• - الموافق2024/04/27م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
فخّ الديون... شبح يطارد العلاقات الصينية الباكستانية

يمكن تفسير ما يجري على أنه مجرد اضطراب مؤقّت لا يؤثر على استراتيجية العلاقة بين الطرفين التي تَفرض متانتها الجغرافيا السياسية والصراعات العالمية المستجدة على النفوذ

 

في الآونة الأخيرة كشفت باكستان عن إنشاء مفاعل نووي جديد من تصميم صيني في محطة كراتشي للطاقة النووية، وتم تمويل المفاعل بقيمة 2,7 مليار دولار مِن قِبَل الصين ضمن جزء من مشروع لتعزيز أمن الطاقة وتجديد نشاط المنشأة النووية، ورغم التعاون طويل الأمد بين الطرفين؛ إلا أن مشروع محطة كراتشي هو إسهام يَسير مِن قِبَل الصين في دعم الاقتصاد الباكستاني.

وفقًا لتقريرٍ نشرته مجلة «فورين بولسي»؛ فإن التمويل الصيني للمشاريع الجديدة في باكستان قد تباطأ بصورة كبيرة بعد توقيع مبادرة «الحزام والطريق» التي عوَّلت عليها إسلام آباد لتنشيط حركة الاقتصاد؛ لذلك يُنظَر للخطوة الصينية في تمويل تجديد المفاعل النووي الذي افتُتِحَ في 2016م على أنها محاولة جديدة لإخراج العلاقة بين الجانبين من مرحلة الفتور.

وكذلك فإن الاقتصاد الباكستاني، الذي يعاني من التضخم والركود، لا يستطيع تحمُّل المزيد من القروض الصينية لتشييد وإعمار البنية التحتية التي سوف تخدم بصورة كبيرة الممر الصيني، ففي نوفمبر الماضي، حينما زار رئيس وزراء باكستان شهباز شريف بكين؛ طلب بصورة رسمية قروضًا بقيمة 6,3 مليار دولار، وكذلك حينما أعلنت بكين عن تأجيل سداد ديون سريلانكا لمدة عامين، قال وزير المالية الباكستاني: «إن الصين ستتخذ نفس الخطوة مع باكستان»؛ إلا أن بكين لم تُعقِّب على هذا الأمر.

ما يجري بين الصين وباكستان ربما يُعَدّ انتكاسةً في العلاقات بين الطرفين؛ كانت بدايتها حينما لم تعارض بكين تحرُّك الهند لاستبعاد إسلام آباد من اجتماع رفيع المستوى في قمة بريكس الافتراضية التي تضمّ الاقتصادات الناشئة؛ لذلك يُفسّر بعض المحللين ما يَجري على أنه تقييم صيني سلبيّ للحكومة الباكستانية الحالية؛ التي تُعدّ، في نظر بكين، شريكًا غير جدير بالثقة. 

ما يضاعف هذا الأمر هو المخاطر الأمنية المتزايدة التي استهدفت الاستثمارات الصينية، بما في ذلك مهاجمة عيادة أسنان في كراتشي في سبتمبر الماضي، ومعهد كونفوشيوس في أبريل الماضي، وفندق فاخر في بلوشستان كان يستضيف وفدًا صينيًّا رفيعًا، وهذا الأمر تطرَّق إليه بيان صادر عن الخارجية الصينية في بكين خلال لقاء جمع رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف بالرئيس الصيني؛ حيث أعربت الخارجية الصينية عن قلقها البالغ بشأن سلامة المواطنين الصينيين في باكستان.

يمكن تفسير ما يجري على أنه مجرد اضطراب مؤقّت لا يؤثر على استراتيجية العلاقة بين الطرفين التي تَفرض متانتها الجغرافيا السياسية والصراعات العالمية المستجدة على النفوذ، لذلك واصلت الصين ضخّ المزيد من القروض حتى بلغت 22 مليار دولار معظمها لدعم ميزان المدفوعات، كان آخرها في يونيو الماضي بقيمة 2,3 مليار دولار بسعر فائدة مخفض.

وتمر باكستان بمرحلة اقتصادية صعبة تُضعف موقفها أمام التنين الصيني؛ فهي تعاني من نسبة تضخُّم هي الأسوأ منذ عام 1975م، ولا تُغطّي احتياطاتها من العملة الصعبة أكثر من ثلاثة أسابيع من الواردات، وتخوض مفاوضات عسيرة مع صندوق النقد الدولي للحصول على تمويل جديد.

لذلك تبحث بكين عن شريك سياسي قوي في باكستان رغم علاقتها القوية بعائلة شريف، فنواز شريف، شقيق رئيس الوزراء الحالي، كان يقود الحكومة الباكستانية عندما تم إطلاق الممر الاقتصادي بين البلدين، بعكس حكومة عمران خان التي كانت تنظر إلى الاتفاقيات مع الصين على أنها ملفات فساد يجب التحقيق فيها. لكنّ نفوذ الجيش الباكستاني وقوة كلمته في السياسة الخارجية أدت إلى وصول باكستان إلى المشهد السياسي الحالي.

