احتفاء الشعراء   بشهر رمضان الكريم

احتفاء الشعراء بشهر رمضان الكريم


الشعراء، كغيرهم من محبِّي هذا الشهر الكريم، يستقبلونه بحبهم وفرحتهم، لكنهم يزيدون عليهم بمشاعرهم الدفاقة الوجدانية الفياضة، وبروحهم الطفولية البريئة، فهم يفهمون رمضان بقلوبهم، ويتعاملون معه بأحاسيسهم، ويعايشونه بأشواقهم وأحلامهم وآمالهم، ويحادثونه محادثة المحبِّ لحبيبه، والوالِهِ للمولَّه به.

الفرحة بقدوم رمضان:

فالشاعر يس الفيل، من مصر، في قصيدته (نَغَمُ اليقين)[1] يقول مرحِّباً به:

رمضان يا نغم السماء ويا مدى

بالحــبِّ يخطــر بيننا بسَّــاما

شـهرَ الصيام تحيةً من شــاعرٍ

عن كلِّ ما يؤذي المشاعر صاما

والشاعر ناصر بن علي عليان، من السعودية، في قصيدته (بوابة الغفران)[2]؛ وجد في رمضان الريَّ من الظمأ شوقاً وفرحةً بلقاء هذا الحبيب، يقول:

تاقت الأنفس الظمـاء لريَّـاك

فشـدت للأفــق قلبــاً وناظِـرْ

تتراءى هلالـك الباســم الثغـر

يحيي ســناه بادٍ وحاضِرْ

بسناك الدفاق يجلو ظلام اليأس

تهــدي إلى الهــدى كلَّ حائِــرْ

ذاك نبضٌ من الفــؤاد تســامى

في اشتياق إليك من روح شاعِرْ

والشاعر محمود محمد كلزي، من سورية، في قصيدته (هلال رمضان)[3]، رحَّب بهلال رمضان، فقد استقبله الكون بفرح وطرب وبشائر، حيث يقول:

هـلَّ الهلالُ يفيض بالبشــرِ

متهادياً في زهوة العمـــرِ

الكون هلَّـل ضاحكاً فرحـاً

متـلألئــاً متبسِّــمَ الثغـرِ

حتى النسائم هينمتْ طرباً

تزجي البشائر أينما تسري

ذكريات النصر وآلام الضعف والفُرقة:

وإن إقبال رمضان يثير في نفوس المسلمين عامة، والشعراء منهم خاصة، معانيَ القوة التي كانوا عليها والضعف الذي صاروا فيه، ومعانيَ النصر الذي حققوه والهزيمة التي يعايشونها، ففيه سجلوا أعظم الانتصارات التاريخية، وبعزيمة الصيام تفتَّحت لهم أبواب النجاحات التي لا تنسى، لكن واقعهم يثير فيهم الحسرة والألم لما يرونه من فُرقة، وضعف، وهوان على الناس.

فالشاعر ناصر بن علي عليان، في قصيدته (بوابة الغفران)[4] يقول:

فيك خبَّ الأُلـى إلى النصر سلُّوا

كل سيفٍ، وأسـرجوا كلَّ ضــامِرْ

فانتشـــت منهــم البطولات

والتاريخ أهوى يخطُّ أزكى المآثِـرْ

أما الشاعر سلمان بن زيد الجربوع، من السعودية، في قصيدته (عندما يغرب الجلال)[5]؛ فيشير بحزن عميق إلى واقع الحال المتردي الذي عليه المسلمون اليوم، فيقول:

الأمة الثكلى تعانق دمعهـا

لا نضرة ترك الأســى.. لا رونقــا

في كل ناحية نواحٌ ضائـعٌ

ومطامــعٌ تــذر الجميـــع مفــرقـا

ويقول الشاعر ناصر بن علي عليان، في قصيدته (بوابة الغفران)[6]:

ألف واخجلتـاه من أمسنا الزاهي

ومن يومنا ومما نحـاذِرْ

قد كبَتْ خيلنا وزلَّـت خطانـا

ورمانــا بكيـده كـل فاجِرْ

الأمل بعودةٍ قوية للإسلام والمسلمين:

لكن الأمل بعودة رمضان وأمة الإسلام أكثر قوة وأحسن حالاً، فنجده لدى الشعراء أملاً باقياً في النفوس حينما تستعيد الأمة الإسلامية مجدها، ووحدتها، وقوتها، وتضع بصماتها الإيمانية من جديد على جبين الإنسانية.

