• - الموافق2024/11/22م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
إيران على صفـيحٍ سـاخـنٍ ... من  سيخـلف المرشـد؟

هذه المرة يحمل المحتجون رفضًا لثوابت الجمهورية، وخرقًا لحجر الأساس الذي يقوم عليه نظامها الحاكم، وغضبًا علنيًّا من رموزها الدينية التي قلَّما كانت سهام النقد والغضب تَطولهم


بينما تُواصل السلطات الإيرانية ضرب الرؤوس في الشوارع، تتراكم الأدلة على أن الاحتجاجات الأخيرة هناك ليست كسابقاتها؛ إذ يزداد التصدع في العلاقة بين النظام الحاكم وبين جموع واسعة من الشعب الإيراني بشكل خطير وغير مسبوق.

فمنذ أن اندلعت الاحتجاجات في 16 أيلول (سبتمبر 2022م)، بعد وفاة امرأة شابَّة تُدعى «مهسا أميني»، بعد مزاعم حول تعذيبها على يد رجال شرطة الأخلاق التابعة للنظام، والمعروفة باسم «غاشت إرشاد»؛ ظهرت جوانب جديدة للحركة الاحتجاجية لم يَعْهدها النظام فيما سبق؛ فالأمر لا يتعلق بتزوير انتخابات رئاسية مثلما حدث في العام 2009م، حين نزل الإيرانيون بالملايين إلى الشارع، أو بسبب رفع مفاجئ لأسعار البنزين كما حدث في عام 2019م.. بل إن المصدر الرئيسي للاستياء في الحركة الاحتجاجية ليس قرارًا اقتصاديًّا أو سياسيًّا، وإنما هي معارضة أكثر عمومية وعمقًا للنظام الشمولي بأكمله.

هذه المرة يحمل المحتجون رفضًا لثوابت الجمهورية، وخرقًا لحجر الأساس الذي يقوم عليه نظامها الحاكم، وغضبًا علنيًّا من رموزها الدينية التي قلَّما كانت سهام النقد والغضب تَطولهم، لقد طفح كيل الإيرانيين من تراكمات تجمَّعت على مدار سنوات طويلة مضت، صحيح أن نظام الملالي قد نجح حتى الآن في سَحْق كلّ الانتفاضات الجماهيرية التي اندلعت منذ قيامه، لكنَّ هذه الاحتجاجات التي لا تزال ملتهبة قد كشفت أن انهيار هذا النظام -رغم أنه ليس حتميًّا- لم يَعُد مستحيلًا.

غليان داخلي

في غضون أيام بعد وفاة الشابَّة «أميني»، اندلعت الاحتجاجات في أكثر من 80 مدينة في جميع أنحاء إيران، بعض هذه المدن تُعدّ من معاقل النظام الرئيسية وقواعده الشعبية، مثل مدينتي قم ومشهد، اللتين كانتا يومًا الركيزة الأساسية لعقيدة النظام الإيراني وقاعدة دَعْمه، هذه المرة يرفع المتظاهرون شعارًا من ثلاث كلمات هي «المرأة، الحياة، الحرية»؛ ففي ظلّ النظام المسيطِر على الحكم منذ أكثر من أربعة عقود، أدت السلطة المتحكمة في كل جوانب حياة الإيرانيين إلى حرمانهم بشكل مطرد من الحريات، وفي ظل العقوبات الدولية المفروضة بدأت الحياة تسوء شيئًا فشيئًا.

لقد كشفت الاحتجاجات الحالية عن تغيير جذري في الطريقة التي ينظر بها الإيرانيون إلى محنتهم؛ وباتت تساؤلات عديدة تبرز من قبيل: لماذا يجب أن نُعادي العالم، ونقف في الجانب الآخر على الدوام إذا كان من الممكن أن نتعايش معه حتى وإن اختلفنا في الرأي؟!

 كما أن معظم الأجيال الناشئة لم تَعُد لديها نفس الأفكار التي آمن بها الآباء والأجداد حيال الجمهورية الإيرانية التي وعد قادة ثورتها يومًا بأن تحقق لهم الرفاه الاجتماعي؛ إنهم أكثر من مجرد معارضين، إنهم مغتربون بشكل مُعلَن عن عقلية الأجيال الأكبر سنًّا، لقد مرَّت عقود كاملة منذ أن وعد الخميني من منفاه في باريس بأن الثورة حين تقوم وتنجح ستجعل السكن متوفرًا للمواطنين، وخدمات الكهرباء والمياه والنقل العام ستُقدّم بالمجان للطبقة المعدومة، لكن تلك الوعود ذهبت أدراج الرياح مع غيرها من مبادئ الثورة التي وصفها قادتها بـ «الإسلامية».