من جهة أخرى؛ هناك مجموعة عوامل تجبر باكستان والصين على إكمال نهج المصالح المشتركة؛ أولها تنامي العلاقات الأمنية الأمريكية الهندية، وهذه الخطوة من شأنها أن تضع المزيد من الضغوط على العلاقات الباكستانية الصينية، وهذا الأمر يدفع باكستان نحو الصين لتلبية احتياجاتها الاقتصادية والعسكرية، وكذلك توسيع دائرة شراكتها مع روسيا التي تمتلك تحالفًا متينًا مع الصين في ظل الصدام المتنامي الذي فَرضته الحرب الأوكرانية بين المحور الغربي والمحور الشرقي.

من جانب آخر؛ هناك فرضيات يمكن أن تضرّ بعلاقة باكستان مع اللاعبين الدوليين مثل الصين وباكستان؛ وملخص ذلك هو أنه: لا يمكن أن تتمتع إسلام آباد بعلاقة حصرية مع أيّ طرف؛ فالسفير الروسي لدى الهند، دينيس أليبوف، صرّح قبل أيام قائلاً: «إن المنطقة بحاجة لباكستان قوية؛ لاعتبارات تتعلق بعمقها الأمني والعِرْقي في أفغانستان، لا سيما عقب سيطرة حركة طالبان على الحكم هناك».

وهذه النظرة تؤكد أن حاجة الصين وروسيا لباكستان لا تتخطى حدود التوازن الأمني الذي يقلل التهديدات في محيط تلك الدول، وليس في سياق شراكة المصالح وتعزيز نفوذ باكستان كمنافس للهند؛ فموسكو ذهبت إلى حدّ بعيد في تطبيع علاقتها مع الهند، وقامت بتسليمها الفوج الثالث من نظام الدفاع الجوي (أس_400)، وهو الأمر الذي واجه معارضة شديدة من الإدارة الأمريكية. وقد صرّحت موسكو بصورة واضحة بأنها «لن تقدّم أي شيء لباكستان قد يمسّ علاقتها بالهند».

في نفس الوقت، فإن باكستان التي قد تلبّي دعوة لحضور قمة منظمة شنغهاي للتعاون، والتي سوف تستضيفها الهند، وعندها ستكون باكستان أمام تحديات كبيرة من حيث تحديد نوعية حضورها في هذه القمة التي يمثل أعضاؤها 80% من حجم التجارة العالمية، فهذه القمة سترسم ملامح العلاقات الصينية الهندية التي تُعكّر صفوها النزاعات الحدودية بين الطرفين؛ فالصين تريد استثمار الصراع الصيني الهندي للضغط على نيودلهي في مسارين؛ الأول يتعلق بالتنافس الاقتصادي، والثاني مرتبط بالنفوذ الأمني والجغرافي، لذلك تدعم بكين البحرية الباكستانية وسلاح الجو الباكستاني من خلال الإنتاج المشتركة لطائرة JF-17، وقامت بتطوير وتشييد ميناء جوادر في بلوشستان.

وبالإضافة إلى التنافس الاقتصادي والعسكري؛ فإن باكستان تُعَدّ منافسًا قوميًّا بالنسبة للهند التي يؤمن الحزب الحاكم فيها بـفوقية القومية الهندوسية. وعلى الرغم من أن وسائل الإعلام تختصر الصراع بين الهند والصين في السياق الجغرافي والنزاع الحدودي؛ إلا أن الفجوة الكبرى مرتبطة بالصراع الجيوسياسي، وإعادة تشكل النظام العالمي الجديد؛ لذلك تركز الهند على إنعاش تحالفها مع واشنطن لتدمير مبادرة الحزام والطريق الصينية؛ لمنع ظهور نظام إقليمي تقوده الصين. لذلك تحاول الصين تعزيز علاقتها وهيمنتها عبر دبلوماسية القروض في محيطها الآسيوي لمحاصرة الهند.

من ناحية أخرى؛ فإن أكثر مُهدِّدات العلاقات الصينية الباكستانية هو فخّ الديون الصيني الذي قد يزيد حجمه مع استمرار حالة عدم الاستقرار السياسي في باكستان التي تعاني من تضخم الدَّين القومي الذي وصل إلى 274 مليار دولار؛ أي ما يقرب من 90% من الناتج المحلي الإجمالي.

وتُعدّ الصين من أكبر المُقرضين الخارجيين لإسلام آباد بنسبة تبلغ 30% من قيمة الديون الخارجية، وفي الآونة الأخيرة ازدادت مخاطر الديون الخارجية الصينية بعد أن تحوّلت إلى دعم ميزان المدفوعات، وهذا الأمر، بصورة أو بأخرى، يزيد من تأثيرها في الاستقرار السياسي هناك.

 


أعلى