على الطريقة الإسلامية
- اسكتوا جميعاً.. ممنوع الكلام.. ممنوع السؤال.. ممنوع الالتفات..
ممنوع الضحك.. ممنوع البكاء.. ممنوع طلب الماء.. ممنوع الجلوس.. فقط مسموح لكم أن
تفتحوا أعينكم وتنظروا إلى أمام وأنتم وقوف هكذا إلى أن يحين دور كل واحد منكم!!
أفٍّ! ليتني لم أعمل في الجيش! ما أشدّ
الحرارة في هذه الغابة الكثيفة! عجباً لهم.. من أين يأتون بكل هؤلاء الجيوش من
الأطفال؟ كيف ينجبونهم رغم كل سياسات التضييق على الزواج والإنجاب المفروضة عليهم
من الحكومة؟ لماذا يحبون إنجاب الأطفال هكذا؟ كأنه لا عمل ولا هدف لهم في الحياة
إلا إنجاب المزيد من الأطفال! من أين يطعمونهم في ظل الفقر المدقع الذي يرزحون تحت
أثقاله الشديدة؟
- هيه.. أنت يا ولد: ألا تسمع؟ ارجع إلى
الخلف كما كنت قبل أن أطلق عليك الرصاص.. ارجع أكثر.. ممنوع الاقتراب من بعضكم..
ممنوع الحركة إلا بإذني.. مفهوم؟!!
لا فائدة منهم أبداً.. فوضويون بالفطرة.. لا
يعرفون كيف ينظمون أنفسهم ويرتبون أوضاعهم.. يعيشون عالة علينا طيلة حياتهم.. كيف
يمكن تطهير البلد منهم والقضاء عليهم وهم يتكاثرون على هذا المنوال؟
- أنت يا كلب.. هناك عند الشجرة الكبيرة..
قم واقفاً.. من سمح لك بالجلوس؟ أتحسبني لا أراك؟ قف واستعد لتمضي مع أصحابك إلى
حيث جهنم!!
كم يبلغ عددهم هنا؟ أظنهم لا يقلون عن مائتي
طفل روهنجي.. لماذا لم يفروا حين أتينا لانتزاعهم من بين أهليهم؟ لو فعلوا لربما
نجوا بأنفسهم وأنقذوا أرواحهم.. ولكن حتى لو حدث ذلك افتراضاً ما استفادوا شيئاً من
حياتهم.. ألسنا نقتلهم ونشرِّدهم كل بضع سنين؟ ربما كان للحكومة الحق في سياسات
التمييز العرقي التي تمارسها عليهم.. طالما أنهم ينسلون بيننا على هذه الوتيرة
المتزايدة.
- هيا يا كلاب.. تقدموا وسيروا للأمام.. قلت
لكم ألف مرة.. عشرة بعد عشرة.. ولا تتزاحموا هكذا.. لو كنتم تعلمون إلى أين
تساقون!
من يدري؟ إن تركناهم ربما يأتي اليوم الذي
نغدو فيه أقلية ضعيفة مستضعفة أمام كثرتهم الكاثرة الغالبة.. بعكس ما عليه الحال
الآن.. وإن كنت لا أظنهم بمثل شجاعتنا وجرأتنا في القتل والتصفية الجسدية والإبادة
الجماعية.. عرفناهم مسالمين ودودين خلوقين طوال تاريخ حياتهم، مجاورين لنا في
«راخين». تباً لهم! يسمونها «أراكان».. بنغاليون «كلار».. دخلاء من الخارج
يساكنوننا، ويتجرؤون أن يغيروا أسماء المناطق في بلادنا.
- أنت يا حيوان.. لماذا تبول هنا؟ أمسك عليك
بولك وإلا بالت عليك بندقيتي بالرصاص!! أتسمع؟!
