مُرَبِّي المرحلة

إن مُرَبِّي المرحلة هو مَن تخصَّص في مرحلة من المراحل العمرية، أو اهتمَّ بفئة من فئات المجتمع باعتبار معيَّن، وساعده على ذلك ميول واتجاهات إيجابية، وتوافق وانسجام في السمات الشخصية، والقدرات العقلية، والثقافة التربوية، وتفهُّم وقدرة نفسية في معايشة المدعو


خلق الله -تعالى- الخلق متفاوتين في القدرات والمواهب والطاقات، وهذا التفاوت في حقيقته خيرٌ للخلق؛ فالله -تعالى- هو العليم الحكيم، وهو أعلم بمصالح العباد؛ قال -تعالى-: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْـخَبِيرُ} [الملك: 14]، وقال -سبحانه-: {أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ} [البقرة: 140].

فمن خلال هذا التفاوت يكون التكامل البشري؛ حيث تُسدّ الثغور، ويُكمل النقص، ويُجوّد البنيان، وتُفعَّل الطاقات، وتُورَّث الخبرات، وتُصقَل التجارب، كما أن هذا التفاوت يتناسب مع الطبيعة البشرية التي تنتهج -في الغالب- مسارًا واحدًا فتتمركز فيه، عدا مَن آتاه الله -تعالى- بعض القدرات التي تُمكّنه من سدّ كثير من الثغور، وذلك فضل الله -تعالى- يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم، إلا أن ذلك خارم للعُرْف السائد في أعمال البشر، ولذلك هو قلة في البشرية عمومًا.

وعندما نتحدَّث عن تربية الإنسان نجد أن حالته تختلف باختلاف مراحله العمرية التكوينية، وكل مرحلة لها خصوصيتها من حيث الخصائص والسمات، والنمو والنضج، والتغيرات التي تصحب تلك المراحل، وكل ذلك مؤثر بدرجة كبيرة في التلقي وتكوين القناعات، وبناء التصورات والمنطلقات، ويمتد التأثر في تحديد الاتجاهات والاهتمامات والمنطلقات، واتخاذ القرارات، وتطبيق السلوكيات المختارة.

وإذا استحضرنا ذلك التفاوت بين الخلق في القدرات، وربطناه بتلك المراحل العمرية من حيث التربية والبناء، والتخصص والعطاء، نجد ذلك بيِّنًا في العمل التربوي الذي يهدف لتربية الشرائح المستهدفة بجميع تصنيفاتها.

فالمربون يتفاوتون في مدى قدرتهم على التربية؛ من حيث ما يحملونه من سمات وصفات شخصية، وكذا من حيث ميلهم واتجاههم في المساق التربوي الذي يرغبونه ويُفضّلونه على غيره من المساقات، كما أن الخلفية الثقافية، والرصيد المعرفي، والقراءات الذاتية، والتطوير الشخصي في مجال الشغف؛ كل ذلك يلعب دورًا كبيرًا في انسجامية التربية والعطاء اللامحدود في المرحلة المقصودة.

وعليه؛ فمن المربين مَن يُجيد تربية المراحل العمرية الأولية (الطفولة)؛ لفارق السن والخبرة، ولوجود بعض السمات والخصائص لديه تتناسب مع هذه الشريحة، وبعض الخلفيات الثقافية المؤثرة في ذلك، ويساعده تجاوب المتربين في هذه المرحلة وتطاوعهم معه؛ لشعورهم في هذا العمر أنّ مربيهم أعلى منهم؛ إلا أنه يعجز عن تربية من هم في مرحلة المراهقة، وتجده لا يطيق ذلك ولا يتحمّله، وربما لو بقي معهم لأفسد أكثر من أن يصلح.

ومِن المربين مَن يجيد التربية في مرحلة الشباب، ويجد أن لديه تجانسًا وتوافقًا وتفاهمًا مع هذه الشريحة، وأنها تتناسب مع بُعْده العلمي، ورصيده المعرفي، وصفاته الشخصية، وهناك مَن يُجيد تربية الكبار ويتجانس منطقه وتعامله معهم بشكل كبير، فهو معهم وبينهم أنفع ما يكون من حيث العطاء والتحمل.

