• - الموافق2025/01/31م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
هل تشتعل حرب بين تركيا والكيان الصهيوني  على الأراضي السورية؟

وقد تلخَّص الموقف الرسمي السوري الحالي من الاحتلال الصهيوني، في زوال مُبرِّرات التوسع الصهيوني الأخير في الأراضي السورية. وفي المطالبة بالعودة لاتفاقية فَصْل القوات الموقَّعة في عام 1974م، والتشديد على ضرورة وجود قوات من الأمم المتحدة للفصل بين الطرفين عل


سجَّلت الإدارة السورية الجديدة أول تحرُّك سياسي ودبلوماسي لها، تجاه عملية توسيع القوات الصهيونية مساحة توغُّلها واحتلالها في الأراضي السورية.

وهو تطوُّر كشف عن مساندة واضحة من تركيا وقطر لموقف تلك الإدارة، وطرَح تساؤلات حول خطة تعامل الإدارة السورية الجديدة مع الاحتلال الصهيوني القديم والجديد مستقبلاً، وحول احتمالات أن يحدث صدام تركي صهيوني على الأراضي السورية.

لقد تحدَّث «أحمد الشرع» قائد الإدارة السورية الجديدة، بعد استقباله رئيس مجلس الوزراء وزير خارجية قطر قائلاً: «إسرائيل تقدَّمت في المنطقة العازلة بذريعة وجود مليشيات إيرانية، وهذا العذر لم يَعُد قائمًا بعد تحرير دمشق». وحدَّد موقف إدارته بقوله: «مستعدّون لاستقبال قوات أُممية في المنطقة العازلة؛ لعودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل التقدُّم الإسرائيلي».

وكان لافتًا أن أردف مشددًا، على أنّ «قطر لها دور أساسي ضد التقدُّم الإسرائيلي في سوريا، وستقوم بدور فاعل في الأيام القادمة»، مشددًا على أن إدارته أبلغت الأطراف الدولية باحترام سوريا اتفاقية 1974م، واستعدادها لاستقبال القوات الأممية وحمايتها».

وقد عقَّب رئيس الوزراء القطري داعمًا ما ذكره الشرع؛ فقال: إن «استيلاء إسرائيل على المنطقة العازلة بالجولان مُدان، ويجب أن تنسحب منها فورًا».

وفى حالة مشابهة على صعيد نفس الموقف، لكن باتجاه دعم تركيا هذه المرة؛ فقد تحدَّث وزير الخارجية السوري خلال زيارته ولقائه وزير الخارجية التركي، قائلاً: «أكدّنا التزامنا باتفاقية عام 1974م التي تنص على نشر قوات فاصلة بين الأراضي السورية والحدود الإسرائيلية، وهذا يسمح للطرفين بالحفاظ على أمنهما تحت إشراف دولي».

تلك التصريحات جرى إطلاقها بعد يومين من إطلاق الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» تصريحات -خلال مؤتمر لحزب العدالة والتنمية الحاكم-، طالَب فيها إسرائيل بالانسحاب من أراضٍ احتلتها داخل سوريا. وقد شدَّد أردوغان في تلك التصريحات على هذا الموقف قائلاً: «إن على إسرائيل، أن تُوقف فورًا الأعمال العدائية على الأراضي السورية، وإلا فإن النتائج سيكون لها تأثير سلبي على الجميع».

اتضح الموقف السوري الرسمي إذن، وبات المتابعون أمام أول ردّ فِعْل تجاه قيام القوات الصهيونية بالتوغُّل في الأراضي السورية خلال اللحظات الأولى لسيطرة قوات المعارضة على دمشق.

وجاء إطلاق الموقف الرسمي السوري تحت ظلال الدعم السياسي من قطر وتركيا، بما يشير إلى عُمق دَعْم البلدين للتغيير في سوريا، والوقوف خلف الإدارة الجديدة في مواجهة التحديات الخارجية لا الداخلية فقط.

وقد تلخَّص الموقف الرسمي السوري الحالي من الاحتلال الصهيوني، في زوال مُبرِّرات التوسع الصهيوني الأخير في الأراضي السورية. وفي المطالبة بالعودة لاتفاقية فَصْل القوات الموقَّعة في عام 1974م، والتشديد على ضرورة وجود قوات من الأمم المتحدة للفصل بين الطرفين على «الحدود».

