• - الموافق2024/12/21م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
من المسئول عن قتل فتيات الجامعة؟

هذه الحوادث لا تبدو منفردة بل تتكرر في الآونة الأخيرة بشكل باتت ظاهرة، ولكنها غريبة على مجتمعاتنا العربية والإسلامية.


شهدت الأيام القليلة الماضية حادثين خطيرين تعرضت فيهما فتاتان جامعيتان في مصر والأردن.

ففي مصر وفي مدينة المنصورة التي تقع شمال القاهرة ويوم الإثنين الماضي، قتلت طالبة بكلية الآداب جامعة المنصورة، ومقيمة في مدينة المحلة الكبرى بمحافظة الغربية، وذلك بعدما قام زميلها، طالب بكلية الآداب بجامعة المنصورة، ومقيم في نفس المدينة، بطعنها بسكين وذبحها من الرقبة قبل أن يتمكن الأهالي وطلاب جامعة المنصورة من الإمساك به.

واليوم الخميس ولم يكد العالم العربي يلتقط أنفاسه، بعد فاجعة فتاة المنصورة، حتى أوردت الأنباء أنّ طالبة أردنية، لقيت حتفها، بعد إطلاق النار عليها، أثناء تواجدها في مقر جامعة العلوم التطبيقية، في شفا بدران، شمال الأردن.

ووفق ما ذكرت المصادر الأمنية الأردنية، فقد قام شاب بإطلاق 6 أعيرة نارية اخترقت جسد الطالبة، وواحدة منهن أصابت رأسها إصابة مباشرة. وقد وصلت الفتاة إلى المستشفى بحالة حرجة، لتفارق الحياة لاحقاً. فيما لا تزال الأجهزة الأمنية الأردنية تبحث عن الجاني، الذي لاذ بالفرار، بعد جريمة إطلاق النار.

والمثير في الأمر أنه قيل أن الذي قتلها قد أرسل لها رسالة، يقول فيها أنه سيقتلها اذا لم تقابله كما فعل شاب بقتل فتاة في مصر.

هذه الحوادث لا تبدو منفردة بل تتكرر في الآونة الأخيرة بشكل باتت ظاهرة، ولكنها غريبة على مجتمعاتنا العربية والإسلامية.

وانبرى دارسو الظواهر الاجتماعية في تحليل أسباب هذه الحوادث البشعة، وانتشر الرأي الذي تداولته وسائل الاعلام، والذي قال به الكاتب العلماني المعروف إبراهيم عيسى والذي أرجع حادثة ذبح الطالبة على يد زميلها، إلى أن هناك مشكلة في العلاقة بين الرجل والمرأة في المجتمع بسبب الفهم الديني السلفي، مشيرا إلى أنه لابد من تحقيق الاختلاط بين الذكور والإناث لمواجهة الفكر المتشدد.

فهل ما قاله ذلك الكاتب العلماني صحيحا؟

هل أزمة مجتمعاتنا تتمثل في أنها يجب أن تنسلخ من دينها وقيمها لكي تتجنب تلك الحوادث؟

أم أن الأسباب الحقيقية هي العكس؟ وأن الظواهر المرعبة التي يعيشها الشباب الآن هي نتاج البعد عن الدين؟

للإجابة على هذه الأسئلة وتحليل ما يجري، يجب علينا أولا البدء بتشريح مجتمعاتنا العربية وواقع شبابنا اليوم، للتعرف على ما كل يحيط بهم من أزمات واحباطات، ومن ثم وضع الحلول والمخرج من هذا البلاء.

واقع الشباب في المجتمعات العربية

ان أكثر المعلومات مصداقية عن واقع المجتمعات عموما تلك التي تأتي عن طريق الاحصائيات من المصادر ذات الطابع العلمي المحايد.