فالمُربّون مشارب، كلٌّ قد علم مشربه، كما قال -تعالى-: {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ} [البقرة: 60] ، وكلٌّ قد علم مجاله الذي يُنتج فيه، ولا ضَيْر أن بعض المربين هو «مُربِّي مرحلة» ما، ولا يُجيد غيرها. فكلّ مَن كان في باب العطاء والبذل والتضحية لهذا الدين هو في الحقيقة في عمل شريف، وجهده يُذْكَر فيُشْكَر، وربّ العزة والجلال خيرُ مَن يحفظ جميل الباذلين المضحّين لدينه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بعِنَانِ فَرَسِهِ في سَبيلِ اللَّهِ، أَشْعَثَ رَأْسُهُ، مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ، إنْ كانَ في الحِرَاسَةِ، كانَ في الحِرَاسَةِ، وإنْ كانَ في السَّاقَةِ كانَ في السَّاقَةِ، إنِ اسْتَأْذَنَ لَمْ يُؤْذَنْ له، وإنْ شَفَعَ لَمْ يُشَفَّعْ»[1].

كما لا بد من أن يعي مُرَبِّي المرحلة أمرًا مهمًّا؛ ألا وهو أن القدرات العقلية ومستوى ذكاء المُربّي والرصيد العلمي والثقافي، كلّ ذلك يؤثر في اختيار المرحلة؛ فالمراحل العمرية المتقدمة تحتاج لقدرات عقلية عالية، ومستوى من الذكاء عالٍ، وكذا تحتاج لرصيد متين من العِلْم والمعارف والمهارات، لا تُقارَن مع المراحل المتأخرة في العمر.

وعليه؛ يمكن القول: إن مُرَبِّي المرحلة هو مَن تخصَّص في مرحلة من المراحل العمرية، أو اهتمَّ بفئة من فئات المجتمع باعتبار معيَّن، وساعده على ذلك ميول واتجاهات إيجابية، وتوافق وانسجام في السمات الشخصية، والقدرات العقلية، والثقافة التربوية، وتفهُّم وقدرة نفسية في معايشة المدعوين وإفادتهم. 

مُرَبِّي المرحلة وخلط الأوراق:

ثمة قناعات تحتاج لمراجعات في العمل التربوي، ومن ذلك:

- القناعة بأن مَن تلقَّى تربيةً معينةً في البناء التربوي فهو مُؤهَّل لتربية مَن شاء مِن المراحل العمرية، ولو لم يملك الصفات والسمات الشخصية، والخلفيات الثقافية، والرصيد العلمي والمعرفي الذي يُؤهِّله لتربية تلك المرحلة العمرية.

- القناعة بتدوير المربين ولو كان في غير توجهاتهم؛ فمن الخطأ البيِّن خلط الأوراق، وتبديل الأدوار، وتدوير المربين في غير توجهاتهم، والزَّجّ بهم للعمل في أعمال لا تتناسب مع توجهاتهم واهتماماتهم من حيث المرحلة العمرية، وأعظم ما يُوجِده هذا الخلط هو قيام المُربّي بهذه المهمة التربوية دون دافعية ذاتية، وقناعة داخلية معززة.

-الاكتفاء بالشهادة الأكاديمية؛ كمؤهل لبعض المربين للقيادة التربوية لبعض المراحل العمرية دون اعتبار للصفات والسمات الشخصية، أو اعتبار لجانب التجربة والخبرة الميدانية، أو اعتبار للميول والتوجهات النفسية.

- الاكتفاء بالانطباعات الشخصية، والميول غير المدروسة، في اختيار المرحلة العمرية، دون تأهيل علمي، سواء أكاديمي أو عبر البرامج التخصصية الأخرى.

ولا شك أن تلك القناعات قد تُؤخِّر الإنجاز أو تُضْعِفه، وقد تقود للترك والتنحي، وقد تُفْضِي لعدم الجودة والتحبير في العطاء والتربية، وقد تُضْعِف المُخرَج والنتيجة والثمرة.

مُرَبِّي المرحلة والتطوير المنشود:

ينبغي النظر في تطوير مُرَبِّي المرحلة من جهتين:

الجهة الأولى: المهتمون بالتربية:

فعليهم أن يدركوا ما يلي:

-كون «مُرَبِّي المرحلة» يصلح لتربية مرحلة من المراحل العمرية لا يعني هذا أنه يُطيق تربية غيرها من المراحل، لكنه قد يكون في غير مرحلته (لبعض الظروف) معاونًا ومساندًا، ولكن ليس أولاً فيه، ولكن في مرحلته يتغير رقمه الاجتماعي فيكون أولاً فيه.

-عليهم أن يُسْهموا في تطويره وتمكينه وتوريثه التجارب والخبرات فيما تخصَّص فيه؛ حتى يكون مستقبلاً؛ مرجعًا في بابه، ومستشارًا في تخصُّصه، وخبيرًا في مجاله، ولا يكون ذلك إلا بالدعم والمؤازرة، والتطوير والتركيز الذي يُفْضِي للمقصود.