وفي ذلك، لم يتطرَّق الموقف الرسمي السوري إلى المطالبة باستعادة الجولان السوري المحتل، كما لم يتحدث الموقف الرسمي السوري، عن بدائل وأساليب أخرى للتعامل مع الموقف الصهيوني حال رفضه الانسحاب من الأراضي التي احتُلَّت مؤخرًا.

وهكذا، فنحن أمام تطوُّر يُظهر أن الإدارة السورية الجديدة، قد انتقلت من تركيز أولويات تحركها على التعامل مع التحديات الداخلية المباشرة، وتحوَّلت للتحرُّك باتجاه الوجود الأجنبي على الأرض السورية. وهذا التحرُّك يعكس إدراك الحكم الجديد لضرورات الحركة التدرُّجية في مواجهة هذا التحدي، ويظهر أن هذه الإدارة تُميِّز بين ما كان قائمًا من احتلال وقواعد أجنبية خلال الحكم السابق، والتغيير المستجدّ خلال فترة عمليات السيطرة على الحكم.

 فهل نحن -فعليًّا- أمام بداية خطة ممنهجة للتحرُّك في التعامل مع الاحتلال الصهيوني؟ وما حدود وطبيعة حركة تركيا في مواجهة الاحتلال الصهيوني حال رفضه المطالبات السورية؟ باعتبارها الدولة الراعية لعملية التغيير التي شهدتها سوريا والمساندة لها، والمنوط بها إعادة تسليح الجيش السوري الجديد، ومن قبل ومن بعد، بحكم أن تركيا مُعرَّضة لتهديدات متعدّدة لأمنها القومي؛ بسبب الوجود والدور الصهيوني في سوريا.

 

تعدُّد الاحتلالات وتعدُّد الخطط

بحدوث التغيير في سوريا، باتت الإدارة الجديدة في مواجهة أشكال وأنواع متعددة من التحديات. وقد بدا مُلاحظًا -وهو أمر طبيعي- أن ركّزت الإدارة تحركاتها في البداية على مواجهة المُهدِّدات المباشرة، مثل الانفلات الأمني، وضرورة إعادة تأسيس أجهزة الأمن والجيش، ونزع سلاح الميلشيات وحلها ودمجها في الجيش الجديد، والتعامل مع المشكلات المجتمعية المتعلقة بتوفير الغذاء والنفط والكهرباء؛ للتخفيف عن أفراد المجتمع.

وهكذا جاءت التصريحات الأخيرة بشأن الأراضي السورية المحتلة من الجيش الصهيوني، لتظهر أن الإدارة الجديدة بدأت الالتفات لمواجهة قضية الوجود العسكري الأجنبي على الأرض السورية، وأنها تُمايز في حركتها بين وجود القوات الأمريكية والروسية من جهة، فتُؤجّل الحوار أو الصراع بشأنها، والوجود الصهيوني الذي يُمثّل احتلالًا مباشرًا بالقوة من جهة أخرى. وأنها تمايز أيضًا بين الأراضي السورية المحتلة منذ حرب أكتوبر 1973م، وتلك الأراضي التي احتلتها القوات الصهيونية خلال العمليات العسكرية التي خاضتها المعارضة لإسقاط النظام وتثبيت الحكم الجديد.

لقد قامت القوات الصهيونية خلال أيام المعركة الأخيرة -التي نتج عنها إسقاط النظام-، بتكثيف ضرباتها الجوية على الأراضي السورية؛ بهدف تدمير كل ما كان متوافرًا لدى الجيش السوري القديم من طائرات وذخائر وقواعد دفاع جوي ومعسكرات، كما قامت باحتلال جبل الشيخ والتقدُّم في محافظة القنيطرة، والوصول والتمركز على بُعْدٍ لا يزيد عن 30 كيلو مترًا من العاصمة دمشق.

وقد أظهرت التصريحات التي صدرت من الإدارة الجديدة أنها تُركِّز على العودة إلى ما كان عليه الوضع خلال حكم النظام السابق على الحدود السورية وفلسطين المحتلة. وهذا الموقف بحدوده المُعلَن عنها يحظى بدعم تركي وقطريّ، يُوفِّر غطاءً لاحتمالات تصعيد موقف الإدارة الجديدة؛ إذ جاءت نبرة تصريحات ومُحدّدات الموقفين التركي والقطري أعلى من نبرة ومحددات الموقف السوري.