فالشاعر حسين أحمد الرفاعي، من الإمارات العربية المتحدة، في قصيدته (رمضان عذراً)[7]، يأمل في عودة رمضان والأمة قد أخذت مكانها تحت الشمس مجداً وعزةً، فيقول:

أملــي كبيــر أن تجــيء وأمتــي

قــد أنجبــت للعــالم الأبطـــالا

تـأتـي وقــد سُـدنا البسيطـة كلها

وتبــدلــت أحــوالنــا أحــــوالا

ليلــة القــدر في رمضــان:

وفي رمضان ليلة هي خيرٌ من ألف شهر مما سواه من الشهور، إنها ليلة القدر التي يتشوَّق كل مسلم في العالم لنيل الغفران فيها، والشعراء منهم كذلك.

فالشاعر حيدر الغديــر، من السعودية، في قصيدته (في ليلة القدر)[8] بعد أن أحيا ليلة القدر بالصلاة والقرآن والدعاء والذكر، يتخيل نفسه وقد فاز بالغفران في ليلة القدر تلك، فيقول:

ظفــرتُ بها وغشاني أمـــــانُ

وقـرَّبهــا ضميـــري والجنـــانُ

وحيتنـــي عوارفهــا اللواتــي

بسَــمْنَ كـــأنهنَّ الأقحـــــــوانُ

ويسبح مع وجدانه وخياله وأحلامه البريئة ليصل إلى يوم الحشر مغفورَ الذنوب لا لـه ولا عليه، فيقول:

وجئتُ الحشرَ قد غُفِرتْ ذنوبي

طليـقـاً، لا أُديـن ولا أُدانُ

أنادي قد ظفـرتُ فيالسـعدي

وجُــودُ الله والثقـــةُ الضمانُ

وليلة القدر عند الشاعر جابر قميحة، من مصـر، في قصيدته (لا .. يا أمير الشعراء)[9]؛ هي من مفاخر هذا الشهر الكريم، وهي من أجمل ما يتصف به، فيقول:

ولِلَيـلةِ القــدر العظيمــة فضلُهــا

عن ألفِ شهـرٍ بالهدى الدفـــاقِ

فيها الملائـكُ والأميـــن تنـــزلوا

حتـى مطالــع فجــــرها الألأقِ

وداع رمضان:

أما وداع رمضان فلـه شأن آخر عند الشعراء؛ فهو وداعٌ ممزوج بالدموع، مترعٌ بعبق الأمل، إنهم يودِّعونه وهم من لحظة وداعه يستشرفون عودته أعواماً أُخر.

فالشاعر سلمان بن زيد الجربوع، في قصيدته (عندما يغرب الجلال)[10]، يتصدى لهلال العيد لا يريده أن يطلع، فيقول:

قف ياهلال العيـد، لا تطلع فمـا

دربٌ تلقفـنـا، ولا دمعٌ رقــا

   هــلا رحمـت سهادنا ببشـارة

قبل الرحيل، فقد عـزَّ الملتقـى  

 منازلة ضـدَّ الشاعر أحمد شوقي دفاعاً عن رمضان:

لقد وضع الشاعر أحمد شوقي نفسه في موضع لا يحسد عليه، وذلك بقوله في قصيدته التي مطلعها:

رمضــان ولَّـى.. هاتها يا صــاح

مشتاقةً تسعى إلـى مشـــتاقِِ

فقد انبرى لـه الشاعر جابـر قميحة متصديــاً لهذا الشعور العجيب من أحمد شوقي، وهاجمه هجوماً عنيفاً، وذلك في قصيدته المشار إليها آنفاً (لا.. يا أمير الشعراء)[11]، حيث يقول لـه:

لا.. «يا أمير الشـعر» مـا ولَّـى الـذي

آثـاره في أعمــق الأعمـــاقِ

وقســا عليه أكثــر، بل أخرج من المــلة كل مَنْ يقول مثلَ هذا القول، فقال مخاطباً إيــاه:

لا .. «يا أميـر الشـعر» ليس بمسلمٍ

مَنْ صام في رمضان صـومَ نفاقِ

فــإذا انتهـت أيــامه بصيـامها

نـادى وصفَّـق: (هاتهـا يـا ساقي)

وليس الشاعر جابر قميحة وحده مَنْ تصدى للشاعر أحمد شوقي في مقولته الشعرية تلك، بل هناك شعراء آخرون عرّضوا به ونقضوا كلامه، ومنهم الشاعر محمود محمد كلزي في قصيدته (طوبى لمدرسة الصيام)[12]، حيث يقول:

رمضان أقبـل هاتها يـا صاح

راحاً من الراح بلا أقـداح

راحاً تهيم بها الملائك والورى

فتحلِّق الأرواح دون جناح

لكن الشاعر جابــر قميحة ما يلبث أن يعود ويبقي باب الغفران مشرعاً فيقبس من أحمد شوقي قولـه:

(الله غفــار الذنوب جميعهـا

إن كان ثَـمَّ من الذنوب بواقـي)[13]

وهكذا فقد تلاحم الشعر والشعراء في الاحتفاء بهذا الشهر الكريم، ورسموا بأحرفهم على جدرانه أصدق المشاعر، وأنبل الأحاسيس، وقابلوه بكل معاني الود والرحمة والأمل.

نسأل الله الكريم أن يقبل أعمالنا، ويغفر ذنوبنا، ويبارك علينا هذا الشهر الكريم، ويرزقنا والقراء الكرام عودته علينا أعوماً عديدة وسنين مديدة، اللهم آمين. والحمد لله رب العالمين.

 :: البيان تنشر ملف شامل لشهر رمضان المبارك (رمضان.. حكم وأحكام وآداب)


[1]  مجلة الأدب الإسلامي، العدد 38، عام 1424هـ/2003م، ص 15.

[2] مجلة الأدب الإسلامي، العدد 38، عام 1424هـ/2003م، ص 53.

[3] ديوانه (إسراء لوادٍ غير ذي زرع)، ص 33، كما نشرت القصيدة في مجلة المنتدى الإماراتية، العدد 104، شعبان 1412هـ.

[4] مجلة الأدب الإسلامي، العدد 38، عام 1424هـ/2003م، ص 53.

[5] مجلة الأدب الإسلامي، العدد 38، عام 1424هـ/2003م، ص 35.

[6] مجلة الأدب الإسلامي، العدد 38، عام 1424هـ/2003م، ص 53.

[7] مجلة الأدب الإسلامي، العدد 38، عام 1424هـ/2003م، ص 52.

[8] مجلة الأدب الإسلامي، العدد 38، عام 1424هـ/ 2003م، 29.

[9] ديوان (حديث عصري إلى أبي أيوب الأنصاري)، مكتبة العبيكان، ط 1، الرياض، 1426هـ/2005م، ص 27.

[10] مجلة الأدب الإسلامي، العدد 38، عام 1424هـ/2003م، ص 35.

[11] ديوانه (حديث عصري إلى أبي أيوب الأنصاري)، نفس المصدر السابق، ص 27.

[12] ديوانه (إسراء لوادٍ غير ذي زرعٍ)، مكتبة العبيكان، ط1، 1431هـ/2010م، ص 46، كما نشرت هذه القصيدة في مجلة المنتدى الإماراتية، العدد 162، شعبان 1417، وهي معارضة لقصيدة أحمد شوقي المشهورة.

[13]  هذا البيت من قصيدة شوقي نفسها.

أعلى