كشف حساب 55 عاماً من أوجاع اليمن
صادف يوم الثلاثاء الذكرى الــ55 لثورة سبتمبر اليمنية التي قضت على فلول الإمامة وظلت اليمن تحاول الخروج من أزمة إلى أخرى حتى عادت الإمامة بثوب جديد عبر حركة الحوثي، متمثلة بذلك قول شاعرهم القديم:
قل لصنعاء والقصور العوانس
إننا سادة أُباة أشاوس
سُنعيد حكم الإمامة إما
بثوب النبي أو بـأثواب ماركس
وإذا خابت الحجاز وصعدة
فلنا إخوة كرامٌ بفارس
هي 55 عاماً عاشها الشعب اليمني متدرجاً بين حرب وأخرى، وأزمة وأختها، في ظل عدم استقرار للحكم بعد أن كانت رقاب الحكام بعد الثورة تُطحن بالانقلابات والاغتيالات حتى استقر الأمر لعلي عبدالله صالح في 1978م، ليؤسس لسياسة جديدة تعلم من خلالها الرقص على رؤوس الثعابين وحكم البلد بالثارات والحروب ودعم الأطراف المتصارعة ليصبح حاكماً للجميع.
ولعل المرحلة الذهبية التي عاشتها اليمن هي فترة التوافق بين المكونات السياسية منذ عيد الوحدة وحتى حرب صيف 1994م عندما طمع صالح بالسلطة والثروة في الشمال والجنوب وقفز على جميع شركائه وانفرد بالسلطة وتداولت الأزمات على المواطن اليمني عاماً بعد آخر حتى انفجرت أول حرب في صعدة عام 2004 مع عدة أفراد من المتمردين يقودهم الهالك حسين بدرالدين الحوثي.
وخلال ستة أعوام أُرهق الجيش اليمني في جبال صعدة في حرب مصطنعة افتعلها علي عبدالله صالح بعد تأسيسه للشباب المؤمن الذين تحولوا إلى جماعة عسكرية بقيادة الحوثي ضد الدولة، وأصبحوا قوة عسكرية كبيرة بفضل التماهي والتواطئ الذي صنعه صالح معهم من أجل التخلص بشريكه في السلطة الجنرال علي محسن الأحمر.
وتواصلت الأحداث والأزمات السياسية والعسكرية حتى تفجرت الثورة الشبابية في صنعاء وخرج الأمر من تحت سلطة علي عبدالله صالح في 2011، وجاءت المبادرة الخليجية لكي تصنع السلام بين الفرقاء وتؤسس لمرحلة جديدة ما لبث صالح أن طعنها من الظهر بعد أن حصل على حصانة شاملة له ولفريق حكمه.
وما هي إلا سنوات قصيرة حتى كشر الحوثي عن أنيابه بالتعاون مع عدوه القديم علي عبدالله صالح، فكونا حلفاً عسكرياً قاد البلاد إلى المهالك، سقطت بموجبه العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر 2014، واستيلاء المليشيات على السلطة والجيش والثروة والبنك المركزي وحصار الحكومة في مقرها وفرض الإقامة الجبرية عن الرئيس هادي، ومواصلة التمدد نحو المحافظات الجنوبية.
من حسن حظ الرئيس هادي أنه تمكن من الفرار من تحت قبضة الحوثي في ليلة 21 فبراير 2015، ووصل إلى العاصمة المؤقتة عدن وألغى جميع القرارات التي أصدرها بتهديد السلاح. وعندما كان هادي في وضع حرج بعد وصول قوافل المليشيات إلى مدينة عدن طلب المساندة من الأشقاء في الخليج فكانت عاصفة الحزم في 26 مارس 2015م.
منذ ذلك التاريخ واليمن تشهد ضرباً ضروساً على كافة المستويات وفي كل المحافظات وبفضل عاصفة الحزم تحررت الكثير من المحافظات اليمنية، لكن أوجاع اليمنيين تعاظمت واتسعت جراحاتهم يوماً بعد يوم مع طول فترة الحرب، في ظل حكومة ضعيفة لا تستطيع الإيفاء بواجباتها أمامهم، وجماعة انقلابية تبتز الناس بأقواتهم وتستخدمهم دروعاً بشرية في مواجهة قوات الشرعية.
الأمر الأكثر سوء في المشكلة اليمنية الراهنة هو واقع العلاقة بين شريكي الانقلاب (الحوثي، صالح) بعد أن بدأت معالم الصراع بين الطرفين ومحاولة التفرد بالقرار والسلطة والجيش من قبل جماعة الحوثي، وهو الأمر الذي سينعكس بشلك سلبي على واقع حياة المواطن في المناطق التي تخضع لسلطتهما.
آخر التطورات تشير إلى أن حالة الشحن بين الطرفين مستمرة على كافة المستويات، وإن كان صالح قد بادر بنفسه في احتواء جزء من الأزمة عبر التواصل شخصياً مع زعيم الحوثيين وتكليف مندوبين من الطرفين للتفاهم حول نقاط الخلاف.
مجمل القول في العلاقة بين الحوثي وصالح، تؤشر أن الأزمة مستمرة رغم محاولة إخفاءها بالتصريحات الناعمة، فوسائل إعلام الطرفين تعملان ضد بعض والمناوشات الكلامية بين القيادات مستمرة، ويبدو أن صالح وحزبه أصبح الطرف الأضعف، وهو الأمر الذي دفعه لقبول السلم والتصالح رغم كل الطعنات التي تلقاها من جماعة الحوثي.
وبالعودة إلى الوضع الإنساني الداخلي، فقد مرت أكثر من 10 أشهر دون أن يحصل الموظفون على رواتبهم، وتوقفت الأعمال وانحدر اقتصاد البلد إلى أدنى المستويات، حتى وصل سعر الدولار الأمريكي إلى 400 ريال يمني مسجلاً ارتفاعاً يصل إلى أكثر من 150%.
الأرقام الصادرة عن المنظمات المحلية والدولية وعلى رأسها المفوضية السامة للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين مفزعة ومخيفة، فقد طال الفقر أكثر من 22 مليون مواطن يمني من إجمال عدد سكان 27،5مليون بنسبة حوالي 85% وهو رقم ضخم للغاية.
حسب وزارة الصحة العالمية فقد توفي ما يزيد عن 1971 مواطن يمني بسبب مرض الكوليرا، وأصيب قرابة نصف مليون مواطن، هناك 4 آلاف مواطن مهدد بالإصابة بالمرض بشكل يومي.
حسب المعلومات الصادرة عن الأمم المتحدة، فالمجاعة تهدد ثلث الشعب اليمني في 7 محافظات من أصل 22 محافظة، وهناك 20% من السكان يعانون من نقص حاد في الغذاء.
ربما أن هذه الأرقام هي مجمل ما توصلت إليه تلك المنظمات مع التقصير الحاصل في الرصد والتوثيق، وعدم وصول الراصدين إلى القرى والمدن النائية، وعدم سماح المليشيات للفرق الطبية واللجان التطوعية الوصول إلى أكثر الأماكن في المحافظات الشمالية، وهو الأمر الذي يجعلنا نؤكد أن الأمر أخطر مما رصدته أعين المنظمات.
هذه جردة قصيرة لسنوات عجاف عاشها الشعب اليمني ولا يزال يعيشها متنقلاً من حرب إلى حرب ومن أزمة إلى أخرى، ولعله ينتظر عين الرحمة أن تشمله بسلام دائم وقيادة صادقة تقود البلاد إلى بر الأمان.