-عليهم أن يُقدِّروا ذات المُربّي، وأن يحترموا اختياره، وأن يراعوا تخصُّصه، وألا يجعلوا من العفوية والارتجالية، أو الإكراه واقعًا مُمارَسًا في الميدان التربوي.

-مع ما مضَى؛ لا بد من مراعاة الفارق العمري بين المُربّي والمتربي في البيئة التربوية؛ فالأنسب للمربي صغير السن، قليل الثقافة التربوية، أن يكون في المرحلة الأبعد عن عُمر الأقران أو المرحلة التي تخرَّج منها قريبًا؛ حتى يكون هناك فارق عمري يتحقق من خلاله الاحترام ويكون للتوجيه أثره ومكانته؛ فعلى سبيل المثال: طالب الجامعة الأنسب له طلاب المرحلة الابتدائية والمتوسطة، وهكذا عندما يكون المُربّي متقدمًا في السن فالأنسب له طلاب المرحلة الثانوية والجامعية، وهذا يقودنا للتوجيه الأمثل للمربين الجدد.

الجهة الأخرى: مُرَبِّي المرحلة نفسه:

ينبغي له أن يُحدِّد بوصلته مبكرًا، وأن يجتهد في بناء نفسه، وأن يتزوّد من المعارف والمهارات التي تُمكّنه من إدراك الوعي المتعلق بالمرحلة المختارة، وأن يُطوّر قدراته، وينمّي ثقافته فيها.

ومما يُعيّن على ذلك:

-المتخصصون الأوائل:

وهم المربون المتخصصون أكاديميًّا، والذين سبقوه في الميدان التربوي ممن يشترك معهم في الاتجاه من حيث المرحلة العمرية المستهدَفة، فيجدر بالمربي الالتقاء بهم، والاستفادة من تجاربهم السابقة وخبراتهم.

-الأقران في الميدان التربوي:

الأقران في الغالب أصحاب هموم مشتركة، ومستواهم الفكري متقارب، وكذا مشكلاتهم التي يواجهونها في المرحلة العمرية الواحدة ليست بمنأى عن التكرار المشترك فيما بينهم في كثيرٍ من الأحوال. ومن هنا يحسن بالمربي أن يحرص على الالتقاء بهم، ومناقشة الهموم المشتركة بينهم، وتبادل التجارب والخبرات.

-الخبراء التربويون:

وهم مَن جمعوا بين الجانب المعرفي والعملي في المرحلة العمرية، وقضوا في ذلك أعمارًا عديدة وأزمنة مديدة؛ فولدت لديهم معارف وخبرات وتجارب كثيرة في معالجة مشكلات المرحلة العمرية المعنية؛ فكانوا أقدر الناس في توريث حلولها، وقبل ذلك في توصيفها وتحليلها، ومعرفة أسبابها ومتعلقاتها.

-الالتحاق بالبرامج العلمية المتخصصة:

ثمة برامج علمية متخصصة، سواء كانت دراسات عليا، أو دراسات أكاديمية، أو معاهد علمية خاصة، أو دبلومات تخصصية؛ تفيد كثيرًا في البناء التخصصي العلمي لبعض المراحل العمرية، يجدر بالمربي الاستفادة منها.

-الدورات التدريبية المطورة:

وهي اليوم أكثر من أن تُحْصَر، ولا شك أن ثمة فائدة مرجوة من المشاركة فيها؛ لا سيما إذا كان البرنامج التدريبي متخصصًا في إحدى المراحل العمرية، ويُلْقَى مِن متخصِّصين بارعين لهم خبراتهم وتجاربهم.

-القراءة الذاتية:

وهي من أهم ما ينبغي أن يحرص عليها المربي المتخصِّص، فلا سبيل للمربي في تطوير ذاته وهو ينأى عن القراءة الذاتية التخصصية، بل المفترض أن يكون نَهِمًا في القراءة، وبقَدْر ما يُعطي للقراءة المركزة فيما تخصَّص فيه من مرحلة عمرية؛ بقَدْر ما تتَّسع مداركه، ويتعمَّق فَهْمه ويقوى تخصُّصه. كما ينبغي أن تكون القراءة ممنهجة؛ أي قائمة على خصائص التأصيل والتدرج التراكمي، والبُعْد الزمني الطويل.

