التبَرُّكُ في ميزان الشريعـة

التبَرُّكُ في ميزان الشريعـة


أدار الندوة: عبدالرحمن أبوعوف

ندوة عن «البَرَكة في الشريعة» شارَكَ فيها كلٌّ من:

الدكتور عمر بن عبد العزيز

(رئيس قسم مقارنة الأديان بكلية الدعوة الإسلامية جامعة الأزهر)

الدكتور عامر الباسل

(أستاذ الأديان والمذاهب بكلية الدعوة الإسلامية جامعة الأزهر)

الدكتور محمد إمام

(رئيس مجلس أمناء السلفية وأستاذ السياسة الشرعية بجامعة الأزهر)

الدكتور محمد عبد المنعم البري

(أستاذ الدعوة والثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر)

يُعدُّ تبيينُ حقائق الديانة وكشف الشبهات عنها من واجبات العصر وفروض العين على علماء الأمة، وذلك لتجلية غموض عددٍ من القضايا الإسلامية التي شابَها نوع من الغموض واللَّغَط، ومن المسائل التي عانت الارتباك وخلط الأوراق مسألة «التبَرُّك»، فقد غالى فيها أقوام فجعلوا ما لا يصح التبَرُّك به في رتبة المشروع جهلاً واتباعاً للهوى، وجفا آخرون فلم يعترفوا بهذا المعنى، وضاع الحق بين غُلوِّ أولئك وجفاءِ هؤلاء.

ولتجلية هذا الغموض والوصول إلى كلمةٍ سواءٍ في المسألة؛ سعينا لاستطلاع رأي كوكبة من علماء الإسلام في ندوة عُقدت حول المفهوم الإيجابي للتبَرُّك ووسائل تفعيله في حياة المسلم، والعروج إلى المفهوم المنحرف لهذه المسألة، وإلقاء الضوء على واقع الأمة في مسألة التبَرُّك، ومحاولة إيجاد معالجات شرعية معاصرة للمفهوم الصحيح للتبَرُّك، وكذلك المفهوم المنحرف للتبَرُّك، وهو ما سنعرضه بالتفصيل في السطور التالية.

في البداية يحاول الدكتور عمر بن عبد العزيز تأصيلَ الأمر من الزاوية الشرعية عبر التأكيد بأن القرآن الكريم ذَكَرَ كلمة التبَرُّك في مواضع عديدة، حين وصف المسجد الحرام بالبَرَكَة بقوله: {إنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ 96 فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إبْرَاهِيمَ ومَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ 97 قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ 98} [آل عمران: 96 - 98]، وهو ما تكرر فيما يتعلق بالمسجد الأقصى بالبَرَكَة هو ومن حوله {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْـمَسْجِدِ الْـحَرَامِ إلَى الْـمَسْجِدِ الأَقْصَا الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء: ١]، ولا يبارك حوله إلا ما حفته البَرَكَة وفاضت.

وطالتِ البَرَكَةُ كذلك نفراً كبيراً من الأنبياء ومنهم المسيح ابن مريم حين كان أولَ من نطق في المهد {قَالَ إنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا 30 وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} [مريم: 30 - 31].

وقد وصف الله عز وجل كتابه الكريم بالبركة، فقال تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} [الأنعام: 92]، وذُكرت البَرَكَة في ماء السماء {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكاً فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْـحَصِيدِ} [ق: ٩]، وكذلك حازت بقاع جغرافية بعينها البَرَكَة مثل ما قاله الله في سورة الأنبياء: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 71]، وهنا المقصود بلاد الشام وما حولها.

تبَرُّك مشروع:

وفي هذا المقام، والكلام ما زال لرئيس قسم الأديان، يصعُب علينا إنكارُ أن البَرَكَة موجودةٌ في كل زمان ومكان، ومن ثَمَّ فلا يجب إغلاقُ هذا الباب بشكل كُليٍّ بحجة أن هناك مَن أساء إليه أو استعمله في غير المنظور الشرعي المحدَّد لخطاه، بل علينا معرفة المشروع منه والممنوع والصحيح والخطأ، فمثلاً حديث رسولنا الكريم: (لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِي هَذَا وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى)[1] يثبت هذا المنهج.

