وكما تدين تدان..
حينما نتأمل
النفس البشرية نلاحظ تلك الأمراض التي تعتريها، وكثيراً ما تظهر عليها أعراض
المرض جلية واضحة رغم المحاولات المستميتة لإخفائها.. والعجيب أن أمراضها مختلفة
كثيراً عن تلك الأمراض التي يصاب بها الجسد الحاوي لها.. أحد تلك الاختلافات أنه
قد يمرض الجسد فتشفى الروح فيكون مرضه بمنزلة العلاج والدواء لها، أما العكس فلا
يكون صحيحاً أبداً، فبمرض أنفسنا يصاب الجسد فوراً حتى إن لم تظهر الأعراض ظهوراً
بيّناً.. ومن تلك الأمراض التي استوقفتني ذلك المرض المسمّى الشماتة، والنفس
المريضة بالشماتة ليست بالضرورة نفساً شريرة خبيثة، لكنها نفس تريد أن تزهو
بكمالها وتمام صحتها كما يخيل لها على حساب مرض غيرها، وهل تظهر الصحة إلا بوجود
المرض حتى إن كانت صحة مزيفة؟!
وقد تكون
الشماتة ما هي إلا مواساة النفس البشرية المريضة بأمراض أخرى، مثل: مرض النقص
وانعدام الثقة وعقدة الإحساس بالفشل، فتشعر بالبهجة والسلوان، فليست وحدها
المريضة..
وهناك تفسير
ثالث، فالمرضى يشعرون ببعضهم أكثر من شعور الأصحاء وإحساسهم بهم.. فتشعر النفس المريضة
بالبهجة، فأخيراً ستشعر تلك النفوس الصحيحة سابقاً بالمها..
وتتوالى
التفسيرات، فهناك تفسير رابع وخامس وسادس.. فكلما تعمّقنا في تلك النفس سنتفاجأ
بأسرارها وستحيرنا مكنوناتها، ورغم كثرة التفسيرات وتعددها وتشعبها ستبقى مجرد
تفسيرات فلسفية وتأملات حائرة أو رسائل تهدئة وطمأنة زائفة.. أياً كانت فلن تكون
مبرراً أبداً لتلك النفوس للانصياع لمرضها وتركه ينهش فيها ويستفحل ويطغى ويتجبر
ويرتع في نفس رخيصة عند صاحب تركها أرضية خصبة عامرة للفيروسات، إما بسبب غفلته أو
استغفاله، أياً كان السبب وبغض النظر عن الأعذار، فلا بد من ردع النفس وعلاجها.
ولتعلم يا صاحب تلك النفس أنه بموت نفسك ستموت أنت فوراً وكما تدين
تدان.. فاليوم أنت الشامت وغداً أنت من يُشمت فيه.. ولا يؤمن أحدكم حتى يحب
لأخيه ما يحب لنفسه.. وهل يريد أحد أن يشمت في نفسه؟!..
وهذا المرض منتشر على نطاق أوسع من الفردية،
بل يصيب المجتمعات وينغمس فيه الإعلان ويستشري في المؤسسات، وفي هذه الحالة تكون
النفوس قد قتلها الفيروس فتحولت إلى نفس خبيثة، بل إلى فيروس يتكاثر إلى فيروسات
قاتلها الله وعافانا منها.
:: مجلة البيان العدد 310 جمادى الآخرة
1434هـ، إبريل - مايو 2013م.