• - الموافق2024/12/03م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
غزة بين السلاح والسياسة

بدأت حرب غزة بهجوم منظَّم، شنَّته فصائل المقاومة الفلسطينية بقيادة كتائب القسام الجناح العسكري لحماس على مستوطنات غزة، اعتمادًا على إستراتيجية الدفع والسحب.


«ما لم تستطع أخذه كاملًا بالحرب العسكرية؛ يمكن الحصول عليه في المفاوضات».

هذه مقولة طالما يرددها علماء السياسة، خاصةً عندما لا تُجْدي القوة العسكرية في تحقيق جُلّ أهداف الحرب، حينها يكون السبيل الآخر للوصول إلى تلك الأهداف واستكمال النصر الشامل، هو اللجوء لطاولة المفاوضات والدبلوماسية؛ لانتزاع ما عجزت الآلة الحربية عن تحقيقه.

فالصراع يعتمد على كيفية توجيه هذين المسارين؛ أي القوة العسكرية والسياسة، ومِن ثَم توظيفهما للوصول إلى الأهداف الإستراتيجية للصراع.

وما نشهده الآن في الحرب الجارية الآن في غزة، ما هو إلا محاولة لتطبيق هذه النظرية.

ولا يقتصر توظيف ثنائية القوة والسياسة على طرفٍ دون الآخر في هذه الحرب، ولكنْ كل من دولة الكيان الصهيوني والمقاومة الفلسطينية يحاول توظيف هذه الثنائية بقدر إمكانه للوصول إلى أهدافه.

ومن الملاحَظ أنه بعد مرور ما يقرب من خمسة أشهر، أدرك الجميع، سواء كانوا أطرافًا مباشرةً في الصراع أو غير مباشرة، أن تلك الحرب ليست النهاية، وأنها مجرد حلقة في سلسلة طويلة، فهذه الحرب ما هي إلا معركة من بين معارك عديدة وصراع طويل بين الطرفين، يتم فيه استخدام كل الأدوات المتاحة؛ سواء كانت عسكرية أو سياسية؛ حيث يحاول كلّ من طرفي الصراع أن لا يكون الصراع صفريًّا مهما ادعى الصهاينة أنه كذلك، أو يحاولون أن يكون صفريًّا، فكل من الطرف المقاوم أو الطرف الصهيوني لا يريد أن يخرج منها خاسرًا بالكلية، ولكن يحاول الخروج منها بتحقيق أكبر قدر من المكاسب وأقل قدر من الخسائر.

وفي هذا المقال سنحاول فيه تفكيك تلك الخلطة المكونة من القوة العسكرية والسياسة في هذه الحرب، وكيف يحاول طرفا الصراع التعامل معهما، في محاولة تحقيق أكبر قدر من الأهداف، أو على الأقل منع الطرف الآخر من تحقيقها.

القوة العسكرية

ارتبط مفهوم القوة تاريخيًّا بالقوة العسكرية، وفي العصر الحديث تعدَّدت مفاهيم القوة لتشمل مجالات أخرى، منها الاقتصاد والسياسة والإعلام والتكنولوجيا، وكل ما اصْطُلِحَ على تسميته بالقوة الناعمة، ولكن تظل القوة العسكرية هي المظهر المفضل والأكثر قدرة على تحقيق نتائج في المعارك، وإن ظهرت بعض أساليب الحروب التي تَحُدّ من قدرة الجيوش العسكرية على الحسم، مثل الحرب غير المتناظرة، وما تستخدمه من إستراتيجية حرب العصابات، والتي تقاتل فيها الجيوش منظمات وليس جيشًا مماثلًا لها، ولكن حتى في مثل هذه الحالات، فالطرفان؛ سواء الجيوش أو المنظمات، يستخدمان القوة العسكرية.

وعند مقارنة قدرات الجيش الصهيوني بالمقاومة الفلسطينية، نجد الآتي:

يصنّف الجيش الصهيوني ضمن أقوى 18 جيشًا في العالم، وفقًا لإحصائيات موقع غلوبال فاير باور الأمريكي لعام 2023، التي تضم 145 جيشًا حول العالم، والتي تضعه في المرتبة الـ17 بين أكثر جيوش العالم إنفاقًا، بميزانية دفاع تُقدَّر بـ24.3 مليار دولار.

