الصراع على حُكم غزة

نصت رؤية نتنياهو -التي اصطُلِحَ على تسميتها في الإعلام العبري بـ«وثيقة المبادئ»- على أن الجيش الصهيوني سيُواصل حربه في قطاع غزة حتى تحقيق كافة أهدافه العسكرية المتمثلة في تدمير القدرات العسكرية لحركتي حماس والجهاد الإسلامي وكافة الجماعات المسلحة


بعد اندلاع طوفان الأقصى، وما تلاه من ردّ صهيوني تمثَّل في تدمير ممنهج للقطاع بمحافظاته، ومحاولات تهجير جماعي لأهله، وما أعقبها من حملات إبادة جماعية للسكان...؛ كانت القضية الأولى التي تُثار داخل دولة الكيان الصهيوني أو في المجتمع الدولي هي قضية «اليوم التالي» لحرب الإبادة الصهيونية العسكرية، وهل سيستمر حُكم حماس لقطاع غزة؟ أم ستعود السلطة الفلسطينية في رام الله لحكم غزة؟ أم سيبقى الحال كما هو عليه الآن، من محاولة فرض أمر واقع بحُكم عسكري من خلال سيطرة الجيش الصهيوني على القطاع، ومِن ثَم إعادة الاستيطان، كما تريد الصهيونية الدينية بزعامة سيموريتش وبن غفير؟

في هذا المقال سيتم مناقشة هذه الخيارات وغيرها، وفرص تحقُّق كلٍّ منها.

ولكن للوصول إلى أقرب تلك الخيارات للتحقُّق على أرض الواقع، يلزمنا تحليل طموحات أكثر الأطراف تأثيرًا في المشهد المتخيل لوضع غزة المستقبلي، وقدرتها على فَرْض تلك الطموحات والخيارات: فهناك دولة الكيان، وهناك الطرف الفلسطيني، ولا شك أن تأثير دُوَل الإقليم والغرب له تداعياته وتأثيراته.

الكيان الصهيوني ومأزق غزة

فجَّر طوفان الأقصى التناقضات داخل المجتمع السياسي الصهيوني، فاندلعت الصراعات داخله؛ تارةً بين اليسار الصهيوني واليمين العلماني، وتارةً أخرى بين التيارات الليبرالية وبين الصهيونية الدينية والمتشددين اليهود.

حتى داخل حكومة دولة الكيان تفجَّرت الخلافات، بين تيار يميني أكثر شعبية يُمثّله غانتس وايزنكوت، وتيار يميني متشدّد يُمثّل الصهيونية الدينية، وحاول نتنياهو أن يتعاطى مع الطرفين، ولكنَّه كان أكثر ثقةً وانسجامًا مع التيار الصهيوني الديني.

نتنياهو هذا تتوالى عليه السهام في الداخل الصهيوني من كل اتجاه؛ فبالإضافة إلى الضغوط من داخل الطبقة السياسية ومن جانب المجتمع الدولي، فإن النار تأتيه أيضًا من أهالي الأسرى لدى المقاومة الفلسطينية، ومن ذوي المجنّدين الذين قُتِلُوا في القطاع، أو أهالي الجنود الذين لا يزالون في الخدمة العسكرية والخوف عليهم من القتل في غزة.

كذلك يُواجه نتنياهو ضغوط طائفة الحريديم وحاخاماتهم، الذين يرفضون أصلًا الخدمة العسكرية في دولة يؤمنون أنها أتت قبل موعدها، فزمانها عندهم يجيء بنزول مسيحهم، فهي في نظرهم دولة كافرة لا يجب أن يخدموا فيها.

ولكنَّ الخلاف الأكثر تأثيرًا على المشهد المستقبلي لغزة، هو الخلاف بين نتنياهو وغالانت.

