الحوثيون مراجع ومواجع
كان عام 1986م بداية تطور الحركة الحوثية وتبلور موقف له بُعد مؤسسي للطائفة الزيدية في اليمن من خلال إنشاء «اتحاد الشباب» على يد المرجع الزيدي صلاح أحمد فلايته. في تلك الفترة كانت الحكومة اليمنية تقف إلى جانب العراق في حربها مع إيران وانعكس ذلك على واقع الطائفة الزيدية التي كانت تعاني من تضييق متصاعد من الحكومة، إلا أن نهاية الحرب العراقية وتسلم هاشمي رفسنجاني زمام الأمور في إيران قاد إلى مرحلة من التصالح مع العالم الإسلامي وغيرت إيران إستراتيجيتها في طريقة تصدير الثورة إلى البلدان المجاورة من خلال القوى الناعمة، حيث تسلم الراية في تلك الفترة في اليمن بدر الدين الحوثي، ومع سماح الحكومة بتشكيل الأحزاب السياسية بادر الشيعة إلى تشكيل حزب «الحق» و«اتحاد القوى الشعبية». وأصبح أمام الطائفة الزيدية فرصة سانحة لبناء المزيد من المراكز الدينية في مدينة صعدة، وترأس «محمد يحيى عزان» ما عرف بمنتدى «الشباب المؤمن» الذي أشرف على النشاط التعليمي والديني للزيدية في صعدة.
بعد عام 1995م حدث انشقاق كبير بين زعامات الطائفة الزيدية، واستغل الرئيس السابق علي عبدالله صالح ذلك الأمر لصالحه، حيث تحالف معه يحيى بدر الدين الحوثي وأصبح جزءًا من منظومته، إلا أن حسين الحوثي الذي يقود «تنظيم الشباب المؤمن» ركز على التعليم الديني في محافظات الشمال وعزز هذا الانتشار تغلغل الإثنى عشرية في اليمن.والسبب في ذلك وجود شخصيات شيعية من إيران والعراق تؤدي أدوارها في التعليم والصحة وغيرها من الدوائر العاملة لصالح الزيدية، بالإضافة إلى توفر الكتب والمنشورات الدينية التي تنظِّر للإثنى عشرية.
في عام 2001م ظهرت شعارات حسين الحوثي «الموت لأمريكا والموت لإسرائيل»، وبدأت مرحلة ضخمة لتقديسه لكن بالتزامن مع ذلك استمر التحالف مع الحزب الحاكم في اليمن إلى أن بدأت تظهر خلافات بين الطرفين، حتى قتل حسين الحوثي في مواجهات بين الطرفين، كانت الحادثة مقدمة لمواجهة مفتوحة مع الدولة سمحت لجماعة «الحوثي» بأن تصبح قوة عسكرية كبيرة في اليمن.
في ما يخص «العقائد والتصورات والرؤي» يقول الكاتب اليمني أحمد أمين الشجاع في كتابه «إيران والحوثيون.. مراجع ومواجع»، بالرغم من أن بدر الدين الحوثي في حوار أجراه مع أسبوعية «الوسط» نفى أن يكون ابنه قد تجاوز المذهب الزيدي، مستندًا في ذلك إلى ملازمه المنشورة، وأكد ما سبق المرجع الزيدي الدكتور مرتضى المحطوري الحوثي الأب بقوله: «بدر الدين قعد في إيران، وحاولوا أن يجعفروه بكل ما أوتوا من قوة، إلا أن الرجل زيدي من رأسه إلى قدمه». إلا أن شهادة يحيى النجار - وكيل وزارة الأوقاف والإرشاد - تؤكد اعتناق الجماعة للإثنى عشرية، حيث قال: «من خلال متابعة هذه الجماعة منذ صيف 2004م وحتى اليوم، واستنادًا إلى أدبياتهم وملازمهم وغيرها، فإنهم اعتنقوا المذهب الشيعي الإثنى عشري الصفوي، وهو المذهب الذي لا نعرفه في اليمن». كما أكد ما سبق وزير الأوقاف السابق القاضي حمود الهتار في حوار مع صحيفة «الوسط».