في ظل هذه الانتكاسات المتراكمة، تستمد الحركة الاحتجاجية اليوم قوّتها، كما أنّ هناك ما يميّزها ويجعلها مختلفة كثيرًا عما سبقها؛ فالمتظاهرون ينتمون إلى خلفيات مذهبية وعِرْقية مختلفة، وهم متَّحدون في معارضة نظامهم الذي أصبح أكثر عُزلة، لقد تجاوز إطار الاحتجاج مسألة الحجاب الإلزامي وشرطة الأخلاق، وتحوَّل إلى المطالبة بتغيير النظام، كما أن هذه هي المرة الأولى التي يمكن فيها رؤية محتجين من مختلف أرجاء البلاد وهم يحرقون العَلَم الإيراني وصور خامنئي وقائد الحرس الثوري الراحل قاسم سليماني، فيما يصدحون بهتافات «يسقط النظام».

وفي سابقةٍ هي الأولى من نوعها، توقَّف بثّ التلفزيون الحكومي لفترة وجيزة خلال نشرة الأخبار الرئيسية؛ حيث تمَّت مقاطعة تقرير عن المرشد علي خامنئي، وظهرت على الشاشة بدلاً من التقرير لافتة عليها صورة خامنئي مع عبارة «دماء شبابنا في رقبتك»، بعد بضع ثوانٍ عادت الشاشة إلى ما كانت عليه من قبل، لكنْ بقيت التساؤلات حول هذا الاختراق الذي أصاب الذراع الدعائية الرئيسية للنظام، والتي يسيطر عليها خامنئي بشكلٍ مباشرٍ.

في إيران؛ يتم احتواء احتجاجات الشوارع دائمًا بالقمع، نادرًا ما يَعترف النظام الحاكم بأيّ شيء يشبه الخطأ أو التقصير، ولو من بعيد، دائمًا وأبدًا يتم توصيف المحتجّين بأنهم عملاء وخونة، يستعملهم الغرب كأداة لإسقاط الدولة الإيرانية، لقد لعب النظام بنجاح على الإحساس القومي للإيرانيين، وكثيرًا ما تمكَّن من توظيف المخاوف الكامنة من أن الاضطرابات قد تكون بمثابة غطاء للحركات الانفصالية بين الأقليات العرقية الكردية والبلوشية والعربية في البلاد.. بنفس هذا التكنيك حاول النظام أن يقوم بتشكيل رواية لتبرير القمع الأخير الذي يمارسه ضد الاحتجاجات الحالية؛ حيث تحاول وسائل الإعلام الحكومية ووكلاؤها على وسائل التواصل الاجتماعي وَصْف الحركة الاحتجاجية الحالية بأنها حملة انفصالية من الجماعات الكردية المعادية للجمهورية الإيرانية.

لكنَّ ما يثير مخاوف مؤيدي النظام هذه المرة هي أن السلطات غير متأكدة من قدرتها على إخماد الاحتجاجات الحالية، لا سيّما وأن ثمة تقارير تتحدَّث عن أن قوات الأمن الإيرانية تعاني من انخفاض الروح المعنوية والانشقاقات والمخاوف الخاصة من احتمال انهيار الدولة وعموم الفوضى، وهناك مَن يتكهن بأن المتظاهرين إذا تمكَّنوا مِن مواصلة احتجاجهم لبضعة أيام أخرى، فسيجد النظام نفسه يكافح ثورة، وليس مجرد احتجاج.

مرض المرشد

في مذكراته التي تحمل عنوان «رسائل إلى مُعذّبي»؛ يتذكر الصحفي الإيراني «هوشانغ أسدي»، كلمات قالها له المرشد الحالي علي خامنئي، قبل أن يفترقا بعد انتهاء مدة احتجازهما في نفس الزنزانة بأحد السجون إبَّان فترة الشاه رضا بهلوي، قال خامنئي باكيًا بينما كان يعانق أسدي: «في ظل حكومة إسلامية، لن يذرف بريء دمعة واحدة»، وبعد أقل من 10 أعوام، وتحديدًا في عام 1984م، وجد أسدي نفسه في السجن مجددًا، يخضع لتعذيب ممنهج استمر لنحو عامين، بريئًا يَذْرف الدموع، وفي ظل الحكومة الإسلامية التي قصدها خامنئي؛ هكذا تذكر أسدي وَعْد خامنئي له، وهو يَسْرد مذكراته التي تناول فيها صداقته بخامنئي التي استمرت أثناء فترة الاعتقال وبعدها.