مُرَبِّي المرحلة والمتميزون:

ثمة متميزون يفوقون أقرانهم تميُّزًا وذكاءً وتفاعلاً في بعض البرامج التربوية، يصادف ذلك بعض المربين في بعض المراحل العمرية ممن ضعف وتأخَّر عن ركب التلقي والنمو، فنضب ما عنده وقلَّ عطاؤه، وأصبح المتميزون يشعرون بحاجتهم للتلقي من مُرَبٍّ يملك عطاءً يرتوون منه وزادًا يتزودون منه، أو يكون المربي ممن قدراته وثقافته محدودة، وأنه لا يستطيع أن يعطي أكثر مما أعطاه لهذه الفئة، بحكم ظروفه الاجتماعية، أو العملية، أو عامل السنّ، أو ظروف صحية يمرّ بها، أو غير ذلك من الأسباب، فعندئذ يكون المربي متنازعًا بين أمرين:

-إما أن يتقي الله -تعالى- فينقلهم لمن هو أفضل منه، فيكون ناصحًا لهم، مُطبِّقًا لقوله صلى الله عليه وسلم : «كُلُّكُمْ راعٍ وكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ»[2]؛ حيث يرشد النبي صلى الله عليه وسلم  كل فرد من أُمّته إلى القيام بواجبه نحو ما خوَّله الله عليه، فيخبر صلى الله عليه وسلم  أنه ما من مسلم في هذه الأمة إلا وتحته مَن يرعاهم ويتحمَّل مسؤوليتهم، فيقول: «كلكم راع ومسؤول عن رعيته»، يقول ابن حجر: «الراعي هو الحافظ المؤتمَن الملتزم صلاح ما اؤتمن على حفظه؛ فهو مُطالَب بالعدل فيه والقيام بمصالحه».[3]

-وإما أن يكابر فيمانع ويُبقيهم عنده، وبالتالي يكونون ضحيةً له ولقدراته وتفكيره المحدود؛ فيُفوّت عليهم ما ينفعهم في دينهم ودنياهم، ويقدّم اعتباراته الشخصية على مصالح الأجيال الصاعدة، وهذا يُخشى عليه من قوله صلى الله عليه وسلم : «ما مِن عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَومَ يَمُوتُ وهو غاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عليه الجَنَّةَ»[4]، وقوله صلى الله عليه وسلم : «ما مِن عَبْدٍ اسْتَرْعاهُ اللَّهُ رَعِيَّةً، فَلَمْ يَحُطْها بنَصِيحَةٍ، إلَّا لَمْ يَجِدْ رائِحَةَ الجَنَّةِ».[5]

معارف ومهارات مُرَبِّي المرحلة:

ثمة معارف ومهارات ينبغي لمُرَبِّي المرحلة أن يعتني بها، وهي تمثل المنطلقات والأسس التي من خلالها يبني المربي بناءَه التربوي.

فمن المعارف المهمة التي ينبغي أن يعتني بها مُرَبِّي المرحلة، ما يلي:

أولًا: المعرفة الشرعية:

ونقصد بالمعرفة الشرعية ذلك الرصيد العلمي الذي يُمكِّن المربي من تبصير المتربين بأهم القضايا الشرعية، والأحكام الفقهية، التي تتناسب معهم كشريحة عمرية مُستهدَفة، وكذا تَمكُّنه من القدرة على بحث المسائل الشرعية والإعداد للموضوعات العلمية، ويدخل في هذا الباب القدرة على الإجابة عن التساؤلات الملحة من المتربين، وحل إشكالاتهم الشرعية.

ثانيًا: معرفة طبيعة المرحلة وخصائصها:

لكل مرحلة خصائصها العمرية التي تُميّزها عن غيرها من المراحل، وتكمن أهمية الوعي بهذه الخصائص، من خلال علاقتها بالاحتياجات؛ إذ تُبْنَى احتياجات المتربين في الأصل على خصائصهم العمرية، وتمتد الأهمية بالوعي بها، إلى تحديد الأدوار التربوية للمربي؛ وهي أدوار يُفتَرض أن تكون مبنية على تلبية الاحتياجات. فمُرَبِّي المرحلة لا بد له أن يستوعب هذه العلاقات التناسبية والتراكمية، والتي تبني اللاحق على السابق، ودون ذلك قد يحدث الخلل في تحرير الأدوار المنوطة به.

