• - الموافق2024/12/21م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
ما وراء مباركة حزب الله لاتفاق الغاز؟

ما هي أسباب وراء موافقة حزب الله على اتفاق ترسيم الحدود البحرية ما إسرائيل؟ هل ثمة ما يجري وراء الكواليس؟ هل للأمر علاقة بالمفوضات الخاصة بالبرنامج النووي الإيراني؟


بعد أن ملأ حزب الله الدنيا صراخًا بأنه زعيم الممانعة التي تقف في وجه الاحتلال الصهيوني، ومواجهة مشاريعه ومخططاته.

وبعد أن سبق وهدد زعيمه حسن نصر الله الكيان للصهيوني بالتدخل العسكري تجاه أي تحرك صهيوني لاستغلال غاز المتوسط القريب من الحدود اللبنانية، وخاصة حقل غاز كاريش الذي يضم نحو 1.75 تريليون قدم مكعب من الاحتياطيات.

 

 في نفس اليوم الذي تم فيه الإعلان عن الاتفاق، أشار حزب الله إلى أنه لن يستخدم نفوذه في البرلمان لمنع المصادقة على الصفقة والتي يجمع المراقبون أن الجانب الصهيوني هو المستفيد الأكبر منها

بعد ذلك كله فوجئ الجميع بإعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد والرئيس اللبناني ميشال عون أنهما وقعا اتفاقًا بوساطة أمريكية لتقسيم موارد الطاقة في المياه المتنازع عليها في شرق البحر المتوسط، بعد التوافق على خريطة الترسيم للحدود البحرية.

ويمنح الاتفاق إسرائيل سيطرة حصرية على حقل غاز كاريش، في المقابل سيكون لبنان قادرًا على تطوير حقل قانا مع تعويض إسرائيل بنسبة من إيرادات الحقل الذي من المنتظر أن تطوره شركة توتال الفرنسية.

وفي نفس اليوم الذي تم فيه الإعلان عن الاتفاق، أشار حزب الله إلى أنه لن يستخدم نفوذه في البرلمان لمنع المصادقة على الصفقة والتي يجمع المراقبون أن الجانب الصهيوني هو المستفيد الأكبر منها.

وهنا يكمن السؤال لماذا تهاوت دعاوى الممانعة والمقاومة وغيرها من الألفاظ الرنانة؟ والتي ملأ بها حزب الله وزعيمه الآفاق، وصور نفسه أنه أصبح الأمل الوحيد للمنطقة للخلاص من التجبر الصهيوني؟

للإجابة على هذا السؤال، ينبغي في البداية تحليل الدور الذي قامت به إيران وأذرعها تجاه القضية الفلسطينية منذ استيلاء الخميني على الحكم في إيران، وحقيقة العلاقات الإيرانية الإسرائيلية الأمريكية، وعلى ضوء تلك المتغيرات يمكن تفسير ما جرى مؤخرا في قضية الغاز اللبناني.

القضية الفلسطينية في الاستراتيجية الإيرانية

ارتكزت الثورة الإيرانية في عام 1979، بعد نجاحها في إزالة نظام الشاه على إنشاء نظام يكون هدفه الاستراتيجي إعادة إحياء مجد الإمبراطورية الفارسية القديمة، ولكن هذه المرة تكون قاعدتها الفكرية هي المذهبية الاثنى عشرية، وهذا يتطلب إعادة تموقعه داخل المنطقة ليقودها إقليميًا.

ولقد كان التلويح بالورقة الفلسطينية أحد دعائم التموقع الجديد لإيران في المنطقة؛ لأنه يحقق غايتين أساسيتين: اكتساب الشعبية بين المسلمين للترويج للمشروع الشيعي، ثم كورقة مساومة سياسية في سوق المساومات الإقليمية والدولية.

بالنسبة للغاية الأولى، تشير صحيفة الإندبندنت البريطانية إلى أن القوة غير المادية جزء لا يتجزأ من استراتيجية طهران مثلها في ذلك مثل عناصر القوة المادية (الدعم العسكري واللوجستي)، إذ يعتمد النظام الإيراني على الأولى من أجل رسم صورة طهران الخارجية لخلق جاذبية لنموذجها السياسي بشكل يجعلها تحظى بقدر كبير من القبول.