ونحن نتبرك من المسجد بزيارة المسجد الحرام حَجّاً وعُمرةً واعتكافاً وصلاةً وطوافاً وتقبيلاً للحجر الأسود، والشرب من ماء زمزم؛ وكل هذا نوع من أنواع التبَرُّك المشروع الذي دلت عليه الآيات الكريمة والأحاديث الصحيحة، فمثلاً الصلاة في المسجد الحرام بأكثر من مائة ألف صلاة فيما عداه[2]، وكذلك بركة تتكرر في المسجد النبوي بألف صلاة فيما عداه[3]، حيث نصلي ونتعبد ونزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم، ونسلِّم عليه وعلى صاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.

غير أن هذه البَرَكَة لا يجب أن تدفعَنا إلى الوقوع في مخالفات والخروج على إجماع الأمة، حيث يُشرعُ أن تُشدَّ الرِّحال إلى المسجد الأقصى، لكننا لا نزوره وهو تحت الاحتلال ووطأة الصهاينة المعتدين عليه، إنما علينا أن نتبارك به بتطهيره من دنسهم، ونحن نتبارك بالمساجد الأخرى بعمارتها والصلاة والاعتكاف: {إنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْـمُهْتَدِينَ} [التوبة: 18].

والتبَرُّك كذلك، كما يؤكد د. عبد العزيز، بالأنبياء وذلك بالاقتداء والتأسِّي بهم كما في قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90]، ونتبرك به صلى الله عليه وسلم: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّـمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب: 21]، وهذا التبَرُّك يكون باتباع تعاليمه والاقتداء بسنته مصداقاً لقوله تعالى: {قُلْ إن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ} [آل عمران: 31].

التبرُّكُ بالصَّالحين:

بل إن التبَرُّك بالأولياء ورغم كل ما يُثار حوله يمكن أن يسير في إطار كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث يمكن أن نتبرك بالأولياء تشبُّهاً وتأسِّياً، فهم من خير خلق الله بعد الأنبياء {أَلا إنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ 62 الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ 63 لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْـحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [يونس: 62 - 64]، ولا نقصد هنا إمكانية الوصول بهم لمرحلة العِصْمة، فهم ليسوا معصومين؛ فمنهم ظالم لنفسه، ومنهم مقتصد، ومنهم سابقٌ بالخيرات بإذن الله، بل إن التأسِّي بهم يأتي من باب

فَتَشَبَّهوا إِن لَم تَكُونوا مِثلَهُم

إنَّ التشبـُّـه بالرِّجــال فلاحُ

ومع هذا، وبحسب تأكيدات د. عبد العزيز، فإن هذا التبَرُّك بالأولياء لا يكون تمسُّحاً بالأبواب، ولا سجوداً على الأعتاب، ولا تبَرُّكاً بالأخشاب، ولا تمسحاً بالتوابيت، ولا طوافاً بالأضرحة، ولا نذْراً بالصناديق، على نحو ما يفعله العامَّةُ والدَّهماء والبسطاء فيما لا تجد عليه دليلاً من كتابٍ أو سنةٍ أو إجماعِ أئمةٍ ولا اجتهاد علماء؛ فهذا تعسُّف في التأويل وخطأ في التدليل وليس من جنس التبَرُّك الصحيح في شيء.

فالتبَرُّك بالعلماء مثلاً بطلب الدعاء منهم، وتلقِّي العلم بين يديهم، وبحضور مجالسهم التي تعد روضة من رياض الجنة، والتزاحم عند مناكبهم، والاقتداء بسلوكياتهم الطيبة، أو حتى بزيارتهم للاستزادة من علمهم، طبقاً لتعاليم الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمل السلف الصالح باجتهاد العلماء.

وأطلق رئيس قسم الأديان في نهاية إيجازه طلقةَ تحذيرٍ بالإشارة إلى أن باب التبَرُّك ليس مفتوحاً على مصراعيه، لكنه محصور في أوجه معينة، لا سيَّما أن التوسع في هذا الأمر دون ضوابط قد يوصل الإنسان إلى الشرك والعياذ بالله؛ فيعبد غيرَ الله باسم التبَرُّك، وكم عُبِدَ أولياء باسم التبَرُّك، فالركوع عبادة، والسجود عبادة، والطواف عبادة، والدعاء عبادة، هذه أمثلة من العبادات التي يُتوجَّهُ بها إلى الله، ولا يُتوجَّهُ بها إلى غيره باسم التوسل أو التبَرُّك والتشفُّع أو بالدعاء، وهذا هو التبَرُّك المحمود.

