سيناريوهات ما بعد الانقلاب الحوثي؟!
لا يمكن وصف ما حدث بالعاصمة صنعاء في 18من يناير الماضي، إلا بأنه انقلاب عسكري كامل الأركان، على شرعية الدولة ومؤسساتها الرسمية.
ربما أن البعض لم يكن يتصور أن تذهب سطوة الحوثيين في السيطرة على الحكم إلى درجة حصار رئيس الجمهورية الذي يُتهم بأنه سهل لهم الكثير من السُبل للوصول إلى صنعاء في محاولة منه للتخلص من قوى الثورة وحزب الإصلاح المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين، إلا أن الرجل كُوفئ بالحصار على منزله وقتل عدد من حرسه الشخصي وإبقائه في عزلته وحيدًا، حاملًا صفة الرئاسة، ومنزوعًا من ممارسة المهام الرئاسية، لكنه في الأخير مرغم على تنفيذ أجندات عاجلة للحوثيين أبرزها، توجيه حملة عسكرية لقصف مواقع القبائل الحامية لمدينة مأرب من الغزو الحوثي، وإصدار قرارات رئاسية باستيعاب قوائم كبيرة من الأسماء في جميع الوزارات ورئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء وجميع المؤسسات التابعة للدولة[1].. لكن قرار الرئيس هادي ورئيس الحكومة خالد بحاح وأعضائها بتقديم استقالتهم في تلك اللحظة الحرجة، خلط الأوراق على جماعة الحوثي، وجعلهم يبحثون عن حلول تسد عجزهم في إدارة الدولة بعد الانقلاب على سلطتها الشرعية، حيث بدؤوا يبحثون عن من يُقنع هادي بالعدول عن استقالته مقابل الانسحاب من القصر الرئاسي والجبال المحيطة به، والمناطق والمعسكرات التي تم السيطرة عليها مؤخرًا.
ويرى الكثير من الخبراء في الشأن اليمني أن اليمن دخلت مرحلة بالغة الصعوبة والتعقيد بعد قرار هادي والحكومة بإعلان الاستقالة الجماعية من الحكم، ولا يمكن وصف هذه المرحلة إلا بأنها مرحلة ما بعد الانقلاب، ولا يكمن التعقيد في بقاء اليمن في مرحلة فراغ دستوري فحسب، بل في دخول روسيا الاتحادية كلاعب رئيسي في اليمن إلى جانب إيران للثأر من المملكة العربية السعودية[2].
الملفت في الأمر هو الإصرار الذي تمارسه جماعة الحوثي من خلال لقائها بمندوب الأمم المتحدة لليمن السيد جمال بنعمر لإقناع الرئيس هادي للعدول عن قرار الاستقالة، وطلب مواصلة مهامه في إدارة شؤون الحكم، لكن المُتابع لخطاب زعيم الحوثيين في يوم الثلاثاء 20 يناير الماضي، يكشف أنهم كانوا يريدون الاستحواذ على السلطة بدون تحمل مسؤوليتها، ويريدون الشراكة في الحكم، لكنها شراكة من نوع خاص، أي شراكة في الربح فقط، بينما تتحمل الأطراف السياسية الأخرى الخسائر.
في خطاب الحوثي، وجه أربعة مطالب من رئيس الجمهورية المحاصر في منزله، والذي لا يستطيع حتى الرد على تحويلة الرئاسة بسبب سيطرة المسلحين عليها، وممارسة التحكم في إدارتها. هذه المطالب تمثلت في سرعة تصحيح وضع الهيئة الوطنية للرقابة على نتائج مؤتمر الحوار الوطني، وسرعة تعديل مسودة الدستور، وسرعة تنفيذ اتفاق السلم والشراكة، وإجراء معالجة أمنية شاملة، من ضمنها معالجة الوضع في مدينة مأرب[3].
ومن خلال خطاب زعيم الحوثيين، الذي أعلنه بعد سيطرة المليشيات على كامل عتاد الحرس الرئاسي والمعسكرات التابعة له، والقصر الرئاسي، بل وحصار أعضاء الحكومة في منازلهم، وحصار منزل الرئيس هادي، كان المنتظر من الحوثي أن يعلن عن تشكيل مجلس رئاسي لإدارة المرحلة القادمة، لكن خطابه كان مركزًا على فساد الرئيس هادي وعدم تعامله الإيجابي مع المطالب التي وضعت على طاولته، بل واتهم هادي بدعم تنظيم القاعدة في مأرب، ومن ثم عاد ليطالبه بممارسه مهامه وتنفيذ شروطه الأربعة المذكورة آنفًا.