ففي شهر مايو الماضي اندلع سجال بينهما على وسائل الإعلام يتعلق بمآلات حرب غزة؛ فقد انتقد غالانت في تصريحات له تأخُّر الاتفاق على مستقبل غزة؛ إذ رأى أن استمرار التردد قد يؤدي مستقبلاً إلى احتلال عسكري للقطاع، الأمر الذي يرفضه بشكل قاطع؛ بسبب الخطر الذي سيُشكّله ذلك على أمن إسرائيل؛ بحسب وصفه، علاوةً على الكلفة المالية والعسكرية والسياسية الباهظة التي لا طاقة لإسرائيل بتحمُّلها.

وأبدى غالانت رأيًا متناغمًا مع الموقف الأمريكي إزاء الموضوع؛ وفق ما جاء على لسان وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، والذي قال في نفس اليوم: «إن على إسرائيل أن تقدم خطة واضحة لمرحلة ما بعد الحرب من حيث الحكم ومن حيث الأمن»، مشددًا على رفض بلاده إعادة الاحتلال الإسرائيلي لغزة، ورفضها كذلك حكم حماس للقطاع، مُلمِّحًا لإعادة السلطة الفلسطينية في رام الله إلى القطاع.

بينما رد نتنياهو على غالانت في نفس اليوم، وفي تسجيل له مُصوّر نُشِرَ على مواقع التواصل الاجتماعي، قال نتنياهو: «إنه غير مستعدّ لاستبدال حماستان بفتحستان»؛ في إشارة إلى السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية.

وأوضح نتنياهو أنه لا جدوى من الحديث عن اليوم التالي للحرب في غزة طالما كانت حركة حماس قائمة، مجددًا تمسكه بالسعي لتحقيق انتصار عسكري؛ لأن غير ذلك يعني هزيمة عسكرية وسياسية ووطنية؛ بحسب ما نقلت عنه صحيفة معاريف.

ونقلت الصحيفة أيضًا عن نتنياهو قوله: «إن المحاولات الإسرائيلية لدمج جهات محلية في إدارة قطاع غزة لم تكن ناجحة بسبب تهديد حركة حماس لتلك الجهات».

وتطورت الخلافات بين نتنياهو وغالانت حتى وصلت إلى ما يشبه القطيعة بين الرجلين، وكشفت مصادر إسرائيلية أنهما لا يلتقيان إلا في اجتماعات الحكومة الرسمية، على الرغم من حالة الحرب؛ الأمر الذي انعكس على الفشل في الاتفاق على خطة اليوم التالي للحرب على غزة، والفشل حتى الآن في تحقيق أهدافها المعلنة.

ولكن ما هي رؤية نتنياهو بالنسبة لمستقبل غزة؟

هناك رؤية رسمية يتبناها نتنياهو ومستشاروه، وتوجد رؤية غيرها يعلنها قادة أحزاب الصهيونية الدينية المتحالفين مع نتنياهو.

الرؤية الأولى بدأ الحديث عنها منذ خمسة شهور، وبالتحديد في فبراير 2024م.

فقد كشفت هيئة البث الرسمية الإسرائيلية، عن عرض رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو لرؤيته لليوم التالي للحرب على قطاع غزة أمام المجلس الوزاري الأمني المصغّر، والتي جاء فيها تأكيده على احتفاظ الكيان الصهيوني بحرية العمل العسكري في كافة مناطق قطاع غزة دون تحديد زمني؛ لضمان منع وإحباط أي عمليات أو تهديدات من القطاع.

كما نصت رؤية نتنياهو -التي اصطُلِحَ على تسميتها في الإعلام العبري بـ«وثيقة المبادئ»- على أن الجيش الصهيوني سيُواصل حربه في قطاع غزة حتى تحقيق كافة أهدافه العسكرية المتمثلة في تدمير القدرات العسكرية لحركتي حماس والجهاد الإسلامي وكافة الجماعات المسلحة، وتدمير البنية التحتية الحكومية لحركة حماس، وإعادة المختطفين المحتجزين داخل قطاع غزة.