برغم الخلاف بين الحركة الحوثية والمذهب الزيدي في بعض الأمور الفقهية والمذهبية إلا أن الالتقاء بين الطرفين في الغاية جعل عوامل الوحدة بين الطرفين أكبر بكثير من عوامل الانقسام، فقد نصت مطالب الحوثي من الحكومة على ضرورة إنشاء جامعة يستفيد منها أبناء المذهب الزيدي، وكذلك تشكيل لجنة لحصر أوقاف الزيدية واستعادتها، وإعادة اعتماد المذهبين الزيدي والشافعي مذهبين رئيسيين للدولة، وغيرها من المطالب التي تؤكد التقاء الطرفين في الغاية. لذلك يقول «الشجاع» في كتابه: إن الخلاف الدائر بين الحوثيين وبعض علماء الزيدية خلاف ثانوي، أشبه بتقاسم الأدوار بين التيارات.
كان تحالف جماعة الحوثي مع قوى معارضة للحكومة اليمنية ومنها «اللقاء المشترك» والحزب الاشتراكي اليمني وكذلك رفع شعارات مناوئة لأمريكا على سبيل استعطاف البسطاء من الناس والتلاعب بالحس الوطني لدى اليمنيين والمسلمين؛ بداية مرحلة جديدة بين الجماعة والحكومة فتلك الشعارات تحرج الأخيرة مع الحليفة الرئيسية لديها وهي الإدارة الأمريكية، لاسيما بعد هجمات استهدفت القوات الأمريكية انطلاقًا من اليمن.
استغلت الجماعة الشعارات المناوئة لأمريكا المستوردة من إيران بهدف التسلح، وأخذت تنظم استعراضات عسكرية خلال احتفالات تقيمها، وأدرك الرئيس السابق علي عبدالله صالح أنه أمام لعبة خطيرة تحركها أطراف خارجية، فجماعة الحوثي تمتلك أكثر من 60 مركزًا يتدرب فيها 15 ألف طالب، وكل ذلك بحاجة لموازنة ضخمة، كيف تحصل عليها جماعة تعيش في بلد فقير كاليمن؟!
بالتزامن مع ذلك كان يعمل الحوثي بقوة داخل مؤسسات الدولة ويقوم بزرع أتباعه في كل مرافقها العسكرية والمدنية، مع التركيز على المرافق التعليمية.
في 30/6/2004م أصدر مجلس الوزراء اليمني قرارًا بإغلاق جميع مدارس التعليم الديني الخارجة عن نطاق التعليم الرسمي، كان ذلك في إطار حملة شاملة بدأت بعد مقتل ثلاثة جنود على يد مسلحين من جماعة الحوثي، وشنت السلطات حملة اعتقالات واسعة في صفوف الجماعة، وجرت تلك الأحداث حربًا شاملة قُتل فيها الآلاف من أتباع الحوثي وعناصر الأمن اليمني، لكن بالتوازي مع ذلك كانت علاقة معقدة بين الطرفين، حيث كان للنظام عدو مشترك مع الحوثي، وهو «القاعدة»، فقد كان يفاوض للوصول إلى حلول سلمية من خلال بعض القبائل وكان يقاتل ليفرض شروطه في ميدان المفاوضات. بعد الضربة الموجعة التي تلقتها الجماعة في الحرب الثانية عام 2005م أرسل بدر الدين الحوثي رسالة للرئيس صالح طالبه فيها برفع الظلم عنهم والتصالح، وتلا ذلك صدور عفو رئاسي عنهم، إلا أن الكثير من عناصر جماعة الحوثي رفضت ذلك. في تلك الفترة حاولت الجماعة استعطاف العالم لقضيتها من خلال تصريحات إعلامية أبرزها مقابلة لقناة العربية مع يحيى الحوثي قال فيها: «إن الحوثيين لا يعادون أحدًا وليسوا مؤهلين لأن يحاربوا أمريكا، ولا أن يحاربوا إسرائيل، ولا أن يحاربوا أحدًا». وذلك في إشارة واضحة لشعاراتهم التي استوردوها من إيران.