هذا الآمر أثار الكثير من علامات التعجب حول مدى عدم قدرة الحوثيين على إدارة الحكم في اليمن، بعد أن سيطروا على كامل مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية، كما أنه كشف عن محاولة الحوثيين ممارسة السلطة عبر بوابات خلفية من خلال الإبقاء على الرئيس هادي والحكومة بشكل ديكوري، والضغط عليها لممارسة وتنفيذ الأجندات التي يطلب منها تنفيذها.
وقد فاجئ الناس حجم الكذب وخيانة العهود التي تمارسها جماعة الحوثي، فمنذ سقوط دماج وقعت عشرات الاتفاقيات مع الأطراف الأخرى، وكانت تنتهي بخرق الحوثيين لتلك الاتفاقات والقفز عليها بقوة السلاح والسيطرة على أماكن واسعة.
وأكثر ما جعل الكثير من المغرورين بهذه الجماعة يتراجعون عن مناصرتهم لها، أنها كانت ترفع لافتات براقة، كمحاربة الفساد، وإسقاط الجرعة، وأنها لا ترغب بالسُلطة، لكن طلبات الحوثيين والضغوط التي مارسوها على الرئيس هادي كانت مهولة ومثيرة للشك في نوايا هذه الجماعة.
وبحسب المتحدث الرسمي باسم الحكومة اليمنية راجح بادي فإن «الناس فجعوا بحجم طلبات الحوثيين»[4]، حيث جاءت مطالبهم في ست صفحات وهي تتضمن تعيين أعضاء جماعتهم في مناصب كبيرة في الدولة، ولا تستثني أي مرفق حكومي.
ومن خلال متابعة سلسلة الضغوطات المحلية والإقليمية على الرئيس هادي من أجل العدول عن الاستقالة، يبدو أن هادي يحاول مقاومة تلك الضغوط ويرفض العودة إلى الحكم في ظل سيطرة الحوثيين على كل مفاصل الدولة.
عودة صالح من بوابة البرلمان:
في كل الأحوال، ماذا لو أصر الرئيس هادي على عدم التراجع عن قرار الاستقالة؟ هذا السؤال يجيب عليه الرغبة الجامحة لحزب المؤتمر الشعبي العام الذي يرأسه الرئيس السابق علي عبدالله صالح، المتهم أيضًا بمشاركة الحوثيين في الانقضاض على السلطة في اليمن وإفشال هادي وأحزاب اللقاء المشترك في إدارة المرحلة الانتقالية، حيث يطالب صالح وأنصاره بسرعة عقد جلسة طارئة لأعضاء البرلمان اليمني لسرعة الفصل في قرار استقالة الرئيس هادي، وطلب كتلة المؤتمر بالموافقة الفورية على قبول الاستقالة، وبالتالي من الطبيعي أن ينتقل الحكم دستوريًا إلى رئيس البرلمان لفترة 60 يومًا يتم التحضير فيها لانتخابات جديدة بحسب المادة (116) من الدستور اليمني النافذ[5].
في حال تمت الموافقة على هذا الخيار، فإن الرئيس السابق علي عبدالله صالح سيعود إلى الحكم عبر بوابة البرلمان، ليس بالضرورة أن يعود رئيسًا على كرسي الحكم، لكنه سيكون الموجه الأول للرئيس الانتقالي الجديد اللواء يحيى الراعي الذي يشغل منصبًا رفيعًا في حزب المؤتمر الشعبي العام وعضو اللجنة العامة، ومن المقربين والأشد ولاءً لصالح.
أما بالنسبة لأحزاب اللقاء المشترك، فإنها ما زالت متمسكة بشرعية الرئيس عبدربه منصور هادي، ويقف خلفها عدد من التيارات السياسية التي ترى أنه لا خروج آمن من المشهد الحالي إلا بعودة هادي بمهام حقيقية وسلطة واقعية يمارسها خلال فترة لا تقل عن ستة أشهر للإعداد لانتخابات رئاسية جديدة.
