• - الموافق2024/11/22م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
السياسة الخارجية لإيران تجاه دول الخليج البحرين نموذجاً

السياسة الخارجية لإيران تجاه دول الخليج البحرين نموذجاً


على مر العصور والأزمنة ظل الخليج العربي عربياً، حتى مع انهيار الدول الإسلامية الكبرى وغلبة الحكم القبلي على منطقة شبه الجزيرة قبل أن تبدأ الدول العربية المعاصرة في التكون منذ 260 عاماً تقريباً في منطقة الخليج.

مع تتابع أنظمة وأسر مختلفة على حكم إيران بدءاً من الفرس وحتى حكم القاجاريين الذي انتهى عام 1925م، فإن إيران اتسمت طيلة هذه القرون بضعف قوتها البحرية، فكانت الملاحة في الخليج تحت السيطرة العربية بصورة دائمة، حتى عندما كان الإيرانيون يحتلون بعض الموانئ العربية، فإن هذه السيطرة كانت تتم عن طريق البحارة العرب[1].

منذ القرن السابع عشر الميلادي توافقت المصالح البريطانية الإيرانية على ضرب القوة البحرية العربية التي مثلت لكليهما عقبة في طريق السيطرة على الخليج، فإيران كانت عاجزة عن إحكام نفوذها على أي من مناطق الساحل العربي، وبريطانيا لم تنفرد بالسيطرة على طريق الملاحة في الخليج إلا بعد أن قضت على القوة البحرية للقبائل العربية الذين تمتعوا بمهارات وقدرات عالية في فنون البحر[2]، وفي مقدمتهم القواسم الذين أطلق عليهم الاحتلال وصف «القراصنة» تزويراً للحقائق.

من منطلق التوافق البريطاني الإيراني، جاءت تسمية الخليج في الوثائق البريطانية بـ«الفارسي» ومنه تشبثت طهران بهذه التسمية وتعصبت لها.

احتلت البحرين طيلة القرون الماضية موقعاً إستراتيجياً مهماً في السياسة الخارجية الإيرانية، ولم يؤَثِّر تغير الأنظمة الإيرانية على أهمية البحرين في المنظور القومي الإيراني، فبالنظر إلى مفهوم «المصلحة» كقوة سياسية، تبدو - أو يُفترض بها أن تكون - سياسات الدول الخارجية كحلقة عقلانية متصلة ومفهومة دون تأثير كبير للدوافع الشخصية للحكام المتعاقبين، وفق هذا المفهوم يفترض أن تتواصل هذه السياسات الخارجية برغم التبدل الذي يصيب الزعامات السياسية أو التحول الذي يحدث في نمط الأيدلوجيا المسيطرة أو في نماذج القيم السياسية والاجتماعية السائدة[3].

بصفة عامة فإن السياسة الخارجية لأي دولة لا تتحدد ولا تتغير بفعل الصدفة[4]، وإنما استناداً إلى مجموعة من المتغيرات التفسيرية المستقلة التي تتفاعل مع بعضها البعض بشكل أو بآخر، ويمكن تقسيم تلك المتغيرات إلى ثلاث مجموعات أساسية، هي:

أولاً: المتغيرات الموضوعية:

وهي المتغيرات الكامنة في بيئة عملية صنع السياسة الخارجية، وهي إما متغيرات موضوعية داخلية، أو متغيرات موضوعية خارجية.

المتغيرات الداخلية، تمارس تأثيرها داخل إطار الدولة، أي إنها مرتبطة بتكوينها الذاتي والبنيوي، وهي قد تتعلق بمجموعة الدوافع والسمات الشخصية للزعماء والقادة السياسيين، أو تتعلق بخصائص الدولة نفسها، جغرافياً واجتماعياً واقتصادياً ودينياً وعسكرياً.. إلى آخر المتغيرات الخارجية، وتتعلق بالبيئة التي تتحرك الدولة في إطارها، إقليمياً أو دولياً، ومستوى الاستقطاب السياسي وطبيعة التفاعلات الدولية القائمة.

