• - الموافق2024/11/21م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الكيان الصهيوني يقاطع السلطة الفلسطينية سياسياً وينسق معها أمنياً!

الكيان الصهيوني يقاطع السلطة الفلسطينية سياسياً وينسق معها أمنياً!

في الوقت الذي يتواصل فيه الجمود السياسي بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني بفعل استمرار الانتفاضة، يتواصل التنسيق الأمني بين الجانبين، على عكس ما كان متوقعًا من أن ينعكس توقف المفاوضات السياسية على توقف التنسيق الأمني؛ ما يطرح تساؤلات عدة حول تفضيل الكيان الصهيوني للدور الأمني الذي تقوم به السلطة الفلسطينية، وحصر مهامها في توفير الحماية والأمن للمستوطنين والجنود الصهاينة.

ومع تواصل الهجمات الفلسطينية ضد الصهاينة منذ أوائل أكتوبر، تأخذ الفجوة بالاتساع بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني، بما فيها توجيه اتهامات من الكيان الصهيوني إلى السلطة ورئيسها محمود عباس بالتحريض على تنفيذ تلك الهجمات، على لسان رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو، وقبله السفير الصهيوني في الأمم المتحدة داني دانون.

الملفت أنه في ظل هذه القطيعة السياسية شبه الكاملة بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني، فإن التنسيق الأمني بينهما ما زال قائمًا، ولم يتأثر بحال الجمود السياسي، وعلى العكس من ذلك، فإن وتيرة التنسيق الأمني بما تشمله من تبادل المعلومات الأمنية تأخذ بالتزايد، وهو ما أكده «ديفيد مناحيم» رئيس الإدارة المدنية الصهيونية التابعة لجيش الكيان الصهيوني في الضفة الغربية من أن التنسيق الأمني بين الكيان والسلطة الفلسطينية مستمر ولم يطرأ عليه أي تغير، برغم تدهور الأوضاع الأمنية في الأراضي الفلسطينية، ولم يتأثر بالأحداث الحالية، وهو ما يجعل الوضع القائم بين الفلسطينيين والصهاينة كما لو كان متناقضًا، علاقات سياسية في حدها الأدنى بين رام الله وتل أبيب، وفي الوقت ذاته تنسيق أمني في حده الأقصى بينهما.

وبرغم أن اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، طالبت بتحديد العلاقات الأمنية والسياسية والاقتصادية مع الكيان الصهيوني، لكن رئيس الهيئة السياسية الأمنية في وزارة دفاع الكيان «عاموس غلعاد» أكد أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية تعمل بتنسيق تام مع أجهزة الأمن الصهيونية لمنع تدهور الوضع الأمني في الضفة الغربية، وهناك محادثات ولقاءات يومية بين ضباط الارتباط الفلسطينيين والصهاينة.

لقد تمثلت مظاهر التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني باعتقال مجموعات فلسطينية مسلحة تنوي تنفيذ عمليات عسكرية ضد الصهاينة، ما يعني أن السلطة الفلسطينية لها مهمة أمنية واضحة ومحددة، وتتمثل باستمرار التنسيق الأمني مع الكيان الصهيوني، لأن اتفاق أوسلو بحد ذاته يطغى عليه البعد الأمني أكثر من السياسي، لأنه منح الكيان كامل الصلاحيات الأمنية للسيطرة على الأراضي الفلسطينية، ولم يمنح السلطة الفلسطينية في المقابل إنجازات سياسية.

وقد يسعى الكيان الصهيوني في الأيام القادمة، إن تأزمت الأمور مع الفلسطينيين واتسعت رقعة الانتفاضة، إلى أن يتواصل مباشرة مع بعض الضباط الأمنيين الفلسطينيين لحفظ الأمن في الضفة الغربية، لأن الاتصال يتم اليوم عبر القنوات السياسية ممثلة بالحكومة الفلسطينية ومكتب الرئيس عباس.

وفي الوقت ذاته، قد يتعمد الاحتلال تجريد السلطة الفلسطينية من مهامها السياسية المحدودة، من خلال تفعيل دور الإدارة المدنية الصهيونية، وجعل الفلسطينيين يتواصلون مباشرة معها، وإظهار السلطة الفلسطينية كيانًا سياسيًّا ليس له قيمة، لأن الأمن هو جوهر الاتفاقات السياسية بين السلطة والكيان الصهيوني، خاصة اتفاق أوسلو.

