هليكوست جديد في أراكان
من أفغانستان إلى الفلبين، إلى كشمير
والعراق والصين وفلسطين وسورية والأحواز، إلى حيث وُجد المسلمون وَجد أعداء
الإسلام أساليبهم للتنكيل بهم رغم اختلاف معتقداتهم العدائية التي بسببها يعادون
الإسلام، فإنهم توحَّدوا على غايتهم، سواء كانوا مجوساً أو بوذيين أو نصارى أو
نصيريين أو يهوداً أو وثنيين؛ كلهم اجتمعوا على العداء للإسلام، وكأنها حكمة الله
سبحانه وتعالى بأن يعود الإسلام غريباً كما كان وسط حالة الضعف والهوان التي
تعيشها الأمة واستباحة كل شيء فيها من قبل أعدائها.
إقليم أراكان المسلم الذي توالى على حكمه 48
ملكاً مسلماً، وأصبح دولة إسلامية يُضرب بها المثل في الحضارة والازدهار في جميع
المجالات، ودخل أهله الإسلام بسماحتهم وأخلاقهم وكرمهم دون أن تراق قطرة دم واحدة؛
يتعرَّض اليوم لأبشع الجرائم في مأساة تتكرَّر منذ أن احتل الملك البوذي «بوداياي»
هذا الإقليم عام 1784م وأمعن في اضطهاد أهله وترهيبهم وتهجيرهم من مدنهم وقراهم..
وبمساعدة بريطانيا في ذلك الحين أخذت الجريمة تتكرَّر، خصوصاً مع ضم بورما إلى
حكومة الهند الاستعمارية، التي قامت بطرد المسلمين من وظائفهم الحكومية، ومصادرة
أملاكهم وتوزيعها على البوذيين، وتحريض وتقوية البوذيين على المسلمين، وإغلاق
المعاهد الشرعية والمدارس والمحاكم الإسلامية ونسفها بالمتفجرات.. واليوم المأساة
نفسها يعيشها سكان الأراكان البالغ عددهم أربعة ملايين مسلم.
في عام 1942 وفي أجواء الحرب العالمية
الثانية، كانت دولة أراكان ملتقى اليابانيين والإنجليز، فدارت على أراضيها معارك
راح ضحيتها أكثر من مائة ألف مسلم بتآمر من جماعات «الماغ» البوذية، حيث زوَّدهم
اليابانيون بالأسلحة والذخائر وكذلك البريطانيون الذين كانوا يستعمرون الهند في
تلك الحقبة، وشُرِّد نصف مليون مسلم جراء هذه المجزرة، كما أُحرقت ودُمِّرت 307 من
قرى المسلمين تدميراً كاملاً.
وقبل أيام قامت جماعات بوذية بتكرار الجريمة
نفسها من خلال مهاجمة قرى وبيوت المسلمين، حيث قتلت أكثر من 400 شخص، وجرحت
الآلاف، إضافة إلى تدمير العشرات من القرى والمدن على مسمع ومرأى المدافعين عن
حقوق الإنسان في العالم الغربي.
يتجاوز عدد اللاجئين المسلمين من أراكان في
بنغلاديش بحسب الإحصاءات الرسمية، أكثر من 700 ألف لاجئ، والمسجل منهم لدى وكالة
اللاجئين التابعة للأمم المتحدة 30 ألف لاجئ فقط، والبقية من اللاجئين غير المسجلين
حالياً لا يتمتعون بالحماية من جانب المفوضية؛ لأنهم وصلوا بعد توقف حكومة
بنغلاديش عن منح مرتبة اللاجئ للروهنجيين المسلمين المهاجرين من بورما هرباً من
قطار الموت الذي تقوده جماعة «الماغ» البوذية المتطرفة.
وتقوم حكومة بنغلاديش بطرد الكثيرين منهم
وتعرّضهم للاعتقال التعسفي بهدف ردعهم عن الفرار إلى أراضيها.
ويشير تقرير إخباري إلى أن عشرات الآلاف من
اللاجئين البورميين غير المسجلين في المخيم المؤقت ببنغلاديش، لا يستطيعون الحصول
على المعونات الغذائية، وأن 25% من الأطفال يعانون حالات سوء التغذية الحادة، وأن
55% من الأطفال ما بين 6 و59 شهراً يعانون الإسهال، وأن 95% من اللاجئين يقترضون
ويتسوّلون ليأكلون.
وفي موقف خبيث من قبل حكومة ميانمار، التي
من المفترض أن تقوم بحماية هؤلاء الأبرياء، شكر نائب وزير خارجيتها ماونغ مينت
حكومة بنغلاديش على عدم قبولها النازحين المسلمين من أراكان الذين حاولوا اللجوء
إلى أراضيها بعد تعرّضهم لمجازر وحشية على يد البوذيين «الماغ» في شمال أراكان
خلال شهر يونيو 2012م.
وقبل أيام نُشر خبر عن وفاة أربعة سجناء من
المسلمين في سجن بوسيدنغ بعد تعرضهم للضرب المبرح على أيدي الشرطة في ميانمار.
ويقول شهود عيان إنه تم نقل 218 سجيناً من مدينة منغدو إلى سجن بوسيدنغ بعد أحداث
يونيو، وهم يتعرضون لأبشع أنواع التعذيب، ولا يُسمح لأحد، حتى السجناء الموجودين
في السجن نفسه، بزيارة هؤلاء المعتقلين.
وفي ظل حالة الطوارئ وحظر التجول في مناطق
المسلمين، فإن الحكومة تواصل الاعتقالات العشوائية بشكل شامل في مدينة منغدو
وضواحيها والمناطق الجنوبية؛ بناءً على القائمة التي أعدتها الشرطة بمشورة من
البوذيين المحليين، وهي تستهدف العلماء والأطباء وزعماء المسلمين والنشطاء الشباب.
وبحسب
تقارير تأتي من هناك، فإن رجال الشرطة وحرس الحدود (ناساكا) يقومون، بدعم من
البوذيين المسلحين، بمحاصرة قرى المسلمين واقتحام البيوت وهتك الأعراض ونهب
الأموال والأشياء الثمينة، وإذا قاومهم أحد اعتقلوه، كما يستهدفون في حملتهم
العلماء والأطباء والمتعلمين وأئمة المساجد وزعماء القرى.. وإلى أن تثمر نتائج
الربيع العربي فإننا بحاجة إلى ربيع إسلامي يحرك قضايا المسلمين ويدافع عنها في
جميع أنحاء العالم، ولا يجب أن نمتلك القوى ولا نستغلها.. نحن بحاجة إلى وحدة
القرار والموقف.. المسلمون هناك بحاجة إلى أكثر من الدعاء ولا يجب السكوت عن هذه
الجريمة النكراء.
:: مجلة البيان العدد 301 رمضان 1433هـ، أغسطس 2012م.
اقرأ أيضاً:
* مأساة أراكان يرويها شاهد عيان