ليس الجفاف والتدهور الاقتصادي فقط هو من يضرب بوركينا فاسو وأهلها، بل يضربها أيضًا -منذ سبع سنوات- إرهاب مسلحين ينتسبون لكل من منظمة القاعدة وداعش، وهذا الإرهاب انتزع 40% من أراضي دولة بوركينا فاسو بعيدًا عن سيطرة الحكومة، كما قتل الإرهاب آلاف المدنيين وال
بحدوث الانقلاب العسكري في بوركينا فاسو الجمعة الفائتة تكون هذه الدولة الأفريقية
المنكوبة قد شهدت انقلابين عسكريين في آخر 9 شهور فقط، كما أن بوركينا فاسو نفسها
شهدت سبعة انقلابات أخرى منذ استقلالها عام 1960، وقد قوبل هذا الانقلاب الأخير
بإدانة الاتحاد الأفريقي وكذلك المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس"
فضلاً عن إدانة الاتحاد الأوروبي، في حين دعت فرنسا والولايات المتحدة لضبط النفس.
وتم حل مشكلة الرئيس السابق ورئيس المجلس العسكري الحاكم السابق المقدم بول هنري
سانداوغو داميبا عبر إقناعه بالتنازل وإعلانه
–
الأحد الماضي - عن التنازل عن الحكم لقائد الانقلاب النقيب ابراهيم تراوري، وتوجه
للجوء في دولة توجو، لكن المشكلات الأعقد مازالت عالقة، فجمهورية بوركينا فاسو
تعاني من أزمة اقتصادية طاحنة في بيئة صحراوية قاحلة يضربها الجفاف.
|
هناك تصريح للنقيب ابراهيم تراوري قائد الانقلاب قال فيه: "أعلم أن فرنسا
لا تستطيع التدخل بشكل مباشر في شؤوننا" ، مضيفًا: "الأمريكيون هم شركاؤنا
الآن لكن يمكن أيضا أن تصبح روسيا شريكا لنا |
وليس الجفاف والتدهور الاقتصادي فقط هو من يضرب بوركينا فاسو وأهلها، بل يضربها
أيضًا -منذ سبع سنوات- إرهاب مسلحين ينتسبون لكل من منظمة القاعدة وداعش، وهذا
الإرهاب انتزع 40% من أراضي دولة بوركينا فاسو بعيدًا عن سيطرة الحكومة، كما قتل
الإرهاب آلاف المدنيين والعسكريين وتسبب في هجرة نحو 2 مليون مواطن من قراهم
ومدنهم.
وكان المقدم داميبا (المخلوع حاليًا) قد استولى على السلطة في يناير الماضي بانقلاب
عسكري دعمه الشعب في بوركينا فاسو حيث أطاح بالرئيس المنتخب ديمقراطيًا روش كابوري،
وقد تعهد المقدم داميبا وقتها بهزيمة تنظيمي القاعدة وداعش الذين دمرا البلاد
وأصابا المواطنين والجنود بالإحباط.
لقد فشل المقدم داميبا في القضاء على الإرهاب فالجماعات الإرهابية تنشط في 10 من
مناطق البلاد الـ13، وتم قتل 11 جنديًا وأُعتبر نحو 50 مدنيًا في عداد المفقودين
بهجوم إرهابي على قافلة الأسبوع الماضي.
وهذا الفشل في مواجهة الإرهاب وهزيمته هو ذريعة النقيب ابراهيم تراوري ومجموعته في
الإطاحة بزعيمهم السابق المقدم داميبا عبر انقلابهم العسكري، ولكن هل هذه هي
الذريعة كافية للقيام بالانقلاب؟؟ وما الجديد الذي سيقدمه ضباط الانقلاب لهزيمة
الإرهاب؟؟
هناك تصريح للنقيب ابراهيم تراوري قائد الانقلاب قال فيه: "أعلم أن فرنسا لا تستطيع
التدخل بشكل مباشر في شؤوننا" ، مضيفًا: "الأمريكيون هم شركاؤنا الآن لكن يمكن أيضا
أن تصبح روسيا شريكا لنا".
وإذا أضيف إلى ذلك ما ذكره مصدر غربي للجارديان من أن ضباط الإنقلاب غاضبون من
المقدم داميبا لأنه أخلف وعده معهم بأن يستعين بروسيا في مواجهة الارهاب كبديل عن
فرنسا فيمكن أن يتضح الموقف قليلاً، ويزداد الموقف وضوحًا عندما نستحضر صور
الجماهير المدنيين وأيضا العسكريين الذي تجولوا بالعاصمة ومدن أخرى في مظاهرات
مؤيدة للانقلاب ملوحين بأعلام بوركينا فاسو جنبًا إلى جنب مع أعلام روسيا
الاتحادية، فضلاً عن أن المئات من أنصار الإنقلاب هاجموا عددًا من المؤسسات
الفرنسية بما في ذلك السفارة والمركز الثقافي الفرنسي، وهم يلوحون بالأعلام
الروسية.