وفي ظل الوضع السياسي المعقد بين الفلسطينيين والصهاينة، يمكن تقديم سيناريوهات استشرافية لمستقبل التنسيق الأمني بينهما، وأول هذه السيناريوهات استمرار هذا التنسيق الأمني، وهو الأكثر توقعًا، في ظل نجاح السلطة الفلسطينية في تجاوز الرفض الشعبي للتنسيق الأمني، وخشية الفلسطينيين من تنفيذ تهديدات الكيان الصهيوني بوقف تحويل الأموال للسلطة الفلسطينية الخاصة برواتب الموظفين الشهرية، إن لم يستمر التنسيق الأمني.

ولكن في حالة عدم تمكن السلطة الفلسطينية من ذلك، يمكن الحديث حينها عن السيناريو الثاني المتمثل في وقف هذا التنسيق في حال حصول تطور دراماتيكي من الناحية الميدانية، كأن تحصل مجزرة ضد الفلسطينيين ينفذها المستوطنون الصهاينة، مما يجعل استمرار التنسيق الأمني أقرب إلى الخيانة الوطنية، وتضطر السلطة الفلسطينية إلى وقفه، ولو مؤقتًا، خشية ردود الفعل الفلسطينية الغاضبة.

وبين السيناريوهين الأول والثاني حول استمرار التنسيق الأمني أو وقفه، هناك سيناريو ثالث يتمثل بخفض السلطة الفلسطينية لمستوى التنسيق الأمني تدريجيًّا مع الكيان الصهيوني، من دون وقفه نهائيًّا، لتجنب اتخاذ الكيان الصهيوني ردود فعل قوية تجاهها.

مراكــز استطلاعات الرأي الفلسطينية نشرت نتائج استطلاع أجرته بين الفلسطينيين، أظهر أن 69.8 في المئة منهم يطالبون بوقف التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني، ولذلك فإن الحديث عن مستقبل التنسيق الأمني في ذروة المواجهات الدائرة بين الفلسطينيين والصهاينة، يجب أن يأخذ في الاعتبار ما أقرته الاتفاقيات السياسية المشتركة بينهما، خاصة اتفاق أوسلو، حول التقاسم الوظيفي الحاصل بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني، فالأولى مكلفة بإدارة حياة ومعيشة الفلسطينيين من الناحية الخدماتية، والثاني مسؤولة عن النواحي الأمنية والعسكرية على الأراضي الفلسطينية وفي داخلها، والرئيس أبو مازن إن أراد وقف التنسيق الأمني فهو يستطيع ذلك، لكنه لا يريد ذلك.

إن الأسابيع العشرة الماضية، وتحديدًا منذ بداية اندلاع الانتفاضة في أوائل أكتوبر، شهدت زيادة بسط السيطرة الصهيونية على أنحاء مختلفة من الضفة الغربية، مقابل تراجع للدور السياسي للسلطة الفلسطينية داخل الضفة، بحيث لا تزيد صلاحياتها عن بلدية موسعة، وحصر مهامها في التنسيق الأمني مع الكيان الصهيوني.

تبدو الإشارة مهمة إلى أن «السلطة الفلسطينية تعمل وكيلًا أمنيًّا للكيان الصهيوني، وهو دور قامت به منذ تأسيسها عام 1993م، وتعلم أن أحد أسرار بقائها وتمويلها من المجتمع الدولي هو التزامها بالتنسيق الأمني مع الكيان الصهيوني، ولكن إن تواصل تباين المواقف السياسية بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني، فقد يلجأ الأخير إلى إقامة علاقات أمنية مباشرة مع رؤساء الأجهزة الأمنية الفلسطينية لتنفيذ المهام الأمنية المطلوبة منها، بغض النظر عن بقاء السلطة الفلسطينية أو انهيارها.

قد لا يكون رد فعل الكيان الصهيوني على أي قرار فلسطيني بوقف التنسيق الأمني متوقعًا، أو مجرد التفكير بوقفه، والسلطة الفلسطينية تعلم ذلك جيدًا، برغم تزايد الدعوات الفلسطينية لوقفه، لأن الخطوة الصهيونية الأولية المتوقعة على وقف التنسيق الأمني قد تتمثل بعدم قدرة الرئيس الفلسطيني وأركان سلطته على الانتقال من مدينة إلى أخرى داخل الضفة الغربية، أو الخروج بسياراتهم نحو الحواجز الصهيونية دون تنسيق مع جيش الاحتلال، حيث يواجه المسؤولون الفلسطينيون هذه الحواجز حين يغادرون من الضفة الغربية إلى قطاع غزة أو الأردن أو داخل الكيان الصهيوني، وهو ما يضطرهم بالضرورة للتنسيق الأمني مع جيش الاحتلال قبل التحرك من الضفة الغربية. فهل تقوى السلطة الفلسطينية على هذه العقوبات؟ أشك في ذلك.

:: مجلة البيان العدد  344 ربـيـع الثاني  1437هـ، يـنـايــر  2016م.

أعلى