البيان/صحف: في مقال نشرته صحيفة الغارديان البريطانية قالت، إن سقوط نظام الأسد في سوريا يمثل نهاية "الهلال الشيعي" الذي طالما خشيته إيران وصعود "القمر المكتمل" لتركيا. وكل ذلك يعيد تشكيل المشهد الجيوسياسي من القرن الأفريقي إلى بلاد الشام وأفغانستان.
وتضيف الصحيفة، في السنوات الأولى من الصراع السوري، عرضت العشرات من الدول الدعم المتقطع لجماعات المعارضة، لكن التزام تركيا تجاه المعارضة في الجيب الشمالي الغربي بالقرب من حدودها كان ثابتا. ومن خلال وقف إطلاق النار وخطوط المواجهة المجمدة التي تم التوسط فيها منذ عام 2019، ضمنت تركيا للمعارضين الاستقرار لإعادة تسليحهم وإعادة تنظيمهم، ومع استنزاف إيران وعجزها عن توفير الموارد والقوى البشرية بسبب الضربات الصهيونية ضد حزب الله والشبكات الإيرانية في لبنان وسوريا، وأصبح انهيار نظام الأسد ليس ممكنا فحسب، بل لا مفر منه. وفي الوقت نفسه، لم تقدم روسيا، المنشغلة بحربها في أوكرانيا، سوى دعم محدود للأسد.
وتشير الصحيفة إلى آثار نجاح تركيا في العراق المجاور، فقد حافظت تركيا لفترة طويلة على وجودها في المناطق الشمالية وتعاونت مع الأكراد العراقيين واستهدفت حزب العمال الكردستاني. ويعزز صعود حكومة يقودها السنة في سوريا موقف تركيا في المناطق ذات الأغلبية السنية في العراق التي تهيمن عليها الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران منذ سقوط تنظيم داعش في عام 2019. ومن المرجح أن يعكس هذا التآكل التدريجي لنفوذ إيران في العراق التغييرات التي تتشكل في سوريا.
وتؤكد الغارديان، أن طموحات تركيا تمتد إلى ما هو أبعد من سوريا والعراق، لتصل إلى أفريقيا والقوقاز وآسيا الوسطى. فبعد أربعة أيام من انتصار المعارضة في سوريا، نجح أردوغان في التوسط في اتفاق بين الصومال وإثيوبيا، وهما حليفان مقربان لتركيا، لتهدئة التوترات بشأن النزاعات الإقليمية. كما أن وجود تركيا العميق في ليبيا، بما في ذلك الدعم العسكري للحكومة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، يضمن لها نفوذها على ديناميكيات الطاقة في البحر الأبيض المتوسط ويضعها في موقع الوسيط القوي الرئيسي في شمال أفريقيا.
بالإضافة إلى ما وصفته الصحيفة بتزايد دور أنقرة في أفغانستان في السنوات الأخيرة، حيث أقامت علاقات مع حركة طالبان منذ عودتها إلى السلطة في عام 2021، شرقي حدود إيران. بالإضافة إلى ذلك، عززت تركيا وجودها في أذربيجان بالقرب من الحدود الشمالية لإيران من خلال دعم باكو عسكريا ودبلوماسيا خلال حرب ناغورنو كاراباخ عام 2020 ضد أرمينيا، لتضع نفسها كلاعب رئيسي في القوقاز.
وتقول الصحيفة، إن صعود تركيا من شأنه أن يعقد ديناميكيات القوة الإقليمية، ويعيد توزيع قوى التوازن في المنطقة فإيران التي اعتمدت على النفوذ الطائفي الشيعي تتراجع أمام تركيا بوصفها قوة سنية تلعب دوراً سياسياً وعسكرياً واضحاً ومباشراً بالإضافة إلى تراجع قوى التيار المعتدل الذي على ما يبدو تخسر دورها في هذه المرحلة أمام تركيا التي حصلت على نفوذها على حساب الدور الأمريكي والروسي.
وتكمل الصحيفة البريطانية قولها، إن صعود تركيا ليس مجرد استجابة لتراجع إيران. بل إنه يعكس سياسة خارجية حازمة تقوم على الضرورات الاقتصادية والأمنية العاجلة، مثل التهديد الكردي في سوريا والعراق، ونهج مختلف جوهريا للقوة الإقليمية. واستراتيجية تركيا تجمع بين التدخل العسكري والتواصل الدبلوماسي والاستثمار الاقتصادي. وهذا النهج المتعدد الأوجه يسمح لها بالعمل عبر الخطوط الطائفية والإيديولوجية.
وتضيف، إن هيمنة تركيا تشكل مصدر قلق عميق بالنسبة لمحور الإعتدال العربي الذي تصالح مع الدولة العبرية بموجب إتفاقية أبراهام، قد يضعهم في مواجهة مباشرة مع منافس إقليمي، وبالنسبة لصناع السياسات الغربيين، تتراوح وجهات النظر حول تأكيدات أنقرة المتزايدة من المخاوف بشأن علاقاتها الإسلامية إلى الاعتراف بمركزيتها في السياسة في الشرق الأوسط. وهذا يصب في مصلحة أنقرة، لأنه يشكل فارقا واضحا عن إسقاط القوة الإيرانية الذي تم تحديه بالإجماع في الغرب والمنطقة، في السنوات القادمة، لن تدور صراعات القوة في المنطقة حول ظل طموحات إيران، بل حول نطاق طموحات تركيا. وبالنسبة للمنافسين والحلفاء على حد سواء، لن يكون السؤال بعد الآن ما إذا كانت تركيا ستهيمن على المنطقة، بل كيف؟.