ثالثًا: معرفة المقاصد التربوية للمرحلة المستهدفة:

 المقاصد التربوية هي مُراد الشارع الحكيم فيما ينبغي أن يتربَّى عليه الإنسان في كلّ مرحلة عمرية، والمستنبَطة من نصوص الوحي كما قال الغزالي: «ومقاصد الشرع تُعرَف بالكتاب والسنة والإجماع»[6]، وقال الشاطبي: «ونصوص الشارع مُفهمة لمقاصده، بل هي أول ما يُتلقى منه فَهْم المقاصد الشرعية».[7]

 وعليه؛ فعِلْم المقاصد التربوية من أهم العلوم التي ينبغي لمُرَبِّي المرحلة أن يَعِيَها ويستحضرها إبَّان تربيته؛ لأنها حافظة له من فوضى الأولويات، فلا يُقدّم إلا ما قدَّمه الشرع، ولا يُؤخِّر إلا ما أخَّره الشرع، وتقرير أولويات التربية وما ينبغي أن يتربى عليه المتربي في كل مرحلة ليست للبشر، وإنما قرَّرها الشارع الحكيم من خلال نصوص الوحي؛ فهو تقرير مُحْكَم من لدن خبير عليم بخلقه.

رابعًا: معرفة مشكلات المرحلة وحلولها:

من الأهمية بمكان أن يُلِمّ المربّي بأبرز المشكلات التي تلازم المرحلة العمرية المعنية؛ من خلال الاطلاع وسؤال الخبراء، والاستفادة من أصحاب التجارب السابقة، ليُكَوِّن رصيدًا معرفيًّا وسلوكًا عمليًّا، ويمتلك القدرة على توصيفها وتحديد آثارها وسُبل علاجها، وطرح الحلول المناسبة لها، وإعانة المتربين على تجاوزها.

كما يجدر بالمُربي أن يُجدِّد ويُحدِّث مصادره في معرفة المشكلات؛ فالمشكلات تختلف باختلاف المعطيات والتحديات الزمنية والمكانية، فما كان مشكلة في العقد الماضي أصبح اليوم فرصة، وثمة مشكلات حديثة مرتبطة بمتغيرات عصرية لا يمكن تجاوزها، ولا بد من استحضارها في تربية الجيل المعاصر.

ومن المهارات المهمة التي يجدر أن يعتني بها مُرَبِّي المرحلة:

المهارات الناعمة:

وهي القدرات الشخصية المُكتسَبَة لمُرَبِّي المرحلة، والتي يمكن من خلالها التعامل مع المتربين من حيث المواقف والسلوك بصورة أدبية لائقة ومناسبة؛ مثل: مهارات التواصل، ومهارات القيادة، ومهارات حل المشكلات ومهارات العمل ضمن فريق واحد، ومهارات التعلُّم مدى الحياة، ومهارات إدارة الوقت، ومهارات التخطيط، وغيرها من المهارات.

 ويمثل اكتساب مُرَبِّي المرحلة للمهارات الناعمة تحديًا مُهمًّا؛ لا سيما وهم يتعاملون مع جيلٍ صاعدٍ له سمات مختلفة عن سمات الأجيال الماضية، مما يتطلب قدرات ومهارات خاصة في احتوائهم وكسبهم والتأثير عليهم.

مُرَبِّي المرحلة وهوية البيئة التربوية:

لكل بيئة تربوية هويتها الخاصة بها، والتي تُميّزها عن غيرها من البيئات، وهذه الهوية مهمَّة جدًّا في تحديد إستراتيجيات البيئة التربوية ومتعلقاتها؛ كاختيار المُربِّي، والمنهج المُتَّبع، والوسائل والأساليب والأدوات المناسبة، وأدوات التقويم، وتحديد المخرجات.

وتؤثر هوية المحضن في اختيار المُربّي من جهة أن بعض المربين قد يُجيدون التربية في بعض المحاضن التربوية، ولا يجيدونها في البعض الآخر؛ فقد يُجيد المربي التربية في البيئة التربوية التي تمتاز بالهوية العامة، أو البيئة التربوية التي تستهدف شريحة المقبلين بعد صبوة، أو البيئة التربوية المتعلقة بالمسلمين الجدد أو طلاب المِنَح، وغير ذلك؛ فحَرِيٌّ مراعاة هذا الاعتبار؛ لأنه يفتح آفاقًا جديدة لمُرَبِّي المرحلة من حيث الاختيار والتركيز وبناء الخبرات وصقل التجارب.

وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 


 


[1] صحيح البخاري: (2877).

[2] صحيح البخاري: (5200).

[3] فتح الباري، لابن حجر: ج 13، ص112.

[4] أخرجه البخاري (7150)، ومسلم (142) واللفظ له

[5] صحيح البخاري: (7150).

[6] المستصفى للإمام الغزالي، ص179.

[7] الموافقات للشاطبي، ج 3، ص 125.

أعلى