• - الموافق2024/11/23م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
شبابنا والثقافة

شبابنا والثقافة

 لماذا الشباب؟
لأنه قوة الأمـم في حاضـرها ومسـتقبلها، وكمـا قيل: يا معشر الشباب اعملوا! فإني رأيت العمل في الشباب هو القوة؛ فالشمس لا تملأ النهار في آخره كما تملؤه في أوَّله. هذه حقيقة نراها وكأنها تصـف لنا الإنسـان وتبيِّن أحواله وما يمر به: الشمس تبدأ أشعتها أول اليوم ضعيفة كإنسان في طفولته، فإذا انتصف اليوم اشتدت أشعتها كحال الشباب، ومع الغروب صارت كشيخ أوشك على الرحيل فضعفت أشعتها كما يضعف بنيان جسد الشيخ، ويؤكد القرآن الكريم هذا المعنى بقوله - تعالى -: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ} [الروم: ٤٥].
ولقد بيَّن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهمية النشأة الصحيحة للشباب وفضلَها، فقال: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله» وذكر منهم: «شاب نشأ في عبادة ربه»[1].
حقيقة المرحلة الشبابية:
المرحلة الشبابية هي فترة ما بين الصِّبا أو الطفولة وبين بلوغ الأشُد، وهي تتكون من المراهقة وبلوغ السعي، وهي أيضاً مرحله تحدث فيها تغيرات كثيرة، منها: البلوغ، وظهور الشخصية وتكوينها وسعي الإنسان لكي يتعامل مع المحيطين به على أنه رجل وأن يتوقفوا عن معاملته على أنه صغير، ويبدأ في هذه المرحلة السعي نحو تكوين الصداقة.
وفي هذه المرحلة تظهر تغيُّرات وقدرات كبيرة لدى الشباب: بدنية وجسدية وفكرية وسلوكية ونفسية وتديُّنية. وهذه القدرات الهائلة التي تنمو وتزداد سريعاً في فترة الشباب تتأثر كثيراً بالثقافة التي تسيطر عليها والعادات والتقاليد والبيئة التي ينمو فيها الشاب؛ لذا كان من الضرورة بمكان أن نهتم بعلاقة الشباب بالثقافة.
ما الثقافة؟
1 - طالما أن موضوع هذه المقـالة هـو الشـباب والثقافة فلا بد من تعريف الثقـافة حتى يمكننا تحديد المطلوب وما نهدف إليه، وفي الواقع فإن تعريف الثقافة من أعقد التعريفات، فالدكتور محمد عمارة يعرِّفها بأنها: «جماع المهارات التي تثمر عمران النفس الإنسانية وتسهم في تهذيبها وارتقائها على درب الـمُثُل والمقاصد والنماذج التي صاغتها وتصوغها العقائد والفلسفات التي يؤمن بها هذا الإنسان.
وبذلك نلاحظ اتساع دائرة مفهوم الثقافة حتى كأنها الهواء المعرفي والسلوكي، والمهني والبيئي، والشعوري وغير الشعوري، والخلقي والاجتماعي، والمتوارث والمكتسب والتراكمي. أقول: كأنها الهواء الذي يحوي هذا كله فيستنشقه الإنسان  مع  صفاته وأوصافه الشخصية فنراه على الحال التي تظهر لنا ويمكن تقسيم الثقافة من حيث الاتساعُ فنجد أن هناك:
- ثقافة بيئية محدودة تتميز بها كل مجموعة متقاربة من الناس يعيشون في مكان واحد.
- ثقافة عربية أو إسلامية، وهي التي تتصف بصفات عامة مستمَدة من البيئة العربية أو الإسلامية.
- ثقافة العولمة، وهي الآخذة في الانتشار السريع وراحت تفرض نفسها نتيجة للسماء المفتوحة لنقل المعلومات والسلوكيات من خلال القنوات الفضائية والشبكة الإلكترونية، ولم تؤثر هذه الثقافة في الجانب الأخلاقي فقط بل في النمط الاقتصادي والترفيهي كذلك، ونمط الملابس في كثير من بلدان العالم.