كما تناولت الوثيقة المطروحة نوايا نتنياهو في إقامة منطقة أمنية عازلة داخل قطاع غزة في المناطق المتاخمة للمستوطنات الصهيونية، وستبقى المنطقة العازلة طالما دعت الحاجة الأمنية لها. كما نصَّت الوثيقة على التجريد الكامل لقطاع غزة من السلاح، وإنهاء أيّ قدرة عسكرية، والاكتفاء بما يساعد على حفظ النظام العام فقط، كما سيحافظ الكيان على ما أسمته الوثيقة الإغلاق الجنوبي بين قطاع غزة ومصر؛ لمنع الفصائل في قطاع غزة من إعادة تسليح نفسها.

أما فيما يتعلق بالوضع الإغاثي والإنساني في القطاع؛ فقد نصَّت وثيقة نتنياهو على سعي الكيان لإغلاق وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، وإنهاء كافة أنشطتها وفعالياتها في قطاع غزة، واستبدالها بوكالات ومؤسسات مساعدات دولية أخرى مقبولة، بدعوى مشاركة عناصر ينتسبون لوكالة الأونروا في الهجوم الذي شنَّته حماس والفصائل الفلسطينية يوم السابع من أكتوبر، كما أكدت وثيقة نتنياهو على رفض الكيان الصهيوني للإملاءات الدولية بشأن التسوية الدائمة مع الفلسطينيين، وأكدت على رفضها الوصول إلى أيّ تسوية دائمة إلا من خلال المفاوضات المباشرة بين الطرفين ودون شروط مسبقة، وسوف تواصل معارضتها للاعتراف بالدولة الفلسطينية من جانب واحد.

إلى جانب وثيقة نتنياهو التي عرضتها هيئة البث الرسمية، وتناقلتها العديد من وسائط الإعلام الصهيونية، فقد كشف موقع «إكسيوس» عن مخطط موازٍ لما طرحه نتنياهو أسماه «اجتثاث التطرف» من المؤسسات التعليمية والدينية في قطاع غزة بمساعدة الدول العربية صاحبة الخبرة في مكافحة التطرف، كما سيعمد نتنياهو إلى الربط بين خطط إعادة الإعمار التي ستتكفل بها دول مقبولة وبين عملية اجتثاث التطرف.

بعدها بشهرين، أكد المتحدث باسم مكتب رئيس وزراء دولة الكيان بنيامين نتنياهو في حديث لمجلة نيوزويك على تلك المعاني بتلخيص؛ فقال: «ما نريد رؤيته في غزة في اليوم التالي للحرب هو منطقة منزوعة السلاح ومجتمع خالٍ من التطرف»، ولكنه عاد ليتحدث عن إدارة القطاع مِن قِبَل مدنيين محليين ليس لهم أيّ صلة بالإرهاب.

وبذلك تتضح خطة نتنياهو المُعلَنة لليوم التالي للحرب على غزة، والتي يحرص على نشرها والتأكيد عليها، وهي تتلخص في إيجاد وضع نهائي يديره فلسطينيون محليون من أبناء غزة، واقتطاع شريط من القطاع بمحاذاة مستوطنات غلاف غزة، توجد فيه بشكل دائم وحدات الجيش الصهيوني، وهذا الوجود سيشمل محور فلادليفيا، وهذه الوحدات لها القدرة على التحرك داخل غزة لمنع عودة المسلحين إلى القطاع؛ أي: أن حُلم نتنياهو هو الوصول بغزة إلى وضع أشبه بوضع الضفة الغربية الحالي.

ولكن في الأسابيع الأخيرة بدا أن نتنياهو قد خفَّف من مقاطعته للسلطة الفلسطينية في رام الله.