ويضم جيش الاحتلال ما يقرب من173  ألف فرد قوات عاملة، ونحو 465 ألفًا آخرين في الاحتياط، و8 آلاف قوات شبه عسكرية. كما يمتلك هذا الجيش العشرات من الرؤوس الحربية النووية، رغم أن دولة الكيان لم تعترف بها قط.

ويحوز الجيش الصهيوني أيضًا على عدد غير محدود من الطائرات من دون طيار، وطائرات مقاتلة ودبابات وغواصات ومدفعية متطورة للغاية، ومجموعة واسعة من ناقلات الجنود المدرعة والمدفعية والصواريخ والمروحيات والسفن الحربية.

ويتميز الجيش الصهيوني كذلك بقدرات سيبرانية متفوقة، كما يعتمد منذ عام 2011 بشكل كبير على نظام الدفاع الصاروخي، والذي يُطلَق عليه القبة الحديدية، وتبلغ تكلفته مليارات الدولارات؛ لاعتراض وتدمير الصواريخ قصيرة المدى باستخدام تكنولوجيا الرادار.

أما المقاومة الفلسطينية، وبالتحديد كتائب القسام، فهناك تقديرات لعدد مقاتليها يتراوح ما بين ثلاثين إلى أربعين ألفًا، كما يمتلكون ترسانة عسكرية يُعتقَد أنها تضم آلاف الصواريخ، ما بين قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى، وكذلك يمتلكون عددًا من الطائرات من دون طيار.

وأظهر هجوم 7 أكتوبر امتلاك القسام الطائرات الشراعية، وحتى الجرافات والشاحنات الصغيرة والدراجات النارية، كما تعتمد القسام على شبكة ضخمة من الأنفاق تحت قطاع غزة؛ لتخزين الأسلحة والإمدادات وتدريب المقاتلين بعيدًا عن أنظار الاستخبارات الصهيونية.

ولكن عندما تكون المواجهة العسكرية بين جيش نظامي ومجموعات مسلحة أو قوات شبه عسكرية، كما هو الحال بين الجيش الصهيوني والجماعات الفلسطينية المسلحة؛ فإنه لا يمكن إجراء مقارنة تقليدية بين الطرفين، بل تعتمد على كيفية استغلال كل طرف للسلاح الذي يمتلكه، وإستراتيجية القتال التي تُمكّنها من تحييد مميزات الطرف الآخر وقدراته العسكرية؛ فقوة الجيش الصهيوني تساوي أضعافًا مضاعفة لما تملكه المقاومة الفلسطينية، ولكنّ الإستراتيجية التي تعتمد عليها المقاومة قلبت الأمور رأسًا على عقب، بعد أن ظهر أنها قد أعدَّت نفسها مسبقًا لاحتمالات خوض تلك الحرب.

بدأت حرب غزة بهجوم منظَّم، شنَّته فصائل المقاومة الفلسطينية بقيادة كتائب القسام الجناح العسكري لحماس على مستوطنات غزة، اعتمادًا على إستراتيجية الدفع والسحب.

في الشق الأول من هذه الإستراتيجية، تمثل النجاح العسكري حينها في أمرين: المفاجأة والمباغتة، ثم توظيف الوسائل العسكرية البسيطة تكنولوجيًّا لتحقيق انتصار مفاجئ ومباغت، تمكَّنت فيه من اختراق المنظومة الإلكترونية وجدار الفصل، واقتحمت القواعد العسكرية في تلك المنطقة، كما قامت بقتل وأَسْر جنود صهاينة وعدد من المدنيين.

أما الشق الثاني في الإستراتيجية؛ فقد انسحبت المقاومة من غلاف غزة لتتحصّن في أنفاقها، وانتظرت قدوم القوات البرية الصهيونية، لتخوض معها حرب عصابات ناجحة كبَّدت العدو خسائر كبيرة، سواء في القتلى من جنوده أو تدمير آلياته، وهذا ما اعترف به وزير الدفاع الصهيوني غالانت مؤخرًا بعد مرور خمسة أشهر من الحرب في مؤتمر صحفي عندما قال بالنص: «هذه الحرب لم نشهد مثلها منذ 75 عامًا، إن الأثمان التي نتكبّدها في أعداد القتلى والجرحى باهظة».