ويصف كيف تحوَّل هذا الرجل عبر أعوام قليلة من رجل دين عرفه ودودًا وطيبًا، ليصبح في عام 1989م هو رأس السلطة التي لا تَعرف سوى القتل والقمع والتعذيب لإسكات المعارضين، فـ«خامنئي» هو رأس الدولة والزعيم الديني الأول في إيران والقائد الأعلى لشرطتها وقواتها المسلحة، كما أن سلطته تفوق القضاء ومجلس الشورى ومجمع تشخيص مصلحة النظام، وهو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في جميع شؤون الدولة، وبالرغم من أهمية موقعه في هرم السلطة؛ إلا أن حياته الخاصة -ولا سيّما حالته الصحية- تُعدّ من الخطوط الحمراء التي لا يتم الكشف عن معظمها للشعب الإيراني.

إيران -مثل الاتحاد السوفييتي سابقًا- غامضة فيما يتعلق بصحة كبار مسؤوليها، ونُدرة المعلومات حول صحة خامنئي البالغ من العمر 83 عامًا تأتي من اعتبارها جزءًا من أسرار الدولة؛ وفقًا لتقارير سابقة. وقد أشار إلى ذلك الرئيس الإيراني الراحل أكبر هاشمي رفسنجاني، الذي قال في مذكراته المنشورة مؤخرًا: «إنه تم تشخيص خامنئي بمرض القلب في عام 1998م»، وقال رفسنجاني: إن «وسائل الإعلام تكهّنت بإصابة خامنئي بمرض غير معروف؛ لأننا في الحكومة لم نعلن صراحةً أنه مُصاب بمرض في القلب».

هذه الحساسية في نشر المعلومات حول صحة الرجل الذي يحكم كل شيء في الدولة تجعل سوق الشائعات سوقًا رائجة؛ فقد تصدرت الأسئلة المتعلقة بصحته عناوين الصحف عدة مرات في السنوات الأخيرة، بل كانت هناك مزاعم كاذبة حول وفاته، خاصةً عندما خضع لعملية جراحية لسرطان البروستاتا في عام 2014م، وقبل أسابيع ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» أن وَضْعه الصحي حَرِجٌ، قبل أن تعاود الحديث نقلاً عن 4 أشخاص مقرّبين منه بأنه كان يرتاح في فترة نقاهة بعد خضوعه لعملية جراحية بسبب معاناته من آلام شديدة في المعدة والحمى، وكان يخضع لإشراف الأطباء، وكلما أُثيرت مسألة عُمر المرشد ومشاكله الصحية؛ تكاثرت الأسئلة عمَّن سيخلفه.

خلفاء المرشد

طيلة السنوات الماضية، تم إلى حد كبير تطهير مناصب القيادة العليا في إيران من المعتدلين والإصلاحيين، وبات رجال الدين المتشددون هم القوة المسيطرة على القرار، وهم بتشكيلتهم الحالية -والتي يُقال بأن خامنئي هو مَن رتَّبها بنفسه- جاهزون للسَّير على نفس النهج المحافظ الذي رسمه واتبعه لمدة 33 عامًا من بقائه في السلطة، هناك الآن العديد من السيناريوهات المحتمَلة عقب وفاة المرشد الحالي؛ فمن الناحية النظرية سيختار مجلس الخبراء المرشد الجديد، قد يستغرق الأمر أيامًا أو ربما أسابيع، سيعمل القائد الجديد على تعزيز سيطرته بسرعة، من المتوقع أن تخرج بعض الاحتجاجات ويُفَعِّل النظام كعادته آلة القمع لسَحْقها.

ثمة سيناريوهات أخرى تتحدَّث عن سيطرة الحرس الثوري على مجريات الأمور وحدوث تغيُّرات هيكلية في شكل السلطة، أو قيام ثورة من شأنها هدم النظام القائم والدخول إمَّا في حالة من الفوضى المستمرة التي سيعبث الغرب خلالها بالدولة الإيرانية، أو الدخول في مسار الديمقراطية، ومن ثمَّ قيام جمهورية إيرانية جديدة، لكن هذه السيناريوهات تبقى احتمالات ضعيفة، ومع ذلك لا يُعتبر الاستقرار مؤكدًا في أيّ سيناريو.

