حصار صنعاء بين عهدين !!
القارئ
لصفحات التاريخ اليمني في الغابر والحاضر يجد أن الخريطة الطائفية كانت حاضرة فيه
بشكل واضح وملفت، ويدرك كُبَّار المؤامرة التي تستهدف الفطرة والعقيدة والمبادئ
والقيم التي اتسم بها أهل اليمن السعيد، بل أعظم من ذلك إلباس الطائفية والمذهبية
العنصرية لباس التقوى والدين الصحيح، وحصر الناس والتشديد عليهم وإلزامهم مدرسة
واحدة في الحكم والقضاء، ومراقبة أي فكرة تدعو للحرية أو المطالبة بالعدالة وحق
العيش الكريم، حتى وصل الأمر إلى مجاوزة ذلك والقيام بحركات الرهبان والأحبار
وأتباعهم بين يدي السيد الوالي، فالوالي هو الإله الذي يخاف ويرجى غير أن
القلوب تعتصم بغيره، وامتد هذا الحال باليمنيين حقبة زمنية طويلة، حتى أصبح هذا
الموروث التاريخي الأسود المنبوذ زادا للطائفية وأصحابها، فكلما تذكر هواة الإمامة
والسلطنة من الحوثيين والمذهبيين العنصريين ذلك زادت نشوتهم للغلبة والانتصار على
إرادة الشعب الحر، وهذا ما يصفه البعض بالبعد التأريخي المحرك للوجدان الحوثي
بتحولاته، سيما التاريخ الشيعي المتطرف في اليمن) ولعل المحاولات المتكررة لإسقاط
الحكم الجمهوري دليل واضح على هيمنة الفكرة التأريخية لدى شيعة اليمن
المتطرفة، الحوثيون!
حصار
السبعين !
في
عام ١٩٦٢ كانت ثورة ٢٦ سبتمبر، الثورة التي أطاحت بعرش الحاكم المسعور، وكهنوت
الظالم الإمامي، فقد استطاع اليمنيون في ذلك التأريخ المجيد أن يقولوا للظالم آن
لنا أن ننتصر لأنفسنا، وأن نخلع سياط الذل عن كرامتنا، وبالفعل .. فما هي إلا أيام
قلائل حتى غدت الإمامة بآلياتها وعتادها وغطرستها وجبروتها في خبر كان وأخواتها،
وأصبح اليمنيون يستنشقون عبير الحرية من روض أخضر كبير اسمه ( اليمن )وعاد
اليمنيون يرتلون ( إن الحكم إلا لله )بعد أن اندرست هذه الكلمات وغطي عليها بخيوط
الظلام العائلي، وأصبح الدستور الإمامي سياطا محرقة في ظهور أصحابه، والجزاء من
جنس العمل .!
لم
يكن الخسار والنكال الذي حل بالإمامة وقوادها حديثا ماجنا تذوب معه مشاعرهم، بل
كان حديثا صاخبا تملأه الحرقة والتأوه والحسرة والندامة، وفي كل لحظة يذكرون فيها
لحظات الإنهيار والتقهقر يقومون بعمل الخطط الجادة لاستعادة مافات ولن يعود، ولا
شك أن الأيادي الخارجية كانت تقوم بالدعم اللوجستي لقوى الإمامة، إلا أن إرادة
الله خيبة تلك الآمال، وإرادة الشعب صنعت من الموت الحياة والعزة .!