أما الجيش الصهيوني فقد بُوغِت بهجوم حماس وبقية الفصائل الفلسطينية، وأصابه الشلل في البداية، ثم عمل على امتصاص الصدمة تدريجيًّا، وحين استوعب الضربة الاستباقية للمقاومة قام بهجوم مضاد حاشدًا فيه قوته العسكرية الضاربة، وصفها وزير الدفاع الصهيوني غالانت بأنها حرب مميتة، ليبدأ الجيش الصهيوني هجومًا عسكريًّا جويًّا وبحريًّا، وفي مرحلة لاحقة بريًّا، مسنودًا بقوى الغرب العسكرية والتجسسية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، القوة العسكرية الأكبر في العالم، وحشد الصهاينة أيضًا فِرَق المرتزقة من جنسيات عديدة، ليبدأ ما صنَّفته المنظمات الدولية بحملة إبادة جماعية لشعب غزة من القصف والقتل والتجويع.

واستعان الجيش الصهيوني بإستراتيجية تقطيع الأوصال: أي تقسيم غزة إلى أربع مناطق (شمال غزة، المنطقة الوسطى، خان يونس، رفح) مركزًا فيها الهجوم على عدة مراحل في كل منطقة على حدة، ويحاول استكشاف الأنفاق وتفجيرها وتطهيرها -كما يزعم- من المقاومة، مع استمرار القصف المحدود للمناطق الأخرى.

وبعد مرور خمسة أشهر من القتال وادعاء الصهاينة أنهم قضوا على 18 كتيبة من كتائب القسام الـ24؛ حيث تبقى كما يزعم كتيبتان في خان يونس وأربعة كتائب في رفح، إلا أن التقارير الأمريكية واستمرار عمليات المقاومة بضراوة يُكذِّبان هذه الادعاءات.

ووصل الأمر إلى أن قيادات الجيش والاستخبارات الصهاينة قد اعترفوا بقدرات المقاومة.

وأجرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية في 24 فبراير الماضي، عبر مراسلها في القدس حوارًا مع ضباط استخباريين صهاينة ومع قائد لواء نحال في الجيش الصهيوني.

ووفقًا لضابط في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية؛ فإن ما لا يقل عن 5 آلاف مقاتل من كتائب القسام ما زالوا موجودين في شمال قطاع غزة، بينما قال آخرون: إن إسرائيل لم تهزم حركة حماس في شمال قطاع غزة، ويبدو أن هدف رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بتدمير الحركة لا يزال بعيد المنال.

بينما اعتبر قائد لواء «نحال» أن عودة جيش الاحتلال الإسرائيلي للقتال في محيط مستشفى الشفاء غرب مدينة غزة، لمحاربة المقاومين الذين أعادوا تجميع صفوفهم، دليل على صعوبة القضاء على حماس.

وشدَّد عدد من القادة الإسرائيليين للصحيفة، أن قوة المقاومة هائلة، وستكون قادرة على مهاجمة القوات البرية وإطلاق الصواريخ على إسرائيل.

السياسة من خلال التفاوض

في مقال شهير له بعنـوان «عن التفاوض»؛ كتب الفيلسوف الإنجليزي الشهير فرانسيس بيكـون عام 1625م: «إذا كنت بصدد أن تفاوض أيّ طرف، فعليك أن تعرف إما طبيعته وإما أساليبه، ومِن ثمَّ تستطيع أن تقوده. أو تعرف نقاط ضعفه ومساوئه، ومِن ثَمَّ يمكنك أن تُرهبه. أو تعرف هؤلاء الذين لهم مصالح مباشرة أو غير مباشرة معه، ومِن ثَمَّ تستطيع أن تتحكم فيه. عليك -عندما تتعامل مع الخبثاء- أن تدرس غاياتهم بشكل جيد حتى تستطيع أن تؤوّل أحاديثهم بشكل صحيح، ومن المستحسَن أن تُقلّ من الكلام، وأن تقول دائمًا الأمور التي لا يبحثون عنها أو يتوقّعونها. ولا يجوز للرجل في المفاوضات الصعبة أن يتوقع أن يبذر ويحصد على الفور، بل يجب أن يُعِدّ العمل ويتركه ينضج تدريجيًّا».