وقال بعض مؤيدي الانقلاب لرويترز: "اليوم شعب بوركينا فاسو يطلب دعم روسيا
لمرافقتهم في هذا الصراع العنيف الذي فُرض علينا"، كما شاهد مراسل لرويترز مجموعة
تحرق العلم الفرنسي بعد الانقلاب في بوركينا فاسو، فيما كتب على اللافتات: "معاً
نقول لا لفرنسا.. تبًا لفرنسا".
وروسيا من ناحيتها لم تتأخر في الرد إذ قال ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين،
إنه يأمل أن الوضع في بوركينا فاسو سيعود إلى طبيعته في أقرب وقت ممكن من أجل ضمان
النظام الكامل في البلاد والعودة إلى إطار الشرعية في أقرب وقت ممكن".
كما أن رجل الأعمال الروسي يفغيني بريغوزين، مؤسس شركة فاغنر جروب العسكرية الخاصة
قال في بيان له: "أحيي وأؤيد الكابتن إبراهيم تراوري" وأضاف: " تراوري ابن شجاع
حقًا ومخلص لوطنه".
وشركة فاغنر معروف أن لها عمليات في جميع أنحاء إفريقيا، بما في ذلك مالي المجاورة
لبوركينا فاسو حيث تستخدم مرتزقة روس لتحقيق أهداف روسيا الاتحادية بشكل يظهر وكأنه
غير رسمي أو غير حكومي.
ومعروف أن روسيا تخوض حربًا هجينة ضد الوجود الغربي بعامة والفرنسي بخاصة في قارة
أفريقيا منذ سنوات لكسب النفوذ والوصول إلى المواد الخام القيمة في القارة السمراء،
بعض الجهود تقودها جماعات شبه عسكرية من شركة فاغنر، وهي شركة مرتبطة بالكرملين
أسسها يفغيني بريغوزين، رجل الأعمال الروسي المقرب من بوتين، وحققت جهود روسيا
نجاحًا كبيرًا، مع التوسع في دول غير مستقرة ولكنها غنية بالموارد، ويبدو أن الحرب
في أوكرانيا قد دفعت روسيا لتكثيف جهودها في إفريقيا.
ودائمًا يتم إعداد الأجواء لنشر مقاتلي فاغنر في أماكن بأفريقيا من خلال حملات
شاملة تمتد لأشهر وأحيانًا سنوات تشمل وسائل التواصل الاجتماعي واحتجاجات الشوارع.
ووجد محققون من مختبر أبحاث الطب الشرعي الرقمي التابع للمجلس الأطلسي أن المحتوى
الموالي لروسيا قد انتشر على منصات التواصل الاجتماعي في غرب إفريقيا في الأشهر
التي سبقت الانقلاب العسكري في يناير 2022 في بوركينا فاسو، وأن الدعم عبر الإنترنت
لروسيا قد ازداد بشكل مطرد منذ ذلك الحين، كما انتقدت مواقع عديدة فرنسا بشدة ودعت
إلى التدخل الروسي.
والإشكالية في قارة أفريقيا لم تعد تقتصر على التمدد الروسي في قارة أفريقيا على
حساب الغرب ولحساب نهب ثروات القارة السمراء، ولا المقاومة الفرنسية لحالة الانحسار
التي يتعرض لها نفوذها، ولكن هناك إشكالية أخرى وهي عودة الانقلابات العسكرية
الأفريقية للتصاعد، لقد كانت ظاهرة الانقلابات بارزة في إفريقيا منذ بداية عهد
الاستقلال فشهدت القارة أكثر من 200 عملية ما بين انقلاب أو محاولة انقلاب منذ
الخمسينيات وكان نصف هذا العدد أحدث ناجحَا، لقد كان متوسط عددها هو أربع محاولات
في كل عام في الفترة 1960-2000، ثم انخفضت إلى اثنين سنويا في الفترة 2000-2019، ثم
واحد فقط عام 2020، ثم في عام 2021 تم تسجيل ست محاولات انقلاب[1]،
مما يؤشر على تصاعد ظاهرة الانقلابات في أفريقيا من جديد.
فما سبب هذا التصاعد للانقلابات في قارة أفريقيا؟؟
السبب هو الهجوم الهجين الروسي ضد أوروبا والولايات المتحدة في العالم عامة وفي
القارة الأفريقية خاصة، هذه هي الإجابة بكل وضوح واختصار، ففي الستينات والسبعينات
من القرن العشرين كان صراع الكتلتين الشرقية بقيادة الاتحاد السوفيتي والغربية
بقيادة الولايات المتحدة يغذي الانقلابات في القارة الأفريقية بينما هدأت بدرجة ما
الانقلابات عندما هدأ الصراع الدولي لكن مع عودة الصراع الدولي للاشتعال بدأت
الانقلابات ومحاولات الانقلاب تتصاعد في القارة السمراء لاسيما وقد دخل على الخط
الأفريقي قوى دولية عديدة غير روسيا والغرب مثل إيران والصين وتركيا وغيرها.
[1] اعتمدنا في هذه الأرقام على نتائج دراسة معروضة في:
Peter Mwai, Are military takeovers on the rise in
Africa?,
https://cutt.us/gLmNC