أما حزب صالح، فإنه ينشد العودة، والعودة الفورية بقبول استقالة هادي، وتمكين رئيس البرلمان يحيى الراعي من رئاسة الدولة، وبالتالي بدء عودة الجماهير المؤتمرية التي انضمت إلى أسراب الحوثي في هجماته العسكرية على صنعاء وعدد من المحافظات اليمنية الشمالية. وهو الأمر الذي تؤكده الكثير من الحقائق الواقعية على الأرض. حيث إن أبرز الوجوه التي كانت تقود المواجهات وتقتحم المنازل والمؤسسات العامة والخاصة، وتجتاح المدن، كانت محسوبة على المؤتمر الشعبي العام، وبعضها أسماء رفيعة في قيادة هرم مؤسسة المؤتمر الشعبي العام من رؤساء فروع وأعضاء في اللجنة العامة إلى أعضاء فاعلين ونواب في البرلمان والشورى، بل وتم تعيين البعض الآخر منهم في مناصب رفيعة بالدولة في المدن التي تمت السيطرة عليها تحت لافتة الحوثيين، وبموافقة ومباركة من الحوثيين أنفسهم.
مجلس رئاسي عسكري
من ضمن الخيارات التي تجد تحمسًا كبيرًا من قبل جماعة الحوثي وبعض التيارات الأخرى الموالية للجماعة، هو تشكيل مجلس عسكري رئاسي لإدارة المرحلة الانتقالية القادمة إلى حين الإعداد للانتخابات الرئاسية.
بالنسبة لجماعة الحوثي، فقد أدركت حجم الفخ الذي نصبه لها الرئيس السابق علي عبدالله صالح، حيث استطاع الرجل أن يؤثر في القرار الحوثي عبر دخول الكثير من قيادات المؤتمر في مشروع الحوثي التوسعي، وإعلانهم الطاعة لزعيم الحوثيين ظاهريًا، في حين أنهم كانوا يمررون خطة عودة صالح إلى الحكم من جهة، ويسعون لإفشال قوى الثورة في إدارة المرحلة الانتقالية بنجاح، وبالتالي دعوة الشعب للحنين إلى زمن صالح القديم.
ويبدو واضحًا أن جماعة الحوثي ترفض خيار قبول استقالة الرئيس هادي عبر البرلمان، ويكمن ذلك من خلال معرفتهم أن الأغلبية في البرلمان ستكون من نصيب صالح (حزب المؤتمر)، وبالتالي صعود رئيس مجلس النواب المحسوب على كتلة صالح إلى الحكم، ولذلك سارع الحوثيون إلى إطلاق تصريحات تؤكد عدم مشروعية البرلمان، وأنه فاقد للشرعية كونه تخطى الزمن الدستوري الممنوح له، ومضى عليه أكثر من 12 عامًا.
وأعلن الحوثيون بكل صراحة، أنهم سيسعون إلى تشكيل مجلس رئاسي من المكونات الثورية والسياسية الشريفة، على أن يمثل فيه الجيش وقوى الأمن واللجان الشعبية التابعة للحوثين.
وقال عضو المكتب السياسي للحوثيين علي العماد «نحن بصدد تشكيل مجلس رئاسي ولا نعترف بشرعية البرلمان، مؤكدًا أن المجلس سيتشكل من الجيش واللجان الشعبية وأحزاب سياسية»[6].
لكن يبدو أن الأطراف الخارجية والأغلبية المحلية لا ترغب في تشكيل مجلس رئاسي، كونها تعرف أن الحوثيين سيسعون للسيطرة عليه، وفرض أجنداتهم بقوة تواجدهم العسكري في كل مؤسسات الدولة، وبالتالي هناك صعوبة كبيرة في الموافقة على فكرة المجلس الرئاسي.
صراع الانقلابيين:
ولعل من ضمن السيناريوهات المتوقعة في حال رفض هادي التراجع عن الاستقالة، وأصر حزب المؤتمر الشعبي العام على صعود رئيس السلطة التنفيذية للحكم بعد قبول استقالة هادي من أغلب أعضاء البرلمان، لعل ذلك قد يفتح باب الصراع بين جماعة الحوثي وحزب صالح، وبالتالي فض جميع الاتفاقات والتفاهمات التي كانت تُدار في الغرف المغلقة بين الطرفين.