ثانياً: المتغيرات النفسية:

ترتبط بطريقة فهم صانع السياسة الخارجية للمتغيرات الموضوعية، فهذه الأخيرة لا تؤثر في السياسة الخارجية إلا من خلال فهم صانع السياسة الخارجية لها، على سبيل المثال: فإن الخميني كان يعتقد أن بلاده تمتلك قوة عسكرية تؤهلها لممارسة سيطرة ونفوذ كبيرين في منطقة الخليج العربي ولهزيمة العراق وتزعم المنطقة، لكنه اكتشف في نهاية الأمر الفارق الهائل بين القدرة والطموح، مما اضطره لاحقاً إلى «تجرع السم» بقبول الهدنة مع العراق.

أيضاً، فإن صدام حسين كان يعتقد أن البيئة الإقليمية والدولية، لن تعترض كثيراً على غزوه للكويت، أو لن تصل تلك المعارضة إلى مستوى الحرب الأممية.

ثالثاً: المتغيرات الوسيطة:

يقصد بها هيكل وعملية صنع السياسة الخارجية، وبالنسبة للبحرين يمكن ملاحظة تأثير العوامل الجغرافية والاجتماعية والدينية في صنع السياسة الخارجية الإيرانية تجاه الخليج العربي بصفة عامة، والبحرين بصفة خاصة.

هذه العوامل تتسم بثبات واضح، كونها تتعلق بطبيعة موقع إيران الجغرافي، وانتمائها الديني، ونهجها الطائفي، وتركيبتها المجتمعية، وكذلك بالسمات الجغرافية والدينية والاجتماعية لدول الخليج العربي.

لذلك لم تتغير السياسة الخارجية الإيرانية تجاه البحرين طيلة قرون، إلا في حدود ضيقة، وبقيت ثوابت واضحة تتحدد من خلالها صورة وطبيعة العلاقة بين البلدين.

ويمكن حصر أهم العوامل المؤثرة في صناعة السياسة الخارجية الإيرانية تجاه البحرين في النقاط التالية:

البحرين أكبر جزيرة مأهولة بالسكان في الخليج مع تنوع في مواردها من المياه والزراعة والصيد.

موقعها الخطير في خاصرة شبه الجزيرة العربية بحيث تصلح قاعدة للانطلاق والسيطرة.

برغم أن البحرين دولة سنية إلا إن النسبة السكانية المرتفعة للشيعة جعلتها دوماً في بؤرة الأطماع الإيرانية.

موقعها في وسط الخليج الذي يمكن أي قوة بحرية كبرى من التحكم في مسار الملاحة.

ضعفها العسكري نظراً لصغر مساحتها وقلة عدد سكانها مقارنة بدول الخليج الأخرى.

البحرين في حاجة دائمة إلى تحالفات سياسية لضمان الأمن القومي.

صغر المساحة والقلة النسبية للسكان تجعل من احتمال دمج البحرين في أي صفقة سياسية تفرضها تطورات الأحداث أمراً قائماً.

لكل ما سبق فإن المصلحة القومية الإيرانية، كما يراها صانع السياسة الخارجية، ترى أن البحرين يجب أن تكون جزءاً لا يتجزأ من الدولة الإيرانية مهما كان النظام الحاكم في طهران، وأياً كانت المسوغات المعلنة لهذا الاستحواذ.

نعم يصعب على طهران حالياً تحقيق أي إنجاز يذكر على صعيد ضم البحرين، بالنظر إلى طبيعة النظام الدولي والتوازنات الإقليمية والدولية، ومحدودية القدرات الإيرانية، إلا إنه ينبغي استحضار ما سبق ذكره عن المتغيرات النفسية ودورها في صنع السياسة الخارجية، فهذه المتغيرات تتعلق بالطريقة التي يفهم بها قادة إيران طبيعة الأوضاع والتوازنات الداخلية والخارجية، فقد يتزامن في طهران وجود قادة لديهم تطرف أيدلوجي، وفهم منغلق للواقع السياسي الإقليمي والدولي، يدفعهم لاتباع سياسة خارجية عدوانية غير محسوبة العواقب.

الفكرة الأخيرة يمكن فهمها بدرجة أوضح باستخدام نموذج «الشخصية المنغلقة (الدوجماتي) الذي وضعه أستاذ السياسة ميلتون روكيتش، بحسب هذا النموذج فإن السياسي الدوجماتي يتميز بقدر كبير من القلق، واهتمام أكبر بمصادر المعلومات بدلاً من مضمونها، وتتضاءل لديه القدرة على استيعاب المعلومات التي تتعارض مع النسق العقدي، ولذلك يصعب عليه صنع قرارات رشيدة في السياسة الخارجية، كما تتقلص لديه القدرة على دراسة عدد كبير من الخيارات عند اتخاذ قرار معين.