أما باب التبَرُّك المذموم فنحن أمام بابِ شرٍّ فُتح على الأمة حتى وقع الناس في الشرك؛ صغيره وكبيره، ونحن في هذا الدين مقيَّدُون بالدليل من غير تعسف ولا وضع للكلام في غير موضعه، وما نتحدث عنه هو تبَرُّك مذموم، ونحن في هذا المقام مرتبطون بالدليل: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ} [البقرة: ١١١].

أصل شرعي:

إذا كان الدكتور عمر بن عبد العزيز قد حاول تأصيل التبَرُّك كمفهوم، وتطرَّق إلى خطورة سيطرة التبَرُّك المذموم، واعتبره باباً للشر فُتح على الأمة؛ فإن الدكتور عامر الباسل - أستاذ الأديان والمذاهب بجامعة الأزهر - قد سار على نفس الدرب، وإن استشهد بأحاديثَ وأحداثٍ في العصر النبوي وعصور التابعين وتابعي التابعين، بإشارته إلى أن التبَرُّك أصلٌ من الأصول المنصوص عليها في ديننا الحنيف، والتي فُهمت خطأ بعيداً عن كليات هذا الدين.

فذكر أن القرآن الكريم كتاب مبارك، وذكر عن بقاعٍ من الأرض أنها أودية مباركة، وذُكر كثيرٌ من هذا اللون على لسان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يوم مروره بعد عودته من العمرة على بئر حذيفة حين خاطبه جبريلُ وقال له: (انزل هنا من على راحلتك وصل ركعتين فهذا واد مبارك)[4]، والبَرَكَة هنا خيرٌ وضعه الله ولا يعلمه إلا هو، ولا يستطيع أي بشر كائناً من كان أن يوضح أسرار البَرَكَة في هذا المكان.

مندوب وليس فرضاً:

وتابع الدكتور الباسل: لا بد في هذا المقام من أن نؤكد أن التبَرُّك أمرٌ مندوب وليس شيئاً واجباً يأثم صاحبه، لا سيَّما أن موطن البَرَكَة في أي زمان أو مكان يُحدِثُ نوعاً من راحة النفس وعُلوِّ الهمة وتهذيب العزيمة، وهو أمر يصعب تفسيره أو الوقوف على كُنهه والوصول لأسبابه المستنبطة، فلسنا ندرك الأسباب التي أدت بهذا الوادي مثل بئر حذيفة ليكون مباركاً، ولسنا نَفْقَهُ الدافع لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمر أصحابه عند المرور ببئر ثمود بالمرور سريعاً باعتباره وادياً ملعوناً، وهو لا يريد لهم مصيراً مثل مصير ثمود، وهو ما ينطبق على زمزم.

ومن هنا فالمساجد أبْرَكُ أرض الله، مثل: المسجد الحرام والمسجد الأقصى الذي باركنا حوله، والأسواق شرُّها؛ لما يتأتَّى بها من المعاصي والأيمان الفاسدة؛ لذا فمندوب لنا أن نتبرك بهذه الأبواب؛ وذلك لدواعٍ نفسية، والتي أمرنا الله أن نتبرك بها، فمثلاً عندما يدنو المسلم من بيت الله الحرام ينتابه الإحساس أنه في وادٍ مبارك، ويشعر براحة النفس لارتياده هذا المكان، وحالة المسلم في المسجد تختلف عن خارجه.

وطرَح الباسلُ معالجةً شرعية لهذا التبَرُّك بالتشديد على ضرورة أن ندرك أن كتاب الله كتاب مبارك، وبركته تتم بتلاوته وحُسْن تدبر معانيه وتوريثه لأجيالنا من بعدنا حتى تبقى البَرَكَة في النفوس والصدور، فالبيت الذي يُقرأ فيه القرآن يختلف عن البيت الذي لا يستمع فيه، والتبَرُّك هنا له بُعْدٌ نفسي، فليس معنى البَرَكَة وأن الكتاب مبارك أن أضعه في ديباجة قيمة، أو الاحتفاء بوضعه في السيارة أو العمل أو المنزل بشكل مميز، رغم أن هذا يعد نوعاً من الاحترام والتوقير؛ بل بتدبر معانيه والعمل بها وإحسان تلاوته.

