أجرى الحوار: أ. نجاح شوشة
البيان: فضيلة الدكتور نرحب بفضيلتكم ضيفًا كريمًا ومعلمًا للدعاة إلى
الله عز وجل، نسأل الله أن يتقبل منكم صالح العمل.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ،
والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المبعوث رحمةً للعالمين
، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ،
شهادةً نحيا بها ونموت عليها ونلقى الله بها ، وبعد فيسعدني أن ألبي هذه الدعوة
الكريمة من مجلة البيان ؛ لنتباحث ونتشاور فيما يعود بالنفع على الدعوة إلا الله
-تبارك وتعالى- بفروعها المختلفة ، سواء منها حفظ القرآن أو تعليم الطلاب العلم
الشرعي ، أو ما إلى ذلك مما يصب في النهاية في مصلحة الدعوة إلى الله -تبارك
وتعالى-.
البيان: بداية ضيفنا الكريم ما تعليقكم على تحويل العديد من الأسر
المصرية مسار أبنائهم من التعليم الأزهري إلى التعليم العام بحجة صعوبة المناهج
وكثرة المواد الدراسية وتشعبها مقارنة بالتعليم العام فبماذا تنصح تلك الأسر؟
أقول: بأن من وجه أولاده في الأصل إلى التعليم الأزهري لاشك أنه كان يرى هذه الرؤية
قبل أن يلحق ابنه بالأزهر ومسألة كثرة المناهج ليست غائبة عن كثيرٍ من الأسر ، فنحن
نعلم ونحن نلحق أبناءنا بالأزهر أن هناك مواد ثقافية ومواد شرعية ومواد لغوية ،
فليس هذا خافياً علينا وإنما دفعنا بأبنائنا إلى تعلم هذه العلوم ؛ لينهلوا من معين
العلم الشرعي الذي لا يتوفر في غير الأزهر وليستقوا من معين اللغة العربية وآدابها
بشكلٍ أكثر تركيزاً في الأزهر عما هو عليه في التربية والتعليم ، فضلاً عن ذلك
الأزهر يتميز بعدم الاختلاط في الدراسة ما بين الأولاد والبنات ابتداءاً من المرحلة
ممكن الابتدائية والاعدادية والثانوية والجامعة ، وفضلاً عن ذلك أيضاً فإن
الاختيارات أمام أبناء الأزهر ؛ لتلقي العلوم الشرعية أو اللغوية ، أو العلوم
الأكاديمية البحتة طب وهندسة ، هذه كلها اختيارات متاحة لطالب الأزهر لا تتاح لغيره
، ونحن نجد أن الشروط التي تتوفر في إلحاق طلاب الأزهر بالكليات أقل بكثير مما هو
موجودٌ فلماذا لا ننظر إلى هذه الإيجابيات؟ لماذا فقط نركز على أن المواد كثيرة ،
وأن الحمل في مجال المواد يعني فوق الطاقة ، كلنا تعلمنا على هذا الترتيب والحمد
لله كانت لها إيجابية ، وتعلمنا علوماً شرعية ، في حين أن أي طالب مهما كان فيه من
درجة الاستعداد لا يستطيع أن يلتحق لا بأصول الدين ولا بالشريعة ولا باللغة العربية
، ولا بالدعوة ، ولا بكليات إسلامية متخصصة إلا على هذا الطريق فقط ، فمن أحب
لأودلاه أن يكون لهم قدم في مثل هذه الأماكن وأتمنى أن تقر بهم العين في حالهم
ومستقبلهم ، فأنا أرى أن التعليم الأزهري يعني كفيل بتحقيق هذه الرغبة التي يتمناها
كثيرون ولا يستطيعون الحصول عليها.
البيان: بعض المعاهد الأزهرية بدأت تدريس اللغات الإنجليزية والفرنسية
إلى جوار العربية وعلوم القرآن للأطفال بدءًا من سن الرابعة فكيف تنظر إلى هذه
التجربة؟
نحن كنا نتحدث عن أن المواد كثيرة ، وأن العلوم التي يتحمل مسئولية دراستها طلاب
الأزهر تفوق إمكانات وقدرات الأطفال مما ينبغي معه أن تخفف ، لا أن نستزيد ونستكثر.