والملاحظ أن حماس طبَّقت كثيرًا من القواعد التي ذكرها بيكون في مقاله، في إدارتها للمفاوضات مع الكيان الصهيوني، وتلعب شخصية زعيم حماس في غزة يحيى السنوار دورًا محوريًّا في مواقف الحركة وإستراتيجيتها، خاصةً في إدارتها للمفاوضات، ومِن ثَم توجيه المكتب السياسي في خارج غزة، فالسنوار يبدو نمطًا مختلفًا عن سابقيه في القيادات؛ سواء على مستوى حماس، أو حتى على مستوى قيادات الحركات الإسلامية في العالم.

ومنذ ثلاثة أشهر نشرت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية مقالًا مطولًا عن يحيى السنوار، الذي قضى أكثر من عقدين أسيرًا في سجون الاحتلال، تحت عنوان «زعيم حماس الذي درس نفسية إسرائيل ويراهن بحياته على ما تعلمه».

فالسنوار عكف في السجن على دراسة المجتمع الصهيوني، وتعلّم العبرية، ومشاهدة الأخبار المحلية والدخول في النفسية الصهيونية.

وفي حديث له مع الفضائيات الصهيونية حلّل الرئيس السابق لسجون دولة الاحتلال يوفال بيتون بعضًا من جوانب شخصية السنوار، والذي قضى معه وقتًا طويلًا، ويقول بيتون: «إن السنوار شرح له نظرية أصبحت الآن محورية في الحرب في غزة».

وذكر السنوار لقائد السجن الصهيوني أن «ما تعتبره إسرائيل نقطة قوة -أي أن معظم الإسرائيليين يخدمون في الجيش، وأن الجنود يتمتعون بمكانة خاصة في المجتمع- هي ضَعف يمكن استغلاله».

وقال بيتون -وأكد على كلامه مسؤول مصري ساعد في التوسط في الصفقة-: «إن السنوار كان متشددًا للغاية في مطالبه، لدرجة أن إسرائيل وضعته في الحبس الانفرادي؛ للحد من نفوذه داخل حماس».

وقد طبَّق السنوار نظريته في عام 2011م، فقد ثبت أنه هو الذي أدار المفاوضات وهو في داخل السجن والتي أسفرت عن الإفراج عن 1027 أسيرًا فلسطينيًّا تم إطلاق سراحهم (كان السنوار واحدًا منهم) مقابل جندي إسرائيلي واحد.

وعلى الرغم من ذلك، وطبقًا لتقارير في الصحافة الأمريكية؛ فإن السنوار كان غاضبًا من صفقة شاليط؛ لأنه من وجهة نظره، كان ينبغي لحماس أن تضغط بقوة أكبر على الكيان الصهيوني لإطلاق سراح فلسطينيين مسؤولين عن التفجيرات التي قتلت صهاينة، والذين كانوا يقضون عدة أحكام بالسجن مدى الحياة، وأخبر السنوار أولئك الذين لم ينفّذوا الأمر بأنه سيعمل على إطلاقهم، بل نقلت وسائل الإعلام حينها عن رفقاء للسنوار في السجن أنه لم يشعر بالارتياح عند مغادرة السجن في عام 2011م؛ لأنه ترك بعض رفاقه في الداخل، وبالرغم من أن إسرائيل أطلقت في نهاية المطاف سراح بعض الفلسطينيين الذين ارتكبوا جرائم قتل واعتُبرت خطرة، بما في ذلك السنوار نفسه.

وبعد طوفان الأقصى، وفي الجولة الأولى من المفاوضات بحسب صحيفة نيويورك تايمز، والتي أسفرت عن الإفراج عن ثلاثين من الأسرى الصهاينة لدى حماس، فإنه خلال هذه المفاوضات قام السنوار بقطع الاتصالات مع الوسطاء لعدة أيام؛ للضغط على الكيان الصهيوني للموافقة على وقف مؤقت يمنح حماس الوقت لإعادة تجميع صفوفها؛ وفقًا لوسطاء مصريين. وعندما تم إطلاق سراح المحتجزين، تم إطلاقهم على دفعات كل يوم، وليس دفعة واحدة، مما خلق شعورًا يوميًّا بالقلق في المجتمع الصهيوني.