بل إنه طالب المسلمَ بالسعي لتحصيل البَرَكَة الكاملة من القرآن حتى إن لم يكن يجيد تلاوته، فقال: «إذا كنتُ أقرأ القرآن ولا أحسن تلاوته فلا مانع من العودة إلى إذاعة القرآن الكريم أو الفضائيات الإسلامية حتى نحسن تلاوته، ونشنِّف أذاننا بحسن الاستماع إليه، باعتبارها نوعاً من التربية وتوثيق الارتباط بين الأجيال القادمة بكتاب الله حفظاً وتبَرُّكاً به، وأن نحسن سلوكياتنا ونربي أولادنا وأزواجنا وبناتنا على تلك المعاني».

تبَرُّك عَمَلي:

وحاول د. الباسل إعطاءَ التبَرُّك المشروع طابعاً عمليّاً بالإشارة إلى ضرورة تنوع أسباب التبَرُّك فيما يتعلق بالأماكن المقدسة، فلا مانع أن تكون لنا سياحة إليها؛ فهذه السياحة وهذه الألوان من التجوال لهذه الأماكن المباركة تعلو بالنفس، فالإنسان عندما تكون له سياحة لتلك الأماكن فإنه يربط نفسه وأهله وأولاده بهذه الأماكن، بشكل يُحدث لوناً من كنايات الفضل ومعالم الهُدى عبر الوقوف على آثار السابقين ومعرفة جهدهم، مما تعلو معه النفس وتستقيم قناته وتستقيم أموره؛ مما يجعله يتفضل على غيره بهذه الألوان من السياحة، تأسياً بالرسول صلى الله عليه وسلم الذي كان يداوم على زيارة مسجد «ذو القبلتين» لِمَا كان يشعر داخله بالراحة النفسية والطمأنينة.

السياحة التبَرُّكية:

بل إن الدكتور الباسل يذهب بعيداً حين يضيف لهذا النوع من التبَرُّك بُعداً تربويّاً، لا سيما فيما يخص زيارة الأماكن التي لها قُدسِيَّةٌ معينة وطبيعة خاصة، ولها بُعدٌ خاص في التربية؛ بالقول: ألا ترى أن الناس والعوالم والحضارات تشجع السياحة الداخلية في تلك المناطق لتُعلي شأنها بين الأمم، فنجد مثلاً ميادين السياحة في العالم إنما توقف السائح على هذه الأماكن كي يتعرف على معالمها وآثارها حتى تتعلق بها الأذهان، ولعل هذا نوعٌ من أنواع التبَرُّك الإيجابي نحو الأماكن المقدسة التي أمرنا الله أن نتبرَّك بها كنوع من العبادة والتبَرُّك الإيجابي.

 لكن هذا التبَرُّك لا يمكن أن يسير بنا إلى المخالفات الشرعية، فهذا التبَرُّك لا يمكن أن يكون لدفع الضُّرِّ أو جلب المنفعة، وهذا ما لا يجوز شرعاً، بل إن مقتضى الأمر الذي يجب أن نفهمه ونعقله مفاده أنه «لا أحد يملك نفعاً ولا ضرّاً ولا يُستغاث ولا يُستعاذ إلا الله تعالى».

دلالات تربوية:

ويعدِّد الباسل الدلالات التربوية والشرعية لهذا النوع من التبَرُّك المشروع الذي يجب أن نلتصق به وأن نقف على آثاره {فَانظُرْ إلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إنَّ ذَلِكَ لَـمُحْيِي الْـمَوْتَى} [الروم: 50]، فهذا هو المراد، وهذا هو المعنى الإيجابي للتبَرُّك؛ لذا فالعالم الإسلامي مُطالَبٌ بأن يُحييَ هذا النوعَ من السياحة التبَرُّكية التي تستقيم وتنطلق من مفهوم التوحيد، فذهابنا إلى هذه الأماكن نوع من التربية والتصفية والوقوف على آثار السابقين وعلو الهمم، لا أننا ندفع بها ضرّاً ولا أن تأتي إليها من لا تحمل كي تحمل، أو من وقع في مصيبة كي ترفع عنه.

