العلامة الأشقر برحيله شمسه تشرق!
لعمرك
ما الرزية فقْد مال
ولا شاة تموت ولا بعير
ولكـن
الرزية فقـد حـر
يموت بموته خلـق كثير
في يوم الجمعة 22 رمضان 1433هـ فقدت الأمة
الإسلامية رجلاً ربانياً وعالماً محققاً وداعية موفقاً، فقبل صلاة العصر بساعة
صعدت روح العلامة عمر الأشقر إلى بارئها، وذلك بعد صبر جميل على آلام إصابته بمرض
السرطان، فقد كان الشيخ - رحمه الله - هو الذي يُصبّر ويُذكّر ويرفع من عزيمة من
جاء يعوده، ويشد من أزره في مرضه، فقد كان رحمه الله راضياً بقضاء الله فرحاً
بعطائه!
العلامة الأشقر كان محط قبول الجميع ونقطة
يتلاقى عندها كثير من الفرقاء في حياته وبعد مماته، ففي جنازته التي بلغ مشيّعوها
الآلاف، تجمعت أطياف العمل الإسلامي كافة، وسار خلف جثمانه مختلف المدارس العقدية
والفقهية؛ لما كان يتحلى به من ربانية الطاعة ونبوية الأخلاق والمعاشرة، ويُنقل عن
الشيخ الألباني أنه قال بحق الشيخ عمر الأشقر: عليه سمت العلماء.
وجنازة الشيخ أكدت دقة حكمة السلف حين جعلوا
يوم الجنازة دليلاً على فضل ومنزلة المتوفى، قال الإمام أحمد بن حنبل: «قولوا لأهل
البدع بيننا وبينكم يوم الجنائز»، إذ إن الجماهير لا تخرج لتشييع من لا تثق به
وتحترمه، خاصة أنه قد مات وأفل نجمه.
والمكانة التي وصل إليها الشيخ - رحمه الله
- هي بتوفيق الله عز وجل له أولاً، ثم بسبب تعلمه وتربّيه على يد علماء أعلام
كانوا نجوم زمانهم وكانوا أصحاب نهج مسدد وعلم محكم وخلق عالٍ وتجربة وحكمة راقية،
فالشيخ - رحمه الله - في مجالسه وفي ترجمته لنفسه في كتاب «صفحات من حياتي»، كان
دائم الذكر لسيرة شيوخه واستفادته منهم، مثل: العلامة ابن باز، والعلامة الألباني،
والعلامة الشنقيطي، والعلامة عبد الرزاق عفيفي، والشيخ محمد البنا، وأخوه الشيخ
محمد الأشقر، والشيخ عطية سالم، والشيخ محمد المجذوب، والشيخ مناع القطان - رحمهم
الله -، ويلاحظ أن هؤلاء العلماء من بلاد مختلفة، وتميزوا في أبواب متعددة من
العلم الشرعي، وكان لكل واحد منهم دور وتأثير بالغ، فمن كرامة الله عز وجل للشيخ
الأشقر أن هيّأ له اللقاء بهم والتعلم منهم، وكان الشيخ - رحمه الله - الثمرة
الطيبة لهذا المزيج الزكي والفواح لعلماء ربانيين ومجاهدين مخلصين لله.
لقد بدأ لقاء الشيخ الأشقر - رحمه الله -
بهؤلاء العلماء منذ كان في الثالثة عشرة من عمره، لأنه سافر من فلسطين إلى الرياض
سنة 1953م عند أخويه الشيخ محمد الأشقر وعبدالقادر - رحمهما الله -، وكانا على
علاقة بالشيخ ابن باز وغيره من العلماء، فكان يرافقهما في زياراتهما.
وحين قدر الله عز وجل على الشيخ مغادرة
السعودية سنة 1964 والاستقرار في الكويت، كان رحمه الله قد أصبح طالب علم متمكناً
وداعية له دوره، يقول رحمه الله عن هذه المرحلة: «فقد حططت رحالي بها وأنا في مطلع
مرحلة الشباب، وكنت حصلت على بعض العلم والعمل في الفترة التي كنت فيها في المدينة
المنورة.. عملت عدة سنوات في الجامعة الإسلامية صحبت فيها علماء أعلاماً، منهم:
فضيلة شيخنا الشيخ ابن باز، والشيخ الألباني، والعلامة الشنقيطي.. وقد عملت في
مجال الدعوة إلى الله في مساجد المدينة، وكان لي شرف الإشراف مع إخوة على الرحلات
التي تقوم بها الجامعة إلى المدن، ورحلات الحج والعمرة، وسافرت للسودان، وتعرفت
على عدد كبير من العلماء والدعاة الذين يردون المدينة، أمثال: الشيخ أبو الأعلى
المودودي، والشيخ الندوي، والشيخ أمين الحسيني. لذا فإنني لم أبدأ العمل من الصفر
عند حلولي في الكويت، بل تابعت مسيرة سابقة حافلة بالعطاء، وكان لي من الخبرة ما
يمكنني من الانطلاق بالدعوة» (ص 98).
ولذلك؛ فالشيخ - رحمه الله - حين بدأ
بالدعوة إلى الله في الكويت بصحبة الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق، لم يكن له ارتباط
بجهة أو جماعة، يقول رحمه الله: «وانطلقت أنا والشيخ عبد الرحمن عبد الخالق نعمل
في مسارين: الأول: في تعليم الناشئة الإسلام في المدارس. والثاني: التدريس في
المساجد. ولم تكن لنا خلفية حزبية تأمرنا وتنهانا» (ص 92).