لذلك كانت إحدى عناصر الاستراتيجية التي سار عليها نظام الملالي في سبيل تحقيق هدفه والهيمنة على المنطقة، هي رفع شعار العداء لأمريكا وإسرائيل في خطابه الديماجوجي الموجه للجماهير، لاستقطابها في صفه مستغلاً أن القضية الفلسطينية في مقدمة اهتمام الجماهير العربية حيث تحتل مكانة عاطفية ليس في الضمير والوجدان العربي فقط، بل كونها قضية مركزية لجميع المسلمين.

ولكن لم يكن الاهتمام بالقضية الفلسطينية لمجرد جذب الشعوب الإسلامية فقط واستقطابها، وهنا نأتي للغاية الثانية للاستراتيجية الإيرانية، حيث جرى استخدام الاحتلال الصهيوني لفلسطين، والدعم الإيراني الذي تقدمه لفصائل المقاومة الفلسطينية، كورقة لعب في مساومتها مع الأطراف الإقليمية والدولية في طريق الصعود والهيمنة الايرانية.

وفي سبيل تحقيق تلك الغايتين، اتخذت السياسة الإيرانية عدة مسارات منها:

تسيير المظاهرات فامتلأت شوارع طهران بالهتافات الموت لإسرائيل وأمريكا، وامتلأت جدران مبانيها بتلك العبارات، وتم تخصيص آخر جمعة في رمضان ليعرف بيوم القدس سنويًا لتجديد العمل بتلك الشعارات.

 

 يهيمن حزب الله على القرار السياسي اللبناني ويتحكم فيه بقوة تنظيمه المسلح، والذي يتفوق على أي قوة مسلحة أخرى متواجدة على الأراضي اللبنانية بما فيها الجيش اللبناني منذ عقدين من الزمن كذراع من أذرع إيران في المنطقة

كما تم قطع العلاقات مع إسرائيل، وإغلاق السفارة الاسرائيلية وحلت مكانها منظمة التحرير الفلسطينية، والتي ساهمت في تدريب كوادر الحرس الثوري الإيراني من قبل، كما استبدل اسم الشارع الذي يقع فيه مبنى السفارة الإسرائيلية من شارع "كاخ" إلى شارع فلسطين.

وعلى الصعيد العملي تم نسج علاقات ومد الجسور مع المنظمات الفلسطينية وجماعات المقاومة، وتتطور الأمر في مرحلة لاحقة إلى دعمها بالسلاح والمال والتدريب.  

العلاقات السرية

لكن لا يمكن التغافل عن العلاقات الخفية والسرية بين النظام الإيراني والكيان الصهيوني، وأي محلل يغفل عن تلك العلاقات: إما عن جهل أو غرض، وفي النهاية فإن التحليل سيتسم حينها بالسذاجة والسطحية، خاصة أن الباحثين في الغرب لم يغفلوا عند البحث في تلك العلاقات، اثباتها والاستشهاد بالوثائق والمقابلات مع المسئولين الذين كان لهم دور في تلك الأحداث، ولعل أشهر الكتب في ذلك المضمار، كتاب (حلف المصالح المشتركة. التعاملات السرية بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة)، ومؤلفه تريتا پارسي وهو باحث إيراني المولد يحمل الجنسية السويدية ويعيش في أمريكا.

حتى مسئولو النظام الإيراني نفسه يتباهون في مرحلة سابقة بتلك العلاقات خاصة مع الولايات المتحدة، خاصة عندما بدأ المحور الصهيوني الأمريكي في فترة ما مستشعرًا خطورة تلك العلاقات على خططه للهيمنة والسيطرة في المنطقة، فنائب الرئيس الإيراني علي أبطحي ذكّر الأمريكان بعد الاجتياح الأمريكي للعراق وأفغانستان، بأنه لولا دعم طهران ما سقطت كابول وبغداد.       