بل إن التداعيات الإيجابية لتلك السياحة التبَرُّكية أن الإنسان يجب عليه أن يصلي فيها ويقوم الليل ويكثر من الطاعات، ولا مانع من ذكر الله بالدعاء والاستعاذة به، ويرتبط فيها بأنواع من الطاعات ويتعبد؛ كما هو حالنا في سفرنا نحو المسجد الحرام حجّاً وعمرة، وزيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم والسؤال له الوسيلة والفضيلة وأشياء أخرى مما ندَبَنا إليه اللهُ ورسولُه صلى الله عليه وسلم.

ويعدِّد معالم البَرَكَة بالإشارة إلى الزمان المبارك الذي ينبغي أن نلتصق به، فهناك أزمنة معينة ندبنا القرآن لأن نكون فيها على وفق الطاعة، فالتبَرُّك فيها نوع من التربية والتصفية، فهذا شهر رمضان شهر مبارك، وأشهر الله الحُرُم أشهرٌ مباركة، نجتمع فيها بنفوسنا وأفئدتنا وقلوبنا، ونقترب من الله ونبتعد عن معصيته، ونستثمر في هذه الأوقات التي تكثر فيها الرحمات والخير والمغفرة، ويَبسُطُ الله فيها يديه للمسيئين، وعلينا أن نستثمر هذه الأوقات المباركة لنكون أكثر إنتاجاً وأكثر عطفاً وصلة للرحم، فهذه مقومات من مقومات تعديل السلوك؛ لكي نظل على معنى التبَرُّك، وعلى الاجتماع على أسمى الأخلاق والعقائد والتشريعات، وحبّ الله ورسوله وكتابه، وحب الأئمة وحب الأوطان، وعلى إقامة الحق والعدل.

 تحسُّن نسبي:

أما عن واقع التبَرُّك في أغلب بلدان العالم الإسلامي، فيرى الدكتور الباسل أنه وبفضل الله ومع بداية الصحوة التي نشأت فيها الأجيال الحالية، نجد أن بعض السلوكيات التبَرُّكية بدأت بالتحسن والاقتراب من المنظور الشرعي.

أصلُ التوحيد:

وفي هذا السياق يجدر أن ندرك أنه لا يجوز للإنسان أن يذهب إلى وليٍّ ولا حجَرٍ ولا شجر ليسأله النفع أو جلب الخير أو دفع الضر؛ فهذه ليست من مقتضيات الإيمان بالله، ولم يندب لنا التبَرُّك لننصرف به عن التوحيد، أو لننصرف عن الله النافع الضار وحده، وهو مَن يملك أن ينفع ومن يملك أن يضر، وأنه الأول والآخر وبيديه كل شيء، ألا له الخلقُ وله الأمر.

وحين نفهم التبَرُّك في ضوء مضامين هذه الكُليَّات الكبرى، فالله هو الإله، وهو المعبود، وهو الذي يُسأل ويُستغاث به ويُستعان به، وغير ذلك من الكليات المعروفة، وما ينبغي أن تنضبط معه معاني التوحيد، وهذه المعاني لا يمكن أن تخلط ببعضها، فإذا انحرفت سلوكيات بعض المتبرِّكين بشكلٍ يهدم إحدى هذه الكليات؛ فلا شك أن هذا تبَرُّك لا يريده الله ولا رسوله ولا كان عليه الإسلام الصحيح.

السَّلَف عُمدة:

وطالب الباسل مَن يريد أن يتوسَّع في مسألة التبرُّك بألا ينجرَّ إلى ذلك إلا إذا كان معه مستندٌ ودليلٌ شرعي، مشدداً على ضرورة أن يكون سلفنا الصالح عُمدةً في هذا السلوك، فلا يمكن لشخص أن يُقَبِّل شجرة أو يُقَبِّل حجراً أو يطوف بضاحية، فهل له إلى ذلك من سبيل؟ وهل له في ذلك قدوة؟ {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21].

فلا بد مِن أن نقتديَ بهم، فخير القرون من ربَّاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفهموا معنى الدين، فما كان في زمنهم دِيناً فهو في زماننا دين، وما لم يكن في زمنهم ديناً فلا يكون في زمننا ديناً، وما وسِعهم يسَعنا، وما لم يسَعْهم لا يسَعنا، فلا يجوز التوسع في أمور لم يفعلوها ولا أن نفعل أموراً لم يفعلوها؛ فإن النجاة من وراء ذلك؛ لأن ما فعلوه لا بد أن يستند إلى تعاليم من الله ورسوله، فقد كانوا بحقٍّ واقفين على مراد الدِّين وأوامره ونواهيه.