وفي ذلك كان مُلاحظًا، عدم ظهور أيّ مؤشرات أو نوايا لقُرْب تحرُّك الإدارة بشكل مباشر -ولو على صعيد القانون الدولي-، تجاه القواعد وأشكال الاحتلال الأخرى للأرض السورية، وهو ما يعني أن هذا الملف مؤجَّل إلى حين.

لقد مثَّل استدعاء القوى الدولية وإقامة قواعد عسكرية لها على الأرض السورية أحد أخطر الأوراق التي اعتمدها النظام السابق لمساندته في حرب البقاء عبر خلط الأوراق وفتح مساحات لمصالح دول كبرى على الأرض السورية.

وإذا كان التغيير في سوريا، قد جاء تغييرًا للنظام وتحريرًا لأراضي سوريا من الاحتلال الإيراني وميلشياته؛ فقد أصبح السؤال التالي المُلِحّ هو: ماذا لو لم تنسحب القوات الصهيونية -التي مثلت الطرف الآخر في الصراع مع إيران-، ورفضت العودة إلى ما كان قائمًا وفق اتفاقية عام 1974م؟ وما هي طبيعة وآفاق الجهود التركية الداعمة للنظام الجديد في تلك القضية تحديدًا؟

 

تركيا في مواجهة الكيان الصهيوني

بات من نافلة القول: إن الإدارة السورية الجديدة تُدرك الأبعاد الكلية لقضية القواعد الأجنبية على أرضها، وأنها تدرك طبيعة الأدوار الداخلية التي تلعبها تلك القواعد، كما هو الحال في دور القواعد الأمريكية في السيطرة على النفط السوري، وعلى مناطق سلة الغذاء في الحسكة، وكيف أن تلك القوات تضغط بوجودها ودعمها لتنظيم «قسد» المسلَّح للإمساك بورقة التفكيك. وكذا الحال للقاعدة الروسية التي توجد على الساحل السوري؛ حيث البيئة الطائفية التي ساندت النظام السابق. كما تدرك مدى الأدوار الإقليمية والدولية التي تلعبها تلك القواعد في الإقليم.

وتشير الوقائع إلى أن إنجاز تحرير سوريا من الوجود الإيراني، طرَح السؤال حول الطرف الآخر المباشر في معادلات الصراع التي كانت جارية؛ إذ كان الطرف الصهيوني يتعلل بالوجود الإيراني لاستمرار القصف لسنوات على الأراضي السورية، ولكنه استمر في هذا القصف بعد التغيير، واحتل أراضي سورية جديدة؛ ولذا رأت الإدارة السورية الجديدة ضرورة إعلان رفضها لما قامت به القوات الصهيونية.

ومن هنا، فالسؤال المحوري يدور حول الموقف والدور التركي في تلك المواجهة لأسباب متعددة. فتركيا هي الداعم الأكبر للإدارة الجديدة، وهي مَن تتولى أهم القضايا وأكثرها حساسية، وعلى رأسها: إعادة تأسيس الجيش السوري الجديد وتسليحه، والأهم لأن لدى تركيا دوافع لإخراج النفوذ والوجود الصهيوني باعتباره يُمثل تهديدًا للأمن القومي التركي.

كما أن تركيا تنظر للكيان الصهيوني كداعم للمجموعات الكردية الانفصالية المسلحة، التي تعتبرها تركيا جماعات إرهابية تستهدف تفكيك تركيا لا سوريا فقط. وتركيا ترى أن التوسع الصهيوني في جنوب سوريا هو بداية لمخطط صهيوني لإنشاء ما أطلق عليه الإعلام التركي «ممر ديفيد»؛ لربط الوجود الصهيوني في جنوب سوريا بالمناطق التي تسيطر عليها تلك المجموعات في شرق سوريا، وهو ما يقسم البلاد من جهةٍ، ويُشكِّل دفعة سياسية وعسكرية للمجموعات الكردية المسلحة، وينقل التهديد الصهيوني إلى الحدود الجنوبية التركية، من جهة أخرى.

وقد كان هذا التقدير خلف ما قاله الخبراء من أن الأهم في التغييرات الإقليمية التي نتجت عن سقوط بشار أن أصبحت تركيا في قلب المواجهة المباشرة مع الكيان الصهيوني.

 

الصدام التركي الصهيوني

كانت سوريا قبل التغيير ساحة للصراع على النفوذ والسيطرة في الإقليم بين إيران والكيان الصهيوني.  والآن أصبحت سوريا ساحة للصدام المباشر بين تركيا والكيان الصهيوني مع اختلاف طبيعة الصراع بطبيعة الحال.