والمواد
التي يتحملها طالب الأزهر تفوق ما يتحمله الطالب العادي ، ربما يصل ما يتحمله طالب
الأزهر ضعف ما يتحمله غيره ، ومن هنا يجب أن تتوجه الأنظار إلى التخفيف عن هؤلاء
الطلاب حتى يتمكنوا في مثل هذه السن الصغيرة من حفظ القرآن الكريم والغرب
والأمريكان أنفسهم لا يسمحون أن يتعلم في مثل هذه السن الصغيرة شئ آخر خلاف اللغة
الأم التي يتكلمون بها ، فدون شك إذا زاحمنا الطلاب بلغاتٍ أخر غير اللغة العربية ،
سيكون ذلك على حساب اللغة العربية وعلى حساب القرآن الكريم ويؤدي ذلك بالتالي إلى
التنازع والتشتيت في نفس هؤلاء الأطفال الصغار الذين لا يستطيعون التمييز ، ولذلك
أن أستغرب بأن يكلف الطلاب الصغار وهم في ذلك السن بلغاتٍ أخرى غير العربية ،
يمكنون من اللغة العربية ويمكنون من القرآن الكريم ، ويستطيعون أن يبرعوا ويتفوقوا
فيها ، وبعد ذلك ممكن ابتداءاً من المرحلة الإعدادية يبدأ حينئذٍ نكلف الطلاب بلغة
أخرى تعينهم وتساعدهم وتنشأ منهم طلاباً جيدين يستطيعون تبليغ الإسلام ، لكن في
هذه السن ماذا يفيد الطالب وهو في سن صغيرة أربع أو خمس سنوات أو ست سنوات ماذا
يفيده أن يتعلم لغة إلى جانب لغته العربية؟ كل هذا كلام غير منطقي وغير تربوي من
وجهة نظري ؛ لأن الأصل والأساس أن أعلم الطالب لغته الأصلية ويتمكن فيها على النحو
الذي يجب أن يكون ، وحين يتمكن في لغته يمكننا ساعتها أن نضيف إليه لغات أخر ،
والله أعلم.
البيان: كليات الدعوة الإسلامية وأصول الدين مع الأسف الشديد ليست من
كليات القمة وفي الأغلب يدخلها من يحصل على مجموع ضعيف، فهل لذلك تأثير على كفاءة
الداعية؟
دون شك الطالب الذي كان متفوقًا في مرحلة الثانوية يمكنه أن يواصل تفوقه في مرحلة
الجامعة ، وهذا ملحوظ ومشاهد، فمن يدخلون هذه الكليات وهم في الأصل يحفظون القرآن
حفظاً جيداً ويجيدون التحدث باللغة العربية بلغة فصيحة ، ولديهم قدرة على تعلم
العلوم بصورة جيدة تتناسب مع إمكاناتهم وقدراتهم ، أما إذا دفع إلى هذه الكليات
طلاب ليست لديهم إمكانات ولا أساسيات ولا قدرة على تلقي العلوم بصورة واجبة أو
بصورة لائقة فإن هذا من شأنه أن ينعكس سلباً على إمكاناتهم الذاتية وعلى استعدادهم
في المستقبل أن يكونوا دعاةً إلى الله -تبارك وتعالى- ، ونحن نجد أن السنة ورد فيها
أن هرقل حين سأل أبا سفيان قائلاً له: كيف نسبه فيكم؟ قال: هو فينا ذو نسب ، وقال
رداً عليه: كذلك الأنبياء تبعث في نسب قومها ، والله -تعالى-يقول:
{اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً
وَمِنَ النَّاسِ}(الحج75).
فهناك اختيار وانتقاء من الرسل أن يكونوا من النسب وأن يكونوا من العقل والمعرفة
كما قال الله عن نبيه موسى: واصطنعتك لنفسي ، اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي ،
وأنا اخترتك. وقال لنبي الله محمد -صلى الله عليه وسلم-: ألم نشرح لك صدرك ، ووجد:
ألم يجدك يتيماً فآوى ، ووجدك ضالاً فهدى ، ووجدك عائلاً فأغنى ، فأعد هؤلاء
الأنبياء إعداداً خاصاً يتناسب مع الرسالة التي سيقومون بها ، نفس المعنى ينبغي أن
يكون مع الدعاة إلى الله -تبارك وتعالى- ؛ ليفلحوا وينجحوا ، أما إذا دفعنا إلى هذه
الكليات من سيتصدرون للدعوة في المستقبل وهم ليست لديهم إمكانيات ذاتية ، ولا
استعداد لتلقي العلم على النحو الذي يجب أن يكون ، أشياء كثيرة ينبغي أن تتوافر في
الداعية ، فما هي المحصلة؟ وماهي النتيجة؟ وما هو المخرج؟ حينئذٍ سيكون ضعيفاً لاشك
.
