الوضع السياسي المضطرب في العراق
يبدو أن مشاكل الحكومة العراقية لا تنتهي، فما
أن تنتهي أزمة حتى تنفجر أخرى، وهذا ما اعتاده العراقيون خاصة بعد تشكيل حكومة
نوري المالكي الأخيرة الذي اعتاد على إقصاء الخصوم والتعامل بطائفية مع العراقيين
من المكونات الأخرى. فبعد استهداف رموز حكومية وبرلمانية سنية بدءا بالدكتور عدنان
الدليمي ومحمد الدايني مرورا بنائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي، وما أن حلّ اليوم
العشرون من كانون أول 2012 حتى قام المالكي باعتقال حماية الوزير السني رافع
العيساوي واتهامه بالإرهاب.
ومنذ تلك الفترة ولم يتوقف الحراك السني عن
النداء بمطالبه، وكل يوم تكيد له بمكيدة إلى أن ادعت أن ساحات الاعتصام هي قواعد
انطلاق لعمليات الإرهابيين، فبدأت بساحة اعتصام الحويجة في كركوك حيث قتلت وأصابت
الكثير من المعتصمين ولم ترتوِ من دماء أهل السنة حيث كررت فعلتها الشنيعة في ساحة
الفلوجة .واستمرت الحكومة في مراوغاتها وأكاذيبها في محاولة لتفريق المعتصمين
وضربهم وتجاهل مطالبهم.
وبعد أن فشلت محاولاتها تلك شنت هجوما شاملاً
على صحراءِ الأنبار لمقاتلة "داعش" في وادي حوران وانتهت العملية بمقتل
قائد عمليات الأنبار محمد الكروي في عملية
لا يستبعد تدبير الحكومة لها؛ لكسب معركة سياسية جديدة وهي محاربة
"داعش" واتخاذ مناطق غرب
الأنبار هدفا لمطاردة مسلحين يتمركزون هناك كما أشيع، ولكن الهدف لم يكن هؤلاء ،
إذ تم اتخاذهم وسيلة لاستهداف الأنبار، والقيام بشن الحرب عليها، لتكون مدخلا
لذريعة مقبولة لمواجهة دخول مسلحين إلى مدينة الرمادي، وبالتالي خلق ذريعة التدخل
العسكري وإعلان حالة الحرب، دون أن يعرف الكثيرون أن الجماعات المسلحة تم إعدادها
خلال فترة العمليات العسكرية غرب الانبار، وتهيئتهم للدخول بعد يومين أو ثلاثة من
عملياتهم غرب الأنبار التي تم الإعلان عن نهايتها والقضاء على المسلحين في وقتها
وما رافقها من عمليات تصوير مدبلجة عن معارك سابقة للأمريكان.
ولم ينته الأمر عند هذا الحد حيث إن القوات
التي ذهبت لمقاتلة "الارهاب" على حد وصفهم اتجهت صوب منزل "النائب أحمد
العلواني" فقتلت أخاه واعتقلته خرقا للدستور الذي وضعوه لأن الدكتور العلواني
يمتلك حصانة برلمانية، فلم يرق هذا الأمر لعشائر الأنبار التي وجدت فيه ضربا
لكرامتها واستهانة بها فحملت السلاح حفاظا على وحدة العراق لأن سياسة الحكومة
واضحة تنتهي إلى التقسيم من خلال ضرب مكونات الشعب العراقي بعضها ببعض فكان قتالهم
مع الحكومة ردا للصائل لا استعداء، وأعلنت الفصائل السنية المسلحة مع أبناء
العشائر قتالها ضد الحكومة الجائرة، حيث بدأت الحكومة حشد القوات العسكرية من جميع
محافظات الجنوب لزجها في معركة المواجهة مع أهل الانبار بدأت الحملة العسكرية
بتاريخ 5-12-2013 وبدأت المعارك والمضايقات،
وبدأ القصف على مدن الانبار والفلوجة واستهدف
جميع المرافق الصحية والخدمية وقتل حوالي 300 شهيد بين طفل وشيخ وشاب فضلاً عن
الجرحى الذين تقدر أعدادهم ب1200
جريح حسب إحصائيات دائرة صحة
الأنبار والحصيلة مستمرة.