طريق للشرك:

أما الدكتور محمد إمام - رئيس مجلس أمناء السلفية وأستاذ السياسة الشرعية بجامعة الأزهر - فقد تَبَنَّى موقفاً جديداً من قضية التبَرُّك، الذي شاع في هذه الآونة وفي أفعال العامة وكلامهم، ومنها التبَرُّك بآثار الصالحين أو زيارة قبورهم أو التمسح بأضرحتهم وما شابه ذلك، وهذا النوع من التبَرُّك مذموم منهي عنه شرعاً، ولعظم الخطر الذي يشكله هذا النوع من التبَرُّك على عقيدة المسلم آثَرْنا أن نتحدث عنه في البداية، لا سيما أن هذا النوع من التبَرُّك قد يُوصِلُ أصحابه إلى الشرك، خاصةً إذا اعتقدوا أن أحداً غير الله ينفع أو يضُرُّ باعتبار أن هذا نوع من التوسل المذموم.

وفي المقابل، هناك نوع من التبَرُّك المشروع، وفي مقدمة هذا النوع التبَرُّك بالقرآن الكريم والسنة النبوية عبر قراءة القرآن والعمل بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فهذه عبودية لله تعالى ذات نفع عظيم {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: 82]، وكذلك التبَرُّك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ثبت هذا التبَرُّك عن الصحابة في سنته الشريفة بإسناد صحيح، فذكر أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يأخذون من عَرَقِه صلى الله عليه وسلم فسيتعملونه مِسكاً في قواريرهم[5]، وكانوا يأخذون ماء وُضوئه فيدلكون به أجسادهم[6]، بل ثبت أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أخذت من رِيقه صلى الله عليه وسلم تبَرُّكاً به[7].

وأقدَمَ عددٌ من الصحابة على التبَرُّك بسواك النبي صلى الله عليه وسلم، وآخرون تعلقوا بخُصلة من شعره على نفس النحو، وهذا تبَرُّك مشروع بآثار النبي صلى الله عليه وسلم إذا ثبت يقيناً أنها آثارُه عبر إسناد متصل وسليم، أما إذا كان الأمر قائماً على الشكِّ والتخمين فالأولى تركه.

ومع هذا يرى رئيس مجلس أمناء السنة أن التبَرُّك بالكتاب والسنة يأتي باتباع تعاليم القرآن والسَّيْرِ على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمثلاً رأينا مَن يقوم بتحنيك المولود عبر وضع التمرة في فمه، وتحنيك جسده، فهذا ليس تبَرُّكاً بالمحنِّك، إنما تبَرُّكاً بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، واتباع هَدْيه في هذا الفعل الذي ثبت عنه[8].

وما نتحدث عنه هنا، والكلام ما زال لرئيس مجلس أمناء السلفية، يعد نوعاً من التبَرُّك المشروع الذي ندعو الناس للسير على نهجه والعمل به، وتجنب التبَرُّك المحرم؛ فهو من البدع المستحدثة والمنكرات الفظيعة التي شاعت بين العوام، فمثلاً من أنواع التبَرُّك المذموم ما عُرف عن التمسح بالقرآن الكريم أو بصحيح البخاري أو بوضع المصحف في السيارة وكتب العلم في المنزل والسيارة والعمل والنظر إلى ذلك باعتباره من أفضل طرق تحصيل البركة؛ فهذا تبَرُّك مذموم ومنهي عنه.

 لكن التبَرُّك المشروع يأتي بالاستجابة لأوامره والبعد عما نهى عنه، ومن العظيم جدّاً أن يتبَرَّك المسلم بكتاب الله وقراءة القرآن باعتباره من أفضل وسائل تحصيل البركة.