من غير المستبعد أن يسعى صالح للانقلاب على الحوثيين الذين سهلوا له الطريق في العودة إلى الحكم بهذه الطريقة، ومن الطبيعي أن يرفض الحوثي صعود صالح على حسابه، وخروجه من المولد كما يقولون بلا حمص بعد كل التضحيات التي قدمها في سبيل وصوله إلى هذه المرحلة.
ثورة تقتلع الحوثي:
يعرف الحوثيون أنهم لا يمتلكون القاعدة الشعبية التي تمكنهم من ممارسة السلطة بسهولة، إذ إن نسبة كبيرة من الشعب اليمني يرفضون تواجدهم المسلح في المدن، وسيطرتهم على مؤسسات الدولة، ويرفضون الانقلاب على سلطات الدولة الشرعية، والتحكم في القرار السياسي بممارسة أعمال التخويف والاعتقالات غير القانونية والزج بالكثير من السياسيين والإعلاميين والناشطين في السجون الحوثية.
كما أن الكثير من المتابعين للأحداث في الساحة، حتى من المواطنين البسطاء يعرفون طبيعة توسع الحوثيين على المدن الشمالية، ويعرفون أن الحوثي لم يكن يستطيع الوصول إلى أسوار القصر الرئاسي إلا بمباركة ودعم أنصار الرئيس السابق علي عبدالله صالح، والجنود التابعين له في الألوية والوحدات العسكرية التي يدين قادتها بالولاء لصالح، بالإضافة إلى أن الشعب رفض مواجهة عنف الحوثيين بعنف مثله، كي لا تصل الأمور إلى درجة الاحتراب الأهلي، والشحن الطائفي على السياق نفسه الذي يجري في العراق.
أضف إلى ذلك، وعي الكثير من القوى السياسية التي توارت عن المشهد، وجنبت أفرادها عدم مصادمة المليشيات الحوثية، بعد أن قرأت علامات الخيانة الداخلية في السلطة والتي مكنت الحوثيين من التوغل في أنحاء المحافظات الشمالية، والسيطرة على مجمل القرار في الدولة.
لكن الوضع الذي تعيشه العاصمة صنعاء وبعض المدن اليمنية، يكشف عن عودة تدريجية لإعلان الرفض الشعبي الكامل للمليشيات المسلحة، حيث تشهد العاصمة ومدن يمنية أخرى مظاهرات كبيرة بشكل يومي، للمطالبة بخروج المليشيات الحوثية، وممارسة السلطة الشرعية لأعمالها بدون أي ضغط أو تدخل من الحوثيين.
ونستطيع القول إن ما نشاهده الآن من مظاهرات شبابية هزت كيان المليشيات المسلحة يمثل بادرة ثورة شبابية شعبية لرفض الانقلاب الحوثي على السلطة الشرعية في البلاد. وهو الأمر الذي أزعج الحوثيين كثيرًا حيث عملوا على قمع تلك التظاهرات واعتقال الكثير من ناشطيها، وزجهم في السجون، وتلك من أولى علامات الثورات.
ماذا عن الدور السعودي؟!
يبقى السؤال الذي يطرح نفسه في ظل المعطيات الحالية.. هل لا يزال الدور السعودي نافذًا في اليمن كما كان منذ رعايته للمصالحة بين الجمهوريين والملكيين في نهاية الستينات من القرن الماضي، والتي أنهت حقبة من الحروب الأهلية بعد ثورة سبتمبر 1962م في شمال اليمن، وحتى رعايته للتسوية السياسية التي عُرفت بالمبادرة الخليجية بعد ثورة فبراير 2011م، والتي وُقعت في الرياض بين نظام علي عبدالله صالح وأحزاب المعارضة[7].
لكن بعد سيطرة الحوثيين على السلطة في اليمن من الصعب علينا التنبؤ بطبيعة هذا الدور، وهل لا يزال قائمًا بالدرجة نفسها من الفاعلية، خصوصًا بعد تصريحات مسؤولين إيرانيين، بالقول إن عاصمة عربية رابعة (صنعاء) أصبحت الآن في الفلك الإيراني مع بغداد ودمشق وبيروت.