وفي
تأريخ ٢٨ نوفمبر ١٩٦٧ م و حتى ٧ فبراير ١٩٦٨م، قامت القوات الملكية بضرب
حصار غاشم وخانق على صنعاء ولمدة سبعين يوما، وقبل ذلك كانت هناك عدة مفاوضات
ومؤتمرات للحوار والخروج بأقل الخسائر الممكنة، كما هو الحال اليوم مع قوات الحوثي
الإمامية المحاصرة للعزيزة صنعاء، إلا أن تعاطف بعض الدول مع الإماميين الملكيين
جعلهم يستعيبون الحوار والوقوف أمام الآخر للتحاور والتخلص من العنف وإزهاق
الأرواح بغير حق " فقاموا بالهجوم على العاصمة صنعاء، و سكت الجانب المنادي
بالحوار والتفاوض في الصف الجمهوري حينها، وأصبح رأي الجميع واحداً، ورفع شعار
(الجمهورية أو الموت)، ولم يبقى أمام المدافعين عن صنعاء خيار غير إسناد ظهورهم
إلى الحائط، والصمود والوقوف وقفة رجل واحد أمام هذا المارد المتغطرس، وأظهر
الجمهوريون تماسكاً شكل منعطفاً تاريخياً، بالإضافة إلى أن السياسة الخارجية
للجمهوريين كانت صادقة مع الخارج، وبهذا اتسمت السياستان الداخلية والخارجية
بتناغم أدى إلى تغيير آراء الحكومات الخارجية ومواقفها من الجمهوريين، وبدأت بعض
الدول التعاطف معهم، و جاء هذا التغيير بعد أن يئس البعض من استمرار النظام
الجمهوري، و ولكن الصمود كذب كل ظن، ولا يعني ذلك أن النظام الجمهوري كان إسلاميا
صرفا، لا، فمع كل المساوئ الموجدة فيه إلا أنه أتاح للناس بشتى مشاربهم أن يمارسوا
حرياتهم وطقوسهم أفضل مما كانت عليه، !
وعادت
الأغلال يا صنعاء !
ما إن
نبذ اليمنيون الإمامة وكهنوتها الداعي إليها حتى وجدت لها حبال وصل جديدة تمدها
بالطاقة والحيوية من جديد، فعادت بوجه دموي جديد، ومسمى طائفي جديد، وأصبحت
جاهزيتها مرتفعة، ومعنوياتها أبلغ مما كانت عليه، حتى الشعارات اليوم لها صدى آخر،
ويدلعونا ( الصرخة !
عاودت
الإمامة الكرة في حصار صنعاء ، وقبل القيام بذلك مارس الإماميون سلسلة حصارات
غاشمة صد أبناء السنة في صعدة وحجة والجوف وعمران، وكان ذلك كدربة تجريبية قبل
المجيئ إلى صنعاء، وقد كان حصار دماج وعمران هو الحصار الأعلى نسبة في عدد القتلى
والجرحى، فعلى سبيل المثال في دماج بلغ عدد القتلى والجرحى ٨٣٠ كما جاءعلى لسان
يحي منصور أبو اصبع رئيس لجنة الوساطة الرئاسية في دماج، أما في عمران فقد انتهك
الحوثيون حرمة الدولة، وحاصروا اللواء ٣١٠ والعميد حميد القشيبي قائد اللواء،
وانتهى الحصار بسقوط اللواء ٣١٠ وفقد القائد حميد القشيبي رحمه الله ومن كان معه،
وقد كان أحد القادة العظام الذي عرفهم اليمنيون حماة للدين والعرض والوطن .!
واليوم
وصل الحوثيون صنعاء بعددهم وعتادهم، وخيم الظلام على ربوع صنعاء، وطوقت أضلاعها
الأربعة بخنادق الإمامة ومتارسها، وأصبح مطارها مهبطا للخوف والهلع لدى المقبلين
عليها، وكل هذا في ظل صمت رهيب من الحكومة ووزيز الدفاع الذي يدعو لحيادية الجيش
وعدم الإنجرار للحروب الطائفية كما يسميها .!
الروابط
والدوافع بين الحصارين .!
هناك
روابط كثيرة ومتقاربة كما يظهر بين الحصارين، ولعل من أبرز الروابط التي تجمع
الحصارين :إن كلا الحصارين جاءا بعد ثورة،لأن الطابع الثوري في الغالب تعمه الفوضى
وعدم الترتيب والترقب لمستقبل الأمور وأخذ المحاذير بعين الإعتبار، والفئات
الطائفية لا يخلو لها الجو إلا في مثل هذا الأجواء الصاخبة والغير واضحة .!
أما
الدوافع فلعل أبرز مافي الحصار السبعيني :
-
إسقاط النظام الجمهوري .
-
الحمية والمذهبية الطائفية .
وفي
حصار صنعاء اليوم يتجلى هذين الدافعين بوضوح، ولكن هناك دوافع أخرى دقيقة ووجيهة
أكد عليها الأستاذ الباحث اليمني آدم الجماعي نجملها في الآتي :
-
شهوة التوسع الحوثي في ظل الضعف السياسي، بعد سقوط عمران - كما أسلفنا - و تحت
شعار إسقاط الحكومة والجرعة.
