• - الموافق2024/11/21م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
إيران وأزمة القضية الكردية الإيرانية

إيران وأزمة القضية الكردية الإيرانية

حال النظام الإيراني إزاء أزمة قضية الأكراد الإيرانيين كحال الذي يريد حجب الشمس بالغربال، فأزمة القضية الكردية في إيران عمرها طويل جداً، حيث كانت هناك جمهورية كردية عرفت باسم «جمهورية مهاباد» أسقطها النظام الشاهنشاهي البلهوي بمساندة أمريكا سنة 1946م، وهي أول جمهورية لأكراد المنطقة، وقد تم إعدام رئيس تلك الجمهورية «القاضي أحمد» بعد عام من انسحاب الروس من غرب إيران. منذ ذلك الحين لم يتوقف أكراد إيران عن المطالبة بحق تقرير مصيرهم، فأكراد إيران كانوا الملهمين لأكراد العراق ومن ثم أكراد تركيا وسوريا في النضال من أجل نيل اعتراف الدول التي يعيشون تحت سيادتها بحقوقهم القومية.

لقد كان الزعيم الكردي الراحل «ملا مصطفى البارزاني» وزيراً للدفاع في جمهورية «مهاباد» وكان حزبه «الديمقراطي الكردستاني» الذي يقوده اليوم نجله رئيس إقليم كردستان العراق السيد «مسعود البارزاني» انبعث من بطن الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني الذي كان أول حزب كردي في المنطقة، والذي كان قد تحالف مع الاتحاد السوفيتي في الحرب العالمية الثانية وأقام جمهورية مهاباد الكردية.

بعد الثورة الإيرانية التي أطاحت بنظام الشاه والتي ساهم الأكراد الإيرانيون فيها بقوة، طالب الأكراد الخميني بالإيفاء بوعوده التي قطها لهم والتي وعدهم فيها بالاعتراف بحقوقهم القومية في إطار الحكم الذاتي، ولكن الخميني ضرب بتلك الوعود ظهر الحائط، ما دفع الأكراد إلى القيام بانتفاضة شعبية مسلحة أخمدها الخميني بوحشية فائقة، اضطر الأكراد بعدها للانسحاب إلى المناطق الكردية داخل العراق فقدمت لهم بغداد الدعم من خلال الإيواء والتسليح ولكن تحالف الحزبين الكرديين العراقيين، الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال الطالباني، والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني، مع النظام الإيراني إبان الحرب بين العراق وإيران، شكل حجر عثرة في وجه الحركة الكردية الإيرانية، مما أجبرها على الانقسام وتوقف عملياتها المسلحة في وجه النظام الإيراني. لقد استطاع كل من جلال الطالباني، الذي أخذ في جانبه «منظمة كومله اليسارية»، ومسعود البارزاني الذي أخذ في حضنه «الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني» من التأثير على الحركة الكردية الإيرانية وإجبارها على التفاوض مع النظام الإيراني.

لم يكن نظام الخميني جاداً في تلك المفاوضات فقد أرادها فرصة لتصفية القيادة السياسية الكردية الإيرانية على غرار ما فعل من قبل في تصفية القيادة الدينية الكردية، حيث كان قد أعدم واغتال العديد من الشخصيات الإسلامية الكردية، كان من أبرزها المفكر الإسلامي ناصر سبحاني والشيخ أحمد مفتي زادة والشيخ أحمد الربيعي وآخرون.

كان المرشد الإيراني الحالي «علي خامنئي» رئيساً للجمهورية الإيرانية في يوليو عام 1989م حين تم اغتيال زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني الدكتور عبد الرحمن قاسملو مع اثنين من رفاقه في العاصمة النمساوية على يد المخابرات الإيرانية أثناء المفاوضات التي كانت تجري بين الطرفين بوساطة من جلال الطالباني الأمر الذي أدى إلى وقف تلك المفاوضات التي وصفت بالفاشلة. وفي 17 سبتمبر 1992م قامت المخابرات الإيرانية في عهد رئاسة الشيخ هاشمي رفسنجاني للجمهورية الإيرانية بتنفيذ عملية اغتيال لخليفة قاسملو «صادق شرفكندي» مع ثلاثة من مساعديه في مطعم بمدينة برلين بألمانيا، ما دفع الأكراد إلى فقد الثقة بالمفاوضات والتوقف عنها نهائياً.