ولذلك؛ فإن ارتباط الشيخ - رحمه الله -
بجماعة الإخوان المسلمين كان لاحقاً لتكوّن شخصيته العلمية ودوره الدعوي، ولذلك
فإنه يعدّ ضمن العلماء السلفيين الذين انضموا لجماعة الإخوان المسلمين، مثل
العلامة محبّ الدين الخطيب، أو العلماء السلفيين الذين تعاونوا مع جماعة الإخوان
المسلمين، مثل العلامة الألباني، مدة من الزمن.
والشيخ - يرحمه الله - لم تمنعه عضويته بل
زعامته في جماعة الإخوان من المناصحة، حتى لو تطلب ذلك نقد مؤسس الجماعة الشيخ حسن
البنا - رحمه الله -، حيث خطّأ الشيخُ الأشقر مذهبَ البنا القائل بالتفويض في باب
الأسماء والصفات في كتابه العقيدة في الله.. وموقفه المخالف لجماعة الإخوان من
ثورة الخميني في مؤتمر طلبة بريطانيا وأمريكا سنة 1980، معلومٌ ومشهورٌ.. كما أن
الشيخ - رحمه الله - اعترض على نص البيعة التي كانت تؤخذ من أفراد جماعة الإخوان
في الأردن لمخالفته الشرع، وقد استجابت القيادة لاعتراضه وتم تصويبه.. وله مواقف
عديدة مشابهة.
ويحدثنا الشيخ عمر عن تطور نشاطه ودعوته مع
الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق فيقول: «وتمخض العمل الإسلامي في الكويت إلى التشكل
في عدة اتجاهات، الأول: العمل الإخواني، وكان أغزره العمل الكويتي، ثم العمل
الفلسطيني.. والثاني: العمل السلفي الذي رعاه الشيخ عبد الرحمن حتى تجذر وتأصل..
ولم نكن أنا وعبد الرحمن نريد تكوين عمل خاص بنا» (ص93).
ويدلنا هذا على أن الشيخ عمر تقاسم الأدوار
مع الشيخ عبد الرحمن، فالشيخ عمر يعمل في الوسط الإخواني الكويتي والفلسطيني،
والشيخ عبد الرحمن يعمل في الوسط السلفي الكويتي.
- واستطراداً، لقد سألت شيخنا الشيخ
عبدالرحمن عن علاقته بالشيخ عمر بعد أن قرأت كتاب الشيخ عمر والذي ذكر فيه الشيخ
عبدالرحمن كثيراً، فقال لي: لعله لم يتحاب اثنان مثلنا!! -
لكن هذا الدور للشيخ عمر في الوسط الفلسطيني
تجاوزه في كتابه، لأنه حرص على أن يبقى بعيداً عن الأضواء، ولقد رفض الشيخ طلبات
متكررة للأستاذ عزام التميمي، مالك قناة الحوار، للخروج في برنامج مراجعات، بسبب
إصرار التميمي على الحديث عن دور الأشقر في تأسيس حركة حماس، وهو ما كان الشيخ
يرفضه بشدة، لكن الشيخ كتب عن هذا الدور أوراقاً لم تكتمل ولم تنشر بعد.
ولذلك؛ فإن الحضور البارز لرئيس وأعضاء
المكتب السياسي لحماس لجنازة الشيخ، وتولي خالد مشعل شخصياً إنزال الشيخ في قبره،
ثم تصريحات مشعل بحقيقة مكانة ودور الشيخ في حركة حماس بأن الشيخ - رحمه الله - من
كبار وأوائل المؤسسين والقادة؛ كان مفاجئاً، ليس لغير الإسلاميين، بل لكثير من
قادة وشباب حماس والإخوان أنفسهم، والذين كان بعضهم زاهدين في علم الشيخ واللقاء
به!
أما استغراب بعض الأشخاص لاهتمام الشيخ، لا
بل لمبادرة الشيخ وتفانيه في الجهاد في سبيل الله عز وجل رغم أن كتبه وخطبه ودروسه
وشخصيته قد لا تدل على هذا الدور المركزي في الجهاد في سبيل الله عز وجل؛ فإنما هو
استغراب في غير محله، لأن العلماء الربانيين كانوا هم طليعة المجاهدين من عهد
الصحابة رضوان الله عليهم وإلى عصرنا الحاضر، ومن العلماء المعاصرين الذين قادوا
الجهاد: الحاج أمين الحسيني، وعز الدين القسام، وعبدالله عزام، وعمر المختار،
وعبدالكريم الخطابي، والشهيد أحمد عرفان.
وهذا الحب للجهاد ورثه الشيخ - رحمه الله -
من شيوخه.. انظر إليه يحدّث عن رحلة مع الشيخ ابن باز قبل 40 سنة، فيقول: «وقد
حضرت شيخنا الشيخ عبدالعزيز - رحمه الله - في إحدى رحلاتنا مع الطلبة، فأحضر أحدهم
بندقية، فأخذها الشيخ بيديه، وأخذ يتلمسها، ويذكر مقاطعها، ويتغنى بها كأنما هي
عروس» (ص 44).
وختاماً، إذا كان الله عز وجل كتب للشيخ
الأشقر القبول في الأرض في حياته برواج كتبه والحرص على لقائه وتقديره بين أهل
العلم، كما شهدت جنازته زحف الألوف من الناس على اختلاف مشاربهم؛ فإنني متفائل بأن
نجمه سيبزغ أكثر وأن شمسه ستشرق أجمل بعد موته حين علم الناس حقيقة دوره الجهادي،
بحيث أعاد للناس ضرب المثل بكونه العالم العامل المجاهد الرباني الخفي الشهيد..
نحسبه كذلك والله حسيبه.
::
مجلة
البيان العدد303 ذو القعدة 1433هـ، سبتمبر - أكتوبر 2012م.