تـسـلـط الإعـلام
منذ بداية الإسلام برسالته الشاملة بدأ الصراع بين الحق والأباطيل على اختلاف مشاربها، ولكن طوال التاريخ الإسلامي لم ينجح أعداء الاسلام الخارجيين، على قوتهم وكثرتهم وشقاقهم، ولا الداخليين، على تلونهم وغدرهم وخيانتهم، في النيل من أمته ولا إستباحة بيضتها مثلما يحصل الآن في زمننا الحاضر. بالطبع هناك أسباب كثيرة أخذ بها أعدائنا حتى تحققت لهم هذه النتيجة المؤسفة، ولكن المتتبع لتاريخنا يجد أنهم قد أخذوا بنفس هذه الأسباب في الماضي مراراً وتكراراً دون أن تحقيق هذا النجاح الحالي، ولا حتى الاقتراب منه. فما الذي استجد مؤخراً؟ أنه الإعلام. الإعلام، الذي أصبح انتشاره وتسلطه بل وتغوله هو سمة هذا العصر بلا منازع.
لن نضيع الوقت في تبيان ما لوسائل الإعلام المتعددة، خصوصاً المرئية منها، من تأثير هائل على الناس، حتى أضحت المصدر الأساسي، وأحياناً، الوحيد، للمعلومات، ولا في إثبات أن المتحكمين بهذه "الصناعة" عالمياً هم من أعداء الإسلام، ولا في ضرب الأمثلة على أن وكلائهم المحليين، رغم معرفتهم بذلك، قلما يخرجون عن الخطوط العريضة لتوجهاتهم. فتلك أمور جلية لم تعد تخفى على أحد، ولكننا سنكتفي في هذا المقال باستعراض ثلاثة من أهم تلك الأسباب، وما أضفاه عليها الإعلام من إشهار زاد من فعاليتها، وعلا بها، وأعطاها قوةً وزخماً لم يكونوا ليتوفروا لها في السابق:
رسخ الإعلام الغربي صورة نمطية عن المسلم بشكل عام تتكون من ثلاث محاور رئيسية هي: الإرهاب والشبق الجنسي والتخلف الحضاري، وتكرر ذلك بشكل شبه حرفي في كثير من وسائل إعلامنا المحلي، ولكن خُص به المسلم المتدين. هذه الصورة عن المسلمين ليست جديدة، ونراها واضحة في أدبيات أعدائنا في القرون الماضية، ولكنها لم تكن تتمتع بمصداقية معتبرة، ولم تحظى بانتشار واسع، خاصة مع ما يراه الناس من جرائم مروجي هذه الأكاذيب التي تفوق ما اتهمونا به.
فأما بالنسبة للتخلف الحضاري فلا مجال هنا في إثبات عظمة حضارتنا الإسلامية المشهود لها من كافة المنصفين، ولا لمقارنة قصر فترة تكونها، وطول فترة استمرارها، مع بقية الحضارات التي تطلبت مئات من السنين لتتكون ثم انهارت في سنوات قليلة، فهذا المجال قد سبقنا فيه الكثيرون. كما لن نتطرق لمقارنة نسب الشذوذ الجنسي أو حالات الإغتصاب أو الأمراض الجنسية أو انتشار الدعارة بين مجتمعاتنا وبقية المجتمعات وبالذات الغربية، فذلك واضح أيضاً وضوح الشمس. ومهما تفننت الأفلام والمسلسلات والبرامج الفضائية والأخبار المنتقاة وتحليلاتها في صناعة أكاذيب وأنصاف حقائق لتغييب الحقائق الكاملة، فهي لن تخدع إلا البسطاء، ولن يصدقها إلا من يريد تصديق ذلك فعلاً لحاجة في نفسه.