السياسي الدوجماتي أيضاً يزداد لديه تصور المؤامرات، مما يدفعه إلى تكوين نماذج نمطية للعدو عندما يشعر بالتهديد، وهو أقل صبراً في التعامل الدولي، ولديه استعداد كبير لاستعمال القوة، وهو أكثر ميلاً إلى تصعيد الحروب المحدودة لتصيح حروباً شاملة بغية إنهاء تلك الحرب بشكل حاسم[5].

مع كون السياسة الخارجية الإيرانية تتسم بالعداء بصورة عامة، إلا إن اقتران ذلك بوجود زعيم أو قائد سياسي يندرج ضمن نموذج «الشخصية المنغلقة» يزيد من درجة تطرف السياسة الخارجية الإيرانية إلى درجة الصدام العسكري المباشر.

المثال الأبرز لهذه الشخصية هو «آية الله الخميني»، زعيم الثورة الإيرانية، الذي اصطدم مع العراق في حرب مدمرة استمرت ثماني سنوات، وانتهت بمقتل أكثر من مليون شخص من الجانبين، وخسارة تتجاوز 400 مليار دولار.

من أمثلتها أيضاً، الرئيس السابق «أحمدي نجاد» الذي اتسمت سياساته وخطاباته الخارجية بالطائفية والعدوانية.

من جهة أخرى، لا يخفى أن السياسة الإيرانية على مر العصور تتميز بالإلحاح والإصرار والصبر، ولعل الفقرة التالية تلقي الضوء على هذه الصفة من خلال استعراض تاريخ «التحرش» الإيراني بالبحرين.

تاريخ السياسة الخارجية الإيرانية تجاه البحرين:

أولاً: مرحلة ما قبل الثورة الإيرانية:

مع بداية الحكم الصفوي لإيران 907هـ/ 1507م، وإجبار سكانها على التشيع في العقود التالية، تغيرت الموازين في منطقة الخليج العربي نتيجة ظهور دولة شيعية قوية، أدت إلى انتقال مركز الثقل الشيعي إلى شرق الخليج بدلاً من العراق، وبذلك أصبح الساحل الغربي العربي واقعاً في قوس النفوذ والأطماع الشيعية المنبعثة من بلاد فارس، ولا يزال كذلك حتى الآن.

بالنظر إلى معطيات الفترة التي واكبت تأسيس الدولة الصفوية، كانت عمليات الاحتلال لأراضي الغير تتخذ أشكالاً متعددة متفاوتة في قوتها، منها: السيطرة الكاملة المستقرة الممتدة زمنياً بقوات عسكرية مع خضوع البلد للحكم المباشر، مثاله: بريطانيا والهند، 
ومنها: السيطرة الجزئية عن طريق القوة العسكرية، ولا يشترط أن تكون متمركزة في الأرض المحتلة، وترك الحكم للقوى المحلية مع تدخل انتقائي، مثاله: الاستعمار البريطاني لسواحل الخليج العربي.

ومنها: السيطرة المتقطعة عن طريق حلفاء أو أتباع دون وجود قوة عسكرية مقيمة، مثاله: حكم آل مذكور للبحرين باسم إيران. 
ومنها: الاكتفاء بتحصيل الضريبة أو الإتاوة السنوية دون قوة عسكرية أو حكم، مثاله: إيران والبحرين، عمان والبحرين، وفي المثالين لم يدم ذلك إلا فترات قليلة جداً.

عند تطبيق ما سبق على تاريخ العلاقة بين إيران والبحرين منذ مطلع القرن السابع عشر نجد أن الاحتلال الإيراني للبحرين كان متقطعاً ومنحصراً في النمطين الثالث والرابع، وهما أضعف صور الاحتلال ويصعب أن يترتب عليهما حقوق تاريخية، مع التأكيد على أن الاحتلال في معظمه عمل ينطوي على الغصب والسلب، فالإقرار بحقوق للمستعمر يعني أن بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والبرتغال وغيرها من دول الحقبة الاستعمارية لهم حقوق في أغلب بلاد المسلمين.