شكل الأكراد تحالفاً مع منظمة «مجاهدي خلق» المعارضة لنظام الخميني بعد أن أعلنت عن وعدها بالاعتراف بالحكم الذاتي للأكراد بعد إسقاط النظام الإيراني، من جانبه سعى النظام إلى إضعاف الحركة الكردية من خلال إحداث الانشقاقات في صفوفها وبعد أن تمكن من إحداث ذلك سعى في كسب «جماعة الدعوة والإصلاح» التي تعد جناح تنظيم الإخوان المسلمين إلى جانبه، وقد نجح في ذلك أيضاً وأصبحت الجماعة حليفاً له في مواجهة الحركة الثورية الكردية.

طوال عقدين ونيف من الزمن بقيت الحركة الكردية الإيرانية تمارس نشاطها السياسي من مقراتها الكائنة في مدينة السليمانية، الواقعة تحت نفوذ جلال الطالباني، ومن مدينة أربيل، الخاضعة لسلطة مسعود البارزاني، في شمال العراق.

لقد نشط الأكراد خلال العقدين الأخيرين في أوربا وأمريكا وكونوا علاقات وطيدة مع القوى والأحزاب والمنظمات السياسية والبرلمانية والحقوقية وأسسوا مع تنظيمات وجماعات من باقي القوميات غير الفارسية في إيران مجلساً مشتركاً للمطالبة بالفدرالية للمناطق والقوميات الخاضعة للدولة الإيرانية، غير أن تغير الظروف السياسية الإقليمية والدولية لاسيما بعد إعلان قيادة إقليم كردستان العراق بزعامة الرئيس مسعود البارزاني نيته إعلان الاستفتاء على الانفصال عن الدولة العراقية التي أصبحت عملياً مفككة طائفياً وقومياً، أعلن الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني بزعامة مصطفى هجري مؤخراً عن عودته للكفاح المسلح ضد النظام الإيراني لتحقيق الفدرالية للأكراد في إقليم كردستان الإيراني. وعقب الإعلان عن ذلك القرار تصاعدت المواجهات المسلحة بين الأكراد والنظام الإيراني ما أسفر عن مقتل وجرح العديد من عناصر الجيش والحرس الثوري الإيراني الأمر الذي دفع إيران إلى الرد بقصف المناطق المدنية في شمال العراق، والتي يعتقد النظام الإيراني أن خصومه الأكراد يتخذون فيها مقرات لهم، موقعاً قتلى وجرحى من المدنيين الأبرياء.

وللهروب من هذه الأزمة المتجددة راح النظام الإيراني للبحث عن شماعة ولم يجد غير المملكة العربية السعودية ليعلق عليها أزمته مع الأكراد، ومن هنا أخذ القادة السياسيون والأمنيون والعسكريون الإيرانيون يكيلون التهم للرياض للتعويض عن فشلهم في  حل الأزمة الكردية من جهة، وإشعال المزيد من نار الصراعات السياسية والطائفية مع السعودية من جهة أخرى.

إن النظام الإيراني يعلم جيداً أن مواقع الأكراد الإيرانيين ومقراتهم تقع في السليمانية وأربيل وليس في الرياض، ويعلم أن الأزمة الكردية عمرها يزيد على الخمسين عاماً وليست وليدة اليوم، ويعلم جيداً أن السياسة السعودية لا تقوم على استغلال الأقليات الإثنية في المنطقة ولو كانت تريد استغلال مثل هذه الأوراق لفعلت ذلك واستغلت الورقة الأحوازية التي هي أقرب للسعودية جغرافياً وقومياً، وكذلك لاستغلت ورقة البلوش أيضاً.

من هنا يعتقد المراقبون أن تغطية النظام الإيراني على الأزمة الكردية بمنخال الاتهامات التي يوجهها للسعودية لن تنهي الأزمة ولن تضر السعودية ولكنها سوف تزيد من اشتعال النيران في المنطقة. وعلى الباغي تدور الدوائر.

:: مجلة البيان العدد  351 ذو القعدة  1437هـ، أغسطس  2016م.

أعلى