فسوريا الحالية والقادمة -من وجهة النظر الصهيونية- عنوان مُهدِّد للكيان الصهيوني؛ إذ تتنامى التخوفات الصهيونية من أن تمثل السلطة القائمة الآن بدايةً وأساسًا لتحوُّل سوريا إلى دولة مركزية قوية وصاحبة رؤية عقائدية في الصراع مع الكيان الصهيوني مستقبلاً.

كما يتخوَّف الكيان الصهيوني من قيام تحالف تامّ بين تركيا وسوريا، يتمدّد بتأثيراته الإستراتيجية إلى لبنان والأردن والعراق وفي شرق المتوسط، سواءٌ على الصُّعد السياسية أو العسكرية، أو على صعيد خرائط القوة والنفوذ بمؤثراتها على رسم حركة تقسيم الغاز في شرق المتوسط على حساب هيمنة ولصوصية الكيان الصهيوني.

وفي المقابل، فهناك مخاوف تركية تنظر للدور والوجود الصهيوني على أرض سوريا باعتباره مهددًا لأمنها القومي.

والسؤال هنا: هل يقع الصدام وتشتعل الحرب؟

واقع الحال أن اندلاع حرب غير وارد الآن؛ لأسباب تتعلق بوضع سوريا الحالي، إذ هي في بداية مرحلة انتقالية، كما أنها تحاول الحصول على شرعية لنظامها السياسي، وتطمح إلى رفع العقوبات المفروضة على البلاد.

وكذا لأسباب تتعلق بتركيا التي تُواجه مشكلات حالية تتعلق بالجغرافيا والمُهدِّدات الماثلة على الحدود الجنوبية لتركيا.

ونفس الأمر بالنسبة للكيان الصهيوني الذي ليس بمقدوره الآن الدخول في حرب مع أيّ جهة -فما بالنا بجيش في وزن الجيش التركي-، بعد أن تعرَّض الجيش الصهيوني لإنهاك خطير في غزة ولبنان، وبحكم أن الكيان الصهيوني ما يزال عالقًا في أزمة تحدّي البرنامج النووي الإيراني.

لكنّ المؤكد أيضًا أن قرار الدخول في مثل تلك الحرب تحوطه اعتبارات كبرى ليس من السهل حلّها على المستوى المتوسط على الأقل.

فتركيا عضو في حلف الناتو، فيما الكيان الصهيوني دولة أَوْلَى بالرعاية في هذا الحلف، بما يُعقِّد مهمة اتخاذ قرار الحرب. كما أن للولايات المتحدة وروسيا قواعد على الأرض السورية، بما يجعل قرار الحرب حالة معقَّدة للغاية.

وما يتوقع أن يحدث خلال المرحلة الحالية، هو أن تتصاعد الضغوط السياسية والإعلامية بين الطرفين السوري والتركي من جهة، والصهيوني برعاية أمريكية مستترة من جهة أخرى.

كما يُتوقع أن تواصل تركيا والحكم الجديد في سوريا مناوراتهما وضغوطهما -وربما استخدام القوة العسكرية-، لتغيير الأوضاع السياسية في شمال سوريا، سواء بتفكيك المجموعات الكردية المسلحة أو بتقليص المساحات التي تسيطر عليها تلك المجموعات، وأن يجري بناء الجيش السوري الجديد على أُسُس تُمكّنه من الصمود والندية في مواجهة الجيش الصهيوني.

 كما يُتوقَّع أن تتحرك تركيا وسوريا -فور حصول النظام على مشروعيته الإقليمية والدولية-، نحو عقد اتفاق وتحالف إستراتيجي بين البلدين.

ويُتوقع في المقابل، أن يسعى الكيان الصهيوني إلى تطوير خطط تفكيك سوريا وتأجيج الصراعات في داخلها وكذلك داخل تركيا. كما سيسعى الكيان إلى فرض عقوبات على تركيا تحت أسباب وعناوين متعددة، وإلى تأجيل رفع العقوبات الغربية عن سوريا.

ويصل بعض الخبراء إلى القول بأن الكيان الصهيوني لن يتورع لاحقًا عن إقامة تحالف مع إيران ضد سوريا وتركيا، إذا نجح في إنهاء المشكلات المتعلقة بالبرنامج النووي.

 

  

أعلى