أما فيما يخص الخلفاء المحتملين لـ«خامنئي»؛ فإن الأسماء كثيرة، لكنْ مهما كانت التوقعات فهي غير مضمونة على أيّ حال، فحتى بضعة أشهر قبل وفاة الخميني عام 1989م، كانت كل الرهانات تنصبّ على «حسين علي منتظري» ليكون خليفته، لكنْ سرعان ما انهار ترشيحه وسط مكائد رجال الدين المتشددين، وتم عزله من منصبه كنائب للمرشد الأعلى.

من أبرز الأسماء المرشَّحة لخلافة خامنئي هو نجله، مجتبى خامنئي، فهو الأوفر حظًّا؛ كونه يملك النفوذ الذي حصل عليه من أبيه، كرجل دين يتمتع بوضع «آية الله»؛ وهو شرط أساسي للقيادة العلياـ

 يحظى مجتبى بتأييد رجال الدين في الحوزة العلمية في قم، وكذلك في أوساط الحرس الثوري، لكنَّ العائق الوحيد أمام وصول مجتبى إلى منصب المرشد الأعلى، هو أن ذلك سيُعَدّ انتهاكًا صارخًا لتقاليد النظام الشيعي الذي لا يُغلق الباب أمام خلافة الأبناء لمناصب آبائهم. ولم تتأخر الأصوات المنتقدة لمجتبى في الظهور، كان أبرزها للمرشح الرئاسي السابق وزعيم الحركة الخضراء لعام 2009م، والذي لا يزال قيد الإقامة الجبرية، مير حسين موسوي، الذي حذَّر من التحضير لإنشاء قيادة عليا وراثية، ولا شك أن خامنئي يدرك تمامًا حقيقة أن تعيين ابنه خلفًا له، من شأنه أن يُحفّز الانقسام والفوضى والاضطراب داخل النظام، وهو عكس الانتقال السلس تمامًا الذي يطمح أن يتحقق عقب رحيله.

يبرز أيضًا اسم الرئيس الحالي إبراهيم رئيسي، وهو يرأس السلطة التنفيذية حاليًا، ورأس سابقًا السلطة القضائية، وهو ليس فقط عضوًا في مجلس الخبراء، ولكن أيضًا والد زوجته هو رجل الدين المتشدد أحمد علم الهدى، صاحِب الوزن الثقيل في المجلس، وبالتالي إذا كان مجلس الخبراء سيُعيّن المرشد المقبل، فقد يكون «رئيسي» قادرًا على قلب ميزان النفوذ لصالحه، لكن ما يُضعِف موقف «رئيسي» هو أنه متورّط في قضايا سابقة بقتل المتظاهرين، حينما كان رئيسًا للسلطة القضائية. وقد اعتبر كثيرون أن انتخاب «رئيسي» رئيسًا للبلاد بمباركة من خامنئي على أنها إشارة من المرشد الحالي بإعداد «رئيسي» لخلافته، فيما رأى البعض الآخر أن القصد من ذلك هو تحقيق العكس تمامًا، أي نزع الشرعية عنه وإفساح المجال أمام ابنه مجتبى، وهناك مَن يشير إلى أنه مِن المُحتمَل أن يقرّر خامنئي اسم المرشد القادم قبل وفاته؛ خوفًا من حدوث اضطرابات داخل النظام.

هناك أيضًا تكهّنات بأن يكون المرشد القادم هو صادق لاريجاني، وهو شقيق علي لاريجاني الرئيس السابق للبرلمان الإيراني، وأحد رجال الدين البارزين، والذي سبق أن تولَّى رئاسة السلطة القضائية قبل «رئيسي»، وإن كانت حظوظه ضعيفة، إلا أنه يبقى اسمًا مطروحًا ومتداولاً، تمامًا مثل حسن الخميني، حفيد المرشد المُؤسِّس للجمهورية الإيرانية؛ حيث يحظى بالاحترام داخل المجتمع الإيراني، لا سيّما في الأوساط الإصلاحية، كما يحظى بقبولٍ مِن بعض رجال الدين الذين يَحنّون إلى زمن جدّه الراحل، لكن نقطة ضَعفه تكمن في طبيعة علاقته المتوترة بالحرس الثوري، وهناك أيضًا أحمد خاتمي، خطيب الجمعة في طهران، وهو عضو في مجلس الخبراء ورجل دين بارز يحظى بالقبول والتقدير في الأوساط الأصولية وبين قادة الحرس الثوري، لكن نظرًا لتشدُّده في العديد من القضايا؛ فإنه لا يحظى بالقبول الملموس في أوساط المجتمع الإيراني.