فقد قال ثلاثة مسؤولين صهاينة لهم اطلاع على الأمر لصحيفة تايمز أوف إسرائيل، في تقرير لها نشرته منذ أسبوعين: «إن مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تراجع في الأسابيع الأخيرة بشكل خاص عن معارضته لقيام أفراد مرتبطين بالسلطة الفلسطينية بإدارة غزة بعد الحرب ضد حماس».

ويأتي هذا التطور بعد أن أصدر مكتب نتنياهو توجيهات لعدة أشهر للمؤسسة الأمنية بعدم إشراك السلطة الفلسطينية في أيٍّ من خططها لإدارة غزة بعد الحرب، ووفقًا لمسؤولين إسرائيليين قالا: إن هذا الأمر أعاق بشكل كبير الجهود الرامية إلى صياغة مقترحات واقعية لما أصبح يُعرَف باسم اليوم التالي، كما تقول الصحيفة.

ولكنّ حلفاء نتنياهو من أحزاب الصهيونية الدينية، وعلى رأسه زعماء هذه الأحزاب سيموريتش وبن غفير، يضغطان برؤية ثانية، تكون فيها سيطرة صهيونية كاملة على القطاع وحُكمه بطريق مباشر، وبعد فشل مشروع التهجير، يريدان بناء مستوطنات يهودية في القطاع، وجلب عشرات الألوف من المستوطنين، وتغيير ديموغرافية غزة تدريجيًّا، تمامًا مثل ما يفعله المستوطنون بمباركة الحكومة الصهيونية في الضفة الغربية.

ولكنْ أيّ من الرؤيتين يتبناها نتنياهو؟

يبدو أنه يميل للرؤية الأولى؛ لأنها مدعومة أمريكيًّا، كما تشجّعها قيادات الجيش والأجهزة الأمنية، ولأنها أكثر واقعية، فسردية اليمين الصهيوني، والتي تتعلق بإعادة المستوطنين بغزة، قد سبق تجربتها، حتى إن أكثر زعماء الكيان الصهيوني تشدُّدًا وصهيونيةً، وهو أريل شارون، قد وصل إلى هذه القناعة، فكان الزعيم الأكثر جرأة، وفكَّك المستوطنات، وانسحب من القطاع.

ولكي يستطيع نتنياهو تطبيق رؤيته تلك، فإنه صاغ إستراتيجية تتمحور حول القضاء على جماعات المقاومة المسلحة أو إخضاعها لتقبل شروطه، ولذلك تتضمن تلك الإستراتيجية عدة محاور تشمل:

١-تصعيد حملات الإبادة ضد أهل غزة، وتدمير البنية التحتية للقطاع؛ لكي يتمكن من إيجاد حالة من الغضب والتمرد على حكم حماس للقطاع لنزع الحاضنة الشعبية للمقاومة، على أمل صُنع بديل من العائلات أو الجماعات، والتي عُرفت بعدائها لحماس والمقاومة المسلحة، أو لها ارتباطات بمحمد دحلان أو السلطة الفلسطينية.

٢- تكثيف محاولات اغتيال وتصفية قيادات المقاومة؛ لأنه يعتقد أن محاولات المقاومة لتعويض تلك القيادات وإيجاد البديل القيادي ستستغرق وقتًا، وبالتالي ستتعطل خطط المقاومة للصمود.

٣- الاستمرار في المفاوضات غير المباشرة مع المقاومة لتحقيق هدفين؛ تهدئة مظاهرات أهالي وأُسَر المعتقلين لدى المقاومة، وإخضاع المقاومة لكي تستجيب لأهدافه التي ذكرناها سابقًا، وفي حدها الأدنى أن تقبل بخضوعها لسلطة فلسطينية أخرى تتولَّى نزع سلاح المقاومة.

وقد شرع نتنياهو بالفعل في اتخاذ الخطوات العملية في هذا الاتجاه؛ فقد صرح مستشار الأمن القومي لدولة الكيان تساحي هنغبي (وهو المقرب من نتنياهو) في مؤتمر صحفي بأن خطة إسرائيل لليوم التالي لحماس سوف تبدأ في التنفيذ في شمال غزة في الأيام المقبلة.

