• - الموافق2024/11/22م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
صوفية اليمن بين الحياد والتناغم مع الحوثي

صوفية اليمن بين الحياد والتناغم مع الحوثي

رغم عزوف الجماعة الصوفية في اليمن عن السياسة كحالة من التنزه والتجرد الروحاني إلاّ أن الصراع الأخير الذي أحدثته جماعة الحوثي المسلحة نهاية سبتمبر 2014م أحدث انقساماً لدى الصوفية في مواقفها من الأحداث.

وشكل هذا انقساماً واضحاً، أول مرة في الجماعة الصوفية، إذ عُرفت خلال العقود الماضية إما بانزوائها في "الروابط العلمية" أو وجودها بجانب نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وقد أضفت الشرعية على كل سياساته.

لكن ما إن أدخلت جماعةُ الحوثي البلدَ في صراعات مسلحة ابتداءً من تهجير طلاب مركز دار الحديث في دماج، حتى بدأت نزعة التصوف العقدية التي تلتقي مع التشيع، في حب آل البيت تبرز بشكل واضح(1)، إضافة إلى استجلاب الإرث التاريخي من الصراع الفكري الصوفي مع التيار السني الأصولي، الأمر الذي أخرج فصيلاً صوفياً من طور الانزواء إلى التشفي والوقوف ضد التيار السني بكل فصائله الدينية والسياسية، على حدٍ سواء.

موقف الصوفية من حرب "دماج":   

في حرب الحوثيين في دماج انتهاء بتهجير طلاب مركز دار الحديث في يناير 2014م كان الموقف الصوفي محايداً، باعتبار أن هذه الحرب سياسية لا تعنيهم.

ويمكن اعتبار موقف المرجع الصوفي علي الجفري، أبرز موقف صدر عن الصوفيين في اليمن تجاه حرب الحوثيين على دماج؛ إذ حاول تقمص دور الحياد مصبوغاً بالتشفي أمام ما حدث لطلاب مركز دماج الذي كان يمثل أول معقل للدعوة السلفية في اليمن.

ورغم أن ما قامت به جماعة الحوثي من تهجير لأبناء دماج وطلاب مركز دار الحديث كعمل طائفي واستنكرته حتى بعض الفصائل اليسارية إلاّ أن علي الجفري قال: "ما يحدث في دماج هي معركة سياسية، ولا نرى أي الطرفين ينبغي أن يُنصر".

ومع محاولته لإبراز الحرب على دماج بأنه صراع سياسي حاول التأكيد أكثر بقوله "إن الشافعية والزيدية تعايشوا على مدى ألف سنة ولم يُحمل سيف في اليمن على أساس الخلفيات الدينية"(2) ليحاول تجريد الحوثيين من نزعتهم الطائفية رغم وضوحها وإفصاحهم أنها حرب تحت شعار "يا لثارات الحسين".

وحين اجتاح الحوثيون المُدن اليمنية وعسكرت الحياة السياسية ظهرت الصوفية على موقفين:

أولاً: الموقف المؤيد للحوثيين:

توجهت الصوفية "الهاشمية" في المناطق الوسطى: إب، تعز، الحديد، والتي تنتشر فيها بكثرة بالمقارنة مع بقية المناطق إلى الانخراط مع جماعة الحوثي وألقت الصوفية بكل ثقلها معهم حتى بررت لحربهم ضد خصومهم السياسيين أو من يسمونهم بـ "الوهابية".

 وكان أبرز الصوفيين الذين أعلنوا تأييدهم لجماعة الحوثي الصوفي سهيل بن عقيل باعلوي، وهو ذاته من تزعم حملات تأييد ومناصره للحوثيين حتى أوكلت جماعة الحوثي إليه إلقاء الخطب كل جمعة أثناء اعتصام الحوثيين على مدخل صنعاء قبل سقوطها بأيديهم.

وزار بن عقيل، الذي يصفه الحوثيون بمفتي مدينة تعز، محافظة صعدة معقل الحوثيين، وذهب إلى ضريح بدر الدين الحوثي والد مؤسس جماعة الحوثي حسيين بدر الدين الحوثي(3).

ومن بين القيادات التي عرفت بالتصوف في مدينة تعز عدنان الجنيد، الذي أسس ملتقى التصوف في المدينة مع سهل بن عقيل، ويعتبر الجنيد أبرز من أيد في دخول الحوثيين إلى المدينة.