سنتحدث هنا عن الإرهاب بالذات. فقد سيطر هذا "الوهم" على العالم بأسره، وأصبح من المسلمات، حتى صدقه كثير من المسلمين أنفسهم للأسف الشديد. متناسين تسامح ديننا وتعصب أديان متهِمينا على مر العصور، ومقارنة النصوص التي يُفهم منها الدعوة إلى الإرهاب، بزعمهم، في قرآننا الكريم، مع النصوص الداعية إلى الإرهاب صراحة في كتبهم المقدسة الحالية، وبالذات في العهد القديم بالنسبة للمسيحيين، أو التوراة بالنسبة لليهود. والتي كانت الأساس لحروبهم الدينية، وإبادة شعوب برمتها، واستعباد شعوب أخرى. ومتناسين كذلك محاكم التفتيش والكنائس التي ازدانت بفخر بآلاف من جماجم معارضيها، كتلك الكنيسة التي لا تزال قائمة في التشيك إلى يومنا هذا مزخرفة بأربعين ألف هيكل عظمي. وأن أكثر الحروب دموية وهمجية على مر التاريخ، وحتى في زمننا الحالي، والتي أسفرت عن ملايين الضحايا، قد قامت بها دولهم لا دولنا الإسلامية. بما فيها إستيطانهم للأمريكيتين، وحربيهما العالميتين وحروب إستعمارهم للعالم الثالث، وكثير قبلها وبعدها. وكذلك سبقِهم وتفننهم بل وتفردهم في صناعة الأسلحة ووسائل الدمار الشامل.
لقد أصبح الإعلام من القوة والهيمنة بحيث يمحو من الذاكرة الجماعية كل هذه الملايين من الضحايا، ويركز على مئات هنا وعشرات هناك وآحاد هنالك. وحتى أحداث ١١ سبتمبر على تفردها من حيث الضخامة العددية بين العمليات الإرهابية المرتبطة بالمسلمين (هذا على فرض أن مخططيها بل وحتى منفيذيها كانوا من المسلمين فعلاً) فإن عدد ضحاياها قد بلغ ٢٨٢٣ مدنياً فقط. بينما بلغ عدد الضحايا المدنيين للحرب التي شنتها الولايات المتحدة بسببها على أفغانستان وباكستان والعراق، في العشر سنوات الأولى فقط، إلى ١.٣ مليون قتيل على الأقل، ويمكن أن يكون مليوني نسمة. وذلك بناءً على تقرير من ٩٧ صفحة من قبل أطباء حاصلين على جائزة نوبل للسلام، أصدرته منظمة "أطباء من أجل المسئولية الاجتماعية" في واشنطن، منتقدةً التلاعب والتزوير الذي اختصر هذا الرقم إلى عدة مئات من الآلاف فحسب. ووفقاً لتقرير آخر أصدرته "جامعة شمال كارولاينا" عام ٢٠١٤، فإنه منذ الحادي عشر من سبتمبر حتى موعد إجراء الدراسة (حوالي ١٣ سنة) كان عدد القتلى بأمريكا في عمليات إرهابية ارتبطت بمسلمين ٣٧ شخصاً فقط، بينما قُتل في نفس الفترة الزمنية ما يقرب من ١٩٠ ألف شخص في عمليات وحوادث إرهابية ارتبطت بغير مسلمين. وهناك تقرير آخر صادر عن "اليوروبول" وهو أعلى مؤسسة أمنية أوروبية، استند إلى سجلات الـ "أف.بي.آي" (مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي) بَين أن ٦٪ فقط من الهجمات الإرهابية داخل الولايات المتحدة من سنة ١٩٨٠إلى سنة ٢٠٠٥ نُفذت بأيدي إسلاميين متطرفين، أما الـ٩٤٪ الباقية من الهجمات فقد نفذتها مجموعات أخرى؛ فـ٢٤٪ نفذتها مجموعات من أميركا اللاتينية، و٢٤٪ نفذتها مجموعات يسارية، و٧٪ نفذها يهود متطرفون، و٥٪ نفذها شيوعيون، و١٦٪ نفذتها جميع المجموعات الأخرى. كما أن نسبة الهجمات الإرهابية في أوربا التي يمكن أن تنسب إلى إسلاميين كانت ٠.٤٪ بينما ٩٩.٦٪ نفذتها مجموعات غير إسلامية، منها مجموعات انفصالية لا صلة لها بالإسلام إطلاقا بنسبة ٨٤.٨٪ والنسبة الباقية قامت بها المجموعات اليسارية. وكما هي العادة فمثل هذه التقارير تُنشر لمرة واحدة فقط، ثم يُعتم عليها إعلامياً إلى الأبد، وبعد ذلك تأتي حادثة كهجوم" شارلي ابيدو" (والذي بالمناسبة تحوم الشكوك أيضاً حول منفذيه، وأخطاء غبية قادت إلى اكتشافهم بعد كل هذا التخطيط، ومقتلهم قبل التحقيق معهم) فتقوم قيامة الدنيا لمقتل إثني عشر شخصاً. وستستضيف وسائل الإعلام خبيراً تلو آخر ليُعلم الناس كيف يمكن أن يوقفوا المسلمين عن قتل المزيد منهم، بالرغم من أن أياً منهم أقرب إلى الموت بواسطة ثلاجة تسقط على رأسه من أن يُقتل بواسطة إرهابي مسلم، حسب تعبير الكاتب السياسي الأمريكي "دين عبيد الله". إنه الاستغباء بعينه.