وبعد هذا التصريح بأسبوع، نشرت صحيفة فايننشال تايمز أن الجيش الإسرائيلي يستعد لإطلاق برنامج تجريبي لإنشاء مناطق إنسانية للمدنيين في غزة غير المنتمين إلى حماس في مدينتين في شمال غزة.

وتقول التقارير: إن الخطة تتضمّن تسليم جوانب من السيطرة على غزة إلى رام الله والدول العربية المعتدلة، وهو ما يبدو وكأنه يؤكد استعداد إسرائيل للعمل مع السلطة الفلسطينية، على الرغم من التصريحات العامة المتكررة التي تؤكد العكس.

ومع ذلك، قُوبلت الخطة بالتشكك من جانب مسؤولين سابقين مجهولين وآخرين مطلعين على الخطط؛ تحدثوا إلى صحيفة الفايننشال تايمز البريطانية. وربما يتعلق قلق هؤلاء المسؤولين السابقين، بأن الحديث عن اليوم التالي لا يستقيم مع استمرار القتال في غزة؛ حيث تبدو مآلات تلك الحرب مجهولة.

ولكن ما موقف فصائل المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها حماس، من تلك الخطط؟

المقاومة الفلسطينية في مواجهة اليوم التالي

تحاول المقاومة الفلسطينية التصدي للمخططات الصهيونية والإقليمية والدولية، والتي تريد ترتيب اليوم التالي للحرب في غزة، من خلال إستراتيجيتين:

الأولى: الصمود في غزة، والحيلولة دون إعلان الجيش الصهيوني الانتصار أو السيطرة.

أما الاستراتيجية الأخرى فتتعلق بإجهاض أيّ محاولة لإيجاد أو زرع كيان بديل في غزة، يتمكن من إدارة حياة المدنيين، وإحكام سيطرتها على القطاع.

بالنسبة للإستراتيجية الأولى فحتى الآن تُبلي المقاومة بلاءً حسنًا في إدارة حرب عصابات ناجحة ضد جيش الكيان الصهيوني.

وهذا ليس تحليلاً من جهتنا، بل إن الخبراء في الكيان الصهيوني ما فتئوا في تبيان تلك الحقيقة، وعلى سبيل المثال لا الحصر فهذه اعترافات اللواء (احتياط) في الجيش الاسرائيلي يتسحاك بريك، في مقالٍ له نُشِرَ في صحيفة معاريف يقول فيه: «إن قوات الجيش (يقصد جيش الاحتلال) تتعرَّض للضرب بالمتفجرات والعبوات الناسفة والصواريخ المضادة للدبابات التي تطلقها المقاومة، وتختفي داخل الأنفاق، ولا تتمكّن قوات الاحتلال إلا من إصابة عدد قليل من المقاومين».

ويطلب هذا الجنرال من الناس في الكيان الاستماع بعناية لما يحدث فعليًّا بعيدًا عن أخبار الجيش الكاذبة؛ حتى لا يتفاجؤوا في المرة القادمة؛ على حد تعبيره.

ويقول: «أخبرني القادة والجنود أنه لا توجد قدرة على سدّ الأنفاق التي يصل عمقها إلى 50 مترًا تحت محوري فيلادلفيا ونتساريم التي يسيطرون عليها؛ والجيش الذي يكذب لا يمكن أن ينتصر».

ويناشد الجنرال الاحتياط، الناطق باسم الجيش الاعتراف بحقيقة أن السلاح ينتقل من الجنوب إلى شمالي قطاع غزة بسهولة، وبدون أي مشكلات، عن طريق الأنفاق العميقة، وانتشار الجيش في محور نتساريم لا يستطيع منع ذلك.