ملاحقة الدراويش:

وشاطَرَه القول الدكتور محمد عبد المنعم البري - أستاذ الدعوة والثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر -، والذي اعتبر أن من علامات الانحدار والانزلاق إلى المهاوِي ما يشيع بين العامة من ملاحقة الدراويش وأدعياء الولاية والوصال، وهي أمور شركية أو مدخل كبير نحو الشرك، فلا يليق بمؤمن أن يهدِمَ أعظم عِمادٍ من أعمدة التوحيد، فالنافع والضار والمُعِز والمُذِل هو اللهُ الواحد لا شريك له، ومن ثَمَّ فلا يصح للمسلم الحصيف صافي الإيمان الصادق الثقة أن تنزلق قدمه إلى مثل هذه السلوكيات، وأن يرى نافعاً غير الله أو ملجأ أو ملاذاً غير الله، أو ينزلق بفكره أو أمله أو رجائه إلا لله، وهذه أمور ينبغي العدول عنها.

جَهَالاتٌ وكوارث:

إن ما نراه من تبَرُّكٍ بشجرةٍ أو بمسجدٍ وبوليٍّ أمورٌ شِركيَّةٌ تنقطع تماماً عن التبَرُّك المشروع الذي وضع الشرع أُسُسَه، فالنافع الضار هو الله، والله وحده هو المعز المذل لا شريك له، ومن يتوهم غير ذلك فهو على حافة الشرك والهاوية، ونسأل الله أن ينجِّينا من هذه المزالق السيئة، والكوارث التي أنتجتها الجهالات والبعد عن جوهر الدين ولُبِّ الإسلام، والتي لا يجنى منها إلا ما يجني منها المشركون والمشوِّهون للعقيدة الصافية التي يعد التوحيد أبهى صورها، مصداقاً لقوله تعالى: {قُلْ إنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ 162 لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْـمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 162 - 163]، وهذه هي القاعدة الشرعية التي لا ينبغي لقدم مسلم أن تنزلق إليها مهما كان الواقع الذي يعيشه والضغوط التي يتعرض لها.

أدوار في المعالجة:

ونبَّه إلى وجود دور كبير للعلماء في وضع قواعد المعالجة الشرعية لهذه السلوكيات الشركية عبر تفعيل دور الدعاة عبر ما أسماه «المدارسة وإبلاغ كلمة الحق والتوحيد وتنقية العقيدة من الشوائب والشبهات ومحاربة البدعة بكل الوسائل، فليس من الإسلام أن يطلب المسلم المدَدَ من شجرة أو من حيوان أو غير ذلك، وهذه سلوكيات تدل على قصور الدعاة وعدم اهتمامهم بأمور العقيدة، وتأكيد على انحراف الفضائيات ووسائل الإعلام عن الطريقة الصحيحة بشكل أنتج الكوارث الشركية والبدعية التي تحاصرنا».

وكذلك على وسائل الإعلام دورٌ كبير في هذا الصدد، عبر الحرص على استضافة العلماء أهل الفهم والوعي، على أن يضعوا في الاعتبار ضرورة توعية المسلمين بالفكر الإسلامي الصحيح؛ لذا فمن المهم المراهنة على بعض الفضائيات الإسلامية الجادة لتعديل هذه المعوجات التي أصابت الكثيرين بخلل في عقيدتهم، ومن سيطرة مفاهيم خاطئة على العامة بعيدة عن جوهر الإسلام.

ومن المهم كذلك - بحسب الدكتور البري - العملُ على إصلاح مناهج التعليم، وإزالة ما بها من كوارث شرعية وسلوكيات بدعية، والتركيز على محْوِ هذه البدعيات من سنوات الدراسة الأولى حتى لا نرى مناهج تعليمية تهلِّلُ للتبَرُّك بأصحاب القبور وتطرب لأصحاب الأضرحة.

ونبَّه إلى أنه لا يصح أن تسيطر هذه السلوكيات على حياتنا مع التفوق التكنولوجي العالمي والارتقاء الأدبي، في ظل ما نمتلكه من تراث خالد ومواريث راقية، فنبينا صلى الله عليه وسلم وسلفنا الصالح لم يكونوا يتمسَّحون بقبر ولا يطوفون بشجرة باعتبار أنها مدخل إلى الشركيات، بل إن هناك من يرفضون أيَّ تبَرُّك بأعمال الصالحين والأولياء، فالتبَرُّك لا يكون إلا بالله {وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ } [الأنعام: 79].