فالدور الإيراني في النظرة الصهيونية الأمريكية مطلوب لقمع أي تفرد سني في الشرق الأوسط، ولكن عندما يتجاوز هذا الدور الشيعي حدوده ليحاول الانفراد بالشرق الأوسط متجاوزًا الهيمنة الصهيونية، فإنه حينئذٍ يجري التدخل لوقف تمدده لأنه سيكون وقتها قد تجاوز الدور المطلوب.

لذلك في البداية ساندت أمريكا الثورة الإيرانية، ووقفت أمام الجيش الإيراني الموال للشاه وطالبت كبار الجنرالات بالتوقف عن قمع المتظاهرين والتخلي عن الشاه، حتى إن قائد القوات الأمريكية للمنطقة الوسطى زار طهران سرًا وضغط على كبار الضباط لتحقيق تلك الغاية، وبعدها مباشرة وصلت طائرة الخميني من باريس بسلام بدون أن تعترضها المقاتلات الإيرانية.

وفي أثناء الحرب العراقية الإيرانية، وبعد الهزائم الإيرانية أمام الجيش العراقي الذي استولى على المناطق البترولية الإيرانية في عبدان، تدخل الكيان الصهيوني لصالح إيران بعد لقاءات سرية مع القيادات الإيرانية وبرعاية أمريكية، تم تزويد إيران بأسلحة إسرائيلية فيما عرفت فيما بعد بفضيحة إيران كونترا.    

هذا الدعم الصهيوني قلب كفة القتال لصالح الجيش الإيراني والحرس الثوري، وفي المقابل ساند شيعة لبنان اجتياح الجيش الصهيوني للبنان عام 1982، والذي كان يريد اجتثاث الوجود الفلسطيني المسلح في لبنان والذي كان يهدد الشمال الإسرائيلي باستمرار، وأظهرت الصور ترحيب أهالي القرى الشيعية في جنوب لبنان، والذين خرجوا في الطرقات مرحبين بالدبابات الإسرائيلية في اجتياحها للمنطقة.

ولكن بعد الاجتياح الإيراني للمنطقة الذي بات يهيمن على القرار السياسي في أربع عواصم أو حواضر عربية، في بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، حينها خاف الحلف الصهيوني الأمريكي من تمدد الوحش الإيراني وهم الذين أطلقوه ودعموه، فكان التدخل لوقف هذا التوغل وإعادته الى المكانة المطلوبة ومنه وهي كما أسلفنا منابذة ووقف أي دور سني في المنطقة.

صفقة قريبة

يهيمن حزب الله على القرار السياسي اللبناني ويتحكم فيه بقوة تنظيمه المسلح، والذي يتفوق على أي قوة مسلحة أخرى متواجدة على الأراضي اللبنانية بما فيها الجيش اللبناني منذ عقدين من الزمن كذراع من أذرع إيران في المنطقة.

ولذلك فإن موافقته على اتفاق الغاز مع الكيان الصهيوني، تدل على رغبة إيرانية مماثلة، فالحزب هو إيران في لبنان كما صرح حسن نصر الله من قبل.

وهنا يكمن السؤال لماذا وافقت إيران على صفقة الغاز تلك؟

العامل الرئيس في تلك الموافقة، هو أن هناك في الأفق بات ما يعرف بصفقة شاملة بين الإدارة الأمريكية بزعامة بايدن وبين نظام الملالي في طهران.

فالباحث وليد فارس يرى أن الاتفاق بين أمريكا وإيران، قد بدأ البحث به عملياً بعد حرب العراق، وهو الآن وصل إلى صفقة كبيرة بحجم الإقليم، وليس فقط بحجم المفاعلات النووية المحدودة. والاتفاق الأم شمل عدة دول ومناطق، وليس فقط إيران. لذا فالسياسة المؤيدة لشراكة ما مع إيران، التي أنتجت الصفقة الكبرى قد أنتجت صفقات صغرى منبثقة عن الاتفاق الأكبر.

ولعل اتفاق الغاز كان أحد بنودها.

 

 

أعلى