ولكنَّ السنوار لم يكن فقط شخصية قوية لا تلين وتتمتع بالشجاعة، بل كان يتَّسم بالدهاء والحيلة والقدرة على خداع الصهاينة، ففي نهاية الانتفاضة الفلسطينية وفي عام 2005، أجرى صحفي صهيوني مقابلة مع السنوار داخل السجن، وقال الزعيم للصحفي: «إن حماس ستكون منفتحة على وقف طويل الأمد لإطلاق النار مع الإسرائيليين، والذي يمكن أن يؤدي إلى استقرار المنطقة، لكنها لن تقبل إسرائيل كدولة أبدًا. وأضاف السنوار في ذلك الوقت: إنه يفهم أن حماس لن تتمكن أبدًا من هزيمة إسرائيل عسكريًّا».

ومنذ انتخابه عام 2017م قائدًا لحماس في غزة، نقلت الصحف الصهيونية عن أوساط في المؤسسة الأمنية الصهيونية بأن حماس تم ردعها، وأن السنوار لن يحاول الهجوم؛ لأنه كان أكثر تركيزًا على بناء القطاع اقتصاديًّا، كما أوعز السنوار لهم بذلك.

وتنتقد صحيفة جروزاليم بوست العبرية، المفاوضات الجارية لإطلاق سراح جزء من الأسرى الصهاينة المحتجزين في قطاع غزة، محذرةً من أن مفاوضات إطلاق سراح باقي الأسرى قد تمتد لعقود، وتعترف بأن لحركة حماس اليد العليا في المفاوضات طوال الحرب.

وتابعت الصحيفة قائلة: «حتى لو تمكنت إسرائيل من التفاوض على إطلاق سراح ما بين 35 إلى 40 أسيرًا الآن فإن الأسرى المتبقين، الذين يتراوح عددهم بين 94 و99 أسيرًا؛ سواء كانوا أحياء أو أمواتًا، يمكن استخدامهم ورقة مساومة مِن قِبَل حماس لعقود من الزمن».

ولكنّ المفاوضات الجارية الآن لا تتعلق بقضية تبادل الأسرى فقط، ولا بتوقف الحرب في غزة سواء كان هدنة مؤقتة أو وقفًا نهائيًّا لإطلاق النار، بل يتعلق الأمر أيضًا بمستقبل غزة بعد الحرب ومن يحكمها.

التجويع للتركيع

وعلى ما يبدو أنه في مواجهة الفشل العسكري أو على مستوى المفاوضات، يلجأ الصهاينة الآن إلى إستراتيجية التجويع؛ لعلهم يستطيعون بها تليين مواقف قادة المقاومة المتشبثة بضرورة وقف نهائي لإطلاق النار؛ الأمر الذي يعتبره نتانياهو، ومن معه من قادة مجلس الحرب، إعلان هزيمة للكيان الصهيوني في تلك الجولة من القتال.

في مقال له في صحيفة يديعوت أحرونوت قبل أسابيع، انتقد مستشار الأمن القومي الأسبق لدولة الكيان الصهيوني الجنرال في الاحتياط غيورا آيلاند، حكومة الاحتلال ورئيسها نتنياهو؛ فالحرب على غزة من وجهة نظره تبرز الفجوة بين الفعل العسكري المهني للجيش وسطحية المستوى السياسي، داعيًا لممارسة نوعين من الضغط على حماس:

الضغط الأول: هو اقتصادي يؤدي للجوع، وهذا يدفع سكان غزة للاحتجاج على حماس، وهكذا عادةً تنشب الثورات.

الضغط الثاني: هو إيجاد بديل سلطوي لحماس، ونحن من جهتنا (يقصد مجلس الحرب الصهيوني) تنازلنا عن العاملين الضاغطين: الحصار المطلوب (التجويع)، ومَنَعْنا كلّ حوار مع دول عربية حول اليوم التالي، وهكذا تمكّن هنية والسنوار أن يكونا متصلّبين في المفاوضات؛ على حد قول الخبير الصهيوني المخضرم.

وفور نشر تلك المقالة، لاحظنا أن تطبيقها بات واقعًا، فهل تنجح تلك الضغوط؟

هذه معركة تاريخية، ستكتب في التاريخ أنها بداية النهاية للمشروع الصهيوني، ونظن خيرًا بقيادات المقاومة الفلسطينية، ونثق بقدرتها على إدارة تلك المعركة والوصول بها إلى ما يرجوه ليس الفلسطينيون فقط، وليس المسلمون فقط أيضًا، ولكن كل أحرار العالم.

 

أعلى