار جماعي
بحرا بدأوه قبل خمسة أيام. تلك الأحداث غدتها واقعة قتل أربعة صيادين من الروهينجا
قبالة "بوكتاو" حيث أمرت الحكومة المسلمين بالتزام منازلهم.
بدأ الروهينجا في بوكتاو التدفق
على القوارب للقيام برحلة تستغرق ساعتين إلى مدينة سيتوي عاصمة الولاية. وبعد نحو 30
دقيقة من بدء القارب رحلته في البحر قال شهود إن النيران أشعلت في حيين للروهينجا في
بوكتاو. ودمر 335 منزلا. غطت جدران المسجد المحترق الذي كان مزدحما يوما ولم يتبق منه
سوى الأساسات عبارات تقول "الراخين سيشربون دم الكالار" في إشارة إلى الكلمة
الدارجة المستخدمة للإشارة إلى المسلمين.
و يلخص تصريح لنائب رئيس
بلدية "بوكتاو" سبب الحقد على المسلمين هناك و المنحى العقدي في الموضوع
حيث قال "يصر كاي أي" 'المسلمون يريدون كل الناس أن يصبحوا مسلمين. هذه هي
مشكلة المسلمين..".
حل ليل الثلاثاء وانفتحت بوابة
جديدة للجحيم في "كياوكفيو" وهي بلدة هادئة على بعد 105 كيلومترات جنوب شرقي
سيتوي ولها أهمية إستراتيجية إذ تخرج أنابيب للغاز والنفط من هذه البلدة عبر ميانمار
إلى شمال غرب الصين المتعطش للطاقة.
في حي بيكيساكي الذي كان لا يزال
مشتعلا لم يكن لدى المسلمين سوى مخرج وحيد هو البحر. استعدت قافلة من زوارق الصيد لمغادرة
شواطئه التي تصاعدت منها النيران. وقال عبد الله (35 عاما) وهو صياد من الروهينجا "سبح
الناس إلى الزوارق لكن تمت مطاردتهم وطعنهم قبل أن يصلوا إليها".
وقالت زانابيبي (46 عاما) وهي
امرأة من طائفة الكامان إنها كانت تراقب من زورق فيما انقض ثلاثة رجال من البوذيين
يحملون سيوفا على مراهق مسلم وأضافت "رأيتهم... مزقوا جسده إلى أربعة أجزاء".
وقال شهود أبحر 80 زورقا على
الأقل حمل الكثير منها 130 شخصا أو أكثر إلى" سيتوي". وتم نقل 1700 غيرهم
من المسلمين أو أكثر إلى معسكر يحرسه الجيش خارج "كياوكفيو".
وتشير الإحصاءات الرسمية إلى
حرب عنيفة في "كياكفيو". ومن بين
11 قتيلا هناك تسعة مسلمين. وكل المنازل التي احترقت تقريبا البالغ عددها 891 هي منازل
مسلمين. وهدمت أربعة من خمسة مساجد في "كياوكفيو". وقال مسؤول كبير في
الشرطة إنهم أطلقوا النار باتجاه تجمعات المسلمين تحت ذريعة تفريق التجمعات
الضخمة.
في قرية بوكتاو أيضا غرق
العشرات من المسلمين خلال فرارهم بزوارقهم بعد أن هاجم البوذيين قريتهم. وتم تدمير
نحو 4700 منزل في 42 قرية.. وقالت مصادر عسكرية إن الحشود كانت جيدة التنظيم يقودها
المحرضون الرئيسيون الذين كانوا ينتقلون من قرية لأخرى. و كدليل على تقاعس الحكومة
فإنها لم تعتقل سوى سبعة أشخاص من اللصوص في تلك الأحداث. تقول "رويترز" إن الحصانة التي يتمتع
بها هؤلاء توجه رسالة مقلقة إلى المسلمين في ميانمار.
وعرف ضابط المخابرات وهو على
علم مباشر بالعمليات الأمنية في الولاية قادة الخلايا المشتبه بها بأنهم متطرفون من
الراخين على صلة بحزب تنمية أقليات الراخين الذي تأسس لينافس في الانتخابات العامة
في ميانمار عام 2010 . ولم يذكر أسماء أي مشتبه فيهم. وأضاف أن الرهبان البوذيين أشعلوا
الاضطرابات بخطابتهم المناهضة للإسلام.
و يقول الراخين إن كلمة روهينجا
تنطوي على معنى "جهادي" مرتبط بالمسلمين في شمال ولاية راخين في الفترة من
1949 إلى 1961 الذين أطلقوا على أنفسهم جماعة روهينجا العرقية. ويقول مؤرخون مستقلون
إن المسلمين روجوا لتعبير روهينجا لكن لم تورد
الكلمة إلا قليلا في المراجع منذ القرن الثامن عشر.
وحتى اليوم يقول الزعيم في
حزب تنمية أقليات الراخين" أو هلا سو" إن الروهينجا يريدون إقامة مجتمع إسلامي
متمتع بالحكم الذاتي. وهم يعملون بشكل منظم على ذلك". وتقول الحكومة إن هؤلاء
لا يستحقون الجنسية لأنهم من بنغلادش جاؤوا للعمل خلال الحكم البريطاني في القرن
التاسع عشر و واعتبر الروهينجا فعليا دون جنسية بموجب قانون المواطنة لعام 1982 الذي
استبعدهم من قائمة الجماعات العرقية من السكان الأصليين.
وحرضت الحكومة الآلاف من
الرهبان البوذيين للتظاهر ضد إنشاء مكتب اتصال لمنظمة التعاون الإسلامي في ميانمار
، ويقول أحد هؤلاء الرهبان وهو نيار نار (32 عاما) إن احتشادا ضد منظمة التعاون الإسلامي
في سيتوي في 15 أكتوبر أغضب المسلمين هنا، ويشير الراهب للمسلمين باعتبارهم غزاة أجانب. وقال
"كرهبان لدينا أخلاق وقيم... لكن إذا جاء أجانب لاحتلال أرضنا فإننا سنحمل السيوف
لحمايتها".
لا تزال الدولة تضع عشرات
الآلاف من المسلمين في ظروف عزل قاسية و مخيمات عسكرية رديئة و كذلك تفرض حظر
التجوال على القرى المسلمة المتبقي أهلها فيها".. في الختام فإن العنف الموجود لا يمكن أن يزول
بالقتل و القمع ضد المسلمين بل يخرج أجيالا جديدة تحمل معاني حقيقية لكراهية
البوذيين وكراهية ديمقراطية الغرب التي دائما تستخدم لعداء المسلمين..
:: موقع "البيان الالكتروني"
اقرأ أيضاً:
:: هولوكست جديد في أراكان
:: مأساة أراكان يرويها
شاهد عيان
:: المسلمون في بورما