ويؤكد الجنرال بريك أن الإعلان عن قتل عدد كبير من المقاومين هو كذب، فالناطق باسم الجيش في تقديرات الجنرال الصهيوني يكذب دائمًا في الإعلان عن الخسائر البشرية للمقاومة، وحتى رئيس الأركان كذب عندما أعلن عن مقتل 900 مقاوم في رفح.

أما إستراتيجية المقاومة التي تعلق بإحباط خطط الصهاينة وحلفائهم في إيجاد بديل للمقاومة، فتتلخص في تعزيز الخدمات المدنية، وأعمال تطبيق القانون، وضبط المخالفين، ومعاقبة اللصوص، ومحاولة توفير الطعام لأهالي الشمال بإقامة التكايا التي تُوزّع الطعام على الناس.

وفي نفس الوقت تراقب المقاومة محاولات التسلل داخل القطاع، وتتعامل معها بحسم، فمنذ شهرين، نشرت حماس بيانًا أعلنت فيه عن ضبط بعض الرجال المسلحين التابعين لرئيس مخابرات السلطة الفلسطينية ماجد فرج، وهم يعتلون شاحنات المساعدات التي دخلت القطاع، كما تعاملت مع بعض المقاتلين التابعين لفتح في وسط القطاع واعتقلتهم.

كما جهّزت حماس قوات وجنّبتهم المعارك، لتكون مستعدة للتعامل مع أيّ محاولة للسيطرة العسكرية على القطاع من جانب أيّ تسلل كبير.

وكشف إعلام عبري تفاصيل خطة جهّزتها حماس لما بعد الحرب في قطاع غزة.

ففي تقرير لإذاعة «كان نيوز العامة الصهيونية»؛ فإن حماس أوقفت كتيبتين من القتال الفعلي مع القوات الإسرائيلية، وحافظت على طاقتهما؛ حيث ستكونان قوة محورية في استعادة قدرات الحركة العسكرية والسيطرة على الحكم في قطاع غزة بعد انتهاء الحرب.

وتتضمن خطة حماس الاحتفاظ بكتيبة في دير البلح وأخرى في خان يونس، وقد صدرت لهما تعليمات بعدم المشاركة قدر الإمكان في القتال؛ للحفاظ على قدراتهما، على أن تكونا قوة احتياطية للسيطرة الأمنية المستقبلية على قطاع غزة.

وأضافت الإذاعة: «إنه خلال الاجتياح العسكري الإسرائيلي في خان يونس تم نقل الكتيبة الموجودة هناك إلى رفح؛ لتجنُّب الأذى أثناء القتال، ثم عاد عناصرها إلى شمال المدينة بعد انتهاء الاجتياح في خان يونس، وبدء العملية في رفح؛ حيث تحركوا تحت غطاء مدني واندمجوا بين السكان.

وأشار التقرير إلى أنه من الصعب على القوات الإسرائيلية التعرف عليهم، موضحًا أنه وبالنظر إلى هذه المعلومات، يبدو أن اليوم التالي قد لا يكون اليوم التالي على الإطلاق، بل مجرد فصل ثانٍ لحرب السيوف الحديدية المستمرة؛ بحسب تعبير الإذاعة الصهيونية.

إن ثبات أهل غزة سيُحْبِط الخطط، ومثله التفافهم حول المقاومة الفلسطينية، والتي تعيش بينهم تأكل مما يأكلون، وتجوع مثلهم، ويجود قادتها بأرواحهم في سبيل نُصرة دينهم وقضيتهم، بل يُضحّون بأبنائهم وأحفادهم، وتجري دماؤهم في شوارع القطاع ممتزجةً مع دماء أبناء غزة.

فكل هذا سيُفجّر المؤامرات، وترتد سهامها على مَن أطلقها، لتحيا غزة وأبناؤها في غد مشرق جديد، بإرادة الله -تعالى- وتوفيقه.

أعلى