في الماضي قيل أنه من الممكن خداع بعض الناس لبعض الوقت، ولكن من المستحيل خداع كل الناس لكل الوقت. في عصرنا الحالي نُقضت هذه المقولة من أساسها بواسطة المتحكمين بـ"صناعة الكذب" وآلتهم الإعلامية الضخمة التي تستطيع التعتيم على بعض الأمور وتسليط الضوء على أمور أخرى، توجيه العامة نحو مزاج بعينه وصرف أنظارهم عن أمزجة أخرى، تضخيم حوادث معينة وتقزيم حوادث أخرى، بل ونشر أكاذيب من المستحيل تصديقها في الأحوال العادية، ثم مناقشتها من كافة الجوانب وتحليلها وتكرار ذلك ليلاً نهاراً وبصور إعلامية متعددة بما فيها وسائل الترفيه والتسلية، حتى تصبح من المسلمات، أو على الأقل أمراً واقعاً. ولكن هل تسلُط الإعلام في عصرنا الحالي يقتصر على هذا المجال فحسب؟
سهولة انتشار الأفكار المضلة
اختار الله - سبحانه وتعالى - العرب لينزلَ عليهم رسالته الأخيرة؛ لأنهم كانوا أصفى الناس فطرة آنذاك، ولم يتلوث فكرهم بالفلسفة وعلم الكلام، ولم يكونوا من أهل الجدل عموماً، فوقر الإسلام في قلوبهم وملأها دون منازع، وطغت مبادئه في نفوسهم على أهوائها. فاستحقوا بذلك أمانة نشره والذود عن حياضه. وقد قام السلف بهذه المهمة خير قيام، ولولا أن كان ذلك حال القرون (الأجيال) الثلاثة الأولى في شريعة خاتم النبيين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، لما ترسخت جذورها لتبقى إلى يوم القيامة، ولربما داخَلها ما داخل شريعتي موسى وعيسى عليهما السلام منذ البداية.
ومع اتساع الفتوحات الإسلامية واحتكاك المسلمين احتكاكاً مباشراً بأهل الحضارات الأخرى، بدأت منذ الربع الأخير من القرن الثاني للهجرة (الثامن الميلادي) حركة ترجمة علومهم من اليونانية أو السريانية إلى العربية؛ بحيث شملت مجالاتٍ حيويةً مثل علم الطب والفلك والرياضيات والطبيعيات وغيرها من العلوم التي أنقذوها من براثن الكنيسة المعادية للعلم، وطوروها وأبدعوا فيها لتصل للأجيال اللاحقة. ولكن هل انحصر ذلك في مجال العلوم النافعة فحسب؟ كلا للأسف!
ونضرب مثالاً هنا ما حصل عندما انتصر المأمون على تيوفيل ملك الروم سنة ٢١٥هـ/ ٨٣١م. فقد وصله أن اليونان كانوا قد حظروا كتب الفلسفة وألقوا بها في السراديب عندما انتشرت النصرانية في بلادهم، فطلب من تيوفيل أن يعطيه هذه الكتب مكان الغرامة التي كان قد فرضها عليه، وبالطبع قبل تيوفيل بذلك وعدَّه كسباً كبيراً.