في ظلّ عدم وجود سيناريو واضح ومتَّفق عليه حتى الآن بشأن الخليفة المحتمل لخامنئي؛ فإن بعض الإيرانيين لم يَفقدوا الأمل في أن يندثر النظام القائم، وأن يسلك بلدهم منحًى مختلفًا نحو جمهورية جديدة يُنْتَخَب فيها رأس السلطة بانتخاب مباشر وحُرّ ونزيه.

وفي هذه الحالة يظهر اسم رضا بهلوي، ابن الشاه الراحل، وهو شخصية ذات شعبية في أوساط الإصلاحيين، وكذلك بين جموع المتضررين من النظام الحالي؛ حيث ينظر غالبية الإيرانيين الآن إلى عهد والده على أنه حقبة ذهبية.

ويمكن في هذا الإطار إضافة أسماء أخرى مثل حسن روحاني، ومير حسين موسوي، ومهدي كروبي، وغيرهم، لكنَّ هذا السيناريو الحالم يصطدم مع الحرس الثوري الذي يتمتع بنفوذ هائل على مجريات كل شيء في البلاد، إلى جانب دور المرجعيات في قم، والتي بالرغم من تعدُّد توجُّهاتها وتباين مواقفها، مما أضعف من توحُّد كلمتها؛ إلا أن دورها في الحياة السياسية لا يزال له ثِقَله الملموس.

نفوذ على المحك

في ظلّ الاحتجاجات الراهنة، وحالة عدم اليقين حول صحة المرشد، ومن سيخلفه؛ تبقى هناك حالة من التَّرقُّب الحَذِر في العواصم التي تسيطر عليها طهران؛ ففي سوريا، حيث يعتمد رئيس النظام السوري بشار الأسد على القوات والأموال والأسلحة الإيرانية في حربه ضد شعبه، تنظر الحكومة إلى التقارير حول صحة خامنئي بقلقٍ متزايدٍ.

أمَّا في العراق ولبنان، فثمة تحدّيات جمّةً صعدت إلى السطح مؤخرًا، مع موجات ثورية واحتجاجاتٍ شعبية مُتقطِّعة تَستهدف النُّظم الحاكمة، والتي تميل بشكلٍ أو بآخر لإيران.

أما في اليمن وجنوب لبنان فإن حجم الإنفاق على القوى المحسوبة على إيران يُشكِّل ضغطًا متزايدًا على الخزينة الإيرانية التي تعاني بالأساس، وسبق أن ذكرت تقارير رسمية أمريكية أن حَجْم إنفاق طهران على حزب الله اللبناني يُقَدَّر بـ800 مليون دولار سنويًّا. يُضاف إلى ذلك تآكل القوى الناعمة التي كانت تحظى بها إيران في ظلّ العلاقات الجديدة التي بدأت تظهر في الإقليم، مع دخول تركيا وقطر وإسرائيل في تقاربات واتفاقيات وترميم لعلاقات كانت متوترة مع الدول الفاعلة في المنطقة، وهو ما من شأنه أن يُعيد تشكيل موازين القوى في المنطقة المحيطة بإيران، بينما هي مستعرة بأزماتها الداخلية.

الغرب أيضًا يُراقب الأحداث الساخنة في إيران؛ ليرى كيف ستُؤثِّر على المحادثات النووية مع طهران، المفاوضات تبدو متوقفة في الوقت الحاضر؛ حيث رفض خامنئي صيغة الاتفاق الذي تقدّم به الدبلوماسيون الأوروبيون وإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، وفي ظلّ تباين التقارير حول صحة المرشد الذي يبدو أنه على أيّ حال ليس على ما يرام، إضافةً إلى عدم وجود خليفة محدَّد؛ فإن آخر ما سيُفكّر الغرب في فِعْله هو اتباع أيّ سياسة من شأنها ضخّ عشرات المليارات من الدولارات في نظام إيراني بلا قيادة واضحة؛ لذا فإنَّ أفضل استراتيجية بالنسبة للغرب الآن هي تَعليق تخفيف العقوبات.

 


أعلى