أول خطوة يجب ملاحظة تركيب السكان في منطقتنا وفق السن والعمر، فوفق لبيانات الأمم المتحدة، نجد أن نسبة السكان في الدول العربية أقل من 15 عاماً تقترب من 32.6 بالمائة من إجمالي سكان العالم العربي، بينما تمثل نسبة السكان في الفئة العمرية المنتجة (15-64 عاماً) 62.7 بالمائة من إجمالي السكان، في حين تكون فئة كبار السن (64 عاماً فأكثر) أقل من 5 بالمائة من إجمالي السكان، وكل ذلك لعام 2020.

ولمعرفة مدى أهمية تلك النسبة يجب مقارنتها بأوروبا مثلا، حيث تمثل نسبة السكان من كبار السن (65 سنة فأكثر) في أوروبا أكثر من 20٪ من السكان، فضلاً عن انخفاض معدلات الخصوبة إلى أقل مما يطلق عليه معدل الخصوبة الاستبدالي (حوالي طفلين تقريباً لكل زوجين) وهو ما قد يؤدي إلى انخفاض كبير في أعداد السكان في سن العمل في المستقبل القريب، ولذلك يتم وصف أوروبا حاليا بكونها القارة العجوز.

ووفق علوم السكان يطلق على تلك النسبة الكبيرة للشباب والقادرين على الإنتاج والابداع في شتى المجالات "الهبة أو الفرصة الديموغرافية"، ولكن الذي يحدث هو العكس، فالعالم العربي يعاني في عمومه تدهورا ليس في مجال التنمية فقط، بل أيضا في المجالات السياسية والثقافية والاجتماعية والأخلاقية.

ولكن ما هي مظاهر هذا التدهور؟

في المجال التنموي تبدو مشكلة البطالة هي من أخطر المشكلات التي يواجهها الشباب العربي، وتؤثر على نفسيته ومدى تقبله للحياة والتعامل معها، فوفق بيانات البنك الدولي، وأيضا استنادا الى تقرير أصدرته لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) والمكتب الإقليمي للدول العربية التابع لمنظمة العمل الدوليّة، فإن حوالي 27% من الشباب بين سن 15 إلى 24 عامًا عاطلون عن العمل في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي أعلى نسبة مئوية من بين جميع مناطق العالم.

وكشف هذا الواقع عن عدم قدرة سوق العمل في المنطقة، وبالأخص القطاع النظامي، على خلق فرص عمل عادلة وكافية. وسلط التقرير الضوء على المستويات المرتفعة للعمالة في القطاع غير النظامي في المنطقة، والذي مثل حوالي ثلثي إجمالي العمالة.

وفي الجانب السياسي، ووفق استطلاع للرأي أجرته مؤسسة صدى التابعة لمعهد كارنييجي الأمريكي في 19 دولة عربية أوائل هذا العام، ومثل المشاركين الفئة العمرية من 21-35 سنة، حيث تم توجيه هذا السؤال: ما التغيير الذي ترغب أن تشهده في بلدك العام المقبل؟ ولماذا تعتقد أن هذا التغيير مهم لبلدك وللمواطنين؟، وجاء ترتيب الأولويات التي تشغل الشباب العربي كالتالي:

1.    ضمان الحقوق المدنية والسياسية.

2.    تنمية الاقتصاد وحل مشكلة البطالة.

3.    الاهتمام بالتعليم والتقنيات المتقدمة.

4.    السلام والاستقرار وتوقف الحروب والانقسام.

5.    احترام حقوق المرأة.

6.    رعاية الثقافة والفنون.

فالمشاركة السياسية تأتي في أولوية الشباب العربي، والتي تضمن له حقاً ودوراً يمارسه في عملية صنع القرارات، ومراقبة تنفيذها، وتقويمها بعد صدورها، وتشمل أيضا التعبير عن رأي في قضية عامة، والعضوية الحزبية، والانضمام لمؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني أو التعاون معها، والترشيح في الانتخابات، وتولى أي من المناصب التنفيذية والتي تسن القوانين.