وعمل الجنيد مع شخصيات صوفيه أخرى مثل محمد يحيى الجنيد وأسرة بيت الرميمة، وهم من شكل الحلقة الدينية لشرعنة وجود الحوثيين وحربهم على أبناء مدينة تعز منذ سنة كاملة حتى الآن(4).

ثانياً: الحياد المصلحي:

وهناك من الصوفية من وقف على الحياد جراء الحرب التي تمثل أهم حدث في الوقت الراهن، كانت البيئات التي وجد فيها من اتخذ هذا الموقف عاملاً أساسياً لا سيما المناطق التي لا تلاقي بيئة شعبية للحوثيين، وهذا ما ينطبق على الصوفية الموجودين في المناطق الجنوبية.

وعلى الرغم مما فعلته جماعة الحوثي في مدينة عدن، جنوب اليمن، من جرائم أثناء اجتياحهم للمدينة نهاية مارس 2015م إلاّ أن الرفض الشعبي لهذه الجماعة جعل الصوفية في هذه المدينة يلتزمون الصمت دون إبداء أي رأي يُذكر.

ويوجد في مدينة عدن كبير الصوفيين أبو بكر المشهور الذي يرأس مركز العيدروس أحد الأربطة العلمية الصوفية في المدينة، ولم يكن له أي موقف مُعلن جراء الأحداث رغم ما حدث من ظلم لأبناء مدينته من الحوثيين.

وفي مدينة "تريم" بمحافظة حضرموت التي تعتبر أبرز منطقة يتجمع فيها الصوفية التزمت فيها الجماعة الصمت والحياد من الأحداث، ربما للأسباب نفسها في مدينة عدن باعتبار السخط الواقع في الأوساط الجنوبية على كل ما يتصل بالمناطق الشمالية، إضافة إلى سيطرة القاعدة على أجزاء من حضرموت والذي جعلهم يتفادون أي صراع مع طرف فالتزموا الحياد.

ومن أبرز رموز الصوفية في حضرموت عمر بن حفيظ مؤسس دار المصطفى للدراسات الإسلامية في تريم، وقد أبدى بن حفيظ الحياد من الصراعات والأحداث في عموم البلد، حيث قال: "لسنا مُكفرين لأحد ولا مُشرّكين لأحد ولا متنازعين مع أحد ولا نريد إمداداً من أحد ولا نخاف سوءاً من أحد، وموقفنا هو بلاغ عن الله ورسوله نؤدي الأمانة كما أحب الله"(5).

وفي محافظة البيضاء وسط اليمن، توجد فيها مراكز صوفية، وأبرز الصوفيين فيها نائب وزير الأوقاف عبد اللطيف عبد الرحيم، وهو شخص عرف بولائه للرئيس السابق علي صالح ولا يزال يُزاول عمله من صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون حتى اللحظة.

ويعتبر الصوفي حسين محمد الهدار مرجعية الصوفيين في البيضاء إلا أنه انزوى بنفسه ولم يظهر منه أي موقف رغم ما عرف عنه هو ونائب وزير الأوقاف بولائهم لنظام صالح المتحالف حالياً مع جماعة الحوثي.

 وأما في محافظة الحديدة التي يوجد فيها الصوفي البارز محمد علي يحسى سالم مرعي رئيس جامعة دار العلوم الشرعية، فقد عرف بمواقفه المناهضة لثورة فبراير 2011م، وهو بذلك يعبر عن تأييده لنظام صالح، إضافة إلى أنه كان مرشح حزب المؤتمر في 2003م بمدينة الحديدة.

وحين اندلعت الثورة الشبابية وقف "مُرعي" ضدها وأصَّل بعدم الخروج على علي عبد الله صالح(6).

 وفي ما يتعلق بالحرب مع الحوثيين فقد ظل ما يقارب العام دون أن يكون له رأي سياسي، حتى زار رئيس ما تسمى "اللجنة الثورية" التابعة للحوثيين محمد الحوثي لجامعة دار العلوم وكان في استقباله محمد مرعي، والذي وصف زيارة الحوثي بأنها "تشريفاً وتكريماً للجامعة"(7).

 وعلى الرغم من بقاء هذا الفصيل العريض من الصوفية على خط الحياد إلاّ أنه يكشف عن قناعة غامضة توحي بعدم الاعتراف بشرعية الحكومة التي انقلبت عليها جماعة الحوثي التي تُعبِّر في البلد عن عمل ميليشيات وليس عن سلطة شرعية.