هؤلاء الروهانجيون لو لم يسلموا ولم يدخلوا
في الإسلام وكانوا على ديننا متبعين لبوذا.. لربما كان لنا معهم شأن آخر.. ولكنهم
ويا للغرابة.. يتمسّكون بدينهم، بل يزدادون تمسكاً به كلما ازددنا تنكيلاً بهم
وتقتيلاً فيهم وتشريداً لهم.. ولكن لماذا؟ ما الذي وجدوه في دينهم وجنوا به غير
التقتيل والتنكيل بسببه من قِبَلِنا؟ ليتني أعرف السبب.. لا أظن بوذياً مهما بلغ
تدينه يتعرض لعُشر ما يتعرضون له من العذاب ثم يثبت ويصمد ولا يلين.. ليتني أذوق
ما ذاق هؤلاء من حلاوة الإيمان في دينهم.. لا أظن رهباننا أنفسهم يبلغون في تدينهم
عُشر ما يبلغه هؤلاء المسلمون الروهانجيون..
- أنت يا فتى: لا تنظر إليّ هكذا.. طأطئ
رأسك وانظر إلى أسفل.
لشدَّ ما تخيفني نظرات هذا الفتى.. كأنه
يتحدّاني بها وهو أعزل من كل شيء.. كيف لو امتلك سلاحاً في يده؟ أيْ (بوذا): متى
ينتهون من تصفيتهم؟ يسوقون منهم عشرة بعد عشرة كل عشر دقائق إلى حيث يذبحونهم ذبح
النعاج على الطريقة الإسلامية وسط الغابة! لماذا لا نطلق عليهم وابلاً من الرصاص
دفعة واحدة وننتهي منهم في دقائق؟ سئمت من الوقوف هنا معهم كالصنم.
ولكن لا.. لا بد من التكتم الشديد والحذر
البالغ؛ لئلا يتسرب الخبر ويصل إلى الصحف والقنوات الفضائية عبر كاميرات الفضوليين
من الصحافيين والمراسلين رغم التعتيم الإعلامي الشديد الذي تفرضه الحكومة هنا..
سحقاً لهم! لا بارك (بوذا) في أعمالهم.
- المجموعة التي بعدها.. هيا تحركي أيتها
النعاج الوديعة.. هيا بسرعة.. إلى الأمام.. واحداً إثر واحد، لا تتدافعوا هكذا
معاً.
بهذه الطريقة المنظمة بدقة نضمن السرية
الكاملة إلى أن يتم الانتهاء من العملية التطهيرية.. لا ريب لو تركناهم هؤلاء
المسلمين الروهانجيين، لما تركونا وديننا.. سيغزون عقول شعبنا وأرواحهم..
سيخرجونهم من ديننا إلى دين لا يعظّمون فيه (بوذا) ولا يبالون به.. (بوذا) الذي له
الفضل علينا في كل شيء حولنا.. بوذا الذي لا يمكن أن يرضى عنا إن تركنا عباده
يكفرون به على أيدي المسلمين، ويرتدّون عن دينه إلى دين لا يرون فيه آلهتهم.. كيف
نعبد إلهاً لا نراه ولا يمكن رؤيته بأي حال؟ ولا يسمح لعباده بالتعرف عليه
مجسّماً؟ لماذا يأمرهم بعبادته إذن؟
- لماذا تبول هنا يا صغيري؟ ألم تسمعني أنهى
صاحبك عن التبول هنا؟ وتبكي أيضاً؟ أتجرؤ يا وقح؟ لا لا لا.. أنت جاوزت حدّك وأثرت
غضبي وهيجت أعصابي.. لا فائدة منكم.. لن تتأدبوا ولن تتعلموا النظام إلا بهذه الطريقة..
لا بأس.. سأقطع بولك إلى الأبد وكل من معك.. وليكن ما يكون.. باسمك بوذا:
- طاخ.. طاخ.. طاخ.
***
في بعض القرى القريبة من الغابة سمع الأهالي
أصوات طلقات نارية وهم يتناقلون نبأ نحو مائتي طفل أراكاني مسلم انتزعهم البوذيون
عنوة من بين أهاليهم، وجعلوا يسوقونهم مجموعات إلى داخل الأدغال القريبة.. لا
يمانعون ولا يدافعون عن أنفسهم ولا يدافع عنهم من أهالي القرية أحد!!! تناهت إليهم
أصوات الطلقات بينما كانوا يتساءلون هامسين مشفقين عن مصير أطفالهم؟
** ملف خاص (( الروهنجيا...
جدار الصمت))
:: مجلة البيان العدد 306 صفر 1434هـ،
ديسمبر2012م.