هذه الكليات يتقدم إليها أيضاً بعض المتفوقين ممن لهم رغبة وحب لتلقي العلوم
الشرعية وهم فعلاً رموز جيدة ونماذج جيدة ، منهم طلاب يمكنهم دخول كلية الطب أو
كلية الهندسة أو ما إلى ذلك ، ومع ذلك يؤثر كليات الدعوة أو أصول الدين وهؤلاء
فعلاً يفلحون وينجحون ويبدون استعداداً لتلقي العلم بصورة جيدة فلا شك أن الارتقاء
بهذه الكليات أول ما ينبغي أن يلفت النظر إليه اختيار العناصر الجيدة وليس بالضرورة
كم ، نحن نبحث حينئذٍ عن الكيف ، من لديه قدرة واستعداد ورغبة فمرحباً وأهلاً
وسهلاً به ، وبعد ذلك يتم اختباره والارتقاء به وبيان واكتشاف مدى قدرته واستعداده
، فإذا تجمعت الرغبة مع الاستعداد الذاتي لدى الإنسان أمكن أن يحقق النجاح لنفسه
ولدعوته في مستقبله إن شاء الله -تعالى-.
البيان: هل لك أن تهمس بكلمات في آذان بعض العاملين على الساحة الدعوية؛
لكنهم يهمشون غيرهم، وقد يسفهون من الجهود الدعوية للغير؟
المفترض أن العاملين في مجال الدعوة يتعاونون ويتطاوعون ولا يختلفون ، وهذا هدي
النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما بعث معاذاً وأبا موسى الأشعري إلى اليمن قال:
يسرا ولا تعسرا ، وبشرا ولا تنفرا ، وتطاوعا ولا تختلفا ، هذا هو هدى النبي -صلى
الله عليه وسلم- والله -تعالى- يقول لنا في كتابه الكريم:
{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ
أَوْلِيَاء بَعْضٍ}(التوبة71).
فالولاء ينبغي أن يكون لأهل الإيمان بغض النظر عن الراية التي ينضون تحتها ، فإذا
كان لدى هذا راية ، ولدى هذا راية فلا بأس أن يعمل تحتها ، لكن يبقى الولاء في قلوب
هؤلاء نحو الإسلام الذي يجمع شملنا ويوحد صفنا ويجمعنا جميعاً تحت رايته ، أما أن
يتعصب إنسانٌ لشيخ أو لطائفة أو لجماعة أو لرأيٍ ما من الآراء ، هذا نوعٌ من أنواع
التعصب المقيت الذي ينبغي أن لا يتصف به المسلم الحريص على وحدة الصف وجمع الكلمة ،
نحن إذا سألنا في قبورنا سنسأل: من ربك ما دينك ما تقول في الرجل الذي بعث فيكم؟
حتى لن يُسأل الإنسان هل كنت فقهياً شافعي أم حنفي ، هل كنت حركياً إخواني ولا
تبليغي ولا سلفي ، لن يسأل الإنسان عن هذه الأشياء ، إنما من ربك ما دينك ما تقول
في الرجل الذي بعث فيكم ، وعلى ذلك ليس من الإنصاف ولا من العدل أن أرى رأيي صواباً
لا يحتمل الخطأ وأرى رأي غيري خطأ لا يحتمل الصواب ، إنما ينبغي أن نتعاون فيما
اتفقنا عليه وأن يعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه ، وعندنا قول النبي -صلى الله
عليه وسلم-: الكبر بطر الحق وغمط الناس ، فإذا الإنسان المسلم عامةً مأموراً بأن لا
يتكبر على خلق الله -تعالى- فإن من واجبه أن يتصف بذلك ويتحلى في عدم التكبر على
الناس عامةً وعدم التكبر على إخوانه من الدعاة بصفة خاصة ؛ لأن هؤلاء معه على
الطريق وهم يعملون على نصرة الإسلام ، ويعملون إلى رفع راية الدين كما يسعى هو أو
كما يحب هو أن يكون الأمر ولذلك نتمنى أن يتعاون الكل ويتطاوعوا ولا يختلفوا وأن
يكونوا كما وصفنا النبي -صلى الله عليه وسلم-: مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم
وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى
، ولا يعني هذا أن الاختلاف غير وارد ، الاختلاف ممكن والنبي -عليه الصلاة والسلام-