صعدت جماعة الحوثي ضد الحكومة وقامت باستهداف شيوخ قبائل محسوبين على الدولة، حتى إنها قامت باستهداف نقطة حدودية بين السعودية واليمن وقتلت جنديًّا سعوديًّا وأصابت آخرين، وبحسب ادعاءها فإن السعودية سمحت للجيش اليمني باستخدام أراضيها لشن غارات جوية على مواقعها.. قامت السعودية بشن غارات جوية وبرية مكثفة على مواقع الحوثيين لم تتوقف حتى إعلان جماعة الحوثي لوقف إطلاق النار من طرف واحد. فُسر إقحام السعودية في الأزمة باتجاهين: أولهما أنها رسالة حوثية إلى طهران بأنه يمكن الرهان عليها لإشعال جبهة مع السعودية العدو اللدود لإيران، أو خطوة أقدم عليها الرئيس السابق علي عبدالله صالح لابتزاز السعودية وإبراز الحوثي كقوة يمكن أن تهدد أمن المملكة. أظهرت ستة حروب بين الحكومة وجماعة الحوثي أنه بالقدر الذي كان يحاول صالح الحفاظ على استقرار حكمه من خلال المفاوضات؛ كانت جماعة الحوثي تحاول إبراز حتمية الصراع بين الطرفين وإظهار حجم أطماعها من خلال عنف هجماتها على مؤسسات الدولة العسكرية والمدنية.
كانت بداية استخدام إيران للحوثيين كأداة من أدواتها في المنطقة، بعد قيام حسين الحوثي بزيارة لبنان وإيران عدة مرات، والفضل يرجع إلى كتاب «عصر الظهور»، لعلي الكوراني العاملي، الذي روج من خلاله لحركة تظهر في اليمن يقودها شخص ملقب بــ«اليماني» وهو من ذرية زيد بن علي عليهما السلام، على حد زعم الكوراني. أخذ الحوثي يسقط الشخصية المذكورة في الروايات الشيعية على نفسه، وبدأ بتوزيع نسخ كبيرة من الكتاب على أتباعه ومناصريه، وكانت إيران من خلفه تضخ الأموال والأسلحة لتعزيز نفوذه وقوته، كما سخرت حزب الله اللبناني لتدريب المئات من عناصر جماعة الحوثي على الأسلحة حتى أصبحت الجماعة في سنوات قليلة أكبر مليشيا عسكرية في اليمن.
بعد توقيع المبادرة الخليجية وتوجه القوى السياسية والمدنية اليمنية للبحث عن حلول سلمية والموافقة على إجراء الانتخابات الرئاسية اليمنية التي جاءت بالرئيس عبدربه منصور هادي إلى السلطة ظهرت مؤشرات تدلل على أن جماعة الحوثي التي كانت أحد أطراف الحوار بين المؤسسة الرئاسية والمنظمات السياسية والمدنية اليمنية كانت تقوم بتفصيل العديد من العقبات لإفشال إي حل قد يؤدي إلى توافق على تشكيل حكومة وحدة وطنية قادرة على الحفاظ على استقرار البلاد. وكان الموقف الأمريكي متواطئًا بشكل فج مع رغبة الحوثي، حتى إن السفير الأمريكي بصنعاء صرح في 10/11/2012م أن بلاده لم تكن يومًا ضد الحوثيين ولم تنفذ أعمال عسكرية ضدهم، ولا تمانع أن يكونوا جزءًا من الحوار اليمني وأن يقدموا رأيهم.