-
الرهان على مطالب سياسية لم تتوفر له في مؤتمر الحوار.
-
إسقاط النظام برمته والذي يترتب عليه إجهاض مشروع الانتقال السياسي بكل ملفاته
السياسية التي خرج بها مؤتمر الحوار، ومنها: الوحدة، والأقلمة، ونزع
السلاح...وغيرها.
الورقة
الشيعية في الحصار اﻷول والثاني .!
-
ورقة التشيع في الحصار اﻷول كانت تلعب في دور الاستعادة لنظام اﻹمامة ببيعة اﻹمام
البدر، وإخضاع صنعاء له، وطرد الجمهوريين منها، لكنها بائت بالفشل، وبها
انتهت الإمامة ..
-
ورقة التشيع اليوم تلعب دورا سياسيا آخر بتوسيع سلطة الحوثية المزدوجة بسياسة
اﻹمبريالية والثيوقراطية، على مستوى اﻷرض والسلطة، وهذا ما يتنافى مع الخلفية
الفكرية الحوثية، والنزعة الدينية الشيعية، والبعد التأريخي المستحضر لديها .!
*
البعد السياسي:
هناك
دافعية سياسية مكنت الحوثي للوصول إلى صنعاء، وهي التسهيلات الثورية التي سوغت
للحوثي أن يكون مكونا سياسيا معها، وفي حينها أسقط محافظة صعدة باسم الثورة!!
ومما
أضفى عليه المشروعية الوطنية هو:
إدراج
الحوثي كعضو سياسي له ممثليه في مؤتمر الحوار، فهذه المرحلة أخرجت الحوثي من
كهوف مران، وسحبته إلى صنعاء، وألغت عنه جرائم الحرب، وصنعت منه سياسيا
منافسا، وهذا الذي طوره من نظام ميليشيا مذهبية فكرية محصورة في صعده.. إلى
نظام حركة سياسية شيعية على مستوى اليمن!
العوامل
المساعدة على حصار صنعاء .!
لعل
من أهم العوامل التي ساعدت الحوثي على حصار صنعاء العامل السياسي، ومن أبرز
صوره :
-
توفر التجربة الشيعية لحزب الله في حصار بيروت، واستنساخ مشروعها،
-
توفر الذرائع والتسهيلات السياسية والعسكرية من بعض اﻷطراف والقوى السياسية
التي تقف مع الحوثي في خندق عدائي مشترك.
والتي
لا يتطلب من الحوثي شيئا غير نزع فتيل الحروب في كل اتجاه تحت أي ذريعة مذهبية أو
سياسية أو قبلية..
-
الدور السياسي الغامض والضعيف أمام الحروب الحوثية المصطنعة، والذي سمح له
باستعراض القوة واستخدامها.
-
وجود عناصر حوثية في الجيش واﻷمن تلعب بدورها لزعزعة الولاء العسكري..
-
الحوثي استطاع أن يجمع خيوط القوى الشمالية باسم: الزيدية، والهاشمية، ومناهضي
الثورة.
*
البعد العسكري:
الميليشيا
قوة متوفرة بيد الحوثي، يضرب بها خصومه بقوة، ويلوح بها أحيانا في وجه الجيش ورأس
النظام، وأثبت على اﻷرض أنه يمتلك طابورا خامسا داخل الجيش اليمني، حتى قرارات
التعيينات العسكرية خدمته كثيرا بتأخير رموز عسكرية كانت تقف أمام جموحه العسكري.
وقدمت
رموزا أخرى تتسم بالمهادنة معه.
أضف
إلى ذلك سقوط قوة اللواء 310 الذي كان يعد المخزون العسكري للحروب الستة في صعدة.
وهو ما أثار الكثير من الشكوك في مؤامرات مدروسة، ومخططات خطيرة، وهنا فتح
الحوثيون أمام النظام فجوة سياسية كبيرة ما كان للنظام اليمني أن يسدها، ﻷنها
اليوم وقفت بوضوح أمام التمدد العسكري للحوثيين بعد أن كانت تنظر إليها بأنها
صراعات أهلية وقبلية ومذهبية! فأصبحت ترى نفسها أمام خيارات صعبة، ولم تكن
وسيطا بين أطراف متقاتلة، بل صارت طرفا يرسل وفوده إلى صعدة للتفاوض مع الحوثي
تارة، وتارة أخرى تتبادل الخطابات السياسية مع القوة الحوثية تهديدا ووعيدا
وتصعيدا، وأصبح النظام اليمني ينتظر الصوت اﻷممي والدولي المنحاز له أمام
الخط اﻷحمر -صنعاء-. كما تقول خطابات الرئيس اليمني.
تصريحات
وبيان مجلس اﻷمن لم تكن كافية للنظام اليمني، ولا مقنعة لباقي القوى السياسية
والوطنية المناهزة للتمرد الحوثي، ﻷن مجلس اﻷمن سيظل يعبر عن مواقفه تجاه اليمن
بكاملها والحوثي جزء منه، خصوصا بعد التقارب الأمريكي الإيراني، وليس من مصلحة
أمريكا إعاقة المشاريع الإيرانية في العالم العربي والإسلامي، ولعل مجلس اﻷمن
سيلعب بورقة البند السابع أيضا، لكنه يعرف في حق من يستخدمه، والوقت المناسب
لاستخدامه، ومجلس اﻷمن لن يعبر عن النظام اليمني، وإنما عن المصلحة التي
تخدمه في اليمن والمنطقة عموما .
استراتيجية
الإنقاذ .!
لعل
المرحلة التي يمر بها اليمن هي المرحلة الأشد في تأريخ اليمن المعاصر ، إذ أن
التحديات والصعوبات التي يوجهها كثيرة وكبيرة، والمفترض أن تكون هناك استراتيجية
لإنقاذ اليمن من الوضع الذي وصل إليه، وبالأخص ما يجري اليوم حول العاصمة صنعاء وداخلها،
ولعلي هنا أدلي ببعض الحلول التي قد تكون في تصوري سببا في إنقاذ الوضع هناك :
-
أولا : لابد من مواصلة الإصطفاف الوطني بشتى مذاهبه وتوجهاته السياسية والثقافية،
دون تمييز أو تشخيص، فالوطن ملك الجميع، ولاينبغي أن يكون الوطن محل للنزاع،
وموطنا للمماحكات السياسية والحزبية، وتقديم التنازلات في سبيل الحفاظ على مقدارت
الوطن أمر فطري وإنساني الجميع يتفق عليه .
-
ثانيا : ترتيب مرافق الجيش وإعادة الهيكلة بعد الخلخلة السابقة التي حصلت في مطلع
حكومة الوفاق، والذي جاء ت بمقتضى المبادرة الخليجية في سبيل الإنتقال إلى
دولة جديدة تحفظ للجميع حقوقهم .
-
ثالثا : التحقيق مع كل منتسبي الجيش الذين ثبت أن لهم انتماءات مشبوهة بجهات تعمل
ضد الوطن، لأن الجيش الذي يحمي فرد، أوحزب، أو جماعة، أو طائفة، جيش يعمل خارج
المحدودية الوطنية، ولأن هذه الولاءات سبب رئيسي في ماهو حاصل اليوم في صنعاء
والجوف وغيرها، بل هو سبب كلي للإنهيار الأمني داخل الجمهورية .
رابعا:
صياغة دستور جديد يلبي مطالب الشعب وفق هويته الدينية والمحافظة عليه، ودون ممانعة
من الاستفادة من تجارب البشر في ذلك .
خامسا
: تجريم كل من يملك السلاح الثقيل، وتقديمه للعالم كمجرم حرب، وقد نصت بنود مخرجات
الحوار على سحب السلاح ولم تجرم الرافضين لذلك، وهذا ما جعل الحوثي يتمادى في غيه
وطيشه، واستطاع أن يتخلص من كل مخرجات الحوار بحادثة المضحى به أحمد شرف
الدين ( ممثل الحوثي في الحوار ) وانسحب في آخر جلسة دون أن يوقع على بنود مخرجات
الحوار .
سادسا
: إنشاء محاكم استثنائية لمحاسبة المتواطئين مع الحوثي ومن على شاكلته، والضرب بيد
من حديد على المتلاعبين في قضايا الوطن، واستخدام كل الوسائل المتاحة لحماية الوطن
والمواطن .
-
مقاطعة الدول الداعمة لقوى الشر داخل اليمن، وفي ظني لو قوطعت تلك الدول لانقطع
البلاء، لكن للأسف الموقف الرسمي يراهن على سلامة الوطن دون تلك المقاطعة.