عندما اختلف أصحابه في فهم حديثه: لا يصلين أحدٌ منكم العصر إلا في بني قريظة البعض
قال أراد أن نستعجل ، والبعض الآخر تمسك بظاهر النص ولم يصلي إلا في بني قريظة لم
يعب النبي -صلى الله عليه وسلم- على هؤلاء ولم يعب على هؤلاء ، وعد هذا من الرسول
-صلى الله عليه وسلم- إقراراً بالاختلاف فيما هو محلٍ للاجتهاد ، وأنا أرى أن ما
يقول به أهل هذا المذهب أو أهل هذه الطائفة كلها مسائل تدور في إطار الخلاف في
الفرعيات ، نحن ولله الحمد نتفق على الأصول ونتفق على أساسيات الدين ونختلف فقط في
الكيفية التي ننصر بها الإسلام أو الطريقة التي ندخل بها إلى دين الله ونحبب الناس
في طاعة الله فمثل هذه الأمور تجمعنا ولا تفرقنا وتجعلنا نتطاوع ولا نختلف ، ونسأل
الله -تعالى- الهداية للجميع.
فضيلة
الشيخ نريد منكم نبذة حول مدى ربط الجانب العملي عند طلابك بكلية الدعوة الإسلامية
بالجانب النظري
بسم الله الرحمن الرحيم ، العلم إذا كان مقصوراً على الجانب النظري لم يفد كما
يقولون في هذا المعنى والعلم إن لم تكتنفهُ شمائلٌ تعليهِ كان مطيةَ الإخفاقِ لا
تحسبن العلم ينفعُ وحدهُ ما لم يتوج ربهُ بخلاقِ وسلفنا الصالح -رضوان الله تعالى
عليهم- كانوا يتعلمون الهدي كما يتعلمون العلم فيتعلمون طرائق الإسلام وآداب
الإسلامِ أخلاقه من أساتذتهم كما يتعلمونَ منهم العلمَ النظري وبعضُ هؤلاءِ وهو ابن
وهبٍ وهو تلميذ من تلامذة الإمام مالك يقول : ما تعلمت من أدبِ مالكٍ أفضلُ من
علمهِ بمعنى لو وضعنا أدب مالك في كافة و علم مالك في كافة سنجد أن أدب مالك يفوق
علمه وما تعلمهُ تلامذتهُ منهُ يفوق ما تعلموه من علمهِ هذا هو ما يجب أن يحرص
عليهِ الدعاةُ وهم يربونَ تلامذتهم يربونهم على الخلق والأدب ولنا في رسول الله
-صلى الله عليهِ وسلم- أسوةٌ حسنة كان يتخوننا بالموعظةِ في الأيام والموعظة كلام
لكن مع ذلك كان يتفقد أصحابه فيسأل عن غائبهم ويعود مريضهم ويعين محتاجهم ويسألُ
أصحابه من أصبحَ اليومَ منكم صائماً من تصدقَ اليومَ على مسكين من عادَ اليوم منكم
مريضاً من شيعَ منكم جنازةً فكان -صلى الله عليهِ وسلم- يسعى إلى ترقية الجانب
الخلقي والإيماني في نفوسِ أصحابه إلى جانب ما كان ينصحهم بهِ ويعدهم وهذا ما نحاول
جاهدينَ أن نزرعهُ ونبثهُ في أبنائنا الطلاب من أبناءِ الدعوةِ الإسلامية فنعلمهم
العلوم الشرعية وفي الوقتِ نفسهِ نحاول جاهدينَ أن نرقى بهم سلوكياً وأن ندعم فيهم
أخلاق الإسلام وآدابه بحيث تبقى الصلة فيما بيننا وبين هؤلاءِ الطلاب بعد أن
يتخرجوا وليسَ مجرد واحد حصلَ على شهادة ويعني أصبحَ مؤهلاَ تأهيلاً عالياً دونَ أن
يكونَ لهم مردود إيجابي هذا ما نحاول جاهدين فيه أن نحققه مع طلابنا ونسأل الله أن
يحقق الفلاح لنا ولهم
خمس سنوات حضرتك قضيتها في عمادة الكلية يعني هل حضرتك على المستوى الفردي كنت
قريباً من الطلاب ؟
يعني ربما يجيبكَ عن هذا الطلاب أنفسهم أو العاملونَ في الكلية من أعضاء التدريس
والعاملون نحمدُ الله تعالى ونشكره أنهُ لم تكن بيننا وبينَ أحدٍ لا من طلاب ولا من
أي عاملين أية حواجز كان المكتب مفتوحاً أمام الجميع وكنا نحرص على تجويد العملية
التعليمة بقدر ما نستطيع وخرجنا من الكلية وليس لله الحمد في رقبتنا لأحدٍ مظلمة
ونسأل الله تعالى أن يأجرنا في هذا وأن يجعل ما قضيناهُ حجةً لنا لا علينا .