الموقف من "عاصفة الحزم":

من الواضح أن الصوفية في اليمن تحمل عداءً تاريخياً على المملكة العربية السعودية باعتبارها كانت منطلقاً لضرب حركة التصوف عقدياً ومفاهيمياً منذ دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وهو ما جعلهم يقفون على خط الحياد أكثر من "عاصفة الحزم" التي قادتها المملكة.

لم يفصح قادة الصوفية عن موقفهم من "عاصفة الحزم" التي جاءت بعد أن قال المسؤول الإيراني علي محمد رضا زاكاني إن صنعاء في طريقها لأن تكون العاصمة الرابعة في يد طهران، ولولا هذا الحشد العربي لكانت صنعاء العاصمة الرابعة بيد طهران، فعلاً، ولأصبح قاسم سليماني يتجول في كل محافظة، وهو ما يضع استفهاماً حول حياد الصوفية لما كانت ستؤول إليه اليمن على هذا النحو من الانحدار.

لكن علي الجفري، حاول أن يتشكل مع "عاصفة الحزم" باعتباره مقيماً في دولة الإمارات، وخرج بموقف ينتقد فيه الحوثيين مع وصفهم بـ "إخوتنا الذين بغوا علينا".

ومع انطلاق عمليات التحالف ضد الحوثيين نهاية مارس 2015م قال الجفري في أول تصريح له، في رساله موجهة للحوثيين: "الثمن الذي تُطالَبون بدفعه لإنقاذ اليمن غالٍ، وهو أن تفضّوا الشراكة بينكم وبين إيران... لكن الاستمرار في التماهي مع إيران ستكون عواقبه أشد وأصعب"(8).

ولم يتحدث الجفري عن وجود حكومة شرعية في البلد ولكنه وجه رسالة بقوله للإسلاميين: "لا تشعلوها طائفية دعوها فإنها منتنة"، وصور الحرب بأنها بين الحوثيين والتيارات السياسية وليس بين ميليشيا حليفة لإيران وبين حكومة شرعية.

وقد وجه رسالته إلى التحالف العربي بقيادة المملكة حذرها من الاستماع لمطالبات الإسلاميين بجعل الطائفية جزءاً من دعم المرحلة التي أنتم فيها، وهو قلب للواقع، رغم معرفة الجميع بأن الأحزاب السياسية الإسلامية لا تخوض حرباً طائفية بل جماعة الحوثي التي قامت بحرب طائفية من صعدة إلى مدينة عدن.

ويمكن القول إن مواقف الصوفية سياسياً، وحيادها عن الأحداث في اليمن أشبه بجماعة "الدعوة والتبليغ"، إلاّ أن وجود قواسم مشتركة بين عقيدة التصوف مع مشروع التشيع في التقائهما بالعداء ضد الحركات السنية السياسية والتوجه العام لدول الخليج الذي لا يصب في مصلحتهم هو ما جعل فصائل صوفيه أخرى تُعلن تأييدها للحوثيين وتبرر لحروبهم في طول البلد وعرضها.

 

المصادر:

(1) هناك تفصيل واسع حول قواسم مشتركة بين المتصوفة والشيعة، وفي هذا الرابط جزء من هذا التفصيل: http://www.albayan.co.uk/MGZarticle2.aspx?id=3449

(2) مقطع لعلي الجفري للمزيد على الرابط التالي: https://www.youtube.com/watch?v=j7duakmvXrs

(3) نشرت تفاصيل زيارة باعلوي قناة المسيرة، التابعة للحوثيين، للمزيد على الرابط التالي: https://www.youtube.com/watch?v=SjpKWvsvrc4

(4) مقطع لفعالية الحوثيين في تعز بحضور الجنيد للمزيد على الرابط التالي:   

  https://www.youtube.com/watch?v=KtiDNh1KEpI

(5) كلمة لعمر بن حفيظ في مارس 2015م بعنوان: التعامل مع الأحداث وفق الهدي النبوي للمزيد على الرابط التالي:  https://www.youtube.com/watch?v=OaI2aDC1tDo

(6) كلمة لمرعي، للمزيد على الرابط التالي:

  https://www.youtube.com/watch?v=vZp7053jMec

(7) وكالة سبأ، للمزيد على الرابط التالي:

http://www.sabanews.net/ar/news418797.htm

(8) كلمة لعلي الجفري للمزيد كما في الرابط التالي:

https://www.youtube.com/watch?v=jsG88a-3lY0

 

تلجرام

أعلى