تختلف القاديانية عن البهائية في أن القاديانية تَعدُّ نفسها طائفة مسلمة، في حين ترى البهائية أنها دين جديد مختلف مثلها مثل الإسلام والنصرانية واليهودية، ومن هنا تنبع خطورة القاديانية إذ تتغلغل بين المسلمين على أنها مذهب إسلامي كالصوفية
قد يظن كثير من المسلمين أن الحديث عن طوائف مثل البهائية والقاديانية هو من باب
الترف الفكري، أو هو من باب الكلام في موضوعات تاريخية أكل عليها الدهر وشرب، ولكن
عند البحث والاستقصاء نجد أن تلك الجماعات ما زالت تنخر في جسد الأمة، بل صار خطرها
داهماً لا يقل عن طوائف أخرى كالإثنا عشرية، خاصة أنها ارْتَدَت ثوباً جديداً تخدع
به ليس العامة والبسطاء فقط؛ بل بعض المثقفين وأصحاب الشهادات العُليا الذين كان
يُرتجى منهم أن يكونوا أكثر عمقاً وفهماً.
فمثلاً من قراءاتي المتباعدة عن الطائفة القاديانية، كنت أظن أنها منتشرة في الهند
وفي الغرب وربما تكون موجودة في الدول الأخرى، حتى صدمتُ أن في إحدى القرى المجاورة
لمدينتي التي أقيم فيها، بل إن أحد أقاربي وهو طبيب بيطري وعلى ثقافة عالية ومنصب
مرموق، يتبنى فكر هذه الطائفة ويعمل على نشرها واتبعه بالفعل عدد من القرويين
البسطاء.
والأمثلة عديدة مما يرويه الكثيرون؛ الأمر الذي جعل من المحتم علينا كشف هذه
الطوائف، وبيان حقيقة ما يعتقدون، ووسائل نشر أفكارهم وكيفية تغلغلهم وتسللهم إلى
حياة الناس، ومناهجهم التي يخدعون بها البسطاء والمتعلمين على السواء، ومن ثَمَّ
بيان تأثير تغلغل تلك الطوائف على واقع أمتنا ودورها في إعاقة النهوض المرتقب
واستعادة دور الإسلام مرة أخرى في العالم.
سنحاول في هذا المبحث دراسة نشأة طائفتين مضى على ظهورهما ما يقرب من قرن ونصف، ولا
يزال تأثيرهما قائماً في تحريف الدين، وصرف الناس عن الدين الحقيقي؛ بل رأى علماء
الأمة - كما سنرى - أن عقائد تلكما الطائفتين هي بمثابة دين جديد غير الإسلام
تماماً.
ولقد كان السؤال المطروح دائماً منذ ظهور البهائية والقاديانية، هو: هل كان لأعداء
الأمة دور في وجودهما أو مؤازرتهما ورعايتهما وفتح المجال لانتشارهما؟
ولذلك تركِّز مقالتنا في سبر غور هذا السؤال، على البحث عن نشأة هاتين الطائفتين
ومِن ثَمَّ إدراك حقيقة انتشارهما الحالي وخريطة وجودهما وتمددهما وأساليبهما
الجديدة.
وسنكون حريصين على وصف هذه الطوائف بما يعتقدونه بالفعل، وعرض إستراتيجيتهم
ومخططاتهم من غير مبالغة، لأن أول خطوة في مواجهة الواقع المنحرف هو إدراكه على
حقيقته دون تهويل أو تهوين.
البهائية:
نشأت البهائية في إيران، والمثير في الأمر أن الفكرة التي قامت عليها هذه الطائفة
ارتكزت على عقيدة اعتنقتها الشيعة الإمامية وهي ظهور الإمام الغائب، ففي منتصف
القرن الثامن عشر ظهرت فرقة الشيخية التي أسسها أحمد بن زين الدين بن إبراهيم
الإحسائي، أحد رجال الدين الشيعي في مدينة كربلاء العراقية.
وقد نادى الإحسائي بأن الإمام الموعود لن يخرج من الخفاء، وإنما سيولد في صورة شخص
من أشخاص هذا العالم، وأن المعاد يكون بالجوهر لا بالعنصر الترابي، فالجسد يبلى بعد
الموت، أما الحشر والنشر فيكون بالروح وهو من الجواهر.
وعقب وفاة الإحسائي عام ١٨٢٦م واصل تلميذه كاظم الرشتي أفكار سلفه حول عودة الإمام
المنتظر، وأعلن الرشتي في أواخر أيامه أن تعاليم الشيخية قد استوفت غرضها في
التهيئة لمجيئه، وأوصى تلاميذه بالتشتت بحثاً عنه، وفي أثناء ذلك ظهر شاب إيراني
يدعى علي محمد الشيرازي وذلك في عام 1844م، ولقَّب نفسه بـ (الباب)، وبشَّر بأن
رسولاً من الله سيأتي قريباً كما زعم حينها، هنا انقلب الإمام الغائب إلى رسول،
وبالفعل أتى هذا الرسول المزعوم في عام 1852م؛ إذ زعم أحد أتباع الباب واسمه ميرزا
حسين علي المولود في عام 1817م في إيران، أنه شاهد في السجن رؤيا أنه هو الرسول
الذي بشَّر به الباب ولقب نفسه بـ (بهاء الله). وفي عام 1863م أسس هذه الطائفة، ولم
يكتفِ البهاء بادِّعاء النبوة، بل تجاوزها إلى ادَّعاء الألوهية، وأنه القيوم الذي
سيبقى ويخلد، وأنه روح الله، وأنه هو من بعث الأنبياء والرسل، وأوحى بالأديان!
وتعرض بهاء الله المزعوم للنفي عدة مرات، وكتب في تلك الفترة ما أطلق عليه
البهائيون (الكتاب الأقدس) الذي يُعَدُّ أهم الكتب لدى أتباع هذه الطائفة وهلك هذا
الرجل عام 1892م.
وخَلَفَه نجله عبد البهاء ويعدُّ هو المؤسس الحقيقي لهذه الطائفة حتى أن صوره هي
التي تُرفع دائماً في محافلهم ومقراتهم، فالرجل عمل منذ وفاة والده على نشر
التعاليم البهائية في أنحاء العالم وتوفي عام 1921م، وقد خلف عبدَ البهاء حفيدُه
شوقي أفندي الذي واصل الدعوة والتبشير بهذه الأفكار.
ويحج البهائيون إلى المركز العالمي للبهائيين، الذي يقع في مدينتي عكا وحيفا شمال
فلسطين المحتلة، حيث تضم عكا ضريح بهاء الله، في حين تضم حيفا ضريح محمد رضا
الشيرازي الملقب بـ (الباب)، ويلاحَظ أن قيام الدعوة البهائية تزامن مع تربُّع
الأسرة القاجارية الشيعية على عرش إيران، فكان من الطبيعي أن يتعرض البهائيون للقمع
على يد حكام طهران، الذين رأوا في الدعوة الجديدة تمدداً على حساب طائفتهم الشيعية.
واتُّهم البهاء بمحاولة اغتيال ناصر الدين شاه إيران في ذلك الوقت، إلا أن المحاولة
باءت بالفشل، وكُشِف الفاعلون، ففر البهاء إلى سفارة روسيا التي قدمت له الحماية
الكاملة، ولم تسلِّمه إلى السلطات الإيرانية إلا بعد أن أخذت وعداً منها بعدم
إعدامه، ثم سهَّلت له الخروج من إيران لينتقل إلى تركيا تحت الحكم العثماني، وما
لبث أن نفاه العثمانيون بعد أن شعروا بخطورة دعوته إلى عكا في فلسطين، حيث لقي
حفاوة بالغة من اليهود الذين أحاطوه بالرعاية، وأضحت عكا منذ ذلك التاريخ مقرّاً
دائماً للبهائية ومكاناً مقدساً لهم.
وقد قام شوقي بترجمة العديد من الكتب البهائية إلى اللغة الإنكليزية، ووضع الخطط
وأشرف على تنفيذها لنشر الفكر البهائي في العالم، وبدأ بإنشاء المركز البهائي
العالمي في مدينة حيفا قرب مرقد الباب، وشيد أركان المؤسسات الإدارية المحلية
والإقليمية تمهيداً لانتخاب بيت العدل الأعظم للمرة الأولى. وبعد وفاة شوقي في سنة
1957م دون أن يترك وصية أو نجلاً، استحال تعيين من يخلفه في ولاية الأمر، وتم تشكيل
بيت العدل الأعظم الذي يعدُّ أعلى هيئة إدارية وتشريعية للبهائية منذ ذلك الحين.
ويجري انتخاب أعضاء بيت العدل الأعظم التسعة مرة كل خمس سنوات.
وعقب وفاة البهاء انقسم أتباعه إلى ثلاث فرق:
الأولى هم البهائيون العباسيون:
وهم الغالبية العظمى (في الوقت الحالي)، وهم الذين يعدُّون عبد البهاء هو الغصن
الأعظم ومركز العهد والميثاق.
ثم البهائيون الموحدون:
وهي الطائفة التابعة لميرزا محمد علي شقيق عبد البهاء من أم أخرى وهؤلاء الذين
يعدونه الغصن الأعظم وولي أمر الله، وقد اتبعه معظم أفراد أسرة بهاء الله.
أما الطائفة الثالثة فهم البهائيون الأرثوذكس:
وهم مجموعة من البهائيين الذين لم يقبلوا بأن تكون ولاية أمر الدين البهائي لبيت
العدل الأعظم، لكنهم يرون أن ولاية الأمر تكون للأمريكي تشالز ميسون ريمي الذي كان
في زمن شوقي أفندي سكرتيراً له، وأحد مساعديه الذين حملوا لقب (أيادي أمر الله).
ويتلخص معتقد البهائيين في أن كلّاً من الإسلام واليهودية والنصرانية وحتى
الهندوسية والبوذية، تمثل مرحلة من مراحل التجلي الإلهي في أزمنة مختلفة؛ فالأديان
السابق ذكرها منبعها واحد هو الله الذي خلق هذا العالم وأنه يُعرَف بأسماء مختلفة
في مختلف الأديان.
ويعتقد البهائيون بأن نور الله قد تجلى في آدم وإبراهيم وموسى وكريشنا وزرادشت
وبوذا والمسيح ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، والباب وبهاء الله.
وفي البهائية ثلاث صلوات: كبرى وصغرى ووسطى، وأي صلاة تغني عن الأخرى. وصفتها أن
لكل صلاة ثلاثَ ركعات، والوضوء لها بماء الورد، وإن لم يوجد فيكتفون بقولهم بسم
الله الأطهر خمس مرات.
وللبهائيين سبعة أعياد:
العيد الأعلى، وعيد النوروز، وعيد الرضوان، وعيد إعلان الباب للدعوة، وعيد صعود
بهاء الله، وعيد استشهاد الباب، وعيد ميلاد الباب.
ويؤمن البهائيون بنسخ الشريعة؛ لذلك يحرِّمون الحجاب على المرأة، ويحلِّلون المتعة،
ويدعون إلى شيوعية النساء والأموال.
وهكذا تمكن البهاء من عمل خلطة تتكون من العقائد السماوية والأفكار الوثنية مع بعض
أهوائه الشخصية، ليطلق عليها اسم البهائية.
وقد سبق أن أفتى الشيخ ابن باز والأزهر بكفر هذه الطائفة وخروجها من ملة الإسلام.
ولا تعترف معظم الدول العربية بالبهائية، فيتم التضييق عليهم في فترات معيَّنة في
مصر، والمغرب، والعراق، وصولاً إلى اليمن، في حين كانت دول أخرى مثل لبنان والأردن
أكثر تسامحاً معهم، وإن لم تعترف بديانتهم.
وتشير بعض الإحصائيات إلى أن عدد معتنقي البهائية حالياً نحو 6 ملايين شخص، لكن لا
يمكن التأكد من هذه الأعداد، إذ إن هذه الإحصائية صادرة عن المركز البهائي العالمي
وعنه تنقل الجهات الغربية.
ويعيش أكبر عدد من البهائيين في العالم في الهند التي تضم حوالي مليوني بهائياً. في
حين تمثل ما يراه بعد المهتمين ثاني أكبر ديانة دولية في بوليفيا، وزامبيا، وغينيا
الجديدة، وثالث أكبر ديانة دولية في تشاد وكينيا.
القاديانية:
نشأت القاديانية عام 1889م، وتسمى أحياناً أخرى بـ (الأحمدية) نسبة إلى مؤسسها غلام
أحمد القادياني المولود عام 1839م في قرية قاديان إحدى قرى ولاية البنجاب التابعة
الآن لباكستان، ومركز هذه الطائفة في منطقة تسمى الربوة في باكستان الحالية.
وقد تدرج غلام أحمد في دعوته، فادعى أنه المهدي المنتظر ثم المسيح، وفي النهاية زعم
أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بُعث مرة أخرى في شخص ميرزا غلام.
وكعادة هذه الدعوات المضطربة والمتناقضة فكرياً، فإنه يعترف في الوقت نفسه بأن
النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء ولكنه تلاعب بالألفاظ فزعم أنه
ليس آخرهم، كما أنه يقول إن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كان نبياً مشرِّعاً،
أما هو فنبي غير مشرِّع، كما زعم أنه جاءه الوحي من الله بتأسيس جماعته لتجديد
الإسلام بعد ما اعتراه من جمود وإغلاق لباب الاجتهاد، معتبراً أنه مجدِّد رأس القرن
الرابع عشر الهجري. وقد وضع في شرح أفكاره عشرات المؤلفات منها كتاب التذكرة الذي
تضمن الوحي والإلهام الذي ادعى هبوطه عليه من السماء.
ويؤمن القاديانيون كذلك بأن قرية قاديان التي ولد فيها مؤسس الطائفة هي مدينة مقدسة
كما يقدس المسلمون مكة والمدينة فيشدُّون إليها الرحال من جميع أرجاء العالم، كما
يحرِّمون على أنفسهم الصلاة في مساجد المسلمين، ويمنعون دفن المسلمين في مقابر
القاديانيين، وتحظر القاديانية زواج نسائها من رجال المسلمين، وذلك بدعوى كفر من لم
يؤمن بنبوة زعيمهم ميرزا غلام أحمد القادياني.
وفي عهد الاحتلال البريطاني للهند دعمهم الإنجليز بعد إعلانهم أن الجهاد قد انتهى
بظهور المسيح المنتظر، ودعوتهم إلى التعاون مع المحتلين، وأنهم ولاة أمر تجب
طاعتهم، وذلك في وقت كانت تتصاعد فيه دعوات جهاد المحتل في صفوف المسلمين.
وبلغت صِلتهم بالإنجليز وتشجيع بريطانيا لهم إلى درجة أنها قامت بتعيين أحد
القاديانيين (وهو حبيب الله شاه) حاكماً على العراق إثر احتلالهم له بعد انتهاء
الحرب العالمية الأولى.
ومثلهم مثل البهائيين فقد انقسم القاديانيون بعد وفاة زعيمهم: فرقة يتزعمها الميرزا
بشير الدين محمود ابن المؤسس وتسمى بالقاديانية أو الأحمدية.
أما الطائفة الأخرى فيتزعمها محمد علي اللاهوري، وتسمى اللاهورية أو الأحمدية، وكلا
الطائفتين تتبع المؤسس غلام أحمد وتأخذ بأقواله وتقدس كتبه، وإن كانت الأولى
(القاديانية) تعلن نبوته صراحة، أما الأخرى (اللاهورية) فتقول بأنه المسيح الموعود،
ومجدد القرن الرابع عشر الهجري، ولا تصرح بنبوته.
ومن العجيب أنه في بداية استقلال باكستان تمتَّعت الجماعة بنفوذ قوي في الحكومة
الجديدة التي كان يرأسها علي جناح المنتمي إلى الطائفة الإسماعيلية، فكان أول وزير
خارجية باكستاني (ظفر الله خان) من أفراد هذه الطائفة، وفي عهده امتلأت وزارة
الخارجية بأعضاء القاديانية، وظل الرجل في منصبه مدة سبع سنوات حتى أقيل عام 1954م
إثر احتجاجات طالبت بتنحيه عن منصبه بسبب انتمائه إلى القاديانية وسقط فيها عشرات
الآلاف من القتلى.
ولكن في عام 1974م أعلن البرلمان الباكستاني قراراً باعتبار القاديانية ديناً خاصاً
كالهندوسية، ومن ثَمَّ لم يعد أتباعها في نظر السلطات الباكستانية من المسلمين،
وقبل ذلك وصمها الداعية أبو الأعلى المودودي بالكفر، كما رفضتها منظمة المؤتمر
الإسلامي وعدَّتها من الطوائف الخارجة عن الإسلام.
ولقد شن الرئيس الباكستاني الأسبق ضياء الحق على القاديانية حرباً شعواء، وكانت تلك
الحملة القمعية عليهم من بين الخطوات التي خطاها ضياء الحق لتجذير الإسلام في
المجتمع الباكستاني، للحفاظ على وحدته بدلاً من انقسامه عرقياً، فانتقلت زعامتهم
إلى لندن حيث يقيم رئيسهم الخليفة الخامس ميرزا مسرور أحمد، الذي ينظم في لندن كل
عام مؤتمراً يحضره عشرات الألوف من أتباعه قادمين من مختلف أنحاء العالم، فيما يشبه
كرنفالاً ضخماً أو موسم حج جامع، وفي اليوم الأخير يتجمع الحاضرون في باحة واحدة
ويجددون البيعة على الطاعة المطلقة لخليفة الجماعة، ويتعهدون بمواصلة نشر دعوتهم
وخدمتها بسلسلة كبيرة من المؤسسات التعليمية والصحية والتجارية.
وتزعم الطائفة القاديانية أن عدد أتباعها حوالي 200 مليون شخص، في حين تشير بعض
التقارير إلى أن عدد أعضاء الطائفة الأحمدية الموزعة في آسيا الوسطى والبلدان
الغربية لا يزيد على خمسة ملايين.
بين القاديانية والبهائية:
تختلف القاديانية عن البهائية في أن القاديانية تَعدُّ نفسها طائفة مسلمة، في حين
ترى البهائية أنها دين جديد مختلف مثلها مثل الإسلام والنصرانية واليهودية، ومن هنا
تنبع خطورة القاديانية إذ تتغلغل بين المسلمين على أنها مذهب إسلامي كالصوفية؛ خاصة
أن كثيراً من المسلمين لم يبلغهم ما قاله علماء العالم الإسلامي وهيئاته الفقهية
(مثل مجلس المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة التابع لرابطة العالم الإسلامي،
ومجمع الفقه الإسلامي الدولي في جدة التابع لمنظمة العالم الإسلامي)، الذين أصدروا
فتاوى عديدة نصت على أن أتباع هذا المذهب خارجون عن الإسلام.
وهناك اختلاف آخر أنه في حين تخاطب البهائية الصفوة في المجتمعات، نجد أن
القاديانية تخاطب مع الصفوة الطبقات الأدنى اجتماعياً في الريف والقرى والأحياء
الشعبية ولديها القدرة على الانتشار في هذه الأوساط.
وإذا أخذنا مصر مثالاً لانتشار هاتين الحركتين: فالبهائية انتشرت هناك خلال النصف
الثاني من القرن التاسع عشر عبر المهاجرين الإيرانيين، وتحديداً طائفة تجار السجاد
منهم، ممن وفدوا إلى القاهرة عام 1864م، حتى تأثرت بهم النخبة المتغربة التي رفعت
شعار الليبرالية في مصر في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، حتى كتب
عنهم بإعجاب العديد من رموز تلك المرحلة التاريخية؛ مثل: الشيخ محمد عبده، وسلامة
موسى، وعباس العقاد، وإسماعيل مظهر.
ونقل رشيد رضا رأي الشيخ محمد عبده في عباس أفندي الذي كان على رأس البهائيين في
تلك الفترة، فيقول عبده عنه:
«أسمع
أنه بارع في العلم والسياسة، وأنه عاقل يرضي جميع المجالس».
ويعقِّب رشيد رضا على حديث أستاذه محمد عبده بأنه وقع كغيره في خديعة كبيرة، بسبب
ما أسماه التقية التي تعامل بها الميرزا، ويتبع في ذلك سلوكاً مناوراً يخفي حقيقة
ما يؤمن به، ويشير في ذلك إلى أن عباس أفندي كان يصلي الصلوات الخمس والجمع، ويحضر
دروس الشيخ محمد عبده، ويتحدث كأنه مسلم سني.
وعندما أرادت البهائية التوغل في قرية مصرية عام 2009م تصدى لها الناس، الأمر الذي
أسفر عن إحراق خمسة منازل يملكها بهائيون، وترتب على ذلك تهجير جميع أفراد الأسر
الخمس، ولم تمكِّنهم السلطات الأمنية من العودة إلى منازلهم.
أما تغلغل القاديانية في مصر فكان له شكل آخر: فالقاديانية تختلف في مصر عن
البهائية التي يجرِّم القانون المصري اعتناقها، في حين لا يتحدث القانون عن
الأحمدية وهذا ما ترتب عليه انتشار الطائفة السريع في مصر، الأمر الذي دفع الأجهزة
المصرية للتحرك. ويزعم موقع القاديانية على الإنترنت أن عددهم بالآلاف في مصر، في
حين تتحدث تقارير إعلامية أنهم ينشطون بشكل سري في كافة المحافظات، ومن كافة
الشرائح الاجتماعية وخصوصاً الأكثر فقراً.
ففي عام 2010م تم القبض على مجموعة من أتباع القاديانية في مصر لأول مرة في حي
المقطم جنوب العاصمة، ووُجِّهَت إليهم تهمٌ من بينها إنكار الأحاديث النبوية، وعدم
جواز الصلاة خلف المسلمين، واعتناق أفكار تتناقض والشريعة الإسلامية.
وفي عام 2017م تم تحويل أحد المعلمين في محافظة الفيوم جنوب غرب القاهرة إلى محاكمة
تأديبية، بعد أن اتهمته النيابة المصرية بالترويج لأفكار ما أطلقتْ عليها النيابة
(الجماعة الإسلامية الأحمدية العالمية) بين طلاب مدرسته.
ويوضح الباحث المصري مصطفى أمين أنه لا توجد أرقام رسمية أو صادرة عن جهات حقوقية،
تحصر أعداد المنتمين للقاديانية في مصر. ولكن الباحث تتبع زوَّار موقع القاديانية
على الإنترنت من المصريين، فاستنتج عبر تفاعلاتهم وتعليقاتهم أن عددهم لا يعدو بضعة
آلاف من المتابعين، غالبيتهم متعاطفون ومؤيدون.
إستراتيجيات الاختراق:
مما سبق نستطيع استنتاج أن إستراتيجيات تلك الجماعات المنحرفة عقيدياً نجحت في
اختراق العالم الإسلامي عن طريق ثلاثة محاور رئيسة:
الأول: التسلل الناعم والخداع بأن أفكار الطائفة الضالة ما هي إلا فكر تجديدي
للإسلام.
الثاني: التدريج بالعمل مع النخب كالبهائية، أو الطبقات الفقيرة والمهمشة
كالقاديانية.
الثالث: استغلال رعاية الدول الغربية التي تريد اختراق الإسلام من داخله.
ويقع على عاتق المخلصين من أبناء الأمة دور كبير في توعية البسطاء، واحتوائهم
والتصدي لتلك المخططات والحركات الهدامة التي تحاول إعاقة سير الأمة الإسلامية نحو
استعادة دورها التاريخي مرة أخرى لما كانت خير أمة أخرجت للناس.