أمَّا المأمون فعدَّ ذلك نعمة عظيمة عليه، بينما كانت في الواقع نقمة كبيرةً على المسلمين؛ إذ تسببت تلك الكتب في إشغالهم بالجدل بصفات الله تعالى وغيره مما لا طائل وراءه، بل أدخلت في الإسلام عقائد شركية لم تكن في أسلافهم كعقيدة الحلول والاتحاد، ووحدة الوجود، والعقول العشرة، وغيرها. ودخلت الأفكار التي قدست العقل وقدمته على النقل، وجعلته مُشرِّعاً يحكم على النص، فينقضه أو يؤوله. ونشأت بسبب ذلك اعتقادات تخالف اعتقادات عامة المسلمين، وجمهور علمائهم المعروفين بأهل الحديث. صحيح أن هناك أحاديث كثيرة في مدح العقل والتنويه بشرفه... أما جعله حاكماً على الشرع مقدَّماً عليه فهذا أساس الوبال والوباء الذي دخل على هذه الأمة. وفي هذا قال الإمام الشافعي - رحمه الله -: إنما فسد العرب لما تركوا الفطرة واتبعوا منطق أرسطو طاليس.
ومع ذلك ظل الخطر محدوداً ولم تنتشر مثل هذه الأفكار إلا بين قلة لا يُعتَد بها، ولم يتأثر بها إلا اللاهث وراءها، لِمَا تتطلبه من جهد وبحث للوصول إليها. ولم يتسع نطاق انتشارها إلا نادراً؛ عندما كان يتبناها بعض الخلفاء ويفرضوها على العامة لشَغْلهم عن القضايا السياسية ومحاسبة الحكام، أو لأنها تنتمي إلى مذهب أكثر انفلاتاً من عقال الشرع، ويبيح لهم بعض المحظورات. كما حصل - مثلاً - في بدعة خلق القرآن التي شغلت عقول العامة والخاصة نحو خمس عشرة سنة (٢١٨ - ٢٣٢هـ/ ٨٣٣ - ٨٤٧م) بسبب ميل المأمون إليها وإلى فكر المعتزلة الفاسد، واضطهاده المعارضين لهما.
أما اليوم ومع حرية الإعلام المنفلتة من أي ضابط، ومع انتشاره غير المسبوق في أي عصر، فلم تعد تلك الأفكار الهدامة تتطلب عظيم جهد للوصول إليها، ولا إلى ملك متهم العقيدة لفرضها واضطهاد معارضيها؛ بل أصبح الأمر لا يتطلب أكثر من سهرة على التلفاز لمشاهدة مسلسل أو برنامج حواري أو فلم وثائقي، أو "كبسة زر" على محرك غوغل للبحث في حاسبك الآلي عن ذلك الذي سمعت عنه، أو حتى تقليب منشورات وسائل التواصل الاجتماعي ومقاطع اليوتيوب على الموبايل الذي تحمله في جيبك. وعندها لن تصلك تلك الأفكار الهدامة فحسب، بل مع تفسيرات مضلة للقرآن ما أنزل الله بها من سلطان، وتشكيك بالحديث والسنة، وبالتاريخ الإسلامي وبكبار الصحابة وبأمهات المؤمنين وغيرها من الأمور التي تحالف فيها أعداء وأدعياء هذه الأمة لتشتيت جمعها، وتفتيت أوصالها، وتهوين شأنها. فأدخلوا فيها ما أفسد كثيراً من الحقائق، وقلب كثيراً من الموازين، وأقاموا تاريخاً يوافق أهواءهم وأغراضهم، ويخدم مآربهم، ويحقق ما يصبون إليه. ولكن هل يكفي كل هذا لإضعاف المسلمين إلى هذه الدرجة التي نشهدها حالياً؟ كلا. فيجب تخديرهم وسلب إرادتهم أولاً لتقبُّل مثل هذه الأفكار (بل الجري وراءها) لتسهيل انفلاتهم مما صار يُعد قيوداً شرعية لا لزوم لها. وهنا أيضاً يلعب الإعلام دوراً لا يقل خطورةً عن الأدوار التي اضطلع بها في المجالين السابقين أعلاه.
