• - الموافق2024/11/21م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
التحرر من الحرية

لا شك أن لهذا الحراك الطلابي الغربي العديد من الفوائد لصالح القضية الفلسطينية في توقيته ونوعيته وأهدافه؛ فالعديد من المراقبين رأوا في هذا الحراك إعادةً لعَجَلة التاريخ؛ حيث كان للحراك الطلابي في الولايات المتحدة أثر كبير في وقف الحرب الأمريكية على فيتنام.


استحوذ الحراك الطلابي الداعم للفلسطينيين والمناهض للحرب الإسرائيلية على غزة على اهتمام كبير لأسباب كثيرة، من أهمها:

أولًا: لأنه لم يكن متوقعًا، وقد تجاوزت الحرب على غزة، بكل سوءاتها وفظائعها، ستة أشهر من القتل والتنكيل والتجويع، وكأن العالم قد اعتاد على هكذا مشهد!

ثانيًا: تُعدّ هذه الاحتجاجات سهمًا في كبد العالم الغربي المتشدّق بالحرية؛ فطلاب الجامعات الكبرى في الولايات المتحدة والغرب هم النُّخبة المستقبلية للمجتمع، وهم مادة الساسة والإعلاميين والبرلمانيين والمثقفين.

ثالثًا: أبطلت هذه الاعتصامات سردية المظلومية التي عملت عليها الصهيونية منذ عشرات السنين، حتى إنها نجحت في إصدار القوانين في أغلب الدول الغربية تمنع مجرد التفكير في طرح قضية الهولوكست أو اضطهاد اليهود تحت مجهر البحث العلمي.

ولا شك أن لهذا الحراك الطلابي الغربي العديد من الفوائد لصالح القضية الفلسطينية في توقيته ونوعيته وأهدافه؛ فالعديد من المراقبين رأوا في هذا الحراك إعادةً لعَجَلة التاريخ؛ حيث كان للحراك الطلابي في الولايات المتحدة أثر كبير في وقف الحرب الأمريكية على فيتنام.

كما أحدث هذا الحراك لدى كثير من المناصرين والمراقبين المؤيدين للقضية الفلسطينية في العالم العربي والإسلامي حالةً من النشوة والزهو، والشعور بقرب إعلان النصر؛ فأحد الأكاديميين العرب في جامعة مرموقة في الولايات المتحدة، وهو كاتب ومحلل سياسي رائد، تحدَّث عن أحداث غزة ودورها في تفكيك المنظومة الصهيونية المتحكّمة في الولايات المتحدة، ووصف ما فعلته غزة بالعالم بأنه انقلاب تاريخي في المفاهيم والسرديات والمواقف الغربية.

ورأى آخرون أن ما يحدث في الغرب ليس انتصارًا لغزة فقط، بل هو إعادة تشكيل للعالم الغربي من جديد، وإنهاء سرديات الظلم والنظرة الأحادية والكيل بمكيالين التي طالما عانت منها القضية الفلسطينية، وعانى منها المسلمون جميعًا في قضاياهم.

ويُبشِّر هؤلاء بأن هؤلاء الطلبة بعد عشر سنوات سيكونون هم قادة الرأي والوزراء والساسة.

وكأن علينا أن ننتظر عشر سنوات أخرى حتى يصل رئيس أو وزير في الولايات المتحدة الأمريكية أو الغرب ينظر للأمور بإنصاف فينصفنا!

ما زلنا ننتظر الإنصاف والعدل من الغرب بعد كلّ هذا الركام من القتل والتشريد والتهجير والحروب التي شُنَّت على دولنا وتقسيمها وتجزئيها والاستحواذ على خيرات بلادنا! ما زلنا نرى أن كرامتنا سنحصل عليها منهم حين يستفيقون من غفلتهم فيروننا بشرًا أمثالهم لنا أبسط الحق في الحياة!

إن قضية فلسطين أبدًا ليست كقضية فيتنام، صراع الغرب معنا هو صراع حضاري أكبر بكثير من بضعة كيلومترات يتنازل عن احتلالها، أو بعض مصالح يخسرها هنا أو هناك؛ كما في الحالة الفيتنامية.

إن انتصارنا في أيّ معركة مع الغرب حتى لو كانت في شكل رمزيّ سيرفع من قدرتنا وروحنا المعنوية تجاه تحقيق المزيد من الانتصارات، وسيُعيد لنا ثقتنا بأنفسنا وقدرتنا على إحداث خَرْق في هذا السوار الذي أحاطوه بنا.

إن هزيمة الغرب الحضارية تعني نزوله عن قيادة العالم لأمة أخرى أجدر منه، بعد ما تلظى العالم من ويلات تلك الحضارة، وليس المجال هاهنا للحديث عن خسائر العالم بانحطاط المسلمين.

لذلك فإن مظاهرات طلابية أو غير طلابية مهما بلغت من قوة وعنفوان لا تستطيع أن تُغيِّر بوصلة الغرب تجاه قضايانا، لا اليوم، ولا غدًا، ولا بعد عشر سنوات؛ لأنهم يُدركون أنه صراع حضاري وجودي.

ولنا أن نراجع مشاهد فضّ اعتصامات هذا الحراك الطلابي، كيف كانت القوة والعنف هو عنوانها، لم يَسْلم منها حتى اليهود، فتلك أستاذة أكاديمية يهودية بيضاء في جامعة مرموقة تنهال عليها عناصر الشرطة ضربًا وعنفًا، ويشدّون وثاقها أمام الكاميرات، ويقتادونها إلى المعتقل، وهو تَصرخ بهم وتُطلعهم على درجتها الأكاديمية، لا مكان هنا لدين، ولا درجة علمية، ولا سنّ، ولا كونها امرأة، ولا مكان لحرية تعبير أو غيره؛ كل تلك التابوهات تسقط، لا مكان لها الآن.

لنا أن نسعد ونتفاعل ونستفيد من كلّ التحركات؛ سواء مِن قِبَل المجتمعات طلبة أو غيرهم، أو أنظمتهم أو مؤسساتهم الدولية، لكن لا ينبغي أن يتسلل إلينا أبدًا الركون إلى هؤلاء، ولا يلامس خيالنا السياسي أن النصر من الممكن أن يأتي مِن قِبَلهم، لن يحدث هذا، فالحرية الغربية مشروطة بهم، وراجِع إن شئتَ ذاكرتك بسجون «جوانتانامو» أو «أبو غريب» يتضح لك الأمر.

لكن، حتى الحرية هذه فلتذهب إلى الجحيم، فقادتهم لن يمانعوا أبدًا أن تسقط تلك الحرية، ويتم سَحْق شعوبهم إن مَسَّت حقائق إستراتيجياتهم الكبرى وركائز وجودهم. فحريتهم لن تأتي بحريتنا أبدًا، كما أن نُصرتهم لا تأتي بانتصارنا.

  

أعلى