لكن من الصعب تصور خروج الدور السعودي من لعب أدوار مهمة في العملية السياسية في اليمن، فالسعودية لا تزال تملك الكثير من خيوط التحالفات، وتستطيع أن تنسج خيوطًا جديدة، ولكن برؤية حديثة تناسب تطورات الأحداث.
ومن الطبيعي أن تُـلقي السعودية بكامل ثقلها على اليمن، فقد أصبحت هدفًا مباشرًا على المدى المنظور مما حصل في اليمن، ومهما كانت الأسباب التي غيبت دورها فيما ما مضى، إلا أنها أمام دور مفترض ليست مُخيرة تجاهه.
لا تزال المملكة تملك الكثير من الأوراق، القبلية، والسياسية، والدينية، والاجتماعية، والجغرافية، للعب دور محوري في اليمن، يضمن عدم انهيار البلد، واتجاهها العكسي نحو طهران بكامل ثقلها السياسي والعسكري والقبلي.
مهما كانت الصدمة مربكة للفاعلين السعوديين، بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء، إلا أن المملكة لا تزال قادرة على الفعل والتأثير على مجريات الأحداث في اليمن، ويظهر ذلك من خلال اعتكاف الساسة السعوديين على وضع إطار جديد من شأنه أن يعزز قدرتها على استعادة دورها الفاعل في المشهد اليمني.
«الإعلان الدستوري».. اكتمال الانقلاب الحوثي:
أكمل الحوثيون انقلابهم على السلطات الشرعية في اليمن بعد إصدارهم «إعلانًا دستوريًا» عصر الجمعة الموافق 6 فبراير 2015م، قضى بموجبه حل السلطة التشريعية المنتخبة (البرلمان)، وتشكيل مجلس وطني بديل عنه مكون من 551 عضوًًا، ومجلس رئاسي من خمسة أعضاء ينتخبهم المجلس الوطني وتصادق على انتخابهم اللجنة الثورية التي ينتمي كل أفرادها لجماعة الحوثي، وتشكيل حكومة جديدة وفترة انتقالية من عامين تمهد لانتخابات رئاسية وبرلمانية.
ونص الإعلان على أن تتفرع عن اللجنة الثورية لجان ثورية في المحافظات والمديريات في أنحاء الجمهورية. وأعطت الأحكام العامة والختامية للإعلان الدستوري «اللجنة الثورية» التابعة للحوثيين اختصاصات واسعة وكبيرة، منها اتخاذ كافة الإجراءات الضرورية لحماية سيادة الوطن وأمنه واستقراره وحماية حقوق وحريات المواطنين، وتحديد اختصاصات المجلس الوطني ومجلس الرئاسة والحكومة بقرار مكمل للإعلان تصدره اللجنة الثورية.
كما ينص الإعلان على أن تعمل سلطات الدولة الانتقالية المشكلة من الحوثيين خلال مدة عامين على إنجاز استحقاقات المرحلة من مرجعيتي الحوار الوطني واتفاق السلم والشراكة، ومراجعة مسودة الدستور الجديد وسن القوانين التي تتطلبها المرحلة التأسيسية والاستفتاء على الدستور تمهيدًًا لانتقال البلاد إلى الوضع الدائم وإجراء الانتخابات النيابية والرئاسية وفقًا لأحكامه.
وتأتي هذه الخطوة الانفرادية من جماعة الحوثي التي تطلق على نفسها اسم «أنصار الله» بعد تعثر المفاوضات التي يجريها مندوب الأمم المتحدة إلى اليمن جمال بنعمر في التوصل إلى اتفاق بخصوص إنشاء مجلس رئاسي لإدارة المرحلة الانتقالية، لكن تعنت الحوثيين وسيطرتهم على العاصمة صنعاء بقوة السلاح ووضع أيديهم على الزناد جعل الكثير من القوى السياسية تتخوف من مشاركتها في الحوار مع الحوثيين، كون المسلحين الحوثيين يسيطرون على سلطات الدولة الفعلية ويقمعون التظاهرات السلمية التي تطالب بخروجهم من المدن، ويفرضون الإقامة الجبرية على رئيس الجمهورية المستقيل عبدربه منصور هادي، ورئيس وأعضاء الحكومة المستقيلة.