أما عن الجانب الثقافي بين الشباب العربي، هنا يكمن الداء الأكبر ونعني به أزمة الهوية عند الشباب العربي.

والهوية في أبسط تعريفها هي إجابة عن تساؤل محدد من (أنا)؟ وما علاقتي بالآخر سواء كان هذا ال(أنا) فرد أو جماعة أو دولة، فهوية أي أمة أو مجتمع هي صفاتها التي تميزها عن باقي الأمم لتعبر عن شخصيتها الحضارية، فالهوية دائماً تجمع ثلاثة عناصر: العقيدة التي توفر رؤية للوجود، واللسان الذي يجري التعبير به، والتراث الثقافي الطويل المدى.

ويوضح سلطان العامر الفرق بين الهوية والأيديولوجيا، ويأخذ ألمانيا مثالاً فهناك أحزاب كثيرة من أقصى اليسار لأقصى اليمين، كل هذه الأحزاب تختلف في برامجها الأيديولوجية كلها تحمل إجابات مختلفة عما هو الأنفع للألمان، لكن جميعها تتفق على الهوية السياسية أي أنهم كلهم يتفقون على أنهم ألمان. عندما تقوم حركة سياسية على هوية غير ألمانيا فهي هنا تتحول فوراً لحركة انفصالية.

والشباب العربي يعاني منذ عقود طويلة حربا على الإسلام كفكرة ومنهج حياة، وتكثفت هذه الحملة في السنوات الأخيرة مع اتساع رقعة ومصادر الاعلام، وبعد أن دخلت الفضائيات وانتشر الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي على نطاق واسع.

في تقرير نشره معهد السلام الأمريكي يقول فيه كاتبه نصا (المعركة الكبرى الآن تدور حول روح الإسلام)، فالتقرير يحدد طبيعة المعركة التي يقودها الغرب وطليعته أمريكا في مواجهة تفسير الإسلام وقيمه ومعانيه.

 وكتب المفكر الأمريكي الشهير فوكوياما يقول: إن القيم الغربية ليست نتاجاً حضارياً عشوائياً للمسيحية الغربية، لكنها الأفضل عالميا، والسؤال: هل هناك ثقافات أو مناطق في العالم ستقاوم أو تثبت أنها ممتنعة عن عملية التحديث؟، ويجيب قائلا: الإسلام هو الحضارة الرئيسية الوحيدة في العالم التي يمكن القول بأن لديها بعض المشاكل الأساسية مع الحداثة.

وسيلة الغرب الأولى في نشر القيم الغربية، هي إيجاد طبقة من المفكرين والسياسيين وما اصطلح على تسميتهم بالفنانين يتولون تجريد المسلمين من دينهم وعقيدتهم، عبر الانبهار بالغرب وثقافته.

صرنا نرى أفلاما تمجد الساقطين والزناة والعلاقات الغير شرعية بين الجنسين، وتضع البلطجية ومستخدمي الخناجر والسيوف كأبطال وقدوة ومثل.

أصبح الاختلاط بين الجنسين والذي جرى تكريسه في الجامعات العربية هو الأصل، بديلا عن الفصل في قاعات الدرس والمحاضرات.

وتعددت شكاوى الأهالي من حالات ما يطلق عليه زواجا عرفيا بدون شهود أو اعلان ينتشر بين الفتيات والشبان الجامعيين نتيجة الانفلات في الاختلاط، مما نتج عنه انحرافا كاملا للشباب.

وهذا في الوقت الذي يتم فيه التضييق ومنع أي أنشطة دينية تحاول انقاذ الشباب من هذه الأدران، وتحاول نشر قيم الإسلام وأخلاقه وشرائعه بين الفتية والفتيات.

ولذلك جاءت حوادث الذبح والقتل بين تلك الفئة العمرية من الشباب، كجرس انذار للأهل قبل الشباب إذا ظل غيابهم عن الدين والإسلام.    

 

أعلى