ولفت البري إلى ضرورة التركيز كذلك على الأهمية القصوى للتركيز على دور قوافل العلماء للمناطق النائية في استئصال شأفة هذا المرض العُضال من جسد المسلمين، وأتذكر هنا أن قوافلَ من العلماء ذهبت إلى مناطق نائية ونجحت في وَأْدِ مِثْلِ هذه الفتن، والعودة بعدد كبير من المسلمين إلى الجادَّةِ، وتنقية عقيدتهم من الشوائب، وهو ما نرجو أن يداوم عليه العلماء والمؤسسات الدينية حتى نستطيع التصدي لهذه العقائد الشركية والبدع المستنكرة.

** ملف خاص ( البركة والتبرك )

:: مجلة البيان العدد 309 جمادى الأولى 1434هـ، مارس - إبريل 2013م.


[1] متفق عليه، رواه البخاري، كتاب أبواب التطوع فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، (1132)، ومسلم، كتاب الحج، باب لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، (3450).

[2] مسند أحمد برقم (15271)، طـ الرسالة، وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط البخاري.

[3] السابق نفسه.

[4] أصل الحديث رواه البخاري، كتاب الحج، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (العَقِيقُ وَادٍ مُبَارَكٌ)، (1534)، ونصه: (أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتٍ مِنْ رَبِّي، فَقَالَ: صَلِّ فِي هَذَا الوَادِي المُبَارَكِ، وَقُلْ: عُمْرَةً فِي حَجَّةٍ).

[5] أخرجه البخاري (6281)، ومسلم (2331) و(2332)، كلاهما عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: «أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ كَانَتْ تَبْسُطُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِطَعاً، فَيَقِيلُ عِنْدَهَا عَلَى ذَلِكَ النِّطَعِ» قَالَ: «فَإِذَا نَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَتْ مِنْ عَرَقِهِ وَشَعَرِهِ، فَجَمَعَتْهُ فِي قَارُورَةٍ، ثُمَّ جَمَعَتْهُ فِي سُكٍّ»، وهذا لفظ البخاري، وفي رواية مسلم: فَفَزِعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «مَا تَصْنَعِينَ؟ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ» فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ نَرْجُو بَرَكَتَهُ لِصِبْيَانِنَا، قَالَ: «أَصَبْتِ» .

[6] في صحيح البخاري (5859) عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي قُبَّةٍ حَمْرَاءَ مِنْ أَدَمٍ، وَرَأَيْتُ بِلاَلاً أَخَذَ وَضُوءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالنَّاسُ يَبْتَدِرُونَ الوَضُوءَ، فَمَنْ أَصَابَ مِنْهُ شَيْئاً تَمَسَّحَ بِهِ، وَمَنْ لَمْ يُصِبْ مِنْهُ شَيْئاً، أَخَذَ مِنْ بَلَلِ يَدِ صَاحِبِهِ» .

[7] أخرج البخاري (5016)، و مسلم (2192) عن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قالت: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا مَرِضَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ نَفَثَ عَلَيْهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ، فَلَمَّا مَرِضَ مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، جَعَلْتُ أَنْفُثُ عَلَيْهِ وَأَمْسَحُهُ بِيَدِ نَفْسِهِ، لِأَنَّهَا كَانَتْ أَعْظَمَ بَرَكَةً مِنْ يَدِي» وَفِي رِوَايَةٍ: بِمُعَوِّذَاتٍ. وهذا لفظ مسلم.

[8] أخرج البخاري (3909) و (5469)، ومسلم (2146) عَنْ أَسْمَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّهَا حَمَلَتْ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَتْ: فَخَرَجْتُ وَأَنَا مُتِمٌّ فَأَتَيْتُ المَدِينَةَ فَنَزَلْتُ بِقُبَاءٍ فَوَلَدْتُهُ بِقُبَاءٍ، ثُمَّ أَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعْتُهُ فِي حَجْرِهِ، ثُمَّ «دَعَا بِتَمْرَةٍ فَمَضَغَهَا، ثُمَّ تَفَلَ فِي فِيهِ، فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ دَخَلَ جَوْفَهُ رِيقُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ حَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ ثُمَّ دَعَا لَهُ، وَبَرَّكَ عَلَيْهِ وَكَانَ أَوَّلَ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي الإِسْلاَمِ» .

أعلى