ويرى خبراء القانون أن «الإعلان الدستوري» الذي أصدره الحوثيون لا يمكن تسميته إلا بوصف «بيان فرض الأمر بالقوة»، ولا يجوز أن يطلق عيه «بيان دستوري»؛ لأن البيان الدستوري لا يصدر إلا من جهة دستورية المنشأ أو القرار، في حين أن جماعة الحوثي لا دستورية لها.
في حين يرى الكثير من المحللين السياسيين في اليمن أن إقدام الحوثيين على خطوة إصدار «إعلان دستوري» يعد انتحارًا سياسيًا، كونه عملًا انفراديًا يُقصي كل الأطراف السياسية ولن يحظى بقبول إقليمي ودولي.
ويقول المراقبون إن ما قام به الحوثيون من إعلان دستوري بشكل منفرد، يعد مغامرة كبيرة وقفزة للمجهول، كون هذه الخطوة اتخذت في ظل ظروف داخلية وخارجية معقدة سيكون لها انعكاسات سلبية للغاية على جماعة الحوثي بشكل خاص وعلى اليمن بشكل عام.
وأكد المراقبون أن اتخاذ هذه الخطوة من قبل الحوثيين بعيد عن العملية السياسية الجارية في البلد، والتي كانت تحظى بشرعية وقبول من كافة الأطراف، إذ إن هذا الإعلان سيضع الحوثيين في حالة تصادم مع الجميع، خاصة أن الجماعة لا تسيطر إلا على بعض أجزاء من البلاد.
ومن خلال متابعة مجريات الحفل الذي أقامه الحوثيون في «القصر الجمهوري» المحتل من المليشيات المسلحة، يظهر أن تشكيلة الحضور كانت من طرف واحد محسوب على الجماعة، سوى حضور بعض وزراء الحكومة المستقيلة من بينهم وزير الدفاع اللواء الصبيحي ووزير الداخلية اللواء جلال الرويشان، اللذين كانا يخضعان للإقامة الجبرية والحراسة المشددة من المسلحين الحوثيين.
وبمجرد انتهاء حفل وإذاعة «الإعلان الدستوري» شكل الحوثيون لجنة أمنية عليا برئاسة وزير الدفاع المستقيل اللواء الصبيحي، وعضوية وزير الداخلية اللواء الرويشان وعدد من قادة الجيش المحسوبين على الجماعة نفسها، وبعض القياديين العسكريين للجماعة من بينهم القائد الميداني للجماعة أبو علي الحاكم الذي وضعه مجلس الأمن في قائمة العقوبات الدولية مع زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي والرئيس السابق علي عبدالله صالح.
رفض شعبي «للإعلان الانقلابي»:
بمجرد أن بدأت الوفود الحوثية تصل إلى صالة القصر الجمهوري بصنعاء، أعلنت المحافظات اليمنية رفضها الكامل لما أقدم عليه الحوثيون من خطوة انفرادية تمثل حجم الإقصاء الذي تمارسه جماعة الحوثي على معظم القوى السياسية الكبيرة في البلد.
وخرجت تظاهرات غاضبة في مدينة تعز، وإب، والحديدة، وصنعاء، وذمار، ومدن أخرى تعلن رفضها الكامل للإعلان الدستوري الذي أصدره الحوثيون، حيث وصفوا ذلك الإعلان بـ«الانقلابي».
واعتبر المتظاهرون هذا الإعلان انقلابًا على الشرعية الدستورية في البلاد، في حين أعلنت سلطات المحافظات الجنوبية والشرقية رفضها التعامل مع سلطات صنعاء التي تسيطر عليها جماعة الحوثي حتى يتم إعادة مسار التسوية السياسية إلى مسارها الصحيح.
أما المعارضة اليمنية بالخارج فقد عبرت عن موقفها الرافض بشكل قاطع للإعلان الدستوري الحوثي، معتبرة ذلك أمراً كارثيًا. ووصفت المعارضة هذا الإعلان «بالانقلاب الدستوري المكتمل الأركان على اليمن وشعبه وكل مقومات الدولة والبلد».
وأضافت في بيان صحفي أن «أي موقف أحادي من قبل جماعة الحوثي تجاه مجلس رئاسي أو إعلان دستوري بصورة منفردة، فإنه لا يوصف سوى بأنه إعلان حرب على الشعب اليمني بأسره ومصيره ويتعارض مع مطالبه وطموحاته ببناء يمن آمن ومستقر ومستقبل مزدهر لأجياله».