كيف تتكون الثقافة؟
باختصار، فإن الثقافة تتكون من كل ما يحيط بالإنسان: من بيئةٍ، وأهلٍ، وسماعٍ، ورؤى، وخبرات في الحياة مندمجةٍ مع صفاته وسلوكياته؛ ولذلك فإن قدرتنا على توجيه وتنقية مدخلات الثقافة هامة جداً؛ لإيجاد السلوك الصحيح للإنسان، خاصة في زمن هذا الصراع الذي نعيش فيه.
الإسلام دين ثقافة متكاملة:
ولعلنا لا نجد ثقافة متكاملة في مجالاتها المختلفة، وحقائقها العالية، تتعامل مع أطوار الإنسان، وتراعي بيئته، وتسمو بأخلاقه، وتعالج أمراضه، وترتقي بسلوكه، وغير ذلك من أوصافٍ أخرى عالية، إلا في الإسلام؛ وذلك لخصائصَ تميَّز بها: من الربانية والشمول والواقعية والمرونة؛ فهو يتعامل مع الإنسان باعتباره روحاً ومادةً، ويشرِّع له ما يناسبه فى كل أحواله (فرداً ومجتمعاً ودولة).
الثقافة الإسلامية:
في وسط الثقافات المختلفة التي تموج في هذه الحياة الدنيا، تقف الثقافة الإسلامية شامخة الرأس في حقيقتها وواقعها؛ فهي تشتمل على الجوانب الإيمانية والتعبدية في مجال المعاملات في الحياة كلها وفي الجانب الأخلاقي؛ فمثلاً لو لم ينزل من القرآن في الجانب الأخلاقي سوى قوله - تعالى -: {إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْـمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إذَا عَاهَدتُّمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [النحل: ٠٩ - ١٩]، لكان في ذلك كفاية؛ فهي جامعةٌ لأُسس الخير: (العدل، والإحسان، وإيتاء ذي القربى، والوفاء بالعهد) محذرةٌ من جوانب الشر: (الفحشاء، والمنكر، والبغي، ونقض الأيمان). وكذلك الجانب التعبدي الذي يشتمل على الصلاة والزكاة والصوم والحج، وكذلك الدعاء والتفكر والذكر ومراقبة الله في كل الأمور: من الأنكحة والبيوع وطلب العلم... وغير ذلك.
ثم تأتي أهم الأسئلة:
- ما هو دور البيئة في ثقافة الشباب ومدى التزام هذه البيئة بالأمور الشرعية؟
- ما مدى تأثُّر شبابنا بالثقافات الواردة من الخارج من خلال السماء المفتوحة ( قنوات فضائية، إنترنت )، وكذلك من خلال الأسفار؟
- ما مدى تأثُّر شبابنا بما يستهدفه أعداء الأمة من إشاعة المخدرات وما يلحق بها؛ لهدم قوة الأمة من خلال هدم الشباب؟
إن هذه الأسئلة تعطينا صورة عامة للحال الذي نحن فيه، ومن ثَمَّ يمكننا تحديد المستهدَف الذي نتمناه، ويترتب على ذلك وضع صورة صحيحة لأسلوب التعامل مع الشباب؛ لتحقيق الهدف السامي المرجو لأمتنا.
نظرة عامة إلى الثقافة المنتشرة في أمتنا:
إننا إذا نظرنا إلى عموم المجتمع العربي والإسلامي سنجد ثقافات وعادات وسلوكيات تنافي الإسلام في جميع المجالات. ولسنا هنا في مقام الحصر ولكن نضرب الأمثلة:
في مجال العقيدة:
نجد فـي معظـم الـدول الإسـلاميـة – إلا مـا رحـم ربي – انتشارَ ظاهـرة سـؤال المقبـورين والطـواف حــول قبـورهـم والنذر لها واعتقاد أنهم يعينون في أمر النفع وجَلْب الخير، ومثل هذه الأمور منافية لحقيقة التوحيد.
في مجال التشريع:
ترى العداء السافر للشريعة الإسلامية؛ من حيث إنها مصدر التشريع ومن حيث ما يُسَن من قوانين في معظم البلدان إلا ما رحم ربي؛ فهم يجعلون من القوانين الفرنسية أو الإنجليزية المصدر الأساسي لسنِّ القوانين، كما نرى الجرأة الشديدة في بعض البلدان مثل:
- قوانين تحريم تعدد الزوجات.
- جعل ميراث المرأة كالرجل.
- قوانين تبيح (الربا)، بل تُلزِم بها.
بالإضافة إلى الحريات الضائعة والكرامة المهدرة وغير ذلك من أمور تخالف الشريعة الإسلامية.
في مجال السلوكيات والعلاقات الاجتماعية:  
ظهرت سلوكيات لم تكن الأمة الإسلامية تعرفها من قبل، مثل: سفور النساء، والاختلاط الفاسد، وعقوق الوالدين، وزنا المحارم، وانتشار الفاحشة، والعلاقات المحرمة، وضعف صلة الأرحام، وأصبح الاحترام له علَّته المصلحية، وشكلاً لا تأثير له في النفوس، وإضاعة الوقت على المقاهي وغيرها، بل ظهر التعصب لأمور باطلة ولعل ما حدث بين مصر والجزائر بسبب لعبة كرة القدم يكشف عن مدى التعصب الجاهلي الذي أصاب أجزاءً من أمتنا.
في مجال العبادات:
قلَّ رواد المساجد، وأصبح بعض الناس - خاصة في المدن الكبرى - يجهر بالفطر في رمضان، وشحَّت أيدي الأغنياء عن مساعدة الفقراء.
في مجال المعاملات:
ظهر الكثير من المفاسد في العلاقات الأسرية، وكثر الطلاق، وسوء معاملة الآباء للأبناء (خاصة البنات)، بل بلغ أيضاً حدَّ منعِهن من الزواج من أجل مظاهر لا قيمة لها، وبعيداً عن مراعاة حاجة الفتاة إلى زوج تَسعَد معه.
وهبطت روح الجهاد في الأمة، وضعف الإحساس بالمجاهدين.
وأخطر ما نراه:
غلبة الحياة المادية على المجتمع كله وعلى الشباب خاصة؛ حتى أصبح (موديل) السيارة، والموبايل أمراً أساسياً في معرفة قيمة الفرد، وصار المظهر لا المخبر هو الجاذب والهدف، وسعى المجتمع لذلك ولو على حساب كثير من القيم والمبادئ.
الصورة ليست قاتمة:
ولكن وسط هذا كله نجد أملاً في بعض القنوات الفضائية ذات التوجه الإسلامي، وانتشار الجمعيات الخيرية الإسلامية، واتساع نطاق المحجبات وغير ذلك من مظاهر التمسك بالإسلام.
قضية فلسطين:
وإذا أخذنا قضية فلسطين مقياساً لمدى ثقافة الشباب فسنجد عجباً في هذا الأمر؛ فرغم الإعلام المدوي لهذه المسألة، ورغم شدتها وشدة آلامها ترى الآتي:
- انتشار عدم المبالاة بين الشباب في أخطر قضايا الأمة، وهي فلسطين.
- معرفة الكثير من الشباب للاعبي الكرة في دولته أو غيرها أكثر من معرفته بحقائق بيت المقدس وتاريخه، وأرض فلسطين وقادتها وشهدائها.
- عدم الإيجابية أو التفاعل مع هذه القضية الخطرة.
الشباب والثقافة: مشاكل وحلول:
ولعل المدرسة أو الجامعة والمنزل ووسائل الإعلام لها دور كبير في نشر الثقافة بنوعيها: الفاسدة والصالحة، ولو قامت كل مؤسسة بدورها المطلوب، وحدَّثت من وسائلها وصارت جاذبة موجِّهة مقنعة لكان لها أثر كبير، كذلك الدولة والمنظمات العربية والإسلامية.
إننا عندما نلحظ الآثار الإيجابية الناتجة عن بعض هذه المؤسسات سوف نشعر بكثير من الأمل، خاصة مع السماء المفتوحة والعالم الذي أصبح كقرية واحدة. وأملنا كبير أن يردَّ الله مجتمعنا وشبابنا إليه رداً جميلاً.
والله من وراء القصد.


(*) مفكر وداعية إسلامي من مصر، ومدير مركز منارات للدراسات الشرعية.
[1]  أخرجه البخاري.
 
 

أعلى