أرادت الحكومة خلط الأوراق و إلصاق تهمة دعم
الإرهاب إلى أهل السنة في العراق لكسب تعاطف الشارع الشيعي أولا والرأي العام العالمي
ثانيا، لكنها واجهت مقاومة عنيفة وتكبدت خسائر فادحة فقد أعلنت أن الفرقة الذهبية
وحدها التي قوامها (450) جنديا قتل منهم (430) وفر الآخرون من المعركة ووصل عدد
القتلى في صفوف الجيش الحكومي إلى (1339
جنديا) وحرق (32 ناقلة زيل وتدمير ) (365 همرا) و(36دبابة) 30 دبابة منها برامز أمريكية
و6 روسية وإسقاط (9 طائرات) في الانبار فقط وقس على ذلك بقية القطاعات العسكرية،
وقد عامل العشائر أسرى المالكي معاملة حسنة فاستضافوهم وأرجعوهم إلى أهليهم عكس
القوات الحكومية التي تنكل بالجميع فلم يسلم منهم صغير ولا كبير طفلا كان أو امرأة،
وهجرت عوائل الأنبار من مناطقهم جراء القصف الجوي والمدفعي على الرمادي والفلوجة،
وأشار تقرير صدر مؤخرا عن المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة
إلى أن عدد النازحين داخليا وصل إلى ( 140,000 ) وفر نحو ( 65,000 ) شخصٍ من
منازلهم في الأسبوع الثالث من شهر يناير/كانون الثاني وحده، تحت وابل من القصف من
الجيش العراقي، وقد بدأت الخدمات من الإنترنت والكهرباء والماء بالانقطاع بتاريخ
14-2- 2014 حيث إن وسائل الحياة انقطعت عن المدينة وأصبحت
مدينة أشباح.
وقال بيتر كيسلر، المتحدث باسم المفوضية العليا
لشؤون اللاجئين: "العديد من المدنيين غير قادرين على مغادرة المناطق المتضررة
من النزاع والتي تعاني من نقص حاد في الغذاء والوقود".
وأضاف: "وتتحدث التقارير عن أن السكان لا
يجدون نقودا لشراء الغذاء وليست لديهم المستلزمات المناسبة للأحوال الجوية
الممطرة. الأطفال لا يذهبون إلى المدارس، والظروف الصحية غير ملائمة، ولاسيما
بالنسبة للسيدات".
وقال دلشاد عبد الله من إدارة وزارة الهجرة
والمهجرين في شمال العراق لموطني إن "مجموع العوائل التي نزحت من الرمادي
والفلوجة وتركزت في اربيل بلغ عددهم 629 عائلة وفي شقلاوة 1500 شخص وفي دهوك 51
عائلة وفي السليمانية 416 عائلة مع وجود أكثر من 317 عائلة متوزعة في نواحي وقرى
صغيرة .
ولم يستطع أهل الأنبار من الحصول على
احتياجاتهم الضرورية فقد شهدت المحافظة ارتفاعا غير مسبوق في أسعار السلع والبضائع والخضروات نتيجة الأحداث التي تشهدها
المحافظة.
ويرى مراقبون ومحللون أن ما جرى في الأنبار أو
المناطقِ السنية إنما هو دعاية رخيصة لحزب الدعوة (جناح المالكي) على حساب دماء
أهل السنة والجماعة.
ومن الواضح أن ما سُمى بالحرب المقدسة حسب ما
جاء على لسان المالكي وما قصده من وراءه هو لملمة المكون الشيعي ، فكان هدفه من
وراء هذه الحرب ضمان حصوله على ولاية ثالثة، رغم معارضة الكثير لتوليه المنصب
للمرة الثالثة، فهم يرون أنه أدخلهم في متاهات مع المكون السني ولم يرتضوا أن
يدخلوا في المواجهة مع ذلك المكون بهذه الطريقة.
فقد بدأ رئيس الوزراء حربه الانتخابية والفعلية
التي يحاول من خلالها الحصول على الولاية الثالثة من حكمه وقد فوجئ بالتصدي له من
قبل حلفائه الصدر والحكيم إلى جانب خصومه السياسيين، وكان المبرر لهذه المواقف في
وجه المالكي هو أن الصدر كان مؤمناً منذ فترة ليست بالقصيرة، ان المالكي إذا ما
يحصل على ولاية أخرى، فإن ذلك سيكون وبشكل واضح وجلي، على حساب مصالح الصدر
وأتباعه مستنداً في ذلك على التجربة التي مر بها الصدر من قبل وما حصل من إقصاء
لإتباعه وانفراد المالكي وحزبه بالمراكز الحساسة في الدولة . إضافة إلى عدم رغبة
الصدر بالخضوع الكامل للإرادة الإيرانية التي تحاول دفعه للوقوف إلى جانب المالكي
في حربه على الأنبار ضد العرب السنة. وما عملية الإنسحاب من الحياة السياسية التي
أعلنها الصدر إلا خطة تكتيكية ذكية للألتفاف على الإرادة الإيرانية التي تحاول إخضاعه
لمخططها الرامي إلى تأكيد استمرار الوضع السياسي في العراق على ما هو عليه . وهذه
الطريقة تمكن الصدر من الإفلات من الضغط والتهديد الإيراني، في الوقت ذاته من
استمرار أتباعه في العمل السياسي في الساحة العراقية وبنشاط تام .
ونرى ايضاً إن الحكيم الذي يناصب العداء
للمالكي هو الآخر، لم يقل شأناً عن الصدر إلا من حيث الأسلوب والسلاسة السياسية .
واعتقاده انه يتمتع في هذه المرحلة برصيد شعبي كبير يؤهله لأن يلعب دوراً أساسياً
في المرحلة القادمة.
وهو ما دفعه إلى التحرك باتجاه تحالفات جديدة،
ربما يكون الصدر أحد أعمدتها الأساسية في المرحلة الانتخابية القادمة .
تخبط المالكي وسياساته الرعناء لم تتوقف عند
هذا الحد، بل إنه وجه سهامه نحو السعودية وقطر ووصفهما بأعداء العراق والعراقيين
من خلال تمويلهم للإرهاب ضده.
وقد انتقد ائتلاف متحدون للإصلاح سياسة
المالكي بخصوص الانبار وقال : "إن أصل
المشكلة في الانبار وفي عموم وطننا هي مشكلة سياسية قبل أن تكون أمنية، وهي تتعلق
بكرامة المواطن المعبر عنها بالمطالب المشروعة للمعتصمين، الذين امضوا عاما كاملا
وهم ينادون بما يعيد لهم حقوقهم المهدورة، إضافة إلى إطلاق سراح النائب أحمد
العلواني " .
الأمريكيون تجاهلوا الحرب على الأنبار، وكانوا
يظهرون أنفسهم على أنهم مساندون لتوجهات الحكومة العراقية وداعمون لها بحجة (
مواجهة الإرهاب)، وعدوا العملية العسكرية داخلية ، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك
بتزويد الحكومة العراقية بصفقات تسليح سريعة لتسهيل مواصلة شن الحرب على الأنبار.
كما أن الاتحاد الأوربي لم يتدخل هو الآخر إن
لم يظهر مساندته الكاملة للحكومة العراقية في حربها على الأنبار رغم تعارض هذه
الحرب مع حقوق الإنسان والمواثيق الدولية وتشكل جرائم حرب تحيل مرتكبيها إلى محاكم
الحرب الجنائية الدولية.
وأكد النائب السابق لرئيس جمهورية العراق "طارق
الهاشمي" في تصريح له : " أن المالكي يستهدف السنة في محافظات مختلفة
باستخدام القوات المسلحة أو بإصدار أحكام بالإعدام بطريقة قال إنها لم تحدث من قبل
في تاريخ العراق الحديث وإن من حق الناس الدفاع عن أنفسهم بأي طريقة ممكنة"،مضيفاً
"إنه إذا فاز المالكي بولاية ثالثة في الانتخابات البرلمانية المقرر أن تجري
في 30 ابريل نيسان فسيكون كارثة " .
وقال: "إنه يعترض على المالكي لا لكونه
شيعيا بل بسبب سياساته. وأضاف أنه يسيطر على القرارات السياسية ويملك القوة
لتنفيذها ويسيطر أيضا على النظام القضائي بما يخل باستقلال" .
وفي تصريح أ.د. حسن البزاز أستاذ العلاقات
الدولية وإدارة الأزمات "لمجلة البيان " قال:إن الوضع السياسي العراقي
القائم يمر في حالة متردية لا يحسد الشعب العراقي عليها. فهي معقدة إلى الدرجة
التي تجعل من الصعوبة بمكان إيجاد الصورة الواضحة للإحداث وتوابعها .
وأشار إلى أن السياسة التي اعتاد عليها
المالكي من خلق الأزمات ومن ثم الخروج منها إلى أزمات أخرى أكثر انشطاراً وتعقيداً
جعل من الأمور ما لا يمكن التفكير بإيجاد القدرة على الحلول. لكن ذلك كله لا يعني
الابتعاد ومقاطعة العمل والسعي السياسي بكل السبل والوسائل.
وتابع البزار حديثه قائلا: في ظل هذه الأجواء
المتوترة والحرب الظالمة ضد أهلنا في الأنبار وغيرها من المشكلات التي يعيشها
المجتمع العراقي في غربه ووسطه وجنوبه، يجب أن يكون ذلك دافعا قويا للممارسة
والمشاركة والمساهمة في الفعل السياسي والعمل السياسي، خاصة فيما يخص الانتخابات
القادمة. حيث نرى أن هذه المرحلة ربما تكون فرصة ثمينة ومفتاح حقيقي لأخذ العراق
وأهله إلى جانب البدء بعملية الهدوء والبناء والاستقرار وهي غاية يريدها كل أبناء
العراق المخلصين.
و أضاف: الوضع السياسي في العراق ليس له معالم
واضحة في ظل حكومة طائفية تتعامل مع أبناء شعبها على أساس الانتماء الطائفي
والعرقي فأصبح العراق بسببها أسوأ مكان للعيش في العالم، فالفساد المستشري ونقص
الخدمات وانهيارها والصراعات الطائفية وغياب القانون هي أبرز ملامح حكومة المالكي
الحالية.