وأعلن شباب ثورة فبراير 2011 موقفهم الرافض لهذا الإعلان الدستوري، حيث أصدر مجلس شباب الثورة الشبابية الشعبية السلمية بيانًا، يرفض الإعلان الدستوري جملة وتفصيلًا، واصفًا إياه بالاغتصاب للسلطة ومصادرة إرادة اليمنيين، معتبرًا تلك الخطوة هستيرية واستهتارًا بالغًا بتاريخ الشعب اليمني.
واعتبر شباب الثورة أن إعلان الحوثي يعد «اغتصابًا لحق اليمنيين في اختيار حكامهم ومصادرة لحرياتهم ومستقبلهم، وهو ما سوف يرفضه الشعب اليمني الذي لن تتحكم في مصيره قلة تحكمها نزعات السيطرة والهيمنة».
أما الحزب الناصري وحزب الرشاد اليمني فقد أعلنا باكرًا من أول وهلة، رفضهما القاطع لأي قرار يتخذه الحوثيون بشكل منفرد، معلنين رفضهم لهذا للإعلان الدستوري الذي وصفوه بالانقلابي، في حين تستمر بيانات الرفض والإدانة من القوى السياسية الوطنية المؤثرة في البلد، والتي تكشف عن حجم الرفض الشعبي والسياسي الكبير للانقلاب الحوثي على سلطات الدولة الشرعية، بالإضافة إلى الرفض الإقليمي والدولي للانقلاب على السلطات الدستورية في اليمن.
أما بالنسبة للقوى الكبيرة في المجتمع اليمني والممثلة بحزبي الإصلاح الإسلامي المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين، وحزب المؤتمر الشعبي العام الذي يقوده الرئيس السابق علي عبدالله صالح، فقد أعلنا رفضهما القاطع للإعلان الدستوري الذي أعلنه الحوثي، حيث اعتبر المؤتمر هذا الإعلان تعديًا على الشرعية، مؤكدًا رفضه الكامل للإعلان الدستوري الحوثي، معتبرًا أنه جاء مخالفًا للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني المتوافق عليها، واتفاق السلم والشراكة الوطنية.
وفي الوقت نفسه، أعلنت الأمانة العامة لحزب الإصلاح رفضها للخطوة الأحادية ممثلة بإصدار الإعلان الدستوري وما يترتب عليها من تداعيات.
وأكد الإصلاح أنه لا حل إلا بإلغاء كافة الخطوات الانفرادية والعودة للحوار، باعتبار التوافق الوطني هو الطريق الوحيد لحل الأزمة الحالية، وكل المشكلات والاختلافات الحاصلة أو التي قد تحصل.
:: مجلة البيان العدد 333 جمادى الأولى 1436هـ، فبراير - مارس 2015م.
[1] قدم الحوثيون قائمة وظائف كبيرة تشمل حصولهم على جميع نواب الوزارات ووكلاء المالية، ونائب رئيس الجمهورية ومدير مكتبه، ونائب رئيس الوزراء وأمين عام رئاسة الوزراء ومناصب كبيرة أخرى.. التفاصيل على الرابط التالي:
http://www.yemensaeed.com/news24151.html
[2] للاطلاع أكثر يرجى الرجوع إلى تحليل للكاتب اليمني ياسين التميمي في موقع «عربي 21» على الرابط التالي: (http://t.arabi21.com).
[3] الجزيرة نت، الحوثي: طموحاتنا لا حدود لها والخيارات مفتوحة.
[4] الجزيرة نت، الحوثيون يعتزمون تشكيل مجلس رئاسي بعد استقالة هادي.
[5] ارجع إلى موقع «مندب برس»، البرلمان اليمني.. من الهامش إلى التربع على كرسي الرئاسة.
[6] راجع تصريحات الحوثيين في تقرير على «الجزيرة نت» بعنوان: «الحوثيون يعتزمون تشكيل مجلس رئاسي بعد استقالة هادي».
[7] للمزيد، اطلع على مقال بعنوان: «هل أنهى الحوثيون الدور السعودي في اليمن» على الرابط:
( http://yemen-press.com/news37011.html ).