شيوع الفاحشة:
كانت أول فتنة الشيطان لآدم وحواء هو نزعه عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما، وكان هذا دأبه دائماً، وأكثر ما ساعده في احتناك (الأخذ من العنق) ذريتهما (أي سوقهم سوق البهائم). ولطالما كان هذا الأسلوب ناجعاً، وساهم في بداية انحطاط الكثير من الشرائع، مثل ما حصل مع بني إسرائيل الذين كانت أول فتنتهم في النساء، وفي انهيار الكثير من الحضارات، مثل ما حصل بالحضارة الرومانية مثلاً. ولكنه كان في شريعة محمد عليه الصلاة والسلام، وفي الحضارة الإسلامية محدود التأثير إلى أبعد مدى ممكن. وذلك لقوة التشديد على الجانب الأخلاقي في مصادر التشريع، وسنها للحدود الرادعة، وما نشأ عن ذلك كله من ترسيخ قيم العفاف والحشمة في الوجدان العام للمسلمين، وعدم مغامرة حكامهم المتعاقبين، مهما بلغ فساد بعضهم، بإباحة انتهاك تلك القيم. وظلت المجتمعات الإسلامية على مر العصور، وحتى في أكثر فتراتها ضعفاً، هي الأكثر محافظة في هذا المجال مقارنة ببقية المجتمعات الأخرى.
ولكن هذا بدأ بالتغير في عصرنا الحالي مع ترويج وسائل الإعلام لمختلف صور "الفن" وانتشار السفور على شاشاتنا. وبدأت الرقابة تتساهل شيئاً فشيئاً حتى أصبحت مشاهد العري الجزئي غير مستهجنة في المزاج لعام، وأصبح الوصول إلى أكثر من ذلك بمنتهى السهولة عبر القنوات الفضائية الأجنبية الموجودة في كل بيت - تقريباً - من بيوت المسلمين، ومنها ما هي مجانية في منطقتنا، بينما يتطلب استقبالها دفع اشتراكات معينة في المناطق الأخرى. وحتى تلك التي تتطلب اشتراكات لاستقبالها في منطقتنا، فعادةً ما تكون أرخص بكثير من الاشتراكات في بقية بلاد العالم بما فيها البلد الأم. بل أصبح الأمر أكثر سهولة عن طريق المواقع الإباحية على الشبكة العنكبوتية، ومهما تفانت الدول الإسلامية في حجب تلك المواقع، تبقى قاصرةً عن تتبعها كلها. فـ ٣٧٪ على الأقل من المواد المعروضة على الشبكة العنكبوتية هي مواد إباحية، وذلك بناء على تقرير صادر في شهر يونيو ٢٠١٠م عن شركة "Optenet" لتصنيف مواقع الإنترنت. وتزداد هذه المواقع باستمرار، فمن الولايات المتحدة الأمريكية وحدَها يصدر في كل ٣٩ دقيقة مادة إباحية جديدة. وحتى لو افترضنا جدلاً نجاح دولة إسلامية بحجب كافة هذه المواقع أولاً بأول، فأي منها لم تنجح - رغم محاولات عديدة جادة - بحجب وسائل التواصل الاجتماعي كالتويتر والفيس بوك وغيرهما، وهي تزخر بموادَّ إباحية بعيدة عن الرقابة تماماً، وذلك للمكان الذي باتت تحتله تلك الوسائل بين الناس؛ بحيث يستحيل الاستغناء عنها، حتى لم يعد يرى غالبية الآباء المسلمين حرجاً في اشتراك أبنائهم فيها.
إن أياً من تلك المجالات الثلاث التي استعرضناها في هذا المقال لم تكن وليدة هذا العصر، ولكنها بالتأكيد لم تكن لتحظى بمثل هذا الشيوع الذي نشهده حالياً لولا الإعلام وتطور وسائله وانتشارها في عصرنا الحالي. وللأسف الشديد لم يعد من الممكن إيقافها بعد أن تسلطت على قلوب وعقول العالمين، بل أصبحت من مستلزمات الحياة التي لا غنى عنها. لكن الجانب المشرق الوحيد وسط كل هذه الظلمات أن وسائل الإعلام تلك، وإن تحكم بها أعداء الإسلام، فهي مع اتساعها المستمر لم تعد حكراً عليهم، وتجري الجهود حثيثة في مداواة جروحها بالتي كانت هي الداءُ، وقلب السحر على الساحر عن طريق استخدام أدواتها ذاتها في رد الشبهات وكشف زيف الباطل وتبيان الحق وحتى الدعوة إلى الله. وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.