على المستوى السياسي أيضًا ترفض جماعة الحوثي الإعلان عن رؤية سياسية معينة لها، وبالتزامن مع ذلك فهي ترفض التخلي عن سلاحها في إطار أي مشروع وطني يمني يضمن استقرار البلاد، لكنها تطلق وكلاءها مثل «حزب الحق»، و«حزب الأمة» و«الحزب الديمقراطي اليمني» لتخريب أي عملية سياسية مستقبلية في اليمن، كما ترتهن بشكل كامل للسياسة الخارجية الإيرانية.
وعلى الصعيد العسكري، استطاعت الجماعة تطوير قدراتها العسكرية من خلال الدعم الإيراني المتواصل، وكذلك استغلال التخلي الحكومي عن أبناء القبائل وتوافق المصالح بين الحوثي والرئيس السابق علي عبدالله صالح بالإضافة إلى حالة الفقر التي تعيشها اليمن والتي استغلها الحوثي بشكل مطلق لتجنيد المزيد من العناصر، وضخمت كذلك الهالة الإعلامية كثيرًا من قوته.
مع سيطرتها على العديد من المناطق، استغلت الجماعة طقوس الاحتفال بما يسمى «المولد النبوي» في العام الهجري 1433هـ لإظهار قوتها وفرضت مبالغ مالية على كل محل تجاري وموظف لدعم المناسبة.. في صعدة وحدها جمع أنصار الحوثي 7.5 ملايين دولار خلال العام 1433هـ بحسب مصدر حكومي يمني.
روجت الحركة شعارات مذهبية مثل الدفاع عن «المذهب الزيدي» في مقابل الخطر «الوهابي»، وكان ذلك مبررًا كافيًا لحمل السلاح وتصفية أهل السنة واستهداف مساجدهم ومناطقهم، وكان مركز دماج السلفي - الذي تعرض لحصار لمدة شهرين وقصف بالمدفعية تسبب بمقتل العشرات من أبناء منطقة دماج - عنوانًا لحرب طائفية تشنها جماعة الحوثي على أهل السنة. على الرغم من استفادة القاعدة من جماعة الحوثي بحسب الكاتب أحمد الشجاع من خلال تبادل المعلومات لتسهيل عمليات استهداف ينفذها الطرفان ضد الحكومة المركزية التي تعتبر العدو المشترك للطرفين، إلا أن الاختلاف المنهجي والمذهبي جعل الأعوام الأخيرة تشتد بين الطرفين حتى أصبحت الجماعة هدفًا للعمليات التي تنفذها القاعدة.
يخلص مؤلف كتاب «إيران والحوثيون .. مراجع ومواجع» إلى أن الحوثيين ينتمون إلى «الجارودية» إحدى فرق الزيدية، وهي قريبة إلى المذهب الإثنى عشري. ويضيف في جملة نتائج أن الحوثي كان يحاول إعادة الإمامة إلى اليمن لكن إصرار القوى اليمنية على الحوار الوطني ألزمه بالانضمام إلى النظام الجمهوري. إن مناهضة الحوثيين للمذهب السني جعلهم يتحالفون مع كل من اختلف مع عقائدهم الدينية مثل اليسار والليبراليين وغيرها من القوى على الساحة اليمنية. تستخدم الجماعة الشعارات المنددة بأمريكا وإسرائيل ولكنها فعليًّا ستار لتخفي خلفها حقدها الدفين على أهل السنة. نجح الحوثيون في إنشاء كيان مذهبي مسلح غايته تحقيق الحلم المحلي بالسيطرة على اليمن والحلم الإقليمي لإيران بإيجاد قوة في منطقة الخليج تراهن عليها لابتزاز جيرانها.
:: مجلة البيان العدد 335 رجب 1436هـ، إبريل – مايو 2015م.