لسنوات طويلة، اعتمدت إيران على الاستعمار البريطاني لدعم سياساتها الطامعة في الخليج العربي.

أحياناً كان الدعم يأتي مباشرة، وأحياناً بغض الطرف، وبدأ التعاون بين الدولتين منذ عام 1602م عندما تمكن شاه إيران من طرد البرتغاليين من البحرين واحتلالها[6] بمساعدة شركة الهند الشرقية، واجهة الاستعمار البريطاني[7]، وبقيت البحرين تابعة لإيران عدة سنوات، ثم سيطر الإيرانيون على الجزيرة على فترات متقطعة حتى منتصف القرن الثامن عشر[8].

عام 1752م تحالف حاكم بوشهر الشيخ ناصر، مع حاكم ميناء ريق «المير ناصر»، وكلاهما من أصول عربية، للاستيلاء على البحرين التي كانت محكومة من قبل «الهولة»، وظل حاكم بوشهر مسيطراً على الجزيرة عدة سنوات حتى اعتقله كريم خان حاكم شيراز عام 1755م بسبب اعتدائه على سفن إيرانية، ومطالباً إياه بدفع عوائد عن احتلال البحرين طيلة ثلاث سنوات[9].

عام 1799م قام حاكم إقليم فارس بتحريض نظيره العماني على مهاجمة سفن بحرينية في سياق محاولاته ضم البحرين إلى حكمه، في نفس الوقت استطاع شيخ بوشهر أن يقنع حاكم البحرين بوضع نفسه تحت الحماية الإيرانية ودفع الضريبة، لكن هذه الحماية لم تفد بشيء إذ استولى حاكم عمان على الجزيرة في الفترة من 1800-1802م بعد تلقيه مساعدات إيرانية لتحقيق الغزو، لكنه أخفق في الاحتفاظ بها واضطر للانسحاب[10].

عام 1816م هاجم سلطان عمان البحرين بدعم إيراني تمثل في سفن من بوشهر ومقاتلين من كانجون وعسالو، لكن المحاولة أخفقت إخفاقاً ذريعاً بعد نزول القوات في المحرق[11].

عام 1822م تم توقيع اتفاقية غامضة ومثيرة للجدل بين المقيم السياسي البريطاني في الخليج، الكابتن «و. بروس»، ووزير حاكم إقليم فارس، وتضمنت الاتفاقية الإقرار البريطاني بأن البحرين تابعة لإيران، وأن شيوخ العتوب (آل خليفة) تمردوا على هذا الحكم ويجب بالتالي سحب كافة الامتيازات التي تمتعوا بها بموجب نصوص معاهدة السلم الشاملة الموقعة مع بريطانيا، وأن على الأخيرة تجنب تقديم العون للبحرين بل يجب عليها أن تساعد إيران في قمع «تمرد» العتوب عسكرياً، ويزعم لوريمر (مؤلف دليل الخليج) أن هذه الاتفاقية رفضت من جانب حكومة بومباي البريطانية، وتم عزل - أو نقل - الكابتن بروس من منصبه[12]، وفي العام التالي (يناير 1823م) قام الملازم مكلاود المقيم الجديد بزيارة المنامة حيث التقى شيخ البحرين وقدم له تطمينات تتعلق بإبطال اتفاقية سلفه بروس مع إيران[13].

اعتمدت طهران في العقود التالية على هذه الاتفاقية بوصفها إقرار واضح من لندن بتبعية البحرين لسيادتها، وبرغم إنكار بريطانيا الرسمي لوجود هذه الاتفاقية وأنها لا تعدو مجرد محاولة انفرادية من المقيم البريطاني لا تحظى بتأييد، إلا إنها تبقى مؤشراً على النوايا البريطانية لعدة أسباب، منها الإصرار الإيراني الغريب على التمسك باتفاقية بروس برغم إعلان بريطانيا المستمر عدم الاعتراف بها، ومنها أن مصادر أخرى تورد هذه الاتفاقية في سياق تقسيم التحالفات البريطانية إلى شقين: علني وسري[14]، وأن السياسة البريطانية كانت تعتمد أسلوب الاتفاقات غير الرسمية في إدارة سياستها في المنطقة، ومنها أن مسئولاً بوزن المقيم البريطاني في الخليج لا يمكن أن يخطئ في تقدير الخطوط العامة لسياسة حكومته التي يمثلها إلى درجة الخلاف حول تحديد تبعية البحرين لإيران أو استقلالها.

 إن النسبة المقبولة للتباين بين رؤية المسئول ورؤية حكومته لا تتجاوز العشرة بالمئة، ومن غير المنطقي أن يمارس المسئول السياسي عمله انطلاقاً من رؤية خاصة به مناقضة لرؤية حكومته.

عام 1845م أرسلت إيران أول مذكرة احتجاج إلى اللورد إبردين وزير خارجية بريطانيا آنذاك، رداً على طلب الأخير تقديم حكومة فارس براهين تثبت حقوقها في الجزيرة[15].

عام 1869م أرسل وزراء الشاه احتجاجات متتالية إلى الوزير المفوض في طهران المستر أليسون وإلى المقيم البريطاني الرائد بيللي، وكذلك فعل السفير الإيراني في لندن، وكان موضوع الاحتجاج رفض طهران للتدخلات البريطانية في أزمات البحرين وأنه كان يجب عليها إبلاغ إيران بنواياها بالنظر إلى كون البحرين جزءاً من إيران، وجاء الرد البريطاني على هذه الاحتجاجات غريباً، فلم يرفض مزاعم طهران بصورة قاطعة بل أفاد وزير الدولة البريطاني لشئون الهند - ووزير الدولة للشئون الخارجية - في مفاوضاته مع سفير إيران في لندن، بأن هدف بريطانيا من اتفاقياتها مع شيوخ البحرين هو تحقيق السلم في منطقة الخليج و»كلها أهداف يسعد الحكومة البريطانية أن تؤديها، إذا كان ذلك ممكناً، من أجل الحكومة الإيرانية»[16].

عام 1886م عاد الشاه إلى إبلاغ الوزير المفوض برغبته في أن ينقل إلى الحكومة البريطانية طلبه أن تعترف بحقوقه في السيادة على البحرين، وأن تسمح له بأن يعين حاكماً على الجزيرة أو أن يُعترف بحاكمها الحالي ممثلاً له، مع إقراره بأن تظل السيادة البحرية في المنطقة للسلطات البريطانية[17].

عام 1905م حدثت اضطرابات في البحرين بين السنة والتجار الإيرانيين تدخلت في إثرها السلطات البريطانية للدفاع عن حقوق الإيرانيين والمطالبة بدفع تعويضات كافية لهم، واستخدمت في ذلك التهديدات الصريحة وحشدت السفن الحربية قبالة شواطئ الجزيرة وأنزلت قوة عسكرية لحماية ممتلكات الأجانب في حال قصفت البحرين[18]، ونتج عن هذه الحادثة أن أرسلت الحكومة الإيرانية برقيات شكر وامتنان للسلطات البريطانية على جهودها في حماية رعاياها، ثم عادت في نفس السنة والتي تليها إلى التأكيد على حقوقها في البحرين[19].

عام 1930م قدمت طهران احتجاجاً للحكومة البريطانية أنكرت فيه قيامها بمنح امتيازات لاستثمار النفط في البحرين دون استشارة إيران ومعرفة موقفها، وتكرر هذا الاحتجاج حينما منح شيخ البحرين امتيازاً مماثلاً لشركة ستاندرد أويل الأمريكية[20].

عام 1944م صرح رئيس وزراء إيران حاجي ميرزا أغاسي أن «إن الشعور السائد لدى جميع الحكومات الفارسية المتعاقبة أن الخليج الفارسي من بداية شط العرب إلى مسقط بجميع جزائره وموانيه بدون استثناء وبدون منازع ينتمي إلى فارس»[21].

عام 1946م استصدرت الحكومة قراراً من البرلمان الإيراني بعزمها ممارسة سيادتها على البحرين[22].

عام 1951م عندما أممت حكومة «مصدق» النفط الإيراني اعتبرت ذلك التأميم سارياً بالضرورة على النفط في البحرين[23].

عام 1954م طالبت الحكومة الإيرانية بأن يكون هبوط الطائرات الدولية في مطارات البحرين خاضعاً لموافقة حكومتها المسبقة[24].

عام 1957م أعلنت إيران بقرار منفرد ضم البحرين بوصفها المحافظة الرابعة عشرة، مع تخصيص مقعدين لها في البرلمان[25].

عام 1958م احتجت إيران على اتفاقية عقدتها البحرين مع السعودية بخصوص تحديد المياه الإقليمية بين الدولتين، ثم اتخذت قراراً بعدم الاعتراف بجوازات السفر البحرينية، وقامت بتزويد رعايا البحرين القادمين إلى إيران بوثائق مرور وأخذت عليهم إقرارات بكونهم من الرعايا الإيرانيين[26].

في نهاية الخمسينات صرح وزير الخارجية الإيراني بأن البحرين جزء لا يتجزأ من إيران، وتسلم السفير البريطاني في طهران مذكرة خطية بهذا الخصوص، كما تم بحث القضية مع وزير الخارجية البريطاني سلوين لويد أثناء زيارته للمنطقة، وتردد أن إيران وافقت على الانضمام إلى حلف بغداد الذي أسسته بريطانيا بعد أن حصلت على وعد من حكومتها بتسليمها جزر البحرين[27].

عام 1968م أعلنت بريطانيا نيتها الانسحاب من منطقة الخليج العربي في مدة أقصاها ثلاث سنوات، فتقدمت إيران بطلب إلى الأمم المتحدة لإرسال بعثة تقصي حقائق إلى البحرين للتعرف على رغبة الشعب في الانضمام إلى إيران، وصرح وزير الخارجية الإيراني أمام البرلمان في مارس 1970م بأن السكرتير العام للأمم المتحدة قبل الاقتراح الإيراني ببذل مساع من أجل معرفة الميول الحقيقية لسكان البحرين[28].

ونكمل في العدد القادم إن شاء الله استعراض قائمة التدخلات والتحرشات الإيرانية بالبحرين، في إطار سياستها الخارجية العدوانية تجاه دول الخليج بصفة عامة.

 


 


[1] د. فؤاد إسحاق خوري، القبيلة والدولة في البحرين، معهد الإنماء العربي، بيروت، 1982م، ص34.

[2] المرجع السابق، ص35.

[3] د. أنور محمد فرج، النموذج المعرفي الواقعي لدراسة العلاقات الدولية، المركز العلمي للدراسات السياسية، الأردن، ص26.

[4] د. محمد السيد سليم، تحليل السياسة الخارجية، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، ص137-140.

[5] د. لويد جنسن، تفسير السياسة الخارجية، عمادة شئون المكتبات، جامعة الملك سعود، الرياض، 1409هـ، ص27.

[6] ج. ج. لوريمر، دليل الخليج، القسم التاريخي، ج1 ص29.

[7] نجدة فتحي صفوة، من نافذة السفارة، العرب في ضوء الوثائق البريطانية، رياض الريس، لندن، ص250.

[8] من نافذة السفارة، ص250.

[9] دليل الخليج، ج1 ص182.

[10] دليل الخليج، ج1 ص287، ج5 ص2723.

[11] المرجع السابق، ج5 ص2723، 2724.

[12] المرجع السابق، ج3 ص1268.

[13] المرجع السابق، ج3 ص1287.

[14] القبيلة والدولة، ص46.

[15] من نافذة السفارة، ص250.

[16] المرجع السابق، ج3 ص1351، 1352.

[17] المرجع السابق، ج3 ص1385.

[18] المرجع السابق، ج3 ص1412، 1413، 1414.

[19] المرجع السابق، ج3 ص1419، 1420.

[20] من نافذة السفارة، ص250.

[21] عبد الله محمد الغريب، وجاء دور المجوس، مكتبة الرضوان ، القاهرة، ص302.

[22] من نافذة السفارة، ص250.

[23] المرجع السابق.

[24] المرجع السابق.

[25] مقال: إيران والبحرين.. علاقة تصنعها الأطماع، المتوسط أونلاين 25/10/2009م.

[26] من نافذة السفارة، ص250.

[27] عبد الرحمن الباكر، من البحرين إلى المنفى، دار الكنوز الأدبية، ص164.

[28] من نافذة السفارة، ص251.

أعلى