البيان:حصلتم على شهادة الدكتوراه في "القصة في السنة النبوية وأثرها في الدعوة
الإسلامية" فما منزلة القصة في الدعوة؟
دون شك القصة باعتبارها عاملا عمليا تطبيقياً يؤدي إلى إقناع المدعوين بصورة أكثر
من القول المجرد إذا كان القولُ مجرداً دونَ أن يكونَ لهُ ما ييدهُ من الواقع فإن
حظهُ من القبول يكون أقل إنما إذا وجد هذا القول على أرض الواقع و طبق بصورة عملية
وأصبحَ في الإمكانِ أن يرى لهُ نماذج تطبيقات في واقع الناس فهذا يكون أكثر إيجاباً
وأكثر تأثيراً وفعالية ونحنُ نرى تطبيقات موضوع القصة في القرآن الكريم أنها تحتوي
قرابة ربع أو ثلث القرآن الكريم كلها قصص ، الله تعالى يقول
: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ
بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ
الْغَافِلِينَ } ( يوسف3 )، وقال
-سبحانهُ وتعالى- {حم 1 وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ2
إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ3
} ، فقال لقوم تعقلون ولعلكم تعقلون وقال أحسن
الحديث وكل هذا يؤكد على أن تحويل الكلام النظري إلى وقائع عملية تطبيقية تُرى
وتقرأ وتحس له من التأثير أكثر من الكلام النظري وهذا الكلام سار عليهِ النبي -صلى
الله عليهِ وسلم- في دعوته وسنته على الكثير من القصص التي كان يتناولُ فيها أحداثا
وقعت لأنبياء أو لغير أنبياء وفي صحيح البخاري كتاب كامل اسمه أحاديث الأنبياء على
سبيل المثال أوردَ فيهِ الإمام البخاري كل ما قالهُ النبي -صلى الله عليهِ وسلم-
من أحاديث تتعلق بمن سبقنا في بني إسرائيل وفي غير بني إسرائيل وشملت كثيراً من
هذهِ القصص وحاولنا أن ننزل هذا على الواقع بحيث إن ما تكون مجرد رسالة علمية نحصل
بها على درجة إنما نحاول أن نزرع في الناس مبدأ من مبادئ الخلق من خلال القصة يعني
على سبيل المثال عندما ذكرنا الحديث بينما رجل يمشي بطريق وجدَ غصن شوكٍ فقال والله
لأنحين هذا عن طريق المسلمين كي لا يؤذيهم فالنبي -عليهِ الصلاةُ والسلام- قال
فشكرَ الله له فغفر له في رواية فأدخلهُ الله الجنة نحول هذا المعنى إلى تطبيق عملي
في خدمة المجتمع وتنظيف الشوارع ومحاولة أن يرى هذا السلوك إماطة الأذى عن الطريق
شعبة من شعب الإسلام في صورة حسية عملية تطبيقية وليس مجرد قصة قيلت وانتهى وهكذا
في كل نظير .
البيان:الدعاة في الغرب يواجهون تحديات جمة هذه الآونة نظرًا لتصاعد العداء للإسلام
فبم تنصحهم في هذه الظروف؟
النبي -عليهِ الصلاةُ والسلام- وردَ عنهُ في الحديث أن حذيفة بن اليمامة قال كان
الناس يسألون النبي -صلى الله عليهِ وسلم- عن الخير وكنت أسألهُ عن الشر مخافةَ أن
يدركني فقلت يارسول الله لقد كنا في جهريةٍ وشر فجئتنا بهذا الخير فهل بعد هذا
الخير من شر قال نعم قال فهل بعد هذا الشر من خير قال خير وفيه دقن إلى أن قال هل
بعد هذا الخير من شر قال شر خالص دعاة على أبواب جهنم من أجابهم قذفوه فيها قال
فبماذا تنصحني إذا أدركني هذا الزمن قال : إلزم جماعة المسلمين وإمامهم قال فإن لم
أجد لهم جماعةً ولا إماماً قال : سِر بدينك إلى الله ولو أن تعض بأصل شجرة حتى
يأتيك الموت وأنت على ذلك فنصيحتي عامةً العاملين في مجال الدعوة وبخاصة في إطار
الأقليات المسلمة الذين يواجهون مشكلات تتمثل في نحو ما قال النبي -صلى الله عليهِ
وسلم- دعاة على أبواب جهنم من أجابهم قذفوهُ فيها قال إلزم جماعة المسلمين وإمامهم
فيبدو هذا عمليا في توحيد الصف وجمع الكلمة وضم الشهود وتنسيقها فيما بينهم وبين
بعضهم لا يليق بنا كدعاة أن نذهب إلى الغرب فننقل إليهِ مشاكل الشرق ويتعصب كل
إنسان لرأيه أو لجماعته في داخل دول الغرب و أمريكا إنما تنسيق الجهود وتكاملها وضم
هذه الجهود إلى بعضها البعض في سبيل أن يبدو هذا الأمر كبيراً وعظيماً ولا يتشتت
الأمر الكبير العظيم لو تشتت يضعف والأمر الكبير القليل لو تجمع يقوى فهؤلاء في
حاجة إلى أن يضموا جهودهم إلى بعضهم وأن يكون لهم إتحادات ونقابات ويتنازل كل إنسان
عن ما كان يحمله من فكر كذا أو جماعة كذا نحن في أرض تحتاج إلى أن نظهر محاسن
الإسلام فيما بيننا فإذا فشلنا في أن نبدي محاسن الإسلام فيما بيننا فنحن بذلك نصبح
عقبة أمام انتشار الإسلام حيثُ فشلنا أن نقيمهُ فيما بيننا نحن نموذج مصغر لأمة
الإسلام في هذهِ المواقع فإذا نجحنا في أن نذيب الفوارق فيما بيننا وأن تزول عناصر
الفرقة من قوميات ولغويات وثروات ومذهبيات وما إلى ذلك وأن يبدو بعضنا مع بعض
متحابين متوادين أمام هؤلاء الناس دون شك هذا سيقوي من قدرتنا على الدعوة وسيجعلنا
أمة متماسكة ويجعلنا في نفس الوقت حُجة أمام هؤلاء حين يرون الإسلام موحد صفه ومجمع
كلمته رغم اختلاف أجناسنا ولغتنا وقوميتنا .
البيان:أثمرت الفضائيات ذات التوجه الإسلامي شيوع الحجاب ومظاهر التدين في العديد
من البلدان ، والبعض يقول إن هذه مظاهر غثائية ليس إلا، فبم ترد عليهم؟
للأسف الشديد أن الذي يقول هذا الكلام لا يعلق على القنوات التي تبثُ الفساد
والفتنة والإغراء وتشيع فيما بين المسلمين الفواحش الرقص والحب ومظاهر الخلاعة
والمجون لا يتناول هذه القنوات بالتعليق سواءً يعني تعليقاً يصحح من مسارها أو
يلومها على ما تقدمه لا يسأل عن شيء وإنما فقط ينزعج لأجل أن تأتي قناة إسلامية
تقدم مادة دينية محترمة مادة دينية تتمثل في قال الله وقال رسول الله -صلى الله
عليهِ وسلم- ويزعجهُ هذا يزعجهُ أن يرى شيخاً أو داعية أو واعظاً يقف أمام الناس
يعلمهم أمورَ دينهم ونحنُ نرى بالفطرة الناس تجاوبت بشكل إيجابي مع كل هذهِ القنوات
ليسَ في مصر وحدها وإنما في كل أنحاء العالم ممن يشاهدون هذهِ القنوات وتأتي
الإتصالات من أوربا وأمريكا ومن آسيا ومن الدول العربية ومن الدول الناطقة بغير
العربية يتسائلون في دين الله -سبحانهُ وتعالى- فكيفَ يقال أن هذا التواصل ما بين
الناس وما بين هذهِ القنوات يقال عنه أنه غثائية أو اللهم إلا إذا كان كل من هذا
القبيل إثارة الغبار على كل ما هو إسلامي ، الناس الآن تتشكك أو تعيب على بيت
إسلامي يعيبون عليه إعلام إسلامي يعيبون عليه زي إسلامي يعيبون عليه كل ما يمت
للإسلام بصلة يحاولون مهاجمته إنزعاجاً منهم لإن تظهر هذهِ المظاهر فلا شك أن
الفضائيات صورة كإذاعة القرآن الكريم هذه تُسمع بالآذان وهذهِ تشاهد بالأبصار فلا
فرق بين إذاعة القرآن الكريم ومثل هذهِ القنوات الإسلامية التي تستضيف فيمن تستضيف
من أهل العلم وأهل الفكر طبيباً في مجاله عالم فلك أو عالم ذرة في مجاله تستضيف
عالم اجتماع في مجاله وتستضيف عالماً شرعياً في مجاله وتستضيف واحد ناصحاً في مجاله
فهي قد نجحت ولله الحمد في أن تتدخل الدين إلى بيوت الكثيرين وأصبحنا ولله الحمد في
إمكاننا وهو أداء تعرض الفساد بكل أشكالهِ وألوانه على قنوات أخرى نجد في بيوتنا
ذكراً لله تبارك وتعالى من خلال هذهِ القنوات وذكراً وثناءً على رسول الله -صلى
الله عليهِ وسلم- من خلال هذهِ القنوات فلماذا يحرمُ الناسُ منها ولماذا يمنعُ
الناسُ من مشاهدتها وتترك بقية القنوات التي لا تمت للإسلام بصلة تفعلُ ما تشاء دون
أن يعقب عليها أحد أرجو من الله -سبحانهُ وتعالى- أن نفيءَ إلى الصواب وأن نعودَ
إلى الرشد وأن نتركَ لدين الله تبارك وتعالى نحقق للناس السعادة في دينهم والسعادة
في دنياهم وأخراهم .
انتشرت المشاهد شبة العارية في عدد من الفضائيات سيئة السمعة، فهل هذا
يصعب من مهمة الداعية في هداية الناس؟
إذا اتيحت للداعية فرصة من خلال قناة من القنوات أن يقول كلمة حق أو جريدة أو مجلة
أو منبر ينبغي ألا يقصر بل ينبغي أن يسعى سعياً لإظهار الحقيقة وتسميتها أمام الناس
جميعاً ، و يبقى الأمر أن المشاهد إذا وجدَ أمامه الخير والشر وجد أمامه الباطل
والحق حيئذ ستلزمك الحجة أمامك هذا وذاك فلماذا تذهب إلى الباطل لكن يوم ألا يجد
أمامه إلا الباطل وقد انسحبَ أهل الحق من أن يقول الحق علانية أمام الناس حينئذ
تكون الحجة على العلماء لإنهم تقاعسوا عن القيام بدورهم أو تكون الحجة على ممن عموا
ممن يقولوا كلمة الحق التي أرادوا لها أن تصل إلى كل أنحاء الدنيا ومن هنا ينبغي
علينا أن نقوم بواجبنا وأن نؤدي دورنا ونحنُ على يقين من أن الإسلام هو دينُ الفطرة
وأن الله تعالى معنا وليسَ مع غيرنا فمهما حاول غيرنا مع إمكان فيهم التي تفوقنا
ومع جهودهم التي يبذلونها ليلاً ونهاراً في نشر الباطل لن يجدوا من الله عوناً ولن
يجدوا من الله نصرة في حين لو قليل من الجهد الذي يبذل بيد الدعاة إلى الله تعالى
إذا كانوا صادقينَ بتوفيق الله تبارك وتعالى يعني